نبدأ في شرح كتاب الإجماع لأبن المنذر مستعينين بالله - تبارك وتعالي - . أول إجماع نقله ابن المنذر قال: كتاب الطهارة بدأ يسرد لنا الإجماعات التي في كتاب الطهارة
أولًا: شرح كتاب الطهارة لأبن المنذر .
فقال الإمام الفقيه المجتهد أبو بكر بن محمد بن إبراهيم بن المنذر- رحمه الله تعالي - قال: كتاب الطهارة 1-( أَجْمَع أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَي أَنَّ الصَّلَاة لَا تَجْزِيء إِلَا بِطَهَارَةٍ إِذَا وَجَد الْمَرْءُ إِلَيْهَا الْسَّبِيل )
الشرح
ما معني كتاب الطهارة ؟
الطهارة: هي رفع الحدث وإزالة الخبث ، هذا ما يسمي في عرف الفقهاء بالطهارة .
رفع الحدث: أي إنسان غير متوضأ فيتوضأ فيرتفع حدثه ، أو إنسان جنب فيغتسل فيرتفع حدثه .
إزالة ا الخبث: كالاستنجاء وغسل النجاسة من علي الثوب أو البدن أو الإناء أو نحو ذلك .
شرح معني الإجماع
الإجماع الأول :يقول:-( أَجْمَع أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَي أَنَّ الصَّلَاة لَا تَجْزِيءُ إِلَا بِطَهَارَةٍ إِذَا وَجَد الْمَرْءُ إِلَيْهَا الْسَّبِيل )
لاحظ أن الإمام - رحمه الله - ذكياً فقيهًا فطنًا يضع الكلمة في موضعها ، لم يقل: أجمع أهل العلم علي أن الصلاة لا تجزيء إلا بوضوء ، وإنما قال:( إِلَا بِطَهَارَةٍ )، لماذا ؟! لأن الإنسان قد لا يجد ماءً فيتطهر بالتيمم , إذًا أراد أن يجمع الماء والتيمم معًا ، فقال: ( أَجْمَع أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَي أَنَّ الصَّلَاة لَا تَجْزِيءُ إِلَا بِطَهَارَةٍ )ثم وضع قيدًا فقال: ( إِذَا وَجَد الْمَرْءُ إِلَيْهَا الْسَّبِيل )أي إذا كان يستطيع أن يتوضأ ، أو يستطيع أن يستعمل الماء فقد يوجد الماء والإنسان مريض منعه الأطباء من أن يمس الماء فيتيمم لكي يصلي.
مادليله الإجماع الأول ؟
دليله ما رواه البخاري وسلم أن النبي - صلي الله عليه وسلم - قال: " لَا يَقْبَل الْلَّه صَلَاة أَحَدِكُم إِذَا أَحْدَث حَتَّى يَتَوَضَّأ " ، وكذلك دليله قول الله – عز وجل -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ (المائدة:6) إذًا﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ ﴾ أمر الله - عز وجل - بالوضوء للصلاة .
الإجماع الثاني .
وقد أجمع أهل العلم (عَلَي أَن لِمَن تَطَهَرَ لِلْصَّلاة أَن يُصَلِّي مَا شَاء بِطَهَارَتِه مِن الْصَّلَوَات ، إِلَا إِن يُحْدُث حَدَثاً يَنْقُضُ طَهَارَتَهُ). الإجماع الإنسان إذا توضأ يجوز أن يصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر يصلي ما شاء من الصلوات ما دام علي طهارته وعلي وضوءه .
ما الدليل علي ذلك؟ وقد قال الله - عز وجل -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ﴾ إلي آخر الآية الكريمة أي أمرنا بالوضوء كلما قمنا إلي صلاة ؟! ظاهر الآية أنك يجب أن تتوضأ لكل صلاة لكن فعل النبي - صلي الله عليه وسلم - أبان لك أن الإنسان إذا جاء وقت الصلاة أو أراد أن يصلي نافلة وهو ما زال علي وضوئه، فليصلي بدون أن يجدد الوضوء .
