التثبت والتحري؛ وما أدراك ما التثبتوالتحري!!
لفضيلة الشيخ صالحبن سعد السحيمي –حفظه الله-
نحن في عصر الإشاعات الكثيرة؛قد يكون مصدر بعضها إنترنت، قديكون المصدر جريدة وصحيفة، قد يكون المصدر شريطًا وزعه فلان وعلان، قد يكون المصدرشخصًا مغرضًا يريد أن يوقع العداوة بين الناس، قد يكون المصدر وسيلة من وسائلالإعلام، قد يكون المصدر ظنًا؛ "إياكم والظن، فإن الظن أكذبالحديث"، والله – تبارك وتعالى – يقول: {يَا أَيُّهَاالَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّإِثْمٌ} [الحجرات: 12]، قد يكون المصدر تقصيرًا عندي أنا،ما استطعت أن أُفهِم أخي ما أريد!
يعني فلا يتسرع المسلم فيتصديق الإشاعات التي تثار، وقد كثر القيل والقال في هذه المسألة.
الله – عز وجل – يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌبِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَافَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6].
وقال –مخاطبًاالصحابة-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِفَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَمُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [النساء: 94].
البعض من الإشاعات قد تكون إلزامات، قد تكون إلزامات! فلان قال: كذا وكذا،إذًا هو يقصد كذا وكذا.
فلان كتب كذا كذا؛ إذن هو يقصد كذا كذا!
قد تكونالإشاعة ناتجة عن بتر كلامٍ،بُترَ الكلام واقتصر على كلام،كقاعدة من يَـقِـفُـون على (فويل للمصلين) ولم يقرأ ما بعدها.
قد يكونالسبب ناتجًا عنمرض في القلوب،يحتاج إلى علاج، والقلوبتصدأ كما يصدأ الحديد. والرسول صلى الله عليه وسلم؛ يقول: ((ألاوإن في الجسد مضغة إذا صَـلَحت صَـلَح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسدكله)).
ألا وإني أوصيكم ونفسي بالعناية بهذه القلوب، وعلاجها بهدي كتابالله – عزَّ وجل–، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقراءة سيرة السلف الصالح؛ منأمثال كتب مشايخنا: كتب ابن القيم، وابن تيمية، وابن عبد الوهاب، والسعدي، وغيرهممن المشايخ الذين كتبوا في هذا الباب.
فإذن الأمر هذا يحتاج إلى وقفة.
حتىالبعض إذا ناصحه أخوه وبـيّـن له مسألة نفر منه!
قدتكون النصيحة بينه وبينه! يقول له: يا فلان! أنت أخي، المؤمن مرآة أخيه، فأنا –والله- أخي نصحني في مسألة، وقال لي: ترى كذا وكذا، إن كانت النصيحة واردة؛ فالحمدلله، فهذا .. إن كان لي ملحوظة عليها أقول: يا أخي! ترى وجهة نظري كيت وكيت، يسددنيوأسدده، والمؤمنون يكمل بعضهم بعضًا ((المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بدمتهعمأدناهم)).
أما أن أرتب على شيءوقع في نفسي، أو في قلبي، أووُشِيَ إليّ، أو نُقِلَ إليّ، أو أُشِيعَ عندي،ثمأبدأأحمل على أخي،وأزيد الطين بلة، ثم تتنامى المسألة؛ حتى تصبح كبيرة، وهيعبارة عن فقاعات، ولكن تنمو –والعياذ بالله- الشر ينمُّ بسرعة.
أنا – معليش – أذكر لكم شيئا أشبه ما يكون بالنكتة، ولسنا في وقت النكت، ولكن يعني ....
يقال: إن أحدهم أراد أن يختبر أمَّه؛ فقال لها : أتدرين يا أماه اليوم، أنا والله –لامؤاخذة– يعني أتيت ببيضة!
يا ابن الحلال كيف ... ؟
المهم أنني .. فادعي ليالله ما أدري الذي حصل لي.
راحت وأخبرت جارتها، والعجوز التي بعدها قالت: بيضتان، والتي بعدها .. إلى أن أصبحت (100) بيضة!
طبعًا هو ليس له الحق فيامتحان أمه، لا نقر على مثل هذا، لكن هذه من الحكايات التي تؤكد – مع أنه عندنا مايغنينا عنها، لكن أنا أذكرها على أنها طرفة مثلاً- يُتَنبَّه إلى خطورةالإشاعات.
فالجريان وراء الإشاعات يعتبرجريان وراء السراب،وقد رتب البعض على تلك الإشاعات: الهجر، والولاءوالبراء! مصائب عظيمة خطيرة جدًا، وقد تكون لا شيء،قدتكون وهمًا، ومرضًا في القلوب، أو مرضًا في النفوس؛فانتبه يا عبدَ الله! أوصيك ونفسي بالوقوف طويلاً عند هذه الأمور.
البعض منهم يأتيه مثلاً –قد يكونخطيبًا، يفعله حتى بعض الخطباء عندنا– يأتيه شاب طائش! بقصاصة جريدة، والله نُشِرفي الجريدة الشيء الفلاني، والخبر الفلاني، يصعد على المنبر ويخطب على ضوء مانُشِرَ في هذه الصحيفة!
فيعني القضية تتطلب وقفة {يَا أَيُّهَاالَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّإِثْمٌ} [الحجرات: 12]
انتبه -يا عبد الله!- لا تلزمأخاك .
ثم هناك شيء آخر: يا أخي لا تعاتب في كل شيء، هب أنني أخطأت أنا،وحصلت مني هفوة!
«إذا كنت في كل الأمور معاتبا ** أخاك فلن تلقى الذي لاتعابه»
لماذا لا تكظم؟!
لماذا لا تكون من الذين قال الله فيهم: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ}؟ [آلعمران: 134]
سبحان الله! يا أخي حاول أن تتصف بهذه الصفة، فلان قال فيك الذيقال،التقي به بوجه طلق، وانْسَ كل ما قيل، وعانقه، وصافحه؛حتى تتحات الذنوب بهذه المصافحة، وانسَ هذه الإشاعة التي قيلت، لاسيما أنتمطلبة العلم، والسلفيين خاصة،والمسلمين عامة، ينبغي أنيتنبهوا لهذه القضايا.
هل تعلم أنكما إذاتصافحتما تحاتتخطاياكما؟كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.
كم من هذا المعنى؛ الحديثانتبه له، اجعله نصب عينيك.
والله نفسك قالت لك: هذا الذي لا خير فيه، تكبرعلينا، وفي قلبه كبر و ... قد يكون ما عنده لا تكبر، ولا شيء، يمكن هذاوهم في نفسك،قد يكون وهمًا في نفسك.
فانتبه! اكسر الحاجز أنت! ابدأه بالسلام، اتبع السنة،وبخاصة أن البعض قداتخذ طريقة فيالهجر تختلف عن ضوابط السلف؛فيهجر بدون سبب واضح،يا أخي! مسائل الهجر، وقواعد الهجر حددهاالعلماء، قد يقع أخوك في مسألة، ولا ينبغي لك أن تهجره؛ لئلا يقع في ما هو أعظم، لاتسْـلمه للأعداء، انتبه! تتركه لمن؟ فتتلقفه الجماعات الأخرى، هناك ألف جماعةتتحرى، وأنت مباشرةتعنفه، وتعابته، وتصول، وتجول عليه، وتكيل لهالمكايل من الظنون وما إلى ذلك؛ حتى تنفره؟
انتبهوا! لا يفهمني أحد خطأ،لا يفهمني أحد خطأً!
أنا لا أقصد العمل بالموزانات؛ التي يدعو إليها دعاة البدع؛يقول: إذا أردت أن ترد على أهل البدع؛ فأذكر حسناتهم أولاً، لا، والله ! هذا مرفوض،هذا مبدأ فاسد، ولا أقصد القاعدة الفاسدة التي تقول: "نجتمع فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه" لاسيما أنهم طبقواتحتها حتى أصول الدين –وللأسف!-. وإنما القضية ما هي؟
القضية أنني .....
افرضأنأخي أخطأ، وصدرت منه كلمة؛ لماذا لا أذهب إليه؟ لماذا لا أبينله؟ لماذا لا أرسل إليه من يدعوه إلى الخير، ويبين له حتى لا نسلمه أعداء منهج أهلالسنة والجماعة؟أنا وقفت عند هذه المسألة –يا إخواني-؛ لأنها -كما يقولالصحفيون-: حديث الساعة، أو حديث شؤون الساعة.
فنحن لابد أن نعالج هذهالمسألة.
أيضًا هذه قد تجر إلىالتسرع في مسألة الجرحوالتعديل،يا إخواني! هذه لها ضوابط، يعرفها أهل العلم، أنا لن أعيدها – الآن – هنا – لكن يُرجَعُ فيها إلى العلماء الربانيين، إلى أهل العلمالكبار.
فلان وقع في كذا؛ هو مبتدع، فلان مشى مع فلان قال: هذا مبتدع! اتركهعنك!
فلان ذهب إلى المكان فلاني –على ما قالوا في اللغة العامية-: ( اقصروك منو،لا خليه يروح بس، ما دام أنو راح مع المبتدع هو مبتدع)!
والله إني وجدت شخصًامحسوبًا على طلب العلم –زيد من الناس–؛ قال عن أحد إخوانه كلمة، نقَل أن فلانا يقولفي فلان: كيت وكيت؛ فلما انتشرت القالة حققنا في الأمر؛ فأحضر الرجل؛ فقيل له: لماذا تنقل عن أخيك كذا وكذا؟
قال: أنا سألته عن مسألة وعرفت –انتبهوا إخواني!- أنه عندما أجاب أنه يعني فلانًا!
