وهذا كلام شيخنا أبي إسحاق الحويني حول هذه القصيدة وذلك ممافرغته من فك الوثاق بشرح كتاب الرقاق للإمام البخاري رحمه الله.
يقول ابن فرح الأشبيلي الأندلسي:
غرامي صحيحٌ والرجا فيكَ مُعضَلُ- ودمعي وحزني مرسلٌ ومسلسلُ
ووجدي فيك يشهد القلبُ أنــهُ - ضعيفٌٌٌ وموضوعٌ وذليَ أجمـلُ
ولا حَسن إلا استماعُ حَدِيثُكُمُ - مشافهةً يُمليَ عليَ فأنقــــلُ
وأمريَ موقوفٌ عليكَ وليس لـي - علي أحدٍ إلا عليكَ المُعًوَلُ
ولو كان أمريَ مرفوعًا إليك لكنتَ - لي على رغم عُزَالي تَرِقُ وتعدِلُ
وعذل عذولي منكرٌ لا أُسِيغُهُ - وزورٌ وتدليسٌ يُردُ ويُهملُ
أُقضي زماني فيكَ متصلَ الأسيَ - ومنقطعًا عما به أتوصـــلُ
وها أنا في أكفانِ هجركَ مدرجٌ - تُكَلِفُني ما لا أُطِيقُ فأحمِلَُ
وأجريتُ دمعيَ بالدماءِ مُدَبجًـاً - وما هي إلا مُهجتي تتحلـــلُ
فمُتَفِقٌ جفني وسُهدي وعبرتـي - ومفترقٌ صبري وقلبي المبَلبلُ
ومؤتلفٌ وجدي وشجوي ولوعتي - ومختلفٌ حظي وما فيك آمُــلُ
خذ الوجدَ عني مسندًا ومُعَنعناً - فغيري بموضوعِ الهوى يتجملُ
وذي نُبَذٌ من مبهمِ الحب فاعتبر - وغامِضُهُ إن رُمتَ شرحًا مُطولُ
غريبٌ يقاسي البعدَ عنكَ ومالَهُ -ورَبِكَ عن دارِ القِلى مُتَحَوَلُ
عزيزٌ بكم صبٌ ذليلٌ لِعِزِكُم -ومشهورُ أوصافُ المُحبِ التذلـلُ
فرفقًا بمقطوعِ الوسائلِ مَالَهُ - إليك سبيلُ لا ولا عنكَ مَعدِلُ
قلا زلتَ في عزٍِ منيعٍ ورفعةٍ -ولازلتَ تعلو بالتجني فأنزِلُ
أوري بُسُعدَيَ والرباب وزينب - وأنت الذي تُعنيَ وأنتَ المُؤَمَلُ
فخذ أولاً من أخرٍ ثم أولــاً - من النصفِ منه فهو فيه مُكَمِلُ
أَبَرُ إذا أقسمتُ أني بحبــهِ - أهيمُ وقلبي بالصبابةِ مُشعَلُ
هذه قصيدة من عشرين بيتًا كما ترى في أرق لفظ يكون ولا يشعر المستمع أو القارئ أن فيها علم أو أن فيها كلام جامد ، فانظر إلى موهبة هذا العالم وكيف أنه تحايل في تقريب هذا العلم بكل ممكن فانظر أين علم الحديث في هذه القصيدة كلها .
فالذي قصده هذا العالم أن يذكر عناوين الأبحاث الحديثية ، صحيح ، ضعيف ، منقطع مرسل شاذ ، معل ، معضل ، معلق ، مدلس ، فهذه كلها عناوين وتحت كل عنوان من هذه العناوين فيه علم ، فيه قواعد
وأنك إذا أحببت هذه القصة تذهب إلى كتب مصطلح الحديث وتدرس الحديث فيقول:
غرامي صحيحٌ والرجا فيك مُعضَلُ ودمعي وحزني مرسلٌ ومسلسلٌ
غرامي( صحيحٌ ) إشارة إلى الحديث الصحيح .
والرجا فيك( مُعضَلُ) إشارة إلى الحديث المعضل .
ودمعي وحزني ( مرسلٌ ) ، إشارة إلى الحديث المرسل .
( ومسلسلُ) الحديث المسلسل .
ووجدي فيك يشهد القلبُ أنــهُ ضعيفٌٌٌ وموضوعٌ وذليَ أجمـلُ
( ضعيفٌ ) الحديث الضعيف ( ومتروك ) هذا الحديث المتروك ،
ولا حسنٌٌٌ إلا استماع حديثكــم مشافهةً يُملى علي فأنقــــلُ
ولا( حسنٌ ) هذا الحديث الحسن .
إلا استماع حديثكــم ( مشافهةً ) هذه المشافهة ، كما أكلمك الآن فأنا الآن أشافهك .