أينوجدنا هذا ؟! وجدنا هذا حينما افتتح النبي - صلي الله عليه وسلم - مكة كما سبق في صحيح مسلم ، لما افتتح النبي - عليه الصلاة والسلام - مكة صلي يوم الفتح الصلوات كلها بوضوء واحد كما في حديث بُريدة رضي الله عنه وهو يقول: " كَان الْنَّبِي - صَلَّي الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - يَتَوَضَّأ لِكُل صَلَاة ، وَفِي يَوْم الْفَتْح صَلَّي الْصَّلَوَات كُلَّهَا بِوُضُوْءٍ وَاحِد ، فَقَال لَه عُمَر - رَضِي الْلَّه عَنْه -: يَا رَسُوْل الْلَّه فَعَلْتَ شَيْئا لَم تَكُن تَفْعَلُه قَال: أَجَل ، فَعَلَتُ ذَلِك عَمْدا يَا عُمَر " أي أن النبي - صلي الله عليه وسلم - تعمد أن يصلي أكثر من صلاة بوضوء واحد ، حتى لا يظن الناس أنه يجب علي الإنسان أن يتوضأ لكل صلاة حتى ولو كان متوضًئاً - صلي الله عليك يا رسول الله - .
الإجماع الثالث .
) -3 وَأَجْمَعُوَا عَلَى أَن خُرُوْج الْغَائِط مِن الدُّبُر، وَخُرُوْج الْبَوْل مِن الْذَكْر وَكَذَلِك الْمَرْأَة، وَخُرُوْج الْمَنِي، وَخُرُوْج الْرِّيح مِن الدُّبُر، وَزَوَال الْعَقْلِ بِأَي وَجْه زَال الْعَقْل:أَحْدَ ثٌ يَنْقُضُ كُل وَاحِدٍ مِنْهَا الْطَّهَارَة، وَيُوْجِب الْوُضُوْء(
هذه نواقض الوضوء المجمع عليها المتفق عليها ، هناك نواقض أخري فيها خلاف بين أهل العلم.
1-( خُرُوْج الْغَائِط مِن الدُّبُر) لقول الله عز وجل ﴿ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ ﴾ (المائدة:6).
2-(وَخُرُوْج الْبَوْل مِن الْذَكْر) معروف البول والغائط من نواقض الوضوء 3-(وَكَذَلِك الْمَرْأَة)، ما معني كذلكالمرأة ؟ أي المرأة إذا خرج منها بولٌ أو غائط أو نحو ذلك كالرجل تمامًا يجب عليها أن تتوضأ .
4-(وَخُرُوْج الْمَنِي )خروج المني يبطل الطهارة ولو كان متوضئاً انتقض وضوءه.
5-(وَخُرُوْج الْرِّيح مِن الدُّبُر)، وقول خروج الريح من الدبر ينقض الوضوء أي أن الريح لو خرج من مكان آخر لا ينقض الوضوء أو فيه خلاف بين أهل العلم.
والراجح: أن الريح الذي ينقض الوضوء إنما هو الذي يخرج من الدبر ويسأل كثير من الأخوات الكريمات علي الريح الذي يخرج من قُبل المرأة
هل هذا الريح ينقض الوضوء ؟! الراجح من كلام أهل العلم أنه لا ينقض الوضوء .
6-(وَزَوَال الْعَقْلِ ) أي وزوال العقل ينقض الوضوء , وهو أنواع:
1- زوال العقل بالنوم المستغرِق .
2- زوال العقل بالإغماء .
3- زوال العقل بالجنون .
4- زوال العقل بالسكر .
كل هذا ينقض الوضوء أي لو إنسان أُغمي عليه وكان متوضئاً انتقض وضوءه ، لو إنسان سكر و العياذ بالله انتقض وضوءه وهكذا .
هل النوم ينقض الوضوء ؟
العلماء قالوا: إذا كان نومًا خفيفًا أي عبارة عن إغفاءة أو سِنة من النوم هذا لا ينقض الوضوء ، سواءٌ كانت هذه الإغفاءة وأنت جالس ، أو كنت مضجعًا ، أو راكعًا ، أو ساجدًا مادام إغفاءةً وأنت ما زلت بشعورك لم تستغرق ، ولم يزل شعورك أعلم أن وضوءك ما زال صحيحًا إذًا .
ما هو النوم الذي ينقض الوضوء ؟ النوم الذي ينقض الوضوء هو النوم المستغرِق أي إنسان نام نومًا مستغرِقًا زال شعوره هنا انتقض وضوءه والدليل: قول النبي - صلي الله عليه وسلم: " الْعَيْنُ وِكَاءَ الْسَّهِ فَمَن نَام فَلْيَتَوَضَّأ "الْسَّه: حلقة الدبر ، الوِكاء: هو الرباط .
مادام الإنسان منتبهاً ويشعر بكل شيء إذا خرج منه ريح عَرِف وعَلِم أما إذا نام فقد استطلق الوِكاء أي الرباط انفك أي قد يزول شعوره فيخرج منه ريح فيبطل وضوءه وهو لا يدري .
الإجماع الرابع .
يقول الإمام ابن المنذر - رحمه الله تعالي -:( وَأَجْمَعُوَا عَلَي أَن دَم الاسْتِحَاضِة يَنْقُض الْطَّهَارَة ، وَانْفَرَد رَبِيْعَةُ فَقَال: لَا يَنْقُض الْطَّهَارَة ).
دم الإستحاضة ينقض الطهارة و هناك حيض و استحاضة .
الْفَرَق بَيْن الْحَيْض و الِاسْتِحَاضَة.
الْحَيْض:هو دم يخرج من المرأة من الموضع المعتاد كل شهر مرة ، أو عادة تعرفها المرأة , وينقض الطهارة وهذا معروف.
الِاسْتِحَاضَة.: نزول الدم في غير ميعاده .
هَل الْاسْتِحَاضَة تُنْقَض الْطَّهَارَة ؟ نعم تنقض الطهارة ، ولذلك لما استحيضت زينب بنت جحش - رضي الله عنها - وسألت النبي - صلي الله عليه وسلم - فقال: " تَوَضَئِي لِكُل صَلَاة "حتى لو توضأت وما زالت علي وضوئها تتوضأ لكل صلاة ،لأن الدم ينزل منها دائمًا ، و تصلي مع نزول الدم.
تنبيه: أنا أنبه علي هذه النقطة لأن كثير من أخواتنا قد لا تعرف أن الإستحاضة يجوز معها الصلاة ، بعض النساء تقول نزل علي دم فتمتنع عن الصلاة شهرًا شهرين والدم نازل فهذا الدم يسمي نزيف ، الدم الذي يمنع الصلاة هو دم الحيض عادتها خمسة أيام في كل شهر ، عادتها ثلاثة أيام ، عادتها سبعة أيام ، إلي آخره في هذه الأيام السبعة انتهي الحيض واستمر الدم لعشرين يومًا ، هل تمتنع عن الصلاة ؟ لا ، يجب عليها أن تغتسل للحيض مع نهاية الحيض ، ثم تبدأ الأخت المسلمة تتوضأ لكل صلاة وتصلي مع نزول الدم ، لأن النزيف أو الإستحاضة كما يسميها الفقهاء لا تمنع المرأة من الصلاة .
قال:( وَأَجْمَعُوَا عَلَي أَن دَم الاسْتِحَاضَةَ يَنْقُض الْطَّهَارَة ) أي تتوضأ لكل صلاة , ، (وَانْفَرَد رَبِيْعَةُ فَقَال: لَا يَنْقُض الْطَّهَارَة) أي لم يخالف من أهل العلم لا من الصحابة ولا من التابعين ولا من الفقهاء الأربعة أحدٌ إلا ربيعة - رحمه الله - ، وإمام جليل هو شيخ الإمام مالك ربيعة الرأي انفرد فقال: لا تنقض الطهارة ، لكن الراجح :أنها تنقض الطهارة كما قال جمهور أهل العلم .
الإجماعات كسلاسل الذهب: يفرح بها الفقهاء جدًا لأن المسألة إذا ثبت فيها إجماع لا خلاف فيه ، أما المسائل التي فيها خلاف لابد أن تجمع أقوال الفريقين ، وأدلة الفريقين ، ثم تحاول أن تأخذ الراجح من كلام أهل العلم إلي غير ذلك ، لكن المسألة التي فيها إجماع لا يجوز لأحدٍ أن يُحدِث قولًا جديدًا بعد الإجماع . يتبع ان شاء الله