أشهد أن لا إله إلا الله!
كيف عرفت؟ ظلمتني يا أخي! كيف استنتجتَ من أنني أعنيفلانًا؟
ووالله! ما خطر في قلبي ذلك الرجل الذي أشرت إليه!
هذه كثير! مسائل تحتاج إلى وقفة –يا إخوان!– تحتاج إلى تركيز.
الآن يتصل بنا وبغيرنا منإخواننا من طلبة العلم، ومن مشايخنا؛ يتصل شخص بسماحة المفتي –وفقه الله- أوبمشايخنا الآخرين الشيخ صالح الفوازن، الشيخ الغديان، الشيخ صالح اللحيدان، وغيرهممن مشايخنا، الشيخ عبد المحسن العباد، وغيرهم من مشايخنا،الذكرليس على سبيل الحصر –بارك الله فيكم–.يأتي ويطرح مسألة يقول: يا شيخ! ما رأيك في كذا؟
فيجيب الشيخ جوابًا مسدَّدًا كاملاًموفقًا، بعد قليل يأتي هذا المسكين الذي سأل؛فيضيف إلى جوابالشيخ الحكيم الذي هو فصلٌ في المسألة التي سأل عنها؛ فيجعل عنوانًا: (رد الشيخفلان على فلان من الناس)!وهو يكذب!
أولاً: أن الشيخ لم يقصد فلانًا منالناس؛فافترى على الشيخ.
ثانيًا: لا تنطبق المسألة علىهذا الذي يزعم أنه يُرد عليه.
ثالثًا: فيها كذب وتزوير وسفهوتلبيس.
رابعًا: فيهاإشاعة للباطل.
خامسًا : فيهاإفساد للقلوب.
طيب! الجاهل إذا رأى رد الشيخ فلان –من مشايخنا الكبار الذين نعتز بهم وبالتتلمذ عليهم– رد الشيخ فلان على فلان؛ ماذايتصور العامي الذي يقرأ هذا العنوان في مواقع الإنترنت؟
خلاص المشايخ اختلفوا! يا سبحان الله!
ظلم الشيخ، وظلم المجني عليه –الذي يزعم أنه مردود عليه-، وظلمنفسه، وظلم الأمة؛ بهذا الطرح الفاسد. فانتبه يا عبد الله!
الآن ملآنة الساحة منهذا الموضو ! ملآنة من هذهالخزعبلات!
إخواني! اسمحوالي أن أطلت في هذه المسألة؛ لأمر نحن نعاني منه الآن.
عشرات الأشرطة –الآن– مليئة: رد الشيخ فلان على فلان، رد الشيخ فلان على فلان، وكلها -لو حققت– لوجدت أنها من هذا القبيل.
فانتبه يا عبد الله! واتق اللهَ! تذكر الوقوف بين يدي الله،وعند الله تجتمعالخصوم.
إذا وقف أمامك الشيخ المُستفتى، والشيخ المظلوم، والأمة التي ظلمتهابهذا الطرح بين يدي الله، يوم نقف بين يدي الله غرلاً بُهمًا، ليس أمامك إلا ماقدمت؛ ما جوابك؛ إذا كان هؤلاء كلهم خصومًا لك؟ ماذا تقول؟ ما هي حجتك؟
الدواوينثلاثة:
o ظلم لا يغفره الله وهو الشرك .
o وظلم تحتمشيئة الله،وهو ظلم العبد فيما بينه وبين ربه.
o وظلملا يترك الله منه شيئًا،وهو ظلم العباد فيمابينهم.
أتدرون من المفلس؟ -يقول النبي صلى الله عليه وسلم-؛ قالوا : يارسول الله! المفلس عندنا من لا درهم له ولا متاع؛ قال: ((لا؛المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وصوم وأعمال، ثم يأتي وقد ظلم هذا، وشتم هذا، وسبهذا، وضرب هذا؛ فيؤخذ لهذا من حسناته، ولذاك من حسناته؛ فإذا فنيت حسناته أخذت منسيئاتهم فطرح عليه ؛ فطرح في النار)).
تذكر يا صاحب الإشاعة! هذا الموقف؛تذكر أنه ستخاصمك أمة، ليس فردًا؛ فيما طرحت، وفيمانشرت عبرالإنترنتأو عبر بعض الفضائيات.
ثم من المشكل أنهم إلى الآن يتسمونبأسماء مزورة، وأسماء مزيفة، وأسماء كبار، وفلان الكذا، فلان الكذا، فلان الكذا .
«مما يزهدني في أرض أندلس ** أسماء معتضد فيها ومعتمد
أسماء مملكة في غيرموضعها ** كالهر يحكي انتفاخًا صولة الأسد»
فاتق الله يا عبدَ الله!
لعلي – قد أكون أثقلت عليكم بالإطالة في هذه المسألة؛ هذه مسألة خطيرة، وفي غايةالخطورة.