منذ ما يقرب من ثلاث سنوات طرح أساتذتنا وإخواننا نقاشاً مثمراً عن قسم الأصول من كتاب الهادي في معرفة المقاطع والمبادي لأبي العلاء الهمذاني ( ت 569 هـ ) في ملتقى أهل التفسير على هذه الروابط :
ولأن النسخة الخطية التي كان النقاش يدور حولها ، وهي النسخة المحفوظة في دار الكتب المصرية بالقاهرة ، تحت رقم: ( 585 خصوصية/40792 عمومية ) ،فن (التفسير) ، ميكرو فيلم رقم : ( 42497 ) كنت قد تحصلت على مصورتها قديماً.
فإن أكثر ما استوقفني هو قول الأخ الفاضل الجنيدالله :
(( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كنت قد توصلت والحمدلله خلالالتنقيب في المخطوطات - والتي بتوفيق من الله تمكنت خلالها تصوير كمية لاباس بها منالكتب التي كان يظن انها مفقودة او التي كان يظن ان لها نسخة فريدة واكتشفت منهاعددا طيبا - ومنها توصلي والحمدلله الى وجود نسخة من كتاب الكشف والبيان في معرفةماءات القران لابي العلاء العطار فقمت بتصويرها
واولها ( الحمدلله وسلام علىعباده الذين اصطفى أما بعد فان علمي بميلك الى معرفة الماءات وخبري بان حاجتك اليها ) وذكر مقدمة للكتاب تقع تقريبا في سبع لوحات ثم شرع في الباب الاول منالكتاب
والنص الذي نقله الاخ حسين المطيري يقع في هذه النسخة عند اللوحة 45
والنسخة في 86 لوحة مع العنوان ومكتوبة في القرن السابع
وخطها نسخيواللوحة 17 سطرا
فوضح من هذ تداخل كتابين للمؤلف في النسخة المصرية
لعل اننظفر بنسخة تامة للكتاب الاخر ان شاء الله )).
فراسلته ثلاث مرات ، رجوته في الحد الأدنى أن يخبرني عن مكان وجود هذه النسخة من كتاب الكشف والبيان عن ماءات القرآن لأبي العلاء الهمذاني ، ويبدو أن مشاغله وظروفه الحياتية قد منعته من الرد على جميع رسائلي ، فيممت وجهي شطر إخواني الذين أعرفهم من أهل مكة المكرمة والمدينة المنورة ، وأخبروني بأن ظروف الأخ الفاضل الصحية - شفاه الله وعافاه - تمنعه من التواصل مع أعضاء الملتقى المبارك.
فتوكلت على الله - سبحانه وتعالى - ، وبدأت رحلة شاقة مضنية للبحث عن هذه النسخة ، وأخيراً وجدت أنها محفوظة ضمن مخطوطات مكتبة مانيسا العامة في تركيا ، وأنها ضمن مجموع ، يسبقها كتاب الغاية في القراءات العشر لابن مهران النيسابوري ، في تسع وأربعين ورقة ، ثم كتاب الكشف والبيان ، من ورقة 50 - 143 ، ثم نقول وروايات مختلفة لأحد تلاميذ أبي العلاء الهمذاني عن شيخه بسنده.
وقد قيض الله سبحانه وتعالى في سبيل الحصول على هذه النسخة العالم العامل فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أحمد الدالي ، الذي لا ينتظر شكراً من أحد ، ولا يمنع فضلاً عن أحد ، حتى ولو غلب على ظنه أن هذا الشخص قد قصر في شكره !
وما يهمنا الآن هو أن هذه النسخة قد فتحت لي أبواباً رحبة في البحث العلمي :
أولها : أنه قد توفر لدي ثلاث نسخ من كتاب الكشف والبيان عن ماءات القرآن ؛ إحداها نسخة مكتبة مانيسا العامة ، والثانية نسخة دار الكتب المصرية ، والثالثة نسخة إحدى مكتبات الشيعة ، وهي محفوظة ضمن مجموع مضطرب الترتيب.
ثانيها : أن مقدمة كتاب الكشف والبيان ساهمت في تصحيح نسبة ثلاث نسخ من كتاب في الماءات لحمد بن علي بن نصر الهمذاني ( ت نحو 400 هـ ) ، موجودة في حوزتي ، ولا يرد فيها ذكر المؤلف.
ثالثها : بدأت رحلة البحث داخل دار الكتب المصرية عن النقص الواقع في المجموع الذي يضم كتابين لأبي العلاء الهمذاني ، وهما : الهادي في معرفة المقاطع والمبادي ، والكشف والبيان عن ماءات القرآن.
