صدر مؤخراً عن دار التوحيد بالعاصمة السعودية الرياض جزء للحافظ المحدث، شيخ الإسلام، علي بن عمر الدارقطني المتوفى سنة: (385). بتحقيق: محمد بن عبدالله آل عامر، وتقديم المحدث العلامة: عبدالقادر الأرنوؤط- رحمة الله- بعنوان: " أخبار عمرو بن عبيد المعتزلي، ويقع في (142) صفحة.
وقد قال محققه في مقدمته:"
فإِنّي لمَّا عَثَرْتُ على هذا الجزء في "أخبار عمرو بن عبيد بن باب المعتزلي وكَلامه في القرآن وإظْهَار بِدَعِه" للإمام الحافظ عليِّ بن عمر الدّارقُطْني المتوفى سنة (385ه*(رغبت في نشره للحاجة إلى مثله هذه الأيام من تصانيف علماء سلفنا الكرام ونحن نرى ما يكتبه كثيرٌ من الباحثينَ المعاصرينَ من دراساتٍ وأبحاثٍ حَوْل الفكر المعتزلي بعامة ورُموزه الأَوائِل بخاصةٍ، وما تحْويهِ تلك الدراساتُ والأبحاثُ من كذب وافتراء وطمسٍ للحقائق وتَغْييرٍ للمفاهيم الإسلاميةِ الصحيحةِ، بل وقلبِ للثوابِت والحقائِق العلميةِ والتاريخيةِ لهذه الفرقةِ الضالةِ، ورِجالها المزعومينَ.
ويأتي على رأس تِلْكَ الشخصياتِ التي حَظِيَتْ باهتمامٍ مريبٍ وإجلالٍ مصطنعٍ –من قِبل الدراساتِ والأبحاثِ- عَمرو بن عبيد بن باب البصريّ الذي يرجعُ إليه –مع قرينِهِ في الضلالةِ واصلِ بن عطاء- السببُ في نشأةِ فرقةِ المعتزلةِ، وإرساءِ أصولِها العقائدية، وشيخها الأول –بعد وفاةِ قرينهِ (131ه*(- لأكثر من عقد كامل من الزمن.
ومن المؤسف أنَّ ذلكَ لم يَعُدْ مقتصراً على الجهودِ الفرديةِ المباشرةِ من قبلِ بعضِ الباحثينَ، وإِنَّما تجاوزَ ذلك إلى تبنِّيهِ من قبل مؤسساتٍ ومنظماتٍ وجهاتٍ علميةٍ ورسميةٍ في بلادِ الشَّرقِ والغربِ متخذينَ من نشرِ الفكرِ المعتزليِّ المنحرفِ ودعمِهِ وتعزيزهِ والترويج له بكلِّ الوسائِل الحديثةِ –مع التركيزِ على فِكر عمرو بن عبيدِ بن باب- وسيلةَ من وسائِل حربِ الإسلامِ وأهلِهِ، بإلباسه ثوبَاً قشيباً وتقديمِه على أَنَّه حقيقة الإسلامِ الغائبةِ، وذلك لِما يحملُه هذا الفكرُ من انحرافاتٍ عقديةٍ خطيرةٍ، وتأويلٍ باطلٍ لآياتِ القرآنِ الكريم، وردٍّ لأحاديثِ السُّنَّةِ النبوية بما لمْ يعرفْ له سابقٌ في التاريخ الإسلاميِّ، بل وتَعدَّى ذلكَ إلى القدحِ في خيارِ هذهِ الأُمَّةِ بعد رسولها أصحابه رضي الله عنهم.
وهذا الجزء وعلى لطافةِ حَجْمِهِ، وقلَّةِ أخْبارِهِ احتوى عدداً من الوثائِقِ المهمَّةِ ذاتِ الصلةِ بالجانبِ العقديِّ والمنهجيِّ والأخلاقيِّ عند عمرو بن عبيد ابن باب، كما حمل رسائل صريحة وهَادفة كان من أبرزِهَا:
1- إبانة المصنف فيه عن موقِفِه من المعتزلةِ في عصر عرف كبارَ شُيوخهم، واتسم بمدٍّ اعتزاليٍّ جَارفٍ على مناحي الحياة الفكرية، وبرعايةٍ ودعمٍ من أكبرِ دولتينِ في العالمِ الإسلاميِّ آنذاك، وهُمَا بنو بُوَيْه في فارسَ والعراقِ، والفاطميون في شمالِ إفْريقْيَا وأَطرافٍ من بلادِ الشامِ.
وجاءَ هذا التوضيح في صورة إلقاءِ الضّوْءِ على أحدِ أَهَمِّ رُموزِهِم، والكشفِ عن حقيقةِ آرائِه المشينةِ وأَقْواله الخبيثةِ، وبيانِ أبعادِهِ وأهدافِه؛ فلم يكن هذا الجزء تقويماً صريحاً لشخص ابن عبيد وفكره فحسب، بل وللفكر المعتزلي بعامة، باعتباره واحداً من رؤوس شيوخهم، وصاحب كثير من الأفكار المنحرفة التي كانت –ولا زالت- تشكل الأصول الكبرى، والمعالم الرئيسة في الفكر المعتزلي.
2- كما نبه المصنف إلى ما ينبغي من القائمين بالأمر، في حق الدعاة إلى كل فكر أو منهج أجنبي عن عقيدة الأمة، وتعاليم دينها الإسلامي، من العقوبة الرادعة لا الإجلال والتقدير، وإضفاء هالة مصطنعة من التبجيل، وتقديمهم للناس على أنَّهم العلماء، والمفكرون، والمستنيرون، وأصحاب الفكر الحر... وغيرها من ألقاب الثناء وأردية الزور، وذلك من خلال إنهائه الجزء بخبر النهاية العادلة تحت حد السيف لَغيْلان القدري أحد أهم رؤوس المعتزلة على يد الخليفة الأموي- وهو المعروف بتورعه الشديد عن الدماء- هشام بن عبد الملك.
ولهذا اشتدت رغبتي في أن أضع بين أيدي القراء هذا الجزء؛ فضلاً عمّا سيجنيه القارئ من الفوائد الكثيرة الأخرى، مضيفاً إلى ذلك دراسة مُوْجزة دراسة مُوْجزة تضمنت:
1 - الترجمة لمصنَّف الجزء.
2- الترجمة لعمرو بن عبيد.
3- وصف النسخة المعتمدة في التحقيق.
4- منهج التحقيق.
ولم أُخْلِ النص من زيادات وتعليقات تفيد المطالع والباحث إن شاء الله، معتنياً بتوثيق النصوص والأخبار ما أمكن، وهو ما أعانني على تدارك ما وقع للناسخ من سقط أو وهم، وختمت صنيعي بفهارس مساعدة.