الحمد لله الذي تكلف بحفظ دينه فقال :"إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ "(الحجر : 9 ) والصلاة والسلام رسوله الأمين وعلى أله وصحبه أجمعين, وبعد...
لقد مرت الأمة الإسلامية بفتن عظيمة على مر العصور,, فمن فتنة الردة التي وقف لها أبو بكر الصديق رضي الله عنه فأخمدها ,, إلى فتنة خلق القرآن التي تصدى لها إمام أهل السنة فرد على أهلها وأفحمهم,ثم مضى أهل الإيمان على الأثر يردون على أهل البدع ويلجمون أهل الأهواء وكان من أشهرهم شيخ الإسلام الذي حينما أطالع كتبه أجد كثيرا منها في الرد على أهل الشبهات حتى أصبحت كتبه مرجعا لكل من بعده من الأئمة والعلماء, وفي العصر الحديث سدد الله الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله فكانت كتبه كالدواء لمريض الشبهة, أصل فيها وقعد ودلل وبرهن حتى أفحم من ناوأه ورد عليه شبهته فكشف الله به الشبهات, ووحد به الصفوف, وبدأت دعوته في الانتشار حتى بلغت أطراف المعمورة من الشرق إلى الغرب...
وبعد هذه الجهود التي قدمها أئمة الإسلام, والتي تتجدد في كل عصر إلى أن رأيناها اليوم صحوة عالمية, واستقامة على منهاج النبوة, في زمن تسلط الكفر وأهله, وحتى في عقر ديار الكفار انتشرت هذه الصحوة لتعيد الناس إلى مشكاة النبوة, فحجتها كتاب الله وصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم...
ولما رأى أهل الكفر والانحلال, هذه الثمرات اليانعة, والجهود الجبارة, والإقبال الذي أقلقهم وأرقهم, جندوا الجنود, وقدموا الدولارات, ووزعوا الهبات والأعطيات, ليتلقفها ضعاف النفوس, وطلاب الدنيا بالدين, فأدخلوهم في المحافل الماسونية, وجندوهم في القنوات الفضائية, والصحف اليومية, والمنتديات والمجلات الإلكترونية ليحققوا بذلك مطلبهم, ولينتصروا لمذهبهم, وليوقفوا زحف جحافل التوحيد القادمة, والتي وضعت أقدامها في كل قطعة من الأرض...
ولجهلهم بطبيعة هذا الدين ,, ولجهل جنودهم بوعد الله ,, وتجاهلهم لما ورد في كتاب الله حيث قال سبحانه :"يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ "(التوبة : 32 ) وضعوا خطة طويلة الأمد ,, بدؤوها بأرض الكنانة ,, فجندوا فيها الأفغاني ,, واستغلوا فيها محمد عبده ,, واستفادوا من المميعين الذين ركبوهم ليغيروا معالم الإسلام باسم الإسلام ,, فحققوا مكاسب كبيرة ,, واستطاعوا أن يستغلوا ضعف العلماء ,, وجهل العامة بأمر دينهم ,, فغيروا في الأحكام ,, وبدلوا في المنهج ,, وشككوا في المعتقد ...
وهاهم اليوم يتجهون نحو بلاد التوحيد ,, لينقلوا تجارب نجاحهم الذي ظنوه قد تحقق ,, فجندوا من أطاعهم من زوار السفارات ,, واستغلوا من بدل وانسلخ ,, وتواطؤوا مع أهل الرفض والتصوف ,, فرأينا تقارير راند كيف تسعى لدعم المعتدلين ,, فلما لم يفلحوا ووجدوا أن النصوص الشرعية والتي يرجع إليها الناس إن اختلفوا تحول دون تحقيق المكاسب ,, أعادوا التخطيط وفكروا مليا ثم قدروا ,, فاتفقوا على تحوير الإسلام ,, وتغيير معالمه ,, ليصبح إسلاما ديموقراطيا ,, أو إسلاما ليبراليا ,, وهم في الحقيقة يريدونه إسلاما أمريكانيا أو غربيا ..
