بسم الله الرحمن الرحيم
حقوق المـرأة
و
الواقع الافتراضي
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين ، نبينا محمد و على آله وصحبه أجمعين .
و بعد، فلا يخفى على أحد تزايد وتفاقم االدعوات في العالم الاسلامي إلى تغريب المرأة ، و تجريدها من دينها و أخلاقها و شرفها وعفافها تحت مسمَّى " تحرير المرأة" تارةً ، أو "حقوق المرأة " تارةً أخرى ، أو " إصلاح الأسرة " ، أو غيرها من الأسماء المتلونة غير محدَّدة المعنى ، و ذلك في ظل الظروف الراهنة التي نعيشها في هذه الأيام من تسلط غربي على كل ما يَمُتُّ إلى الاسلام بِصِلة ، و صدق الله عز و جل القائل في محكم كتابه : {و لايزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم ان استطاعوا } ، و قال تعالى عن أهل الكتاب {و ودُّوا لو تكفرون }.
ـ ولكن هل حقاً المرأة في الإسلام مضطهدة ممتهنة ، وهل الغرب قدَّم للمرأة أفضل مما قَدَّمه لها الاسلام ، أم أنَّ الغرب يريد منَّا أن نلبس نظارات محدَّدة مسبقاً بحيث نرى بالضبط ما يريده الغرب ، حتى ولوكان ذلك غير ما هو مشاهدٌ و مشهودٌ به على أرض الواقع ، وهل وصلنا إلى درجة من الانهزامية و الانبطاح الثقافي بحيث لم نعُد نعرف أننا ننظر بعيون غربية إلى "واقع افتراضي" .
...........[ للتوضيح : الواقع الافتراضي هو ما يراه الشخص عندما يلبس نظاراتٍ معيَّنة تتصل بتقنية عالية بحيث يعتقد ـ وقتياًـ أنّ ما يراه من صور ومشاهداتٍ هي حقيقة ، وبالتالي يتصرف وفق ذلك الانطباع ]..............
فلنستعرض إذن بعض الثوابت التشريعية الخاصَّة بالمرأة في الاسلام ، وكذلك في القوانين الغربية حتى تتشكَّل لدينا فكرة واضحة عن حقوق المرأة في المعسكرين و لدى الفريقين .
الحقوق التشريعية للمرأة الغربية :
و لنأخذ أهم النواحي والمجالات التي تهم المرأة ، بل والرجل كذلك ،وهي :
أـ احترام الكيان الشخصي للمرأة :
ينبغي ألاَّ ننسى أن الثقافة الغربية المعاصرة هي سليلة ثقافة غربية قديمة ، وأقصد بذلك الثقافتين الاغريقية والرومانية ، و كذلك تصطبغ في كثير من مفرداتها بالثقافة الكنسية ، وكل تلك الثقافات كانت تمتهن المرأة وترى فيها منبعاً للشرور والآثام ،ولا ترى فيها إلاَّ ظرفاً مكانياً للمتعة ، بل كان الجدل يدور خلال القرون الوسطى في الأديرة والكنائس حول بشرية المرأة وحول كونها من ذوات الأرواح أم لا ؟ .
ـ وهذا بالضبط ما يحدث الآن في الحضارة الغربية المعاصرة و لكن تحت شعارات مغايرة ، فالرجل الذي كان في جميع أطواره التاريخية يلتزم قانونياً بإعالة المرأة وكفالتها أصبح ـ في زمن و منطق الحضارة الغربية ـ غير مسؤول عن إعالة حتى زوجته ، و التي وجدت نفسها ملزمةً بمقاسمته المسؤولية تجاه المتطلبات الماليَّة والماديَّة في المؤسسة الأُسَرية .
ـ بل والأدهى من ذلك أن الرجل غير ملزم بالإنفاق حتى على ابنته بعد بلوغها الثمانية عشر عاماً ، إذ تكون عند ذلك مسؤولة عن نفقتها الخاصَّة كما هو معروف ومشاهد ، ولا يخفى بالطبع أن الفتاة في هذه السن ـ في الغالب ـ تكون في مقتبل الدراسة الجامعية ، و بالتالي يكون من الصعب عليها الجمع بين الدراسة الجامعية و العمل الوظيفي ممَّا يجعلها لقمة سائغة و فريسةً مُمتهنةً لسماسرة الانحراف و السقوط .
ـ و الأغرب و الأدهى أن هذه المرأة الكادحة في العالم الغربي لا تمتلك حتى اسمها الخاص بها ،بل هي تُنسبُ إلى زوجِها و يتغير اسمها بتعدد زيجاتها ؟ ؟ .
