التحذير من الانتحار وقتل النفس
الحمدلله!
لقد خلق اللهُ الإنسانَ ليعبدَه، ويوحدَه ويفردَه، وجعلَه خليفةً في الأرض ليعمرَها، ورفعه وكرَّمه، وفي البرِّ والبحر حمله وسيَّره، ومن الخيرات والطيبات رزقه، وعلى كثير من خلقه فضله، ومع هذا كلِّه فالسرعة والعجلة من طبعه، {خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ}.(الأنبيا : 37)
ما أسرعه في الدعاء بالشر على نفسه من عجلته، {وَيَدْعُ الإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولاً}.(الإسر ء: 11).
يُعرض عندالنعمة، وييأس عند المصيبة والنقمة، {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا}.(الإسر ء: 83).
يَعِدُه عدوُّه الشيطانُ غرورًا، ويمنِّيه فيعيش فرِحا مسرورا، {وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً}.(الفرق ن: 29).
لو سوّل لهأن يقتلَ نفسه لقتلها؛ أملاً في تحقيق ربح موهوم، أو كسب مزعوم، أو فوز مرقوم، مع أن قتل النفس حرام، لا تقره شريعة من الشرائع الربانيّة، ولا أباحه كتاب من الكتب السماويّة، ولا يجيزه عقل سليم من العقول البشرية، أما قول الله عز وجل: {وَإِذْقَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَالتَّوَّابُ الرَّحِيمُ}(البق رة: 54).
فذلك؛ أن يقتل بعضهم بعضا، لا أن ينتحروا فيقتل الواحدُ نفسَه، وهذا عقوبةٌ لهم من الله جلَّ جلاله، نتيجةَ التمرد والعصيان، على نبيهم كليمِ الرحمن، موسى بن عمران، عليه السلام.
فإذا كانت العبادةُ المشروعةُ المحبوبةُ إلى الله سبحانه، قد تتسبَّب في قتلِ النفس أوإهلاكِها، أو تضرُّرِها وإيذائها؛ فتُخَفَّفُ تلك العبادة، وتنقل إلى غيرها،كالتيمم بالتراب؛ عند الخوف على النفس من البرد أو العدوِّ، بدل الوضوء والغسل بالماء، فعَن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ: (احْتَلَمت فِي لَيْلَة بَارِدَة، وَأَنا فِي غَزْوَة ذَات السلاسِل، فَأَشْفَقت إِن اغْتَسَلت أَن أهلِك، فَتَيَمَّمتُ،ثم َّ صليت بِأَصْحَابِي الصُّبْح، ثمَّ أخْبرت النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَضَحِك). أخرجه أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وعلقه البُخَارِيّ، انظر إرواء الغليل (1/ 181) ح(154)وفي رواية [فقال: "يا عمرو! صليتَ بأصحابك وأنت جنب؟!" قال: قلت: (نعميا رسول الله! إني احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلِك،وذكرت قول الله عز وجل: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما}، فتيممت، ثمصليت)، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا].
وإذا كانالدعاء على النفسبالشرِّ لا يجوز؛ فكيف بالتعدي عليها بالقتل والانتحار؟ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله تعالى عنها قَالَتْ: (دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ؛ وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ فَأَغْمَضَهُ)، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ". فَضَجَّ نَاسٌ مِنْ أَهْلِهِ فَقَالَ: "لاتَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ بِخَيْرٍ؛ فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ". ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَبِيسَلَمَةَ، وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيِّينَ ، وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الْغَابِرِينَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ، وَنَوِّرْ لَهُ فِيه". وَزَادَ =في رواية= قَالَ خَالِدٌ الْحَذَّاءُ =أحد الرواة=: وَدَعْوَةٌ أُخْرَى سَابِعَةٌ نَسِيتُهَا. رواه مسلم.
وقد نهانا نبينا نبيُّ الرحمة أن نتسبب لأنفسنا بما يجلب لها الهمَّ أو الخوفَ بأي سبب، فقال صلى الله عليه وسلم: "لاَ تُخِيفُوا أَنْفُسَكُمْ بَعْدَ أَمْنِهَا"، قَالُوا: وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟! قَالَ: "الدَّيْن". قال الألباني في "السلسلةالصحي ة" (5/ 546، ح2420):[أخرجه البخاري في "التاريخ" ( 3/ 2/ 430 ) وأحمد (4/ 146و154)] عن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ.
فلا يوجد سبب من الأسباب يبيح قتل الإنسان نفسه، لا ألمَ ولا مصيبةَ ولا إحباط، فمن جزِع من مرض، أو يئس من مصيبة، أو أُحبط في عمل فاستعجل الموتَ فقتل نفسه؛ حُرِّمت عليه الجنة، لحديث جُنْدُب بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "كَانَ فيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ فَجَزِعَ، فَأَخَذَ سِكِّينًا فَحَزَّ بِها يَدَهُ، فَما رَقَأَ الدَّمُ حَتّى مَاتَ، قَالَ اللهُ تَعالَى: بادَرَنِي عَبْدي بِنَفْسِهِ حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ". البخاري في (60) كتاب الأنبياء (50) باب ما ذكرعن بني إسرائيل،فتح الباري (6/ 496، ح (3463).
وقال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ رَجُلاً مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ خَرَجَتْ بِهِ قُرْحَةٌ، فَلَمَّا آذَتْهُ؛ انْتَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ فَنَكَأَهَا،فَل َمْ يَرْقَأْ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ، قَالَ رَبُّكُمْ: قَدْ حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ". رواه مسلم
إن قاتل نفسه عمدا لا يشفع له جهادُه أعداء الله، ولا قتاله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، عَن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: شَهِدْنَا خَيْبَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ مِمَّنْ مَعَهُ، يَدَّعِي الإِسْلامَ: "هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ". فَلَمَّا حَضَرَ الْقِتَالُ، قَاتَلَ الرَّجُلُ أَشَدَّ الْقِتَالِ، حَتَّى كَثُرَتْ بِهِ الْجِرَاحَةُ، فَكَادَ بَعْضُ النَّاسِ يَرْتَابُ =أي يشك=. فَوَجَدَالرَّجُ لُ أَلَمَ الْجِرَاحَةِ، فَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى كِنَانَتِهِ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهَا أَسْهُمًا فَنَحَرَ بِهَا نَفْسَهُ،فَاشْت َدَّ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! صَدَّقَ اللَّهُ حَدِيثَكَ؛انْتَ حَرَ فُلانٌ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ،فَقَال َ: "قُمْ يَا فُلانُ! فَأَذِّنْ: أَنَّهُ لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ مُؤْمِنٌ، إِنَّ اللَّهَ يُؤَيِّدُ الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ".صحيح البخاري (3967).
واعلموا عباد الله! أن قتلَ النفس له طرقٌ متنوِّعة؛ كأن يَطْعُنُ نفسَه بحديدة، أو يخنُقها بحبل، أو يحرقها بالنار أو بأيّ سائلٍ كيماويّ، أو يشربُ السُّمَّ، أو يُلقِي نفسَه من مكان عالٍ، أو يلقي نفسَه تحت سيارة أو في البحر، أو يهجمُ على عدوٍّ من إنسان أو حيوان لا طاقة له به، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الَّذِي يَخْنُقُ نَفْسَهُ يَخْنُقُهَا فِي النَّارِ، وَالَّذِي يَطْعُنُهَا يَطْعُنُهَا فِي النَّارِ". البخارى (1299).
وعَن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ؛ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِجَهَنَّمَ، خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا".البخاري (5442).
ولا يجوز أن يحرق الإنسان نفسهولو أمره وليُّ الأمر،عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ جَيْشًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلاً، فَأَوْقَدَ نَارًا وَقَالَ :ادْخُلُوهَا! فَأَرَادُوا أَنْ يَدْخُلُوهَا، وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَافَرَرْن َا مِنْهَا! فَذَكَرُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِلَّذِينَ أَرَادُوا أَنْ يَدْخُلُوهَا: "لَوْ دَخَلُوهَا لَمْ يَزَالُوا فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ". وَقَالَ لِلآخَرِينَ: "لاَ طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةٍ إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ". البخاري ح(7257).
وهذا التشديد في قتل النفس والتنفير منه؛ جعلَ كثيرا من الصحابة رضي الله تعالى عنهم يظنُّ أنَّ من لم يتعمد قتْلَ نفسه، ينطبق عليه الوعيدُ الشديدُ والنهيُ الأكيد، فحكموا على أحدهم -وهو عامر بن الأكوع رضي الله عنه- بأنه منتحر؛ لأن سيفه ارتدَّ عليه فقتله، لولا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم برّأه من ذلك، عن سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنه يحدث بقصة غزوة خيبر قال: (..فَلَمَّا تَصَافَّ الْقَوْمُ؛كَانَ سَيْفُ عَامِرٍ =أي ابن الأكوع= قَصِيرًا، فَتَنَاوَلَ بِهِ سَاقَ يَهُودِيٍّ لِيَضْرِبَهُ، وَيَرْجِعُ ذُبَابُ سَيْفِهِ؛ فَأَصَابَ عَيْنَ رُكْبَةِ عَامِرٍ فَمَاتَ مِنْهُ)، قَالَ: فَلَمَّا قَفَلُوا؛ قَالَ سَلَمَةُ: (رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِي) قَالَ: "مَا لَكَ؟!" قُلْتُ لَهُ: (فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي! زَعَمُوا أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ؟!) قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كَذَبَ مَنْ قَالَهُ، إِنَّ لَهُ لأَجْرَيْنِ". وَجَمَعَ بَيْنَ إصْبَعَيْهِ "إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ، قَلَّ عَرَبِيٌّ مَشَى بِهَا مِثْلَهُ". البخاري (4196)
إنقاتل نفسه إن كان مستحلا ذلك فقد كفر؛ لأنهاستَحَلَّ ما حرَّمَه اللهُ تعالى، وإن كان غيرَ ذلك بجزع ونحوه؛ فهو مسلمٌ وأمره في الآخرة إلى الله؛ إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له، عَنْ جَابِرٍ أَنَّ الطُّفَيْلَ بْنَ عَمْرٍو الدَّوْسِيَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَلْ لَكَ فِي حِصْنٍ حَصِينٍ وَمَنْعَةٍ؟!) قَالَ: حِصْنٌ كَانَ لِدَوْسٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَأَبَى ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي ذَخَرَ اللَّهُ لِلأَنْصَارِ، فَلَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ؛ هَاجَرَ إِلَيْهِ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، وَهَاجَرَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ فَمَرِضَ =أي كرهوا المقام بها لوخم فيها، رفعه اللهُ بعد ذلك= فَجَزِعَ؛ فَأَخَذَ مَشَاقِصَ لَهُ =المِشْقَصُ سهمٌ له نصل عريض= فَقَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ؛ فَشَخَبَتْ يَدَاهُ؛ =أي قطع عقد أصابعه فسالت منهاالدماء بشده= حَتَّى مَاتَ، فَرَآهُ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فِي مَنَامِهِ،فَرَآ هُ وَهَيْئَتُهُ حَسَنَةٌ، وَرَآهُ مُغَطِّيًا يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: (مَاصَنَعَ بِكَ رَبُّكَ؟!) فَقَالَ: (غَفَرَ لِي بِهِجْرَتِي إِلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ). فَقَالَ: (مَا لِي أَرَاكَ مُغَطِّيًا يَدَيْكَ؟!) قَالَ: (قِيلَ لِي: لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ). فَقَصَّهَا الطُّفَيْلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ! وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ".
قال النووي [... فِيهِحُجَّة لِقَاعِدَةٍ عَظِيمَةٍ لأَهْلِ السُّنَّة؛ أَنَّ مَنْ قَتَلَ نَفْسه، أَوْ اِرْتَكَبَ مَعْصِيَة غَيْرهَا، وَمَاتَ مِنْ غَيْر تَوْبَةٍ فَلَيْسَ بِكَافِرٍ، وَلا يُقْطَع لَهُ بِالنَّارِ، بَلْ هُوَ فِي حُكْم الْمَشِيئَة. ... وَهَذَا الْحَدِيثشَرْح لِلأَحَادِيثِ الَّتِي قَبْله، الْمُوهِمُ ظَاهِرُهَا تَخْلِيدَ قَاتِلِ النَّفْسِ وَغَيْرِه مِنْ أَصْحَاب الْكَبَائِر فِي النَّار، وَفِيهِ إِثْبَات عُقُوبَة بَعْض أَصْحَاب الْمَعَاصِي؛ فَإِنَّ هَذَا عُوقِبَ فِي يَدَيْهِ، فَفِيهِ رَدّ عَلَى الْمُرْجِئَة الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْمَعَاصِي لا تَضُرّ. وَاَللَّه أَعْلَم]. شرح مسلم للنووي.
***********
أما أحكامُ الذي قتل نفسه متعمدا غير مستحل؛ فإنه يُغسَّلُ ويكفَّن،ويصلِّي عليه العامَّة، ويُدفَنُ في مقابر المسلمين، ويُدعا له بالرحمة والمغفرة،عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: (أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَتَلَ نَفْسَهُ بِمَشَاقِصَ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ).رواه مسلم وعند أبي داود (3187)قَالَ: "إِذًا لاَ أُصَلِّى عَلَيْهِ". وعند النسائي (1964): "أما أنا؛ فلا أصلي عليه".
إذن؛لا يصلي عليه الإمام ولا العلماء بل العامة، قَالَ أَبُو عِيسَى الترمذي في سننه: [هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهَذَا؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: (يُصَلَّى عَلَى كُلِّ مَنْ صَلَّى إِلَى الْقِبْلَةِ،وَع َلَى قَاتِلِ النَّفْسِ)، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَإِسْحَقَ، وقَالَ أَحْمَدُ: (لا يُصَلِّي الإِمَامُ عَلَى قَاتِلِ النَّفْسِ، وَيُصَلِّي عَلَيْهِ غَيْرُ الإِمَامِ). الترمذي في ح (1068)
عباد الله! إن الطيِّبَ لا يُنالُ بالخبيث، ولا تُنالُ الحسنةُ بالسيئة، ولا الحلالُ بالحرام، ولنْ نصلَ إلى التوحيدِ بالشرك، أو إلى الإيمانِ بالكفر.
كذلك لن تكون مصالحةٌ بمحاربة، ولا توحُّدٌ بانقسام، ولا حبٌّ بِكُرْهٍ، ولا صدقٌ بكذب، ولا وفاءٌ وعهدٌ بخُلفٍ وغدر.
إذا أردت أمرًا؛ فاسلك السبلَ المشروعةَفي تحصيله، فإن ظفرت به كان بها والحمد لله، وإلاّ فالجأ إلى الله القادر، الذي بيده ملكوت كل شيء، توسل إليه بالأعمال الصالحة، والأدعية الخالصة.
فإنطالت بك الآلام والأوجاع فتذكرأيوب عليه السلام: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَاوَذِكْ رَى لِلْعَابِدِينَ}. الأنبياء (83، 84)
وإنظلمك الناسوالحكومات والدول، والسلاطين وكبار القوم؛ فتذكر ذا النون يونس عليه السلام: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} لأنبياء (87، 88)
وإنتأخرت عنك الذرية، ولم ترزق بأولاد، فلا تيأس ولا تحزن، وأقبل على ربك وادْعُه، وتذكَّرْ نبيَّ اللهِ الشيخَ الكبيرَ، الذي وهَنَ العظمُ منه، واشتعلرأسُه شيبًا، وعنده زوجةٌ عجوز عاقر، لكنه دعا وتوسل فاستجيب له: {وَزَكَرِيَّاإِ ْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}.الأنبياء: (89،90).
وتجنب السيئات والمعاصي، والذنوبوالخطايا.
فحذار ياعبد الله! من مخالفة أمر الله، ولا تكن من الأخسرين أعمالا {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا * ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا}.الكهف: (103- 106).
أبو المنذر فؤاد أبو سعيد
الزعفران غزة فلسطين
17 صفر 1432 هجرية
21/ 1/ 2011 رومية