السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
خرجنا من الدار النسائية في الموعد المعتاد وركبنا الحافلة....
في العادة تتحرك الحافلة الساعة الحادية عشر والنصف، ولكن في هذا اليوم الذي يعد الأخير في عمر الدورة، تأخرت أم محمد زوج السائق..
تحركت الحافلة في الثانية عشر إلا عشر دقائق...
يالدقة وترتيب القدر...قدر الله الحكيم العليم.
كانت أخت في الله قد أرسلت لي رسالة في تمام الساعة العاشرة لكي أتصل بها في الوقت المناسب، وكان الوقت المناسب هو ..عندما خرجت الحافلة من الشارع الجانبي للشارع الرئيسي...
كنت جالسة في المقعد الخلفي..
أمسكت جوالي..
نظرت فيه ..
بدأت ...
صوت عالي لصرير إطار وارتجت الحافلة ..لا أدري أيهما أسبق ..الارتجاج أو الصوت!
شعرت بصدمة خفيفة في ذراعي الأيمن وأشياء أخرى لا أذكرها ..
ماذا حدث ؟؟ لم أستوعب في البداية ماذا حدث..
أول ما جال في ذهني..
هل هناك المزيد ؟؟
هل هذه الصدمة بداية أمر جلل أخر؟؟
كل هذا في ثانية ؟؟ بل جزي من ثانية
صوت يهتف : استر يارب، الحمد لله، إنا لله وإنا إليه راجعون، يارب سلمنا من كل سوء (الآن الآن حان الدعاء..)
لمحت بطرف عيني السيارة التي صدمت حافلتنا من الخلف تنزاح بسرعة تجاة أقصى اليمين...
أأفلتت الفرامل ؟؟
جاءتني الإجابة عمليا حيث سيطر القائد على السيارة سريعا ثم انطلق مسرعا مرة أخرى ودار في الشارع المقابل
واختفى ...!
اختفى مخلفا رائحة الشياط..والزجاج المكسور..والرعب والفزع و..
شخص ملقي على جانب الطريق!
كان يسيل من فمه سائل الحياة الأحمر..
كان منثنيا على نفسه، فبادر بعض المارة بوضعه على ظهره ..رأيت لحية رمادية تزين وجه عجوز..و..
فم يدفق منه الدم دفقا ..
كان كأنه يلهث أو ....لا أدري للمشهد وصفا..
صحت بهم آمرة :لا تنظري يا فلانة لا تنظري!
ولكني نظرت ..ما استطعت صرف بصري عنه
هذا الرجل كان يمشي في الطريق..ما توقع أن يحدث له هذا في هذه اللحظة...ما أظنه علم ما حدث له أصلا..
شعرت أنه ينازع ..وأنه اليقين...
تفكرت في أهله وذويه ..كيف يكون وقع الخبر عليهم؟
المشهد لا يفارق خيالي..في لحظة ..كان ...فـــ: لم يكن!
ما الذي أتى به في هذه اللحظة في هذا الطريق في هذا المكان!
كيف تأخر خروج الحافلة لنشهد هذا المشهد؟؟ تدبير محكم باللحظات بل بما هو أدق من اللحظات..
نظرت إلى آثار الحادث على الحافلة..تفكرت في السائق المسكين...
نزلنا من الحافلة من الباب الأمامي...وقرع سمعي كلمة السائق إذ يرى ما حل بالحافلة:
"إنا لله وإنا إليه راجعون."
ما زاد عليها!
عدت البيت لأفكر..أكان الرجل صاحب اللحية مسلما أم لا؟ أكان مصليا أم لا؟ أكان ..أكان...الخ
تمثلت المشهد الماثل أمام ناظري ..واستغرقتني فكرة واحدة!
ما من شيء يمكنه أن ينفع هذا الشخص إلا لا إله إلا الله وما عمل اتباعا للسنة!
لن تنفعه الفلسفة والمنطق، لن ينفعه قلب الحقائق، لن ينفعه تبريرات كل متعصب ومتشدق، لن ينفعه لحظة كبر تعالى فيه على خلق الله!
لن ينفعه ذمه لفلان ولا استقصائه حقه من علان..
لن ينفعه انتصاره لنفسه..
لن ينفعه ..................
تمثلت المشهد الماثل أمامي دائما ..
كانت انتفاضات الرجل ودفق الدماء من فمه كأنها قبضة بارد تعتصر شيئا ما داخلي، تدق شيئا ما بقوة ..بعنف
شعرت بعقلي يذهل ..كلما تذكرت..(صارت ذكرى ولم يمض عليها ساعات!!)
فجأة شعرت بالاختناق ..أنا لا أريد أن أموت!
أين المفر؟؟ ياليت أمي لم تلدني, أين أذهب كيف أفر؟
الموت ..حقيقة نحن عنها غافلون، وبغيرها لاهون وفي الملذات متنعمون
ماذا أفعل...سدت كل الطرق وأغلقت الأبواب ..لا مفر؟ لابد من الموت...
يارب أنت الرحمن الرحيم ...انقطعت السبل إلا سبيلك، وأغلقت الأبواب إلا بابك، إذا كان الموت واقعا..فلا أقل من تلجأ لخالقه يخفف عنك سكراته....
لا أقل؟؟ بل لا مفر!
من لنا سواك يارب؟ إن لم ترحمنا فمن الذي يرحمنا؟؟ طرقنا بابك فلا تطردنا عن جنابك محرومين..
إن لم نكن أهلا لرحمتك فأنت أهل أن ترحمنا وتتوب علينا....
ولكن ما أتعجب منه حقا أنه بعد كل هذا ...يظل قلبي لاهيا فاسدا مريضا!