ب ـ الناحية الأمنية :
أمَّا من الناحية الأمنية فإن المرأة في العالم الغربي تفتقد أهم مفردات الأمن الاجتماعي ، و ذلك أنها تفتقد الكافل والمسؤول عنها بعد سن النضج لديهم وهوالثامنة عشر ، و بالتالي فإنها تسعى بكل جهدها للانخراط في قفص الزوجية ، و لكن هذا المطلب يكون غير متيسر في كثير من الأحوال ، وذلك لأن الرجل الغربي لديه الكثير من الخيارات ، فهو بالتالي "سيد الموقف" ، ولذلك فهو يتطلع إلى مواصفات جمالية و اقتصادية مرتفعة ، مما يُلقي بكثير من النساء خارج المؤسسات الأسرية .
ج ـ الناحية الاقتصادية :
أمَّا من الناحية الاقتصادية ،فقد مرَّبنا أن المرأة في المجتمع الغربي تقاسم الرجل مسؤولية النفقة على الأسرة .
ـ هذا مع كونها لا تقبض ـ حسب " المنطق الرأسمالي" الذي يحكم المجتمع الغربي ـ إلاَّ نصف راتب الرجل ،وفي نفس الوقت تطالب بنفس الدوام الذي يعمله الرجل ؟ .
ـ و بعد ذلك يبقى من مرتبها الشيء الضئيل والذي يذهب بالطبع في مستلزمات الزينة التي تحتاج إليها للحصول ثم المحافظة على وظيفتها خارج المنزل .
ـ عدا رضوخها نظرا لضعف تكوينها الجسمي للالتزام بمسؤولية الأعمال المنزلية و و غيرها من الأعباء العائلية ، والتي تُسقَط على كاهلها في الآخر ، أي أن المرأة في المجتمع الغربي تؤول إلى أن تكون ماكينة أو آلة تعمل طوال الوقت ، و تُستغَلُّ في كل ما هو ممكن ..
ـ أماَّ من ناحية الإرث فقد التفَّت كثير من المجتمعات الغربية على توريث المرأة بحيلة ماكرة ، و ذلك أنَّه في كثير منها تؤول التركة إلى الابن الأكبر الذكر ، ما لم يكن هناك وصية ، حيث أن للمرء أن يوصي لمن يشاء بتركته أو بعضها ، حتى للقطط و الكلاب و غيرها ، و معلوم أنَّه ـ في كثيرٍ من الأحيان ـ حين يُفوَّضُ الأمر في التركة إلى الموروث فإنه ـ بحكم الانتماء ـ سيوصي بماله أو جلِّه إلى الأبناء الذكور حتى لا تخرج ممتلكاته عن نطاق العائلة التي ينتمي إليها .
د ـ الناحية النفسية :
قد مرَّ بنا أن المرأة في المجتمع الغربي تقاسم الرجل مسؤولية النفقة على الأسرة ، و لكن ماذا بشأن الأعمال المنزلية ، ومن الذي يتولاَّها ؟
ـ المؤسف أن المرأة وجدت نفسها بعد خروجها من المنزل ملزمة بالنفقة على الأسرة ، و في نفس الوقت مضطرة للقيام بالأعمال المنزلية ، إذ أن الرجل و الذي أصبح مجال التمتع بالأنثى متاحاً أمامه ـ دون أي قيود أو التزامات ـ لم يعُدْ يحبِّذ ـ في كثير من الأحيان ـ العيش داخل المؤسسة الأسرية ، و بالتالي أصبحت المرأة مضطرة للرضوخ لمطالبه ، و العمل المزدوج والمضاعف داخل و خارج المنزل "استعباد مطلق" . [ في حين أن أغلب النساء ـ حتى من غير العاملات ـ في المجتمعات الخليجية يستخدمن خادمات أجنبيات ؟ ]
ـ ومن الطبيعي في ضوء هذا الوضع التعيس للمرأة الغربية ألاَّ يكون لها مهر ، أمًّا مصاريف الاحتفال بالزواج فلا يطالب بها الرجل ، بل في كثير من الأحيان تضطلع المرأة بالإنفاق على مصاريف حفل زواجها ـ إمَّا منفردةً أومشاركةً مع الرجل ـ ؟.
ـ بقي أن نعلم أن المرأة الغربية بعد الزجِّ بها مع الرجل في مجالات العمل المختلفة فقدت الكثير من أنوثتها ، وفي استفتاء قام به الصحف الأمريكية ذكر 90% من الشابَّات أنهن لا يمانعن لو تسنَّت لهنَّ الفرصة في العمل في الأفلام و المجلات الإباحية ، و قد علَّل أخصائيون نفسيون ذلك بأن الشابَّات بهذا الاختيار يردن إنقاذ أنوثتهن من براثن العمل "الرجولي" خارج المنزل ، و الذي يسلبهن أنوثتهن شيئاً فشيئاً .
