بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ..
لا أحد هنا يشكك في قيمة صحيح مسلم للأمة الإسلامية ، وهو مع ذلك لم يُخدم الخدمة التي تليق به ، تحقيقا ، وضبطا ، وشرحا ، براوياته المشرقية والمغربية .
لذا أردت فتح هذه الصفحة في المجلس العلمي لمناقشة الآراء والأطروحات التي تساعد في خدمة هذا السِّفر الجليل الحبيب إلى قلب كل مسلم.
ولا أدري متى يتيسر لنا من يندُب نفسه لخدمة هذا الكتاب ، كما ندب السلطان عبد الحميد جماعة من العلماء لخدمة صحيح البخاري ؟ حقيقة هذا استفسار يحتاج إلى أناة شديدة قبل الإجابة عليه ؛ إذ إن مسالك الإجابة وعور وقفار .. فالأناة الأناة والحذر الحذر !
وكأني ببعض الإخوة يسألون: قد طبع صحيح مسلم مئات الطبعات فما الداعي لإعادته وإنفاق الأموال والأعمار عليه؟ أقول : إن طبع صحيح مسلم في مبتدأ الأمر يحتاج إلى ثلة من العلماء لتمييز الروايات والنُّسخ كما فعل بصحيح البخاري ، فالطبعات التي خرجت لمحققيها اهتمامات مختلفة ؛ فبعضها ضبط للنص دون عناية بالرواية ، وبعضها محاولة لإخراجه بصورة حسنة ، وبعضها لخدمة شرح مصنِّف آخر! وبعضها للعناية بالترقيم والتنسيق بين الروايات الداخلية للكتاب .. وهكذا فتتعضّد واحدة بأخرى ! فلا يقاس الواقع على المفروض .
وليس معنى قولي أن الكتاب مشحون بالأخطاء والتصحيفات والتحريفات إلى غير ذلك من المعاني الساذجة التي لا تنطلي على مجوِّدي أهل التحقيق ؛ إنما الغرَض من ذلك إظهار هذا الكتاب في مكانته المرموقة ، ولا أعني بذلك أن يخريج في حلة قشيبة ملونة بالأحمر والأسود مع الورق الفاخر والتطريز على الصفحة ! على حساب النص وضبطه وإتقان رواياته !!
ويعد كتاب " صيانة صحيح مسلم من الإخلال والغلط وحمايته من الإسقاط والسقط " لأبي عمرو بن الصلاح من أشهر الكتب التي ألفت في العناية الفنية بهذا السفر ، ومع ذلك يحتاج صحيح مسلم – في عصرنا – إلى أضعاف هذا الكتاب ! ليس لتحقيق أصوله ، وإنما لتجويد روايته وتدبيج أركانه .
والكلام هنا ليس من فضلة العلم ، بل من أصله وأرومته ، والكلام عن الكتاب أو مؤلفه لا يحتاج إلى مزيد بيان ، وإنما المحتاج إليه بيان وتوضيح هو أهمية العناية بروايات صحيح مسلم ومدى الاختلافات التي طرأت في تلك الروايات ، مع المرور إلى النسخ الخطية التي حملت الروايات جمعًا وفحصًا وتدقيقًا وتقديرًا ، ثم النظر بعد ذلك في نص الكتاب بمنهج يقارب ما قام به الشيخ أحمد شاكر في طليعة سنن الترمذي التي لم تكتمل !
والكلام في ذلك يطول ، لكنه أحوج إلى إثراءاتكم منه إلى مشاهداتكم ، كتب الله أجري وأجركم وجعله لوجهه خالصًا .