بسم الله الرحمن الرحيم
كنت في مكان عام، وكنتُ مُلزماً بالانتظار، وأثناء مطالعتي لكتاب (الصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع والتفرق المذموم) جاش الخاطر بهذه الكلمات، ولم أحمل هذه المرة قلماً لأسطرِّها، فوجدتُ “مسجل الصوت” في جوالي قد أدى المهمة! .
يمكنك الاستماع لها من هنا
تحميلها من هنا، أو قرائتها مكتوبة..
–
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
كثير من الإخوة والأخوات المتحمسين ينعتون الغرب بأنهم إخوان القردة والخنازير، وأنهم ليس لهم كرامة، ينعتونهم بإخوان البقر وعباد الصليب.. إلخ، وينسون أن لهم [محاسن]، كما أن لهم عيوباً، لهم العيب الأكبر: وهو التجرد عن عبادة الله سبحانه تعالى، فلهم ميزات. حينما نتكلم عن هذا نتكلم لأمرين:
الأمر الأول: لكي ننصفهم (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا)
الأمر الثاني: أن نتعلم منهم.
كثير يقولون: “هؤلاء إلى النار وبئس المصير”، ولا يبذلون الجهد في دعوتهم، ولا يبذلون الجهد في الاستفادة مما عندهم.
لذلك حينما قال سيدنا المستورد بن شداد [رضي الله عنه] في الحديث الذي رواه مسلم [2898]، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «لا تقوم الساعة إلا والروم أكثر أهل الأرض»، الروم: يعني الغرب بالنسبة لنا، فقال سيدنا عمرو بن العاص [رضي الله عنه]: يا مستورد أنظر ماذا تقول؟!
فقال: أقول ما سمعتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم!
فقال: حسناً إذن اسمع! يريد سيدنا عمرو بن العاص، وهو الذي عاصرهم وعاركهم، أن يبيِّن أن هذا لم يأت من فراغ، وإنما كان لأمور، فقال اسمع!
قال: «إنَّهم أسرع الناس إفاقة بعد مصيبة» لا تحدث لهم مصيبة إلا ويفوقون بعدها مباشرة، «وأعطفهم على مسكين ويتيم، وأمنعهم لظلم الملوك»، هذه الثالثة، وأما الرابعة «فإنهم أسرعهم كرة بعد فرة»، والحروب الصليبية مثال على ذلك، و [الأمر الخامس: أحلم الناس عند فتنة] “1
“1″ نص الحديث كما جاء عند مسلم برقم (2898): “قال المستورد القرشي، عند عمرو بن العاص:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ”تقوم الساعة والروم أكثر الناس”. فقال له عمرو: أبصر ما تقول. قال: أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: لئن قلت ذلك، إن فيهم لخصالا أربعا: إنهم لأحلم الناس عند فتنة. وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة. وأوشكهم كرة بعد فرة. وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف. وخامسة حسنة وجميلة: وأمنعهم من ظلم الملوك” الجامع بين الصحيحين 1/98.
كما يقول الدكتور القرضاوي أنَّ مشكلتنا -نحن- أننا مشغولون بأمور بسيطة، بمعنى أننا.. وأقرأ لكم من كتابه [الصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع والتفرق المذموم ص91]: «إذا فرغت الأنفس من الهموم الكبيرة، اعتركت على المسائل الصغيرة، واقتتلت -أحياناً- فيما بينها على غير شيء..
إن من الخيانة لأمتنا اليوم أن نغرقها في بحر من الجدل حول مسائل في فروع الفقه أو على هامش العقيدة، اختلف فيها السابقون، وتنازع فيها اللاحقون، ولا أمل في أن يتفق عليها المعاصرون!
[إنه] من الواجب على الدعاة والمفكرين الإسلاميين أن يشغلوا جماهير المسلمين بهموم أمتهم الكبرى.
.. إن العالم يتقارب بعضه من بعض على كل صعيد، رغم الاختلاف الديني، والاختلاف الإيديولوجي، والاختلاف القومي، واللغوي والوطني والسياسي.
لقد رأينا المذاهب المسيحية – وهي أشبه بأديان متباينة – يقترب بعضها من بعض..
بل رأينا اليهودية والنصرانية – على ما بينهما من عداء تاريخي – يتقاربان ويتعاونان في مجالات..
أما أوروبا التي.. » هذه فقرة تهمنا الذي يسبُّ الغرب، ويتّهمُهم اسمع ماذا يقول الدكتور القرضاوي ولا يزال الحديث له..
«أما أوروبا التي مزقتها الحروب والصراعات والنزاعات القومية والإقليمية والسياسية والإيديولوجية -أي العقائدية -، فهي اليوم تقترب حتى يوشك أن تكون دولة واحدة تذوب بين أقطارها الفواصل والحدود» . انتهى كلام الدكتور. وهذا ما كان يقوله [بعض الأوربيين]، يقول لي هذا! عملتهم موحدة، يستطيعون أن يسافروا، كأنها دولة واحدة، بعضهم كان ألمانياً يدرس في النمسا، أقول له كيف تذهب؟ يقول: [أوروبا أصبحت كأنها دولة واحدة]!
نحن كأمة إسلامية، وكشعب عربي، نحتاج أن نكسر بيننا هذه الحواجز، أن نزيلها..
بيننا اختلافات ؛ لكن بيننا اتفاق أكبر. قد نختلف في مسألة، في مسائل، في عشرات الآلاف من المسائل، ولكننا متفقون في أضعافها!
يعني كان يقول الدكتور [القرضاوي] أن هذه المسائل لم يحسمها نص، إذن كيف نحسمها نحن إذا لم يحسمها النص؟!
نحن بحاجة لأن نشغل الأمة بأمور كبرى، وأن نبيِّن لها أن الخلاف في الأمور الصغيرة قد يكون موجوداً لكنه أنه لا يفسد للقضايا الكبرى وداً.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من المشغولين بهموم الأمة الكبرى، من المتّحدين، وأن يُصَفِّيَ قلوبنا، وأن يرضى عنا، وأن لا يجعل في قلوبنا غلاً لأحد، آمين وصلى الله على نبينا محمد..