الحقوق التشريعية للمرأة في الإسلام :
أـ احترام الكيان الشخصي للمرأة :
لا شكَّ أنَّ الدين الاسلامي كرَّم المرأة وأعطاها حقوقها ، و منع من ممارسة الظلم الاجتماعي عليها ، و هذا النوع من الظلم ليس حكراً على الجاهلية العربية القديمة ، بل هو إرثٌ اجتماعي تتوارثه القرون والأجيال ، و يكرِّسه الضعف الفطري الانثوي للمرأة ، فبالتالي يظهر هذا الظلم الاجتماعي على الساحة ـ كلما ابتعدت البشرية عن التعاليم الربانية و الدين القويم ـ تحت أسماء مستحدثة ، و بمبررات جديدة .
و قد بيَّن الرسول الأمين عليه الصلاة والسلام أن المرأة مثل الرجل في جميع الحقوق والواجبات إلاَّ ما تختلف المرأة فيه بطبيعتها الانثوية عن الرجل ، فقال عليه الصلاة و السلام : ( النساء شقائق الرجال ).
ـ بل إنَّ للمرأة في الاسلام ـ في جميع أدوارها الاجتماعية ـ منزلة عظيمة وكبيرة لم تبلغها في جميع أدوارها التاريخية ، و يوضح ذك مايلي :
المرأة كأُم :
فقد جعل الله عز وجل حسن معاملة الأم سبباً رئيسياً لدخول الجنة ، بل وجعل طاعة الوالدين بعد طاعة الله عزوجل ، قال تعالى :{و قضى ربك ألاَّ تعبدوا إلاَّ إياه وبالوالدين إحسانا } ، و قال تعالى:{أن اشكر لي ولوالديك} ، إلاَّ أنَّ للأم مزيد عناية و تقدير ، فقد سأل رجل النبي عليه الصلاة والسلام :من أحق الناس بحسن صِحابتي ، فقال : ( أمُّك ) ، قال ثم من ، قال : ( أمُّك ) ،قال ثم من قال : ( أمُّك ) ، قال ثم من قال: ( أبوك ) ، والنصوص الشرعية عن منزلة الأم في الاسلام كثيرة معلومة .
المرأة كزوجة :
لقد حثَّ الاسلام على حسن معاملة الزوجة :
ـ فقال عليه الصلاة والسلام : ( خيركم خيركم لأهله ، أنا خيركم لأهلي ) .
ـ كما نهه عليه الصلاة و السلام عن ضرب النساء .
ـ و جعل النفقة على الزوجة من أعمال البر و الصدقة .
ـ و أمر بالصبر على خلق المرأة نظراً لما يعتريها من التغير و التوتر النفسي خلال فترة الطمث أو الحمل أو غيرها من العولامل التي ترهق نفسية المرأة .
ـ و أثتى عليه السلام على من يصبر عليهن بقوله : ( إنهن يغلبن الكريم ويغلبهن اللئيم )
ـ بل إن الزوجة تقدَّم على الزوج بعد الفرقة بينهما في أمور ، من ذلك حق الحضانة ، فإن للمرأة حق حضانة الطفل حتى يبلغ سن التمييز ، وبعد ذلك يخيَّر الطفل بين أمِّه وأبيه ، وفي الغالب فإن الطفل يختار أمَّه التي عاش معها حتى ذلك السن ،و بحكم ميل الطفل الفطري لأمِّه .
ـ و جعل الاسلام لمن تزوجت حقوقاً ماليةً ثابتة ، مثل : المهر و النفقة الزوجية للزوجة ، و مثل المتعة و النفقة للمطلقة بعد الفرقة .
ـ و جعل لها حق الخلع من الرجل إذا كرهت البقاء معه .
المرأة كابنة :
ـ و المرأة في الاسلام لها اسم مستقل فهي تنسب لأبيها ، وليست متاعاً تنتقل ملكيته
ـ و بين النبي عليه السلام أنَّ من كان له ابنتان فأحسن تربيتهما دخل بهما الجنة ، قيل يا رسول فواحدة ، قال : و واحدة .
ـ و لها كذلك حق الإرث من أبيها ، للأنثى نصف ما لللذكر ، مع أنها ليست مُلزمةً بأية نفقة .
و بقي في البحث بقية بقيةٌ لعلي أكملها فيما بعد أو يكملها غيري ، و هي :
ب ـ الإسلام و الناحية الأمنية للمرأة :
ج ـ الإسلام و الأمن الاقتصادي للمرأة :
د ـ الإسلام و الناحية النفسية للمرأة والتخفيف عليها في التكاليف الشرعية:
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .