قالت عائشة - رضي الله عنها -:" كان النبي - صَلَّي الْلَّه عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم - إذا أراد سفرًا أقرع بين نسائه فخرج سهمي في هذه الغزوة فخرجت مع النبي - صَلَّي الْلَّه عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم - بعدما ضُرب الحجاب فأنا أوضع في هودجي وأرحل فيه " .
الأدلة علي فرضية الحجاب: هي تقول بعد الحجاب: أي بعد ضرب الحجاب توطئة لقولها أوضع في هودجي فأنا أركب في هودجي وأرحل فيه ، لأن القائل إذا قال: لما تركب في الهودج ؟! فيقال: لأن الحجاب ضرب فكأنها قالت ذلك كالتوطئة كسبب أو كجواب لمن يقول: لما تركب في هذا الهودج ؟! فيقول: ضُرب الحجاب .
متى ضُرِبَ الحجاب؟ضُرِبَ الحجاب علي الراجح في سنة أربعة من الهجرة ، وكانت غزوة بني المصطلق في سنة خمس هجرية .
مالمقصود بالحجاب هنا؟ هو النقاب (وهو تغطية الوجه وجميع البدن )، هذا هو المقصود بالحجاب . ولما اختلف الناس في كشف الوجه أستعير هذا اللفظ أو غلب استخدامه علي التي تكشف وجهها ، وقيل النقاب في التي تغطي وجهها لكن لفظة الحجاب تشمل تغطية الوجه ،.
أدلة مشروعية الحجاب من الكتاب والسنة: وهذا النقاب وردت فيه آية في كتاب الله - عز وجل - وأحاديث كثيرة في السنة النبوية فقول الله - عز وجل -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ (الأحزاب: 59) ، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ :
هذا رد علي الذين يقولون إن النقاب خاص بأزواج النبي - صَلَّي الْلَّه عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم - فقط ، لأن الآية صريحة ﴿ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ﴾الإدناء إدناء الجلباب: أن يضرب من الرأس حتى القدم . قال ابن حزم - رحمه الله -: ( لا أعلم في معني الجلباب إلا أنه يضرب من الرأس إلي القدم )، وصححه القرطبي وابن كثير . فهذا نص من الله - تبارك وتعالي - في مشروعية النقاب علي الأقل ، وفي حديث عائشة - رضي الله عنها - حديث الإفك الذي نشرحه
قالت:" فغلبني النوم فنمت بعد أن انصرف الناس فدلج صفوان بن المعطِل السلمي فعرفني وكان يراني قبل الحجاب فاسترجع " أي قال إن لله وإنا إليه راجعون .قالت:" فخمرت وجهي بجلبابي "
، ما معني هذا الكلام عند العقلاء ؟! ما معني خمرت وجهي بجلبابي ؟ أي غطيت ، وقولها " كان يراني قبل ضرب الحجاب " يبين لك أنها كانت كاشفة وجهها فعرفها فهذا أيضًا يدل علي أن النقاب كان موجودًا ، وقوله - عليه الصلاة والسلام -: " لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين " ، ما معناه ؟ لا تنتقب المرأة المحرمة هذا يدلك علي أن غير المحرمة كانت تنتقب فلما أحرمت المرأة أبان لها عن حكم شرعي خاص بفريضة الحج فقال: " لا تنتقب المرأة المحرمة " وهذا يسميه العلماء كما شرحنا ذلك في بعض الدروس( مفهوم المخالفة )الوجه الثاني للدليل أو الوجه العكسي لمنطوق النص كقول الله - عز وجل -: ﴿ إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ﴾ (الحجرات:6) ، فما هو ظاهر هذا النص ؟ أن الفاسق لو أتاك بخبر تبين ولا تسلم به ، ما هو الوجه الآخر؟ أن العدل الصادق إذا جاءك بخبر فلا عليك أن تتبين لماذا ؟ لأن الفاسق هو الذي تتبين منه ، إنما العدل الصادق فلا عليك ألا تتبين منه .