(يُملى) علي فأنقل هذا الإملاء وهناك سنة تسمى الإملاء عند المحدثين
وأمريَ موقوفٌ عليك وليس لـي علي أحد إلا عليكَ المعـــولُ
وأمري( موقوفٌ) هذا الحديث الموقوف أي كلام الصحابي .
ولو كان مرفوعًا إليك لكنت لي على رغم عزالي ترق وتعذلُ
ولو كان ( مرفوعًا) وهذا الحديث المرفوع وهو ما يعزى إلى النبي _صلى الله عليه وسلم_ من قول أو فعل أو تقرير ، .
وعذل عذولي منكرٌ لا أسيغُهُ وزورٌ وتدليسٌ يردُ ويُهملُ
( منكرٌ) هذا الحديث المنكر ، ( وتدليسٌ) هذا الحديث المدلس (ويُهملُ وهذا المهمل ، وسيأتي المهمل بعد ذلك .
أقضي زماني فيكَ متصلَ الأسى ومنقطعًا عما به أتوصـــلُ
( متصلٌ ) وهذا الحديث المتصل ، و( منقطعًا ) وهذا الحديث المنقطع
وها أنا في أكفانِ هجركَ مدرجٌ تكلفني ما لا أطِيقُ فأحمِلَُ
( مدرجٌ ) هذا الحديث المدرج ، الكلام الذي يضيفه الراوي على الحديث من جهة التفسير .
وأجريتُ دمعيَ بالدماءِ مُدَبجًـاً وما هي إلا مهجتي تتحلـــلُ
وأجريت دمعي بالدماء ( مدبجًـا ) فهناك ما يسمى بالحديث المدبج ورواية الأقران .
فمُتَفِقٌ جفني وسُهدي وعبرتـي ومفترقٌ صبري وقلبي المبَلبلُ
فـ ( متفقٌ ) جفني وسهدي وعبرتـي و( مفترق ) صدري وقلبي المبلبل ، المتفق والمفترق والبيت الذي بعد المؤتلف والمختلف
ومؤتلفٌ وجدي وشجوي ولوعتي ومختلفٌ حظي وما فيك آمــلُ
و( مؤتلفٌ) وجدي وشجوي ولوعتي و( مختلفٌ ) حظي وما فيك آمــل
خذ الوجدَ عني مسندًا ومُعَنعناً فغيري بموضوعِ الهوى يتحللُ.
خذ الوجد عني (مسندًا ومُعَنعناً ) هذا الحديث المسند والحديث المعنعن الذي هو عن فلان عن فلان عن فلان ، .
وذي نُبَذٌ من مبهمِ الحب فاعتبر وغامِضُهُ رُمتَ شرحًا مُطولُ
وذي نبذ من ( مبهمِ) الحديث المبهم الذي فيه راوى مبهم .
غريبٌ يقاسي البعدَ عنكَ ومالَهُ وحقِكَ عن دارِ القِلى مُتَحَوَلُ
( غريبٌ ) هذا الحديث الغريب .
عزيزٌ بكم صبٌ ذليلٌ لِعِزِكُم ومشهور أوصاف المحب التذلـلُ
( عزيزٌ) الحديث العزيز . ( ومشهور) الحديث المشهور
فرفقًا بمقطوعِ الوسائلِ مَالَهُ إليك سبيلُ لا ولا عنكَ مَعدِلُ
فرفقًا بـ( مقطوعِ ) هذا الحديث المقطوع وهو ما قاله التابعي .
هكذا هو قد انتهي من ألقاب الحديث ولكنه عمل لنا مفاجأة في الأخر أنه ذكر اسم من يحب لكنه فرقه وجعله بطريقة ألغاز ، فأنت أنظر اسم من يحبه في هذه الأبيات فهو يقول:
أوري بُسُعدَيَ والربابِ وزينبََ وأنت الذي تُعنيَ وأنتَ المُؤَمَلُ
وقد انتهى بذلك ولكنه أراد أن يجعلك كيف تعرف أن تعثر على اسم حبيبه في هذه الأبيات ، فيقول:
فخذ أولاً من أخرٍثم أولــاً من النصفِ منه فهو فيه مُكَمِلُ
( فخذ أولاً ) البيت الذي سيأتي بعد هذا من أخر ثم أولــاً ، من النصف منه فهو فيه مكمل
أَبَرُ إذا أقسمت أني بحبــه أهيمُ وقلبي بالصبابةِ مُشعَلُ
أَبَرُ) اسم حبيبه في أول البيت أول الشطر الأول وتكملته في أول الشطر الثاني ( أهيمُ ) فيكون اسمه إبراهيم .
هذا الرابط الصوتي للدرس والقصيدة:
http://alheweny.org/aws/play.php?catsmktba=202