حديث: "تَحْتَرِقُونَ تَحْتَرِقُونَ، فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْفَجْرَ غَسَلَتْهَا، ثُمَّ تَحْتَرِقُونَ تَحْتَرِقُونَ، فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الظُّهْرَ غَسَلَتْهَا، ثُمَّ تَحْتَرِقُونَ تَحْتَرِقُونَ، فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْعَصْرَ غَسَلَتْهَا، ثُمَّ تَحْتَرِقُونَ تَحْتَرِقُونَ، فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْمَغْرِبَ غَسَلَتْهَا، ثُمَّ تَحْتَرِقُونَ تَحْتَرِقُونَ، فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْعِشَاءَ غَسَلَتْهَا، ثُمَّ تَنَامُونَ فَلا يُكْتَبُ عَلَيْكُمْ حَتَّى تَسْتَيْقِظُوا(1)".
(1) تحرف في مطبوعات تاريخ بغداد إلى (تغتسلوا).
روي من حديث عبد الله بن مسعودٍ مرفوعاً من طريق: [عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ] ثقة من رجال الصحيحين، عَنْ[زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ] ثقة من رجال الصحيحين، عَنْه به.
ثم هو يروى عن [عاصم] من ثلاثة طرق:
(الطريق الأول): طريق [حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ] ثقة من رجال الصحيحين.
عند الطبراني في معجميه الصغير رقم (47) والأوسط رقم (2224) ومن طريقه الخطيب في تاريخ بغداد (5/500).. عن [أَبُو الصَّقْرِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الضَّرِيرِ الْمُؤَدِّبُ التَّمِيمِيُّ الْبَغْدَادِيُّ] معروف العين مجهول الحال؛ محله الصدق، عن [عَلِيُّ بْنُ عُثْمَانَ اللاحِقِيُّ] ثقة، عنه.
ثم قال الطبراني في الصغير: (لَمْ يَرْوِهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، مَرْفُوعًا إِلا اللاحِقِيُّ).
وقال في الأوسط: (رَفَعَهُ عَلِيُّ بْنُ عُثْمَانَ اللاحِقِيُّ، وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ(2): عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ مَوْقُوفًا).
(2) هكذا قال! ولقد جهدت كثيراً جداً في أن أقف ولو على رواية واحدة من طريق حماد بن سلمة الموقوفة فلم أظفر بشيء. فالله أعلم بحقيقة الأمر.
أقول: وهذا سندٌ متصل حسنٌ من أجل [أبو الصقر].
قال المنذري: (رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الصَّغِير والأوسط وَإِسْنَاده حسن).
(الطريق الثاني): طريق [أَبَانَ بن يزيد الْعَطَّارَ] ثقة من رجال الصحيحين.
عند الطبراني في الكبير رقم (10252) ومن طريقه أبو نعيم في الحلية (4/189).. عن [الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَعْمَرِيُّ] ثقة، عن [مُحَمَّدُ بْنُ الْخَلِيلِ الْخُشَنِيُّ] صدوقٌ لا بأس به، عن [أَيُّوبُ بْنُ حَسَّانَ الْجَرَشِيُّ(3)] شيخٌ صدوقٌ لا بأس به، عَنْ[هِشَامِ بْنِ الْغَازِ الجرشي] ثقة من رجال البخاري، عنه.
(3) تصحف في كبير الطبراني إلى [الحرشي].
أقول: وهذا سندٌ متصل حسن.
(الطريق الثالث): طريق [الرَّبِيعِ بْنِ حِظْيَانَ(4)] مستقيم الحديث؛ محله الصدق وقد وثق.. وهو يروى عنه من طريقين:
(4) تصحف في مطبوع الترغيب لقوام السنة إلى (خطيان).
الأول: طريق [الْحَسَنُ بْنُ جَرِيرٍ الصُّورِيُّ] ثقة.. عند الطبراني في الكبير رقم (10252) ومن طريقه أبو نعيم في الحلية (4/189).. مرفوعاً.
الثاني: طريق [خسرو أحمد بن علي بن يزيد السوادي] مجهول الحال.. عند قوام السنة في الترغيب رقم (1982) ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (5/76).. موقوفاً.
كلاهما _ الحسن، وأحمد _ عن [سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيُّ] ثقة من رجال البخاري، ولكنه إذا روى عن الضعفاء والمجاهيل يتقى حديثه، عن [عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ مَيْمُونٍ النَّحَّاسُ] قاضي دمشق؛ صدوقٌ وثقه أبو زرعة، عنه.
أقول: وهذا سندٌ ضعيف؛ لكنه يتقوى بما قبله.
قال أبو نعيم: (حَدِيثُ الرَّبِيعِ يَنْفَرِدُ بِهِ عَبْدُ رَبِّهِ، وَحَدِيثُ هِشَامٍ أَيُّوبُ بْنُ حَسَّانَ(5)).
(5) كذا قال.. والأولى أن يقال: وحديث أبان ينفرد به هشام.
وهذا لفظ حديثهم: " يُبْعَثُ مُنَادٍ عِنْدَ حَضْرَةِ كُلِّ صَلاةٍ؛ فَيَقُولُ: يَا بَنِي آدَمَ، قُومُوا فَأَطْفِئُوا عَنْكُمْ مَا أَوْقَدْتُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَيَقُومُونَ فَيَتَطَهَّرُون َ وَتَسْقُطُ خَطَايَاهُمْ مِنْ أَعْيُنِهِمْ، وَيُصَلُّونَ فَيُغْفَرُ لَهُمْ مَا بَيْنَهُمَا، ثُمَّ يُوقِدُونَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ، فَإِذَا كَانَ عِنْدَ صَلاةِ الأُولَى نَادَى: يَا بَنِي آدَمَ، قُومُوا فَأَطْفِئُوا مَا أَوْقَدْتُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَيَقُومُونَ فَيَتَطَهَّرُون َ وَيُصَلُّونَ فَيُغْفَرُ لَهُمْ مَا بَيْنَهُمَا، فَإِذَا حَضَرَتِ الْعَصْرُ فَمِثْلُ ذَلِكَ، فَإِذَا حَضَرَتِ الْمَغْرِبُ فَمِثْلُ ذَلِكَ، فَإِذَا حَضَرَتِ الْعَتَمَةُ فَمِثْلُ ذَلِكَ، فَيَنَامُونَ وَقَدْ غُفِرَ لَهُمْ "، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " فَمُدْلِجٌ فِي خَيْرٍ، وَمُدْلِجٌ فِي شَرٍّ ".
وروي عن عبد الله بن مسعود موقوفاً من طريق [القاسم بن عبد الرحمن المسعودي] ثقة.. واختلف عليه:
v فرواه [عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي] ثقة؛ إلا أنه تغير في أخرة فاختلط اختلاطاً كبيرا، عنه، عن [لقيط بن قبيصة بن صبرة الجعفري الفزاري] مجهول الحال لا يعرف، وثقه ابن حبان متفرداً بذلك كعادته في مثل هؤلاء، عن عبد الله بن مسعود.
حمله عن عبد الرحمن المسعودي:
1) [عاصم بن علي الواسطي] صدوقٌ من رجال البخاري.. عند الطبراني في الكبير رقم (8739).
2) [وكيع] لا يتكلم في مثله.. عند ابن أبي شيبة في المصنف رقم (7727).
3) [أبو نعيم الفضل بن دكين] لا يتكلم في مثله.. كما في التاريخ الكبير للبخاري(6).
(6) وهِمَ ابن أبي حاتم هنا فخطأ الإمام البخاري في سنده هذا، وما علم أنه أخطأ هو رحمه الله.. ولعله حصل الخطأ في نسخته هو من التاريخ؛ وإلا هو في المطبوع الآن صحيحٌ لا خطأ فيه. فتأمل
v ورواه [مسعر] لا يتكلم في مثله، عنه، عن عبد الله بن مسعود؛ منقطعاً بإسقاط لقيط بن قبيصة بينهما.
حمله عن مسعر:
1) [وكيع].. عند ابن أبي شيبة في المصنف رقم (7727).
2) [عبد الله بن المبارك] لا يتكلم في مثله.. في الزهد رقم (903).
ولفظه: "تَحْتَرِقُونَ حَتَّى إِذَا صَلَّوُا الْفَجْرَ غُسِلَتْ، ثُمَّ تَحْتَرِقُونَ حَتَّى إِذَا صَلَّوُا الظُّهْرَ غُسِلَتْ، [ثم] تَحْتَرِقُونَ حَتَّى إِذَا صَلَّوُا الْعَصْرَ غُسِلَتْ، حَتَّى عَدَّ الصَّلَوَاتِ كُلَّهَا هَكَذَا".
فبانت الخلاصة في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه = أنه يروى من وجهين:
الأول: الوجه المرفوع.
وهو وجهٌ مروي بثلاثة أسانيد متصلة؛ اثنين منها حسنةُ الإسناد، كما مر بك.
كما أن له شواهد _ تأتي إن شاء الله _ تؤيده وتقويه.. ناهيك أن في بعض الروايات الحسنة من هذا الوجه التصريح بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المتكلم في أثناء رواية الحديث.
ولا يمنع هذا أن يكون ابن مسعود رضي الله عنه قد قاله من دون أن يرفعه؛ ولكنه عنده له حكم الرفع، بل وهو الأظهر _ أي كونه له حكم الرفع _ فإن فيه اخبار بأمور غيبية من وقوع الذنب؛ وهذا ليس لابن مسعود رضي الله عنه. فتأمل
الثاني: الوجه الموقوف.
وهو وإن كان قد رجحه بعض أهل العلم؛ خاصة المنذري في الترغيب والترهيب، ووافقه ابن رجب في شرح البخاري؛ إلا أنه فيما وقفت عليه _ بعد بحث جهيدٍ عن أسانيد أخرى له _ لا ينافس الوجه المرفوع.
فإنه فيما وقفت عليه من أسانيد وروايات كما هو أعلاه = ضعيفٌ لثلاث علل:
- الانقطاع بين القاسم بن عبد الرحمن المسعودي، وبين عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ وذلك في طريق (مسعر).
- جهالة (لقيط) وعدم مقارنته بـ(زر بن حبيش) إطلاقا؛ وذلك في طريق (المسعودي).
- جهالة (خسرو أحمد بن علي السوادي) وعدم مقارنته بـ (الحسن الصوري)، مفخالفته هذه ضعيفة.. وذلك في طريق (الربيع بن حظيان).
وقد قال المنذري: (وَرَوَاهُ فِي الْكَبِير مَوْقُوفا عَلَيْهِ وَهُوَ أشبه وَرُوَاته مُحْتَج بهم فِي الصَّحِيح)، وقال الهيثمي: (رواه الطبراني في الثلاثة إلا أنه موقوف في الكبير ورجال الموقوف رجال الصحيح).. وقد بحثت بحثاً شديداً مطولاً عن حديث الطبراني هذا فلم أقف عليه. فالله أعلم بحقيقة الأمر.
يتبع بإذن الله تعالى شواهد الحديث بحسب الوسع والطاقه..