تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: سطوة الأفكار

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    12

    افتراضي سطوة الأفكار

    سطوة الأفكار .... وضرورة المراجعة الصادقة



    تبلغ بعض الأفكار الاجتهادية في درجة الاقتناع بها إلى أن تكون لها سطوة كبيرة وتأثيرا بالغا على ذهنية المتبني لها , وقد تصل هذه السطوة في بعض المظاهر إلى أن تكون هي المسيطرة على تفكير المرء والمتحكمة في توجهه ومنتجه العلمي , بينما يخيل إليه أنه هو الذي يتحكم فيها أو هو الذي يسيرها !
    وترجع هذه السطوة إلى أسباب عديدة , فهي إما أن تكون راجعة إلى جمال الفكرة وحسنها , وإما أن تكون راجعة إلى كونها تلبي حاجة اجتماعية أو علمية ملحة, وإما أن تكون راجعة إلى طبيعة العقل المتبني لها , وإما أن تكون راجعة إلى طبيعة التحولات الفكرية التي تعيشها الساحة , فكثير من الأفكار تجد لها رواجا في زمن التحولات والموضات .
    فهذه الأحوال تفتح الباب على مصراعيه للإعجاب ببعض الأفكار , وتجعل لها سطوة على ذهنية الشخص , وتصيرها المتحكمة في توجهه الفكري وطرحه العلمي , وتجعله خاضعا لها ومبليا لمتطلباتها وسائرا في مسارها من حيث لا يشعر .
    فبعض الأشخاص تسيطر عليه فكرة التجديد والإضافة فتجده يميل إلى كل ما يفوح منه ذلك المعنى , ولا يتوجه مؤشر علقه إلا إليه , ويتبنى أقوالا عديدة بحجة أنه منطلق من الدليل وهو في الحقيقة واقع تحت سطوة فكرة التجديد , وربما يغفل اعتبار معاني أخرى مما له تأثير في بناء الفكرة وتصحيحها , وربما يتكلف في تبرير رأي معين لأجل أنه واقف سير الفكرة التي سيطرت على عقله , وهو لا يشعر بذلك .
    وبعض الأشخاص تسيطر عليه فكرة الإبقاء على الأصل والمحافظة على المعهود , فتجده يميل إلى كل ما يوافق هذه الحالة , ويتبنى أقوالا عديدة بحجة أنه منطلق من الدليل وهو في حقيقة الأمر واقع تحت سطوة فكرة الإبقاء على الأصل , ويظل يتشكك في كل فكرة فيها خروج عن المعهود وانفصال عن المشهور بحجة الاحتياط والتدقيق , وهو لا يشعر أنه واقع تحت سطوة الأفكار , وربما يتكلف في تبرير رأي معين لأجل أنه وافق سير الفكرة التي سيطرت عليه وهو لا يشعر بذلك .
    وتجد بعض الأشخاص الذين أعجبوا بعالم أو مفكر يميلون إلى التسليم بأقواله والسير مع نَفَسه الفكري بحجة أنه قدم من الأدلة ما أقنعهم , ولو راجعوا أنفسهم بصدق لربما أدركوا أنهم واقعون تحت سطوة الأفكار وهم لم يشعروا بذلك .
    وفي المقابل تجد من أبغض شخصا أو انصرف قبله عنه يرد كل ما يصدر عنه ويقلل من أهمية ما يقرره , بحجة أنه لم يقدم من المبررات ما يقنعه بذلك , ولو راجع نفسه بصدق لربما أدرك أنه واقع تحت سطوة الأفكار وهو لم يشعر بذلك .
    ويتظاهر الإنسان في مواقف كثيرة بأنه لم يقتنع بالقول ولم يدعو إليه إلا بعد أن قتله بحثا وتفكيرا وتحليلا , وأنه استطاع بذلك أن يتجرد للفكرة نفسها , ولم يقع تحت تأثيرها , ولم يقصر في تحريرها , ولو حاول أن يجلس مع نفسه ويحاصرها بالأسئلة الجريئة والصادقة لربما توصل إلى أنه هو الذي وقع في شبكة سيطرة الأفكار , وأن الفكرة التي شعر بأنه المتحكم فيها هي التي تحكمت فيه سير ذهنه وطبيعة النتيجة التي توصل إليها .
    وهذه السطوة ليست من الأمور المتخيلة وإثبات تأثيرها بتلك الصورة ليس من المبالغة , فكم مرت بالإنسان من نماذج تكشفت فيها سطوة الأفكار على عقول كبيرة بشكل ظاهر , فكم خاض الإنسان من حوارات وكم قرأ من مقالات يظهر فيها المحاور والكاتب أنه اعتنق فكرته بناء على الدليل المقنع وأنه هو الذي يسيرها كيف يشاء , ولكن يتبدى للمراقب الحصيف أنه قابع تحت سطوة الفكرة وخاضع لنشوتها ومستسلم لرونقها وهو لا يشعر .
    وهذه السطوة من المداخل النفسية الخفية التي تحتاج من الشخص المخلص مع ربه والصادق مع نفسه والجاد في فكره وعمله أن يراجع نفسه في كل لحظة وفي كل حال , حتى يتحقق من عقله هل دخل تحت هذه السطوة التي تفقد الإنسان الاستقلال والتجرد للحق وهل أصيب بالدخول تحت تأثيرها , أم أنه سلم من ذلك كله ؟!!
    وقد تفطن الشيخ عبدالرحمن المعلمي لمعنى سطوة الأفكار وأدرك تأثيرها على مسيرة الفكر وعلى عقلية الشخص , فقال في مقولة معبرة :” مسالك الهوى أكثر من أن تحصى و قد جربت نفسي أنني ربما أنظر في القضية زاعماً أنه لا هوى لي فيلوح لي فيها معنى ، فأقرره تقريراً يعجبني ، ثم يلوح لي ما يخدش في ذاك المعنى ، فأجدني أتبرم بذاك الخادش و تنازعني نفسي إلى تكلف الجواب عنه و غض النظر عن مناقشة ذاك الجواب ، و إنما هذا لأني لما قررت ذاك المعنى أولاً تقريراً أعجبني صرت أهوى صحته ، هذا مع أنه لا يعلم بذلك أحد من الناس ، فكيف إذا كنت قد أذعته في الناس ثم لاح لي الخدش ؟ فكيف لو لم يلح لي الخدش و لكن رجلاً آخر أعترض علي به ؟ فكيف لو كان المعترض ممن أكرهه” ( التنكيل 2/212) .
    إن كل من يتهم بعلم الأمة وفكرها عليه أن يسأل نفسه ويحاصرها بالأسئلة الصريحة والجريئة التي تكشف له عن مدى دخوله تحت سطوة الفكرة واستجابته لتأثيراتها , هذا ما يستوجبه كمال الإخلاص والتجرد وصدق التعلق بالله تعالى وصرامة المنهج وصلابته .