وقد تبينت لي جملة من الحقائق العلمية ، أعرض لها بإيجاز فيما يلي :
1- هذا المجموع كان محفوظاً لدى أحد علماء مدينة حلب ، في القرن الثاني عشر الهجري ، وهو رئيس فقهاء المذهبين الشافعي والحنفي في (حلب) إبراهيم بن محمد بن محمد البخشي الحلبي ( ت 1136 هـ ) ؛ حيث كتب بخطه في أعلى الصفحة الأولى من الكتاب اللوحة رقم ( 2 ب ) أن المجلد قد انتظم في سلك ملكه ، ثم انتقلت هذه المجلدة من حلب - لسبب ما - إلى دار الكتب المصرية بباب الخلق في القاهرة ، وأثناء عملية نقل المكتبة إلى موقعها على كورنيش النيل ، ولأن المجموع كانت أوراقه مفككة ، وبحاجة للترميم ذهب عنوان المجموع ، ووجه الورقة الأولى في الدشت ، وانفصل جل المجموع عن أصله ، فحفظ تحت رقم وفن مغايرين لرقم الأصل وفنه.
2- أن النقص الواقع في أول النسخة لا يتجاوز عنوان المجموع ، ووجه الورقة الأولى ، وفيه مقدمة موجزة ، وسرد لأسماء العلماء الذين صنفوا في الوقف والابتداء ؛ من أهل ( المدينة ) ، و( البصرة ) ، و( الكوفة ) ؛ حيث كان آخر من ذكرهم من أهل ( الكوفة ) هو : أبو نعيم ضرار بن صرد التيمي ( ت 229 هـ ).
فقد جاء تحت عبارة البخشي السابقة بخط ناسخ الكتاب : (( ضرار بن صرد التيمي. ومن أهل ( الجبل في خراسان والري ) [ غير واضحة ] : أبو المنذر نصير بن أبي نصير ، وهو نصير بن يوسف النحوي الرازي ................ )).
3- أن المجموع بتمامه محفوظ في دار الكتب المصرية ، وهو يضم كتاب الهادي في معرفة المقاطع والمبادي ، والكشف والبيان عن ماءات القرآن ، أما مكان وجود باقي المخطوط ، والفن ، ورقم الحفظ فهو ما سأترك الإجابة عنه لثلاثة من فرسان جامعة الأزهر يتهيأون حالياً للتسجيل في تحقيق ودراسة كتاب الهادي في ثلاث رسائل دكتوراه.
4- أن النسخة المصرية من كتاب الكشف والبيان هي أتم نسخ الكتاب ، ويكفي أن نقارن هذا النص في نسختي مكتبة مانيسا ، ودار الكتب المصرية :
ففي نسخة مانيسا ل 43 أ – ب : (( الباب الثالث في أشياء بأعيانها : (( ومنها ( لولا ) ، وهي على ضربين ؛
أحدهما : أن يأتي لامتناع شيء لوجود غيره ، ويليه المبتدأ والخبر ؛ كقوله تعالى : " فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين ".
والآخر : أن يأتي للتخصيص بمعنى ( هلا ) ، ويليه الفعل مظهراً أو مضمراً ؛ كقوله تعالى : " لولا يكلمنا الله " ، " لولا اجتبيتها " ، " فلولا كان من القرون " ، ونظائرها ........
والفرق بينهما في اللفظ : أن الداخلة على المبتدأ والخبر يُخفض الصوت بـ ( لو ) ويرفع بـ ( لا ) كما يخفض بحرف الجزاء ؛ لأنهما تشابها من حيث المعنى ، وذاك أن ( لو ) حرف يدل على أن الشيء يكون لكون غيره وكذلك حرف الجزاء ، ويتشابهان من وجه آخر ، وهو أن ( لو ) يلزمه الجواب كما أن حرف الجزاء كذلك ، والسبب // في ذلك : أن الثاني في كل واحد منهما إنما يجب بوجوب الأول *
[ هنا النقص ]
وأما التي للتخصيص ، فإن الصوت يرتفع بـ ( لو ) ، وأختصر منهما في الفرش على ذكر التي للتخصيص ؛ للعلم بأن ما عداها للنفي.
ومنها : ( أَنْ ) المفتوحة الهمزة الخفيفة .................. )).
وفي نسخة دار الكتب المصرية أول اللوحة رقم 163 ب : (( ( لو ) كما حرمت ( إن ) وأخواتها من حروف المجازاة ؟
فالجواب : أن حرف المجازاة إنما تقع لـَمَّا لم يقع ، ويصير الفعل الماضي معها في معنى المستقبل ، تقول : إن زرتني أكرمْتك ، وهذا كما تراه لم يقع ، وإن كان لفظه لفظَالماضي ؛ لما أحدثته فيه ( إن ) ، و( لو ) يقع الفعل بعدها في معنى الماضي ، تقول : لو جئتني أمس لأكرمتك ، فلذلك لم تدخل ( لو ) في حروف المجازاة
وأما التي للتخصيص ، فإن الصوت يرتفع بـ ( لو ) ، وأقتصر منهما في الفرش على ذكر التي للتخصيص ؛ للعلم بأن ما عداها للنفي.
ومنها : ( أَنْ ) المفتوحة الهمزة المخففة .................. )).
وأترك البقية للفارس الرابع الذي بدأ في تحقيق الكتاب لنيل درجة الماجستير من جامعة الأزهر الشريف.