الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
و بعد ...
فكثير من الناس يعاني من الربو الذي يصفه الأطباء بأنه عبارة عن وجود التهاب في المسالك الهوائية ، و من أشهر الأدوية التي يستخدمها الناس هو بخاخ الربو ، فما هو حكم استخدام هذا البخاخ للصائم ؟
قيل بأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره ، فلمعرفة حكم دواء الربو - البخاخ – لابد أولا من توصيف لهذا الدواء .
ما هو البخاخ الذي نتحدث عنه في هذا الموضع ؟
لمعرفة و تصور هذا الدواء يمكننا أن نتحدث عنه من خلال نقطتين :
أولا / توصيف هذا البخاخ و مكوناته :
هو عبارة عن عبوة تحتوي على مادة دوائية تتكون من ثلاثة أشياء ( مستحضرات طبية + ماء + أوكسجين ) ، و يوجد بداخل هذه العبوة 10ملليتر من المادة الدوائية ، و هذه الكمية ( 10 ملليلتر ) مُعدة على أساس أن يبخ منه 200 بخة (أي أن أل10مللتر تنتج 200 بخة) ، و في البخة الواحدة يخرج جزء من المللتر الواحد ، فكل بخة تشكل أقل من قطرة واحدة .
ثانيا/ ما هو الدور الذي يقوم به هذا الدواء ؟
هذا البخاخ كما هو معلوم يتم استعماله بأخذ شهيق عميق مع الضغط على البخَّاخ في نفس الوقت ، لتخرج بخة واحدة و التي هي عبارة عن جزء واحد من 1 ملليلتر [ 0,1 ملليلتر ] فهي كمية قليلة جدا ، وعندئذ يكون الآتي :
يتطاير الرذاذ ويدخل عن طريق الفم إلى البلعوم الفمي، ومنه إلى الرغامي، ثم إلى القصباتِ الهوائية ، ولكن يبقى جزء منه في البلعوم الفمي، وقد تدخل كمية قليلة جداً إلى المريء ، ثم قد ينزل جزء قليل جدا من هذا الدواء إلى المعدة ، و أكرر بأنه جزء قليل ، فالجزء الأكبر سيذهب إلى جهاز التنفس، وجزء آخر يترسب على جدار البلعوم الفمي، والباقي قد ينزل إلى المعدة .
كلامنا في هذا الموضع سيكون حول البخاخ الذي وصفه هو ما سبق ذكره ، و هو ما يسمى الفونتلين ، و ليس البخاخ الذي فيه كبسولات أو غيرذلك
[ ملاحظة : هذا التوصيف مأخوذ عن : مجلة الفقه الإسلامي 10 / 2 / 76 ، 259 – 260 ، المفطرات المعاصرة د. أحمد الخليل ]
ما هو حكم استخدام الصائم لهذا الدواء ؟
في الحالات العادية يمكن أن يتم تناولها أثناء فترة الإفطار أو السحور فهذا هو الأفضل خروجا من الخلاف ، و لكن ماذا لو استخدم شخص هذا البخاخ و هو صائم ؟
اختار جمع كثير من أهل العلم القول بأن استخدام هذا البخاخ لا يعتبر مفطرا للصائم ، و هذا القول قوي جدا ، و قد اختار هذا القول :
من الهيئات :
اللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة العربية السعودية [ فتاوى إسلامية (1/130) ]
و من العلماء و طلبة العلم :
العلامة ابن باز [ فتاوى الدعوة : ابن باز عدد 979 ] ، العلامة ابن عثيمين [فتاوى أركان الإسلام ص 475 – فتاوى نور على الدرب – اللقاء الشهري رقم 41 – لقاء الباب المفتوح ] ، العلامة ابن جبرين [ فتاوى علماء البلد الحرام - الطبعة الأولى - 298-299 ] ، د. عبدالله بن حمد السكاكر [ فقه نوازل الصيام ] ، الشيخ د. أحمد الخليل [ المفطرات المعاصرة ] ، الشيخ عبد المحسن الزامل [ شرح عمدة الفقه / كتاب الصيام ] ، أستاذي د. عادل المطيرات [ بتاريخ 1 / 8 / 2005 نقلا عن الموقع الذي يشرف عليه د.عادل المطيرات http://ftawa.ws/fw/thread14426.html ] ، د. حسام الدين عفانة ، أ.د. سليمان بن فهد العيسى أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، شيخنا عثمان الخميس [ قاله في تاريخ 2 رمضان 1431 – 13 / 8 /2010 ] ، شيخنا محمد بن سليمان السنين [ قاله في تاريخ 3 رمضان 1431 – 14 / 8 /2010 ] و غيرهم
أدلة جواز استخدامه للصائم
أولا/ إن هذا البخاخ يكاد أن يكون مماثلا للمضمضة و الاستنشاق و الاغتسال من كل وجه تقريبا فلا يكاد يرد استشكال على هذا الدواء إلا ورد على المضمضة و الاستنشاق و الاغتسال استشكال مثله ، فكما أن هذا الدواء ربما يدخل منه شيء قليل جدا في المعدة ، فكذلك عند المضمضة يُعلم يقينا بأنه سيدخل المعدة شيء يسير من هذا الماء [ أكثر مما قد يدخل بسبب البخاخ ] ، و مع ذلك يجوز للصائم المضمضة و الاستنشاق ، و اعْتُبِرَ ذلك مما يُعفى عنه ، بل و حتى لو ثبت من الناحية الطبية أن الذي يصل إلى المعدة من الدواء يقارب الثمانين بالمائة والباقي يذهب إلى الجهاز التنفسي فهذه الكمية أقل من الكمية التي تدخل في المعدة عند المضمضة .
نوقش هذا القياس : بأن صاحب هذا البخاخ يتعمد و يقصد إدخاله إلى جوفه ، بينما في المضمضة و الاستنشاق فإن المتوضئ لا يقصد ذلك
و الجواب عليه :
إذا كان مرجع الأمر إلى القصد و النية فيقال أيضا في حق من يستخدم هذا البخاخ أنه لم يتعمد أو يقصد إدخاله للجوف ( و هي المعدة كما رجحه جمع من أهل العلم [ انظر المفطرات المعاصرة د.أحمد الخليل ] ) ، و إنما قصد إدخاله للجهاز التنفسي ( الرئة )
ثانيا/ ذكر الأطباء أن السواك يحتوي على ثمانية مواد كيميائية، تقي الأسنان، واللثة من الأمراض، وهي تنحل باللعاب وتدخل البلعوم ، و مع ذلك يجوز أن يتسوك الإنسان و هو صائم استدلالا بعموم الأدلة في الحث على السواك و بما ورد في ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم صراحة في التسوك للصائم ، قال الإمام الألباني : (( وما أحسن ما روى الطبراني عن عبد الرحمن بن غنم قال : سألت معاذ بن جبل : أتسوك وأنا صائم ؟ قال : نعم قلت : أي النهار ؟ قال : غدوه أو عشية . قلت : إن الناس يكرهونه عشية ويقولون : إن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ؟ قال : سبحان الله لقد أمرهم بالسواك وما كان بالذي يأمرهم أن ينتنوا أفواههم عمدا ما في ذلك من الخير شئ بل فيه شر . قال الحافظ في " التلخيص " ( ص 113 ) : إسناده جيد " ))
عبدالعزيز أحمد العباد
الكويت
8 رمضان 1431 - الموافق 18 / 8 / 2010م