ينبغي لنا –هنا- قبلَ أنْ يشتعلَ الخلاف، وتتفرّق الآراء، أنْ نتّفقَ على حدِّ (الحضارة)، و حدِّ (الأدبِ الإسلاميِّ)، وقد قلتُ في موضوعٍ آخر ما نصّه: في الحقيقة؛ إنّني (رأي خاص) أعتبر الأدب إسلاميّا في تلكَ العصورِ الثلاثة وفي هذا العصر الذي نعيشُ فيه، كونه أخذ نمطًا يوافق موضُوعُه وهدفُه الإسلامَ وتعاليمه، وإنّنا عندما نقول هذا لا يخطرُ ببالنا شيئا من الأوهامِ والخيالات أو ضعفًا في الكيانات الإسلاميّة، وفي رأيي: إنّه لم يكن الأدبُ "كلّه" في هذه العصورِ إسلاميّا، وإذا تحدّثنا عن الشّعر مثلاً وهو أدب فقد نجدُ شعرًا ماجنًا في هذه العصور، فتنتفي حينئذ إسلاميّته، وخلاصة قولنا: إنّ الأدب الإسلاميّ ليسَ هو أدب العصور التي جاءت بعد الإسلام، إنّما هو ما طُبعَ بطابع الإسلام، وكانَ عربيّا، ولو صُنعَ في العصر الجاهليِّ، وصدقَ رسولنا العظيم –صلّى اللهُ عليه وسلّم- : (أصدق بيت قالته الشعراء "ألا كل شيء ما خلا الله باطل") صحيح مسلم – ( 2256)
أمّا الحضارةُ؛ فهي في المعنى اللّغويّ (حضورُ أماكنِ الاجتماعِ وعدمُ البُدوِّ عنها)، لكن لمّا جاء المعنى الإسلاميّ نُسخَ المعنى اللّغويّ إلى (حضور الإسلام أماكنَ الاجتماعِ وغيرها)، فلو أنّ بدوًا عملوا بالإسلامِ هناكَ في البيداء حيثُ لا حسَّ ولا إنس، فالحضارةُ متحقّقةٌ فيهم، ولو أنّ رجلاً سكنَ شعفَ الجبال أو بطنَ الوديان، فارًّا إلى الله، فهو حضارةٌ وإن كانَ وحده، لقوله صلّى اللهُ عليه وسلّم: « مِنْ خَيْرِ مَعَاشِ النَّاسِ لَهُمْ رَجُلٌ مُمْسِكٌ عِنَانَ فَرَسِهِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ يَطِيرُ عَلَى مَتْنِهِ كُلَّمَا سَمِعَ هَيْعَةً أَوْ فَزْعَةً طَارَ عَلَيْهِ يَبْتَغِى الْقَتْلَ وَالْمَوْتَ مَظَانَّهُ أَوْ رَجُلٌ فِى غُنَيْمَةٍ فِى رَأْسِ شَعَفَةٍ مِنْ هَذِهِ الشَّعَفِ أَوْ بَطْنِ وَادٍ مِنْ هَذِهِ الأَوْدِيَةِ يُقِيمُ الصَّلاَةَ وَيُؤْتِى الزَّكَاةَ وَيَعْبُدُ رَبَّهُ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْيَقِينُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ إِلاَّ فِى خَيْرٍ ». صحيح مسلم – (4997)
وعلى ما تقدّم؛ فإنّنا نزعم أنّ الأدبَ الإسلاميَّ ضرورةٌ حضاريّة، الأدب الإسلاميّ من غزل وهميٍّ عفيف وهجاءٍ حقيقيٍّ مُوجّه لقوله –صلّى اللهُ عليه وسلّم: "إِنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ فِرْيَةً اثْنَانِ : شَاعِرٌ يَهْجُو الْقَبِيلَةَ بِأَسْرِهَا ، وَرَجُلٌ انْتَفَى مِنْ أَبِيهِ" صحيح ابن حبان – (بترتيب ابن بلبان 5785) ومن كلِّ نوعٍ يدورُ مع شرائعِ الإسلام وتُختارُ فيه القصصيّة والرّوائيّة الإسلاميّة، وتُوظّفُ فيه الأمثاليّة، كما كانَ أسلوبُ القرآن: {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }الأعراف176
ضرورةٌ، وأخصُّ الشّعرَ، فمنه نستطيعُ أنْ نُقدّم الإسلامَ وتعاليمه، لا شكّ؛ فالشّعر يُحفظُ ويُروى، ويؤثّر في النّفوس تأثيرًا بالغًا.
الإنسانيّة (المجتمعات، الذّكر، والأنثى) مُحتاجونَ للأدب الإسلاميِّ؛ لأنّه أدبٌ لأهداف نبيلة، العالم التي يركض كالكلب خلف موسيقى الرّاب يحتاجون لـلبرهان أوّلا، ثمَّ للشّعر والنّثر الإسلاميّ ثانيًا، الفتى والفتاة المسلمة يحتاجون للأدب الإسلاميّ فقد غرقوا في أوهام شعراء الحسّ والجسد، {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }الحشر19، والحمدُ للّه ربِّ العالمين.