أَأُخيَّ لا تَشْكُ المذلّةَ باكيا فإلى متى ستظلّ تبكي شاكيا
أتطيب نفساً أن تثيرَ مدامعي مثل النوائح ينتحبن سواسيا
أتظنُّ أنّ العزَّ يرجعه البكا؟ فالمجدُ صارَ قصائداً وأمانيا
قل لي بربِّك: هل تريدُ نصيحتي إني سألتك فاستمع لسؤاليا
أو ليس موتي في حياتي مرةً ؟ لمَ لا يكون ختامُها استشهاديا
لمّا سَمَتْ نفسُ الشهيدِ مَطَالباً أعلى الإله له المكانةَ عاليا
في جوفِ طيرٍ في الجنان محلّقاً ومغرّداً فوق القصور وشاديا
معْ أصفياءِ الخلقِ في فردوسها والأنبياءُ وصحبُهم جيرانيا
وأرى إله العالمين كما يُرى بدرُ التمامِ على المشارفِ باديا
سبعٌ يفوزُ بها الشهيدُ كرامةً إنْ كنتَ ذا لبٍّ فقل لي: ما هيا؟
فالذنبُ يُغْفَرُ عند أولِ قطرةٍ وأرى المكانةَ في المنازل عاليا
والقبرُ يُؤْمَنُ هولُه وعذابُه يا فرحةً ومن القيامةِ ناجيا
ومُتَوَّجاً تاج الوقار وشافعاً في ذي القرابةِ قاصياً أو دانيا
والحور ترقب في اشتياقٍ مقبلي يا قبلةً هي دائيا ودوائيا
طرفُ العيون لوجنتيها جارحٌ سكرُ الجمالِ بلحظِها متعديا
لمّا رأت عيناي لَحْظَ عيونها سَكَنَتْ لذائذُ لحظِها أعماقيا
لمّا نظرتُ احترتُ في قسماتِها أيَّ الثمار ينالُ ثغري جانيا
فاقَتْ خيالَ المادحينَ لوصفها صُبّ الجمالُ على الجمالِ فأرويا
فنظرتُ في نحرٍ يشعُّ بياضُه فرأيتُ وجهي فانبهرتُ لحسنيا
قالت: نعم، هذا جمالُكَ إنني ما قد رأتْ عيناي مثلَكَ باهيا
فتزاحَمَتْ كلماتُ شوقٍ في فمي وتبدّدت بعد اشتباكِ أياديا
حتى إذا ما الصدرُ لامس صدرها رمتُ الثواني أن تكون لياليا
فمددتُ كفّي نازعاً أثوابها عن مثلِ درٍّ بالزبرجد خافيا
متلألأً نوراً بأندى طلعةٍ متغشّياً نجب البهاء تغشّيا
ضَحكتْ فأُسدِل وجهُها بجدائلٍ من بعد إطراق الحياءِ لفعليا
ولو اكتفيتُ مع الحديث بنظرةٍ فكأنّما الفردوس قدْ حِيزتْ ليا
ما بالكم والثغر يلثم ثغرُها متذوِّقاً شهداً محلّىً صافيا
ما بالكم بتعانقٍ وتلاعبٍ وأضمّها متعجّلا متأنّيا
ألهو بها متعجّباً من حسنها متلقّياً أكتافها متسلّيا
لا أنثني عنها ولا هي أشْبِعتْ رغباتها صار العليلُ مداويا
حتى إذا ذقتُ الذي أصبو له عادتْ كأنّ القبلَ لي متحدّيا
ما أن لبِثتُ لذي الجلال مسبحا حتى سمعت من الوراء مناديا
وإذا بها حسناءُ فاقَ جمالها من كنت أحسبُها الجمال الوافيا
قالت: أما لي في وصالك بُغيةٌ طال انتظاري يا حبيبُ وشوقيا
هلا صعَدتَ لمَنْ مَلَكْتَ فؤادَها فلرُبَّ طِبَّ المُغرَمين تلاقيا
ومضيتُ في كنَفِ الكواعِبِ قلتُ: الوداعُ وإذ بداعيةٍ ليا
كلّما متنقلا بين الحِسان ِ مُكَرّما بين المنازل صاعداً مترقيا
بين المنازل صاعداً مترقّيا شحذُ العزائمِ عن حطامٍ فانيا
عذري بأني ما انشغلتُ بغيرها يومَ التهى في الفانيات لواهيا
عذري بأنّي ما نظمْتُ قصائدي لحسانِ دنيا ما لهنّ وما ليا
لولا التطهرُ والتعطرُ ما دنا منها الرجالُ وما تغنّى غانيا
والله لو وُضعَت بأحلى حليةٍ لهي التي فيها الأذى متخفيّا
كلٌ تباكى في وصال ِ حبيبهِ وأنا على الحوراءِ أنظُمُ باكيا
والله أسأ لُ أن أوَفّيَ مهرها ما خاب من يدعو الإلهَ راجيا