هناك كثيرٌ من الأخطاء التي يُمكننا أن نتجاوزَ ونتغاضَى عنها، وفي المقابل هناك بعضٌ مِن الأخطاء التي يَرْتَكِبها أناسٌ، ويترتَّب عليها كارثةٌ عُظْمى، وهو قتْل نفس بريئة، لا ذنبَ لها إلا أنَّها وثقَتْ بمَن وَصَفوا أنفسهم بملائكةِ الرحمة، وبعَملهم يُثيرون جراحًا يصعُب على الزمان مداواتها.

فسؤالي لهذا المجرِم الذي يتخفَّي خَلْفَ رداءٍ أبيضَ، الذي يرمُز بالطهارة والبراءة والنقاء؛ إلى متى سنتحمَّل الأخطاء غير المقصودة، وبعض التشخيصات الخاطئة التي قد يَنجُمُ عنها خسائرُ فادحةٌ لهذا المريض؟! فكم سمعْنَا وعِشْنَا مع أناس عانوا الكثيرَ جرَّاء ذلك، مما دفَع الكثيرَ منهم إلى طَرْق أبواب العِلاج خارج الدولة؛ لما يتميَّز بها أطباؤهم مِن أمانة ودِقَّة في تشخيص المرَض.

وهذه المشكلة ليستْ بجديدة، وإنما سلسلةٌ مِن الأخطاء التي باتتْ لا تُحتمَل، وأصبحتِ الخسارةُ خسارةً لفقداننا أرواح بريئة، لم تَرتكبْ أيَّ جُرْم إلا أنَّها وثقت بِمَنْ نُزِعَتِ الرحمة من قلوبهم، وقد تَمَّ مناقشة هذا الوضْع في كثير من البرامج الإذاعية التي تهتَمُّ بمشاكلِ المجتمع، وتجعل من مِنْبَرِها صدًى لأنفس تحاول التنفيسَ عن معاناتها، عسى أن تَجِدَ مِن مجيب.

فدولتنا تَمْنَح الأطبَّاءَ درجةً عالية من الاحترام والتقدير، وبعضًا من الامتيازات التي تَجْعَلهم في راحة تامَّة، إذا ما قُورِنت بالدول الأخرى، ولكن - للأسَف - هذه الرفاهية والامتيازات جعَلَتْ بعض من الأطباء يتناسَوْن واجبَهم تُجاهَ ما قَدَّمتْ لهم الدولة؛ فلذلك نُطالِب المسؤولين بالتمييز بيْن الأطبَّاء الذين يتفانون في عطائهم، ومَن يَتَّخذ من تلك المِهنة وسيلةً للرِّزْق، وهي أبعدُ مِن ذلك، ومحاسبة الذين نَسُوا المراقبةَ الإلهيَّة، واهتمُّوا بالمراقبة البشريَّة.

وللعلم فإن دولتنا قامَتْ بتوفير الأجهزة المتطوِّرة التي تستطيعُ الوقوفَ على بعضِ الأمراض المستعصية، واكتشافها قَبْلَ أن تُسيطر على هذا الجسدِ الضعيف، وبسبب جهْل بعضهم بكيفيةِ استخدامِ تلك الأجهزة، وحُسْن التعامل معها، أَدَّى إلى اكتشافِ المرَض في آخِرِ المطاف، وسيطرته، وفي النهاية يَقِف لمجابهة الموْت.

يا مَن حَمَلْتُم رسالة إنقاذ البشرية، ومداواة جِراحهم وآلامهم، إلى متَى الإهمالُ والتكاسُل، اللذين سنحصد منهما في النهاية زَهْقَ أنفس بريئة؟!


هل تستطيع أن تقِفَ بيْن يدي المولَى عندَما يسألك عنْ هذه الأرواح؟ كيف لك أن تعيشَ مستريحَ البال، عندما تَرْفع أمٌّ مكلومة يَدَيْها إلى السماء، تسأل الله أَخْذَ ثأرِها ممَّن أفْجَعها بفلذة كبدها؟! هل تخيلتَ نفْسَك في هذا الموقف في يوم مِن الأيام؟

حاسِبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا بِيَدِ مَن لا يَظلم أحَدًا.

أنتُم مَن قمتُم باختيار هذه المِهنة، وأخذتم عهدًا على أنفسكم بأدائها على أكملِ وجه، فكونوا أهلاً لها