فدل ذلك علي أن النقاب كان موجودًا في زمان النبي- صَلَّي الْلَّه عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم - الوجه الآخر أن العدل الصادق إذا جاءك بخبر فلا عليك أن تتبين ، لماذا ؟ لأن الفاسق هو الذي تتبين منه ، إنما العدل الصادق فلا عليك ألا تتبين منه فدل ذلك علي أن النقاب كان موجودًا في زمان النبي - صَلَّي الْلَّه عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم - ، وكذلك قول عائشة - رضي الله عنها -: "كان الرجال إذا حازونا_أي في الحج_ أسدلت إحدانا شيئًا علي وجهها ، فإذا جاوزونا كشفناه "أي كشفنا الوجه .
وهناك أثر صحيح رواه مالك في الموطأ عن أسماء بنت أبي بكر أيضًا قالت: "كنا نغطي وجوهنا من الرجال وكنا ننتشط قبل ذلك" وهذا سند صحيح جدًا . فهذا يبين لك أن النقاب كان موجودًا
إن ترجمان القرآن ابن عباس - رضي الله عنه - لما سئل عن هذه الآية ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ﴾ (الأحزاب: 59) فقال: ( تغطي وجهها وتبدي عينها أليسري) ما معني هذا الكلام ؟ إذا سمعه رجل يفهم العربية لا يفهم إلا أن الوجه مغطي وتكشف عين واحدة فقط ، وهذا ابن عباس لا يُعلم له مخالف .
وسأل محمد بن سيرين عبيدة السلماني - رضي الله عنه - وهو من التابعين الفحول سأله عن هذه الآية فأرخي عبيدة السلماني ثوبه وغطي وجهه وأبرز عينًا واحدة ، هذا هو المفهوم من الآية

فهذا الحجاب الذي عنته السيدة عائشة - رضي الله عنها - هو النقاب ، وقد يفهم من معني الحجاب هو الحجب وليس مجرد ستر البدن ، بل حجب الشخص نفسه كقول الله عز وجل: ﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنّ َ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ (الأحزاب:53) فالحجاب هنا المقصود به: حائل كستارة أو نحو ذلك أو جدار ، فهذا أيضًا داخل في معني الحجاب فالحجاب قد يكون من خلف هذا الستر ، وقد يكون هذا الحجاب بضرب النقاب علي الوجه.
وقد استفاضت الأخبار بأن التابعين والصحابة كانوا يدخلون علي السيدة عائشة - رضي الله عنها - يسألونها العلم ، وقد روي البخاري في صحيحه من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: " كان النبي - صَلَّي الْلَّه عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم - في بيتي إذ جاءت سودة بعدما ضرب الحجاب ، وكانت سودة - رضي الله عنها - وهي زوج النبي - عليه الصلاة والسلام - خرجت إلي الصحراء لتقضي حاجتها " ولعلكم لو تذكرون سياق حديث الإفك لما سقناه بكامله أن عائشة - رضي الله عنها - قالت: " ولم تكن العرب تتخذ كنفًا في البيوت " لم تكن هناك دورات مياه في البيوت فكانت المرأة إذا أرادت ، أو الرجل إذا أراد الحاجة خرج إلي الصحراء . فسودة - رضي الله عنها - خرجت وكانت امرأة بدينة يعرفها كل أحد حتى وإن ضربت النقاب علي وجهها تعرف من بدانتها " فرآها عمر فقال: يا سودة انظري كيف تخرجين فوالله ما تخفينا علينا فرجعت غاضبة إلي النبي- صَلَّي الْلَّه عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم -وإنه ليتعرف عرفًا " العرق: وهو الذراع الأمامي للشاة . يتعرق: أي يأكل بقية اللحم التي بين العروق " إذ دخلت سودة - رضي الله عنها - وحكت له ما جري من عمر فنزل عليه الوحي ثم سري عنه ، ثم قال لسودة: إن الله قد أذن لكن في قضاء حوائجكن "
ما الذي أراده عمر ؟ أراد أن يحجب النبي نساءه فلا يخرجن البتة ، أي ما اكتفي عمر بأن ضُرب النقاب وأنهن مستترات الأبدان ، فأراد أيضًا أن يكن مستترات الأشخاص فمُنع من ذلك لما فيه من المشقة والحرج إذا قصرهن في البيوت . فهذا هو معني قول عمر " يا رسول الله احجبنساءك " حتى بعدما ضرب النقاب يقول له " احجب نساءك " أي يريد أن يكن مستترات الأشخاص .
من الشريط الثاني من حادثة الإفك