  2. #2

    افتراضي رد: سطوة الأفكار

    بارك الله فيك

  3. #3

    افتراضي رد: سطوة الأفكار

    أحسنت أحسن الله إليك.

    ومن ذلك قول الغزالي غفر الله له في "الاقتصاد":
    "وأما اتباع العقل الصرف فلا يقوى عليه إلا أولياء الله تعالى الذين أراهم الله الحق حقًا وقواهم على اتباعه، وإن أردت أن تجرب هذا في الاعتقادات فأورد على فهم العامي المعتزلي مسألة معقولة جلية فيسارع إلى قبولها، فلو قلت له إنه مذهب الأشعري رضي الله عنه لنفر وامتنع عن القبول وانقلب مكذبًا بعين ما صدق به مهما كان سيئ الظن بالأشعري، إذ كان قبح ذلك في نفسه منذ الصبا. وكذلك تقرر أمرًا معقولًا عند العامي الأشعري ثم تقول له إن هذا قول المعتزلي فينفر عن قبوله بعد التصديق ويعود إلي التكذيب. ولست أقول هذا طبع العوام بل طبع أكثر من رأيته من المتوسمين باسم العلم؛ فإنهم لم يفارقوا العوام في أصل التقليد بل أضافوا إلى تقليد المذهب تقليد الدليل فهم في نظرهم لا يطلبون الحق بل يطلبون طريق الحيلة في نصرة ما اعتقدوه حقًا بالسماع والتقليد، فإن صادفوا في نظرهم ما يؤكد عقائدهم قالوا قد ظفرنا بالدليل، وإن ظهر لهم ما يضعف مذهبهم قالوا قد عرضت لنا شبهة، فيضعون الاعتقاد المتلقف بالتقليد أصلًا وينبزون بالشبهة كل ما يخالفه، وبالدليل كل ما يوافقه، وإنما الحق ضده؛ وهو أن لا يعتقد شيئًا أصلًا وينظر إلى الدليل ويسمي مقتضاه حقًا ونقيضه باطلًا".

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2011
    المشاركات
    66

    افتراضي رد: سطوة الأفكار

    أحسنت يا عميري ذكرتني بالأخ الزهراني الذي كان شجاعاً في العودة للحق و نبذ فكره الإرجاء لما عرف أنها زله وقع فيها و لا شك أنه يحسن بالجميع الرجوع للحق و البراءة من الكتابات السابقة التي تخالف الحق

    و بالنسبة لسيطرة الفكرة كما تقول فأحب أن أنقل كلام علماء النفس الطبائعين و الشرعيين في حدو ث الفكر حيث يقولون أن الفكرة تبدأ في المخ من الدماغ ثم تنتقل للقلب فتتحول إلى قول للقلب أي علم ثم تتحول إلى عمل للقلب أي عزم ثم تتحول إلى قول و عمل للجوارح ثم تعود فكرة في المخيخ و تستمر الدورة فإذا رسخت في المخيخ و أصبحت قسرية صعب الرجوع عنها لأن ذلك لا يكون إلا باختراق القشرة الدماغية الفاصلة بين المخيخ و المخ فإذا خرجت الفكرة من المخيخ و و صلت القشرة الدماغية لم تعد قسرية فيتسنى للمرء مراجعتها ثم إعادتها للمخ بعد تصحيحها

    ما رأيك يا عميري لو راجعنا بحوثنا السابقة و تجردنا من الأفكار القسرية المترسبة في المخيخ لأسباب عدة قد تكون خارجة عن الإرادة فهل سنعود للحق الذي كنا خالفناه

    لا أملك إلا الدعاء اللهم أرنا الحق حقا و ارزقنا اتباعه و أرنا الباطل باطلا و ارزقنا اجتنابه

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •