كنتُ عند أحد الأخوة من طلاب العلم في الأسبوع الماضي ، وكان يحكي لي قصة حدثت له في الشهر الماضي أرجو الله أن ينتفع الأخوة طلاب العلم بسماعها ، فحقيق بها أن تدوّن وتنشر .
قال لي : كانت الحكومة _إدارة الإسكان _ تريد أنْ تعطيَهُ منزلاً واسعاً بحكم أنه من كبار الموظفين كما هو النظام المعمول به عندنا ، فاستعد هو وأهلُهُ كي يخرجوا من أروقة البيْتِ الخرِب المُستأجَر والذي كاد أن يهلك صاحبُ المنزل من كثرة إلحاحه على صاحبي للخروج من البيت .
المهم ، أنّهُ ذهب يوماً إلى الإسكان لإستكمال شيئاً من الإجراءات المعتادة في مثل هذه الأمور ، وإذ بالموظف في إدارة الإسكان يقول له : قد تم إعطاء البيت الذي تريده للدكتور الفلاني !!!
قال له : كيف ذلك فأنتم قد وعدتموني به ، وأنا رتبتُ نفسي وأهلي للخروج من البيت المستأجر ؟؟
قال له الموظف : لا شأن لي ، ولكنّ هذا الدكتور له معارف ، وهو من أعيان المنطقة ، والأمر يكاد يكون منتهياً ، فلذلك لا تتعب نفسك واذهب غير مأمورٍ وابحث عن بيتٍ آخرَ .
فذهب صاحبي هائماً على وجهه لا يعلم أين يذهب بأبناءه ، ولا يعلم ماذا يقول لهم وقد وعدهم السَّعة بعد الضيق ، والفرج بعد الهم ، استناداً لوعدِ إدارة الإسكان .
فلمَّا جاءُ العصرُ استجمع صاحبي قواه وذهب لكي يحضرَ درسَه عند أحد أهل العلم وكان يدرس كتاب شرح منتهى الإرادات للعلامة البهوتي ، فاستنكر الشيخُ حالَ تلميذِهِ ، واسألهُ عن سبب الحزن الذي يبدو على وجهه .
فحينما أخبره بالأمر ، قال له الشيخ : ألا تعلم عملاً صالحاً لك تتوسل به إلى الله كما توسّل الثلاثة حينما حبسوا في الغار؟
ففكر ملياً صاحبي وقال : والله يا شيخ لا أذكر !
قال الشيخ : أبداً ؟!
قال صاحبي : هو كذلك .
قال الشيخ : أعظم عمل صالح لك هو هذا العلم الذي تطلبه ، فإنه من أعظم العبادات ، وأنجع
القربات ، التي تحوز بها على توفيق ربِّ الأرض والسموات .
فانتبه صاحبي لذلك لكنه قال : لكن يا شيخ لا علم لي إن كان هذا العلم الذي أطلبه خالصاً لله عزوجل أم تخلله ما تخلله من الرياء وغير ذلك من الشوائب .
فألحَّ الشيخُ على أمر العلم وأقنع صاحبي بذلك .
فذهبَ صاحبي ودخل بيته ثمَّ توجه إلى مكتبته والتي في غالبها تحتوي على كتب أصحاب الإمام أحمد رضي الله عنه وعن أصحابه ، كالمغني والكافي والمقنع والفروع وتصحيحه والإنصاف والتنقيح وكشاف القناع وشرح المنتهى والوجيز للدجيلي ومطالب أولي النهى والممتع والتوضيح للشويكي والهداية لأبي الخطاب والجامع لأبي يعلى ونيل المآرب والورض المربع وكشف المخدرات وغيرها ، إضافة لحواشي المتأخرين وكتب أصول الفقه في مذهب أحمد .
فصلَّى ركعتين فقال : اللهم إنّك تعلم أني ما اشتريتُ هذه الكتب التي أمامي إلا رغبة في تعلم دينك ، وأن على بيّنةٍ من أمري ، ولا اخترتُ مذهب الإمام أحمد إلا لعلمي أنه كان يعظم سنة نبيّك صلى الله عليه وآله وسلم .
فاللهمَّ إن كنتَ تعلم ذلك مني فيسّر لي أمر البيت إن كان في ذلك خيرٌ لي ، وإن كنتَ تعلم أني غيرُ صادقٍ في أمري كلِّه فاصرف عنّي هذا المنزل .
ويقول إنّهُ في صباح اليوم التالي ذهب لإدارة الإسكان مراجعاً ، فقيل له إنّ الدكتور الذي كان يريد المنزلَ قد صرف النظر عنه ولم يعد يُـردْهُ !!
قال الخلال : واللهِ ما نقلتها إلا لكي يستيقن الذين ارتابوا ويزداد المؤمنون إيماناً إلى إيمانهم .