فبدؤوا بتسخير الأدوات ( من ليبراليين ورافضة وصوفية ومميعين )لتحقيق الأهداف المراده والتي أهمها أن تبدل الشريعة ,, وتهدم الملة ,, وتغير الأحكام ,, فما كان حراما يصير حلالا ,, وما كان واجب يصبح مباحا ,, وماكان مهما يصبح ثانويا .. إلخ إلخ ..
فوضعوا خطوات التنفيذ وفق ما يخدم هدفهم وكان منها :
1- التشكيك في مصادر التلقي بأسلوب لطيف وإثارة الشبهات لدى العامة والجهلة وتصوير السنة كنقيض للقرآن ,, فيأتون بالحديث ثم يجعلونه نقيض آية من كتاب الله ,, ليقولوا للناس إن السنة تناقض القرآن فلماذا ,, وليقولوا لهم أيضا من يضمن أن السنة وصلت إلينا صحيحة فقد يكون هناك من دس فيها ما ليس منها ,, حتى وصل بهم الحال إلى التشكيك في أصح الكتب بعد القرآن فشككوا في البخاري ومسلم ,, وبعد أن كان مبتدعة القرون الماضية من المعتزلة والجهمية والقدرية يرون أن حديث الآحاد لا يحتج به في العقائد جائنا اليوم من هو أشد بدعة منهم ليقولوا أن حديث الآحاد لا يحتج به حتى في الأحكام ولم يسبقهم إلى إبطال العمل بحديث الآحاد إلا بعض المعتزلة والرافضة والفرق بين المبتدعة القدامى والمحدثين أن القدامى إنما أسقطوا حجية أخبار الآحاد في العقائد لأنها تنقض بدعتهم وأما مبتدعة اليوم فيسعون لإسقاط حجية أخبار الآحاد في الأحكام حتى يستطيعوا أن يبدلوا الأحكام الشرعية لتتوافق مع الحضارة الغربية ..
2- إثارة الخلاف بين العلماء والسعي لضرب فتاواهم بعضها ببعض وتسليط الإعلام على هذه الفتاوى وإن كانت في الأمور الفرعية والأقوال المذهبية والتي أ ُلِّـف من أجلها رفع الملام عن الأئمة الأعلام ليستغلوا جهل الناس بدينهم فإذا كان طالب العلم لا ينصح بالبدء في الطلب بالخلاف حتى لا يشوش عليه مع معرفته بمبررات هذا الخلاف فكيف بالعامة الذين لم يقرؤوا كتاب فقه على قول واحد فضلا عن قراءة كتب الفقه المتقدمة, وهدفهم من كل ذلك هو التشويش وإسقاط العلماء والدخول من هذا الباب إلى باب أخطر وأضر وهو باب التشكيك فيما يستند عليه العلماء كما في النقطة السابقة ..
3- الاستفادة من التحولات الفكرية ,, والتغيرات المنهجية ,, التي وقع فيها بعض الرموز ,, فبينما كان بالأمس عدوا لليبرالية أصبح اليوم صديقا لها ,, ومحاولة تمرير شبهاتهم عن طريق هؤلاء ,, والاستشهاد بأقوالهم ,, وتبرير تحولاتهم ,, وإظهارهم في وسائل الإعلام التي يمتلكونها ..
4- البحث عن متكسبين بالدين ,, ومتشوفين إلى المناصب ,, ومتعالمين وإن ظنوا بأنفسهم خيرا ,, وإغراؤهم بالمناصب ,, وبنشر مقالاتهم وآرائهم ,, وبإظهارهم وتلميعهم ,, من أجل أن يتوصلوا بهم إلى أهدافهم ,, وحتى يحققوا بهم مكاسبهم ,, فيظهرونهم كعلماء كانوا مغمورين ,, وباحثين متفرغين ,, ووطنيين مخلصين ..
وهذه الخطوات الشيطانية والتي يظنون أنها ستحقق أهدافهم كلفوا بها جنودا متفرغين ,, ودربوهم على التدرج في الطرح ,, والتظاهر بالصلاح ,, والدعوة إلى الوسطية زعموا ,, مستغلين جهل رواد المنتديات الإلكترونية , وإحجام طلبة العلم عن المشاركة فيها ,, يستثيرون العامة والكتاب بعبارات شاذة ,, وأطروحات خبيثة ,, مما جعل البعض من هؤلاء الكتاب والعامة _ ممن تنقصه الحجة تارة والانضباط تارة _ يثورون عليهم بألوان السباب وأشكال الشتائم المتنوعة ..ليقولوا بعد ذلك هؤلاء هم أهل الصحوة وما علموا أن المجتمع كله صحوة حتى من لا يظهر عليه سيما التدين ولكنه ابن الإسلام والإسلام يجري في عروقه ..
وفي وجهة نظري أننا بحاجة إلى خطوات عملية لكشف هؤلاء الذين يثيرون الفتنة ,, ويهدمون العقيدة ,, ويفسدون في الأرض بعد إصلاحها وإن ادعوا الإصلاح ,, ويؤخرون التنمية وإن تظاهروا بدعمها ,, ويدعون إلى الرجعية وإن أعلنوا التنوير ولعلي ألخص بعض هذه الخطوات فيما يلي :
1- نحن بحاجة إلى تبني الرد العلمي الرصين من قبل العلماء والمراكز البحثية على الشبهات المحدثة وإن كانت قديمة الأفكار ولكنها جديدة الوسائل والأساليب .
2- إن من أعظم المصائب مجاملة من تحول فكريا وعدم بيان أخطاءه المنهجية والتي أثرها لا يتوقف على صاحبها فحبنا للشخص لا يعني سكوتنا عن أخطائه ومخالفاته ..
3- دعم الفتاوى الجماعية وتشجيعها والتي ستجعل كثيرا ممن يشذ في آرائه يراجع حساباته والتي لها أثر كبير أيضا على الناس فكم يطمئن الناس حينما يسمعون فتوى اتفق عليها مجموعة كبيرة من العلماء ,, كما أن هذا سيخفف من تضارب الفتوى واستغلال الأعداء لذلك ..
4- بحث المسائل الحديثة في مجال الفتوى التي تعبر الآفاق عبر القنوات ودراستها دراسة تأصيلية والبحث عن حلول للمشكلات الناتجة عن فتاوى القنوات الفضائية ونشر تلك الدراسات عبر تلك القنوات..
5- إعادة نشر تراث العلماء والتي تعلم من يقرأها فنون الرد وطرقه وترد على كثير من التساؤلات المحدثة من أمثال ابن تيمية رحمه الله وربط طلاب العلم بها بعيدا عن ربطهم بالمختصرات والملخصات ..
6- إقامة مشاريع تأهيلية للدعاة والمحتسبين والمفكرين ونشرها في أرجاء الوطن العربي والإسلامي مثل المعهد العالي لإعداد الأئمة و الخطباء بجامعة طيبة والمعهد العالي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بجامعة أم القرى ...حتى يتعلموا فنون الدعوة وأساليب الحسبة وطرق الرد على أهل الأهواء ودعاة البدع بالحجة والبيان ..ويمكن للمكاتب التعاونية أن تقوم بهذه المشاريع وأن تتبناها ..
8- استغلال التقنية ودراسة إمكانية الاستفادة منها حيث أننا أمام جيل تقني قد يصعب التواصل معه في المستقبل إن لم نفكر جيدا في وسائل مجدية للتخفيف شر هذه التقنيات واستثمارها في الجوانب الإيجابية ,,
وختاما أضع لكم الصورة التي بها خطوات تنفيذ الخطة الشيطانية للهجوم على الثوابت والتشكيك في مصادر التلقي ,,
اللهم رد كيد الكائدين في نحورهم ,, واحفظ علينا أمننا وإيماننا وعقيدتنا ,, اللهم عليك بأعداء دينك ,, اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم ,, ونعوذ بك من شرورهم ..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم