الفَوَائِدُ والعبَرُ المَجْمُوعَةُ مِنْ "صَلاحِ الأُمَّةِ فِي عُلُوِّ الهِّمَّةِ" لِلسيِّد العَفَّانِي.



بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن واله ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم أن نلقاهُ , وبعدُ :


فإني أشرعُ في مقدمتي هذه بذكر المنهج المسار عليه –بمشيئةِ الله- في ذكر الفوائد والدرر والحكم والملح والغرر العلميةِ العملية من كتاب جليل القدر عظيم في النفس وهو كتاب "صلاح الأمة في علو الهمة" لأحدِ زهاد العصرِ وهو الشيخ الدكتور "سيد بن حسين العفاني" –جزاه الله خيراً- التي جمعتها خلالَ مطالعتي لهذا السفر الجليل –ولما أكمله-.

والمنهج هو : ترتيب الفوائد على ترتيب الكتابِ بسردِ (الأقوالِ والأفعالِ والقصصِ والعبرِ ومقتطفاتٌ من حياة الأئمة السابقين) على ما سترونه –بإذن الملك الجليل-.

وقد أختصرُ الفوائدَ بعدم نسبةِ القولِ إلى صاحبها إذ إنه يستغرق مني وقتا طويلا أنا في غنيةٍ عنه .

وسأضيف الفوائد أول أول على فتراتٍ معينةٍ –بإذن الله عزوجل- على ما سودته بين دفتي الكتاب .


والله أسأله التوفيق في اليسير والتيسير في المسير .



(الفوائد من المجلَّدِ الأول)



(1)

قال أهل اللغة: الهمة: فعلة من الهم وهو مبدأ الإرداةِ , ولكن خصوها بنهايةِ الإرداةِ , والهم مبدؤها , والهمة نهايتها .

(2)


قال ابن القيم الجوزية: كمال الإنسان بهمة ترقيه وعلم يبصره ويهديه .


(3)


كمال السعادةِ والهمةِ إنما تكونُ في طلب العلم .


(4)


قال بعضهم: إني لا أنظر إلى كلام الحكيم وإنما أنظر إلى همته .


(5)


قال تعالى [إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة....] فجمعَ الله في ذلكَ أشياءاً (سلعة وثمن ومشترٍ, ومنادٍ) فإذا كانَ المشتري عظيما, وإذا كان الثمن خطيراً, والمنادي جليلاً, كانتِ السلعة " نفيسة " .


(6)


قال ابن سيرين: ساعة السوق ساعة غفلةِ الناس .


(7)


قال بعض السلف: تعذيبُ الجسدِ في طاعةِ الله تكريمٌ لها .


(8)


قال عمر بن عبد العزيز: لما تاقت نفسي للخلافةِ تاقتْ نفسي للآخرة .


(9)


قال بعض السلف: من لم تبكِ الدنيا عليه لم تضحكِ الآخرةُ إليهِ .


(10)


قال بعض السلف: الداعيةُ المسلم وقف للهِ تعالى لا تسوغة إجازة واستراحة .


(11)


قال شعبةُ : لا تقعدوا فراغاً فالموت يطلبكم .


(12)


سئل الإمام أحمد: متى يجد العبد طعم الراحة؟ قال: عند أول قدم تضعها في الجنةِ


طرْ بجناحِ الجد من وكلِ الكسل *** تابعاً آثارَ الأحبابِ تصل


(13)


ما يحصل برد العيشِ إلا بحر التعب , مالعزِّ إلا بحتِّ ثوبِ الكدِّ , فعلى قدر الاجتهاد تعلو الرتب .


(14)


قلبُ عاليَ الهمةِ: دائما الثأر من الشيطانِ , ولا يرتضي لنفسه الذل


ومن لا يحبِّ صعود الجبال *** يعش أبدَ الدهرِ بينَ الحُفرِ


على قدر أهل العزمِ تأتي العزائم *** وتأتي على قدر الكرام المكارم .


(15)


ما ارتفع صوت الحادي يوما ما لرفقة أولي الصمم , ولا ارتفع الفلك الأعلى غيرِ أهل الشموخِ .



(16)


- آياتٌ في علو الهمةِ –

قال تعالى/ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا .
قال تعالى/ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ .
قال تعالى/ يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6) إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8)
قال تعالى/ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7)
قال تعالى/ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12)
قال تعالى/ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها

قال تعالى/ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُ مْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)
قال تعالى/ ثمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32)

فالظالم من غلبت زلاته, والمقتصد من استوت حالاته, والسابق من ازدادت حسناته .


قال تعالى/ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)
قال تعالى/ سابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)

( من طلب المنزلة العليا في الجنة فعليه بعلو الهمة )



(17)



- أحاديثٌ في علو الهمة –

قال –عليه الصلاة والسلام-: إن الله كريم يحب الكرماء جواد يحب الجودة يحب معالي الأخلاق و يكره سفسافها .
قال –عليه الصلاة والسلام-: « بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِى كَافِرًا أَوْ يُمْسِى مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا ».
قال –عليه الصلاة والسلام-: ايهٍ يا ابن الخطاب وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلاَّ سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ.
قال –عليه الصلاة والسلام-: إن أهل الدرجات العلى ليراهم من تحتهم كما ترون النجم الطالع في أفق السماء وإن أبو بكر و عمر منهم وأنعما .

ومنها :

أ- الأحاديث التي توجبُ محبة الله للعبدِ:
قال –عليه الصلاة والسلام-: إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحْبِبْهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الأَرْضِ.
قال –عليه الصلاة والسلام-: مهْلاً يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ .

(فليسَ الشأنُ أن تحِب ! إنمـا الشأن أن تحَب)


ب- الأعمال التي شهد لها رسول الله بالخيرية وتفاضل الناس فيها:
قال –عليه الصلاة والسلام-: خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ قَالَ وَأَقْرَأَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي إِمْرَةِ عُثْمَانَ حَتَّى كَانَ الْحَجَّاجُ قَالَ وَذَاكَ الَّذِي أَقْعَدَنِي مَقْعَدِي هَذَا.
قال –عليه الصلاة والسلام-: « إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلاَقًا »
قال –عليه الصلاة والسلام-: « خِيَارُكُمْ أَلْيَنُكُمْ مَنَاكِبَ فِى الصَّلاَةِ ».
قال –عليه الصلاة والسلام-: « خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُم ْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُ مْ وَتَلْعَنُونَهُ مْ وَيَلْعَنُونَكُ مْ ».
قال –عليه الصلاة والسلام-: أفضل المؤمنين إسلاما من سلم المسلمون من لسانه و يده و أفضل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا و أفضل المهاجرين من هجر ما نهى الله تعالى عنه و أفضل الجهاد من جاهد نفسه في ذات الله عز و جل.
ج- الحرص على أعمالٍ تظله في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله:
قال –عليه الصلاة والسلام-: سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ الإِمَامُ الْعَادِلُ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ.

قال –عليه الصلاة والسلام-: من أنظر معسرا أو وضع له أظله الله يوم القيامة تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله.



(علو الهمة في الإخلاص)



(18)


قال الفضيل: أدركنا الناس وهم يراءونَ بما يعملونَ, فصاروا الآن يراءون بما لا يعملون .


(19)


قال ابن أدهمْ –رحمه الله-: يرحمُ الله العلماءَ, كانوا إذا عَلموا عَملوا, فإن عملوا شُغلوا, فإن شُغلوا فُقدوا, فإن فقدوا طُلبوا, فإن طُلبوا هَربوا .


(20)


قيلَ لحمدون: ما بالُ كلامُ السلفِ أنفع من كلامنا ؟ قال: لأنهم تكلموا لعزِّ الإسلامِ, ونجاةِ النفوسِ, ورضا الرحمن, ونحن نتكلم لعزِّ النفوسِ, وطلبِ الدنيا, ورضا الخلق.


(21)


قال أبو حنيفةَ: الكلامُ عن العلماءِ ومحاسنهمْ أحبُّ إليَّ من كثيرٍ من الفقهِ, لأنها آدابُ القومِ وأخلاقهم .


(22)


قال أهلُ المدينةِ: ما فقدنا صدقة السرِّ حتَّـى ماتَ عليُّ بن الحسينِ .


(23)


كانَ النخعيُّ إذا قرأ في المصحفِ فدخَل الدَّاخلُ غطَّاه .


(24)


وكانَ السلفُ يوعِظونَ فيبكونَ فيقولون: ما أشـدَّ الزَّكـام !


(25)


قال الإمام الشافعي –رحمهُ الله-: وددتُ أنَّ الخلقَ تعلموا هذا –يعني علمه- على أن لا ينسبَ إليَّ حرفٌ منه .


(26)


وجاءَ عن الإمام الماوردي شيخ الشافعيةِ أنه لم يظهر شيئاً من تصانيفه في حياته وجمعها كلها في مكان، ولما دنت وفاته قال لشخص يثق إليه: إن كتبي لم أظهرها لأني لم أجد نية خالصة لله تعالى لم يشبها كدر، فإذا أنا وقعت في النزع وعاينت الموت، اجعل يدك على يدي، فإن قبضت عليها وعصرتها فاعلم أنه لم يقبل مني شيء منها، واعمد إلى الكتب وألقها في دجلة، وإن بسطت يدي ولم أقبضها على يدك فاعلم أنها قد قبلت وأني قد ظفرت بما كنت أرجوه. قال: فلما وقع النزع وضع يده في يده فبسطها ولم يقبضها، فعلم أنه قبل فأظهرت كتبه.


(27)


قال رجلٌ لعلاء العدوي: رأيتُ كأنكَ في الجنةِ ! قال له: ويحكَ! أما وجدَ الشيطانُ أحداًً يسخرُ بهِ غيرِي وغيركَ .


(28)


قال سفيانُ –رحمه الله-: قلَّ عالـمٌ تكبُرُ حلقةُ درسِهِ إلاَّ ويدخلهُ العجْبُ..وقالَ: إنَّ أقبحَ الرغبةِ أن تطلبَ الدُّنيا بعملِ الآخرةِ .


(29)


قال الحسنُ –رحمهُ الله-: من ذمَّ نفسهُ في الملأِ فقد مدحَهـا..وذلكَ من علامَاتِ الرياءِ .


(30)


قال الإمامُ مالكَ –شيخ المدينة رحمه الله- : إذا ذُكرَ الصَّالحونَ فأفٍّ لي وتفٍّ .



(31)


قال الطوسي –رحمه الله-: لو كانتْ للذنوبِ ريحٌ ما قدرتُمْ أن تدنوا منَّـي من نتنِ ريحـي.


قال دواد الطَّائـي: تركتنـا الذنوب وإنَّـا لنستحي كثيراً من مجالسةِ النَّاسِ .


(32)

قال الفضيل –رحمه الله-: تريد الجنَّةَ مع النبيين والصديقين وتريد أن تقف الموقف مع نوح وإبراهيم ومحمد عليهم الصلاة والسلام بأي عمل وأي شهوة تركها لله عز وجل وأي قريب باعدته في الله وأي بعيد قربته في الله..وقال.. لا يترك الشيطان الانسان حتى يحتال له بكل وجه فيستخرج منه ما يخبر به من عمله لعله يكون كثير الطواف فيقول ما كان أجلى الطواف الليلة او يكون صائما فيقول ما أثقل السحور أو ما أشد العطش فان استطعت أن لا تكون محدثا ولا متكلما ولا قارئا إن كنت بليغا قالوا ما أبلغه وأحسن حديثه وأحسن صوته فيعجبك ذلك فتنتفخ وإن لم تكن بليغا ولا حسن الصوت قالوا ليس يحسن يحدث وليس صوته بحسن أحزنك وشق عليك فتكون مرائيا وإذا جلست فتكلمت ولم تبال من ذمك ومن مدحك من الله فتكلم.

(33)

جاءَ في "حليةِ الأولياء": لما استخلف المهدي بعث إلى سفيان فلما دخل خلع خاتمه فرمى به إليه فقال يا أبا عَبْد الله هذا خاتمي! فاعمل في هذه الامة بالكتاب والسنة فأخذ الخاتم بيده! وقال تأذن في الكلام يا أمير المؤمنين ؟ قال عبيد قلت لعطاء يا أبا مخلد قال له يا أمير المؤمنين قال نعم. قال أتكلم على أني آمن قال نعم قال لا تبعث الي حتى آتيك ولا تعطني شيئا حتى أسألك قال: وغضب من ذلك وهم به فقال له كاتبه: أليس قد أمنته يا أمير المؤمنين قال بلى فلما خرج حف به أصحابه فقالوا ما منعك اأبا عَبْد الله وقد أمرك أن تعمل في هذه الأمة بالكتاب والسنة قال فاستصغر عقولهم ثم خرج هاربا الى البصرة.


عُلُوُّ الهمَّةِ في العِلْمِ ونشرهِ



(34)

قال الله تعال شهد الله انه لا إله إلا هو والملائكة واولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم.

قال ابن القيم –رحمه الله- مختصَراً: استشهد سبحانه بأولى العلم على اجل مشهود عليه وهو توحيده فقال شهد الله انه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط وهذا يدل على فضل العلم واهله من وجوه :
احدها: استشهادهم دون غيرهم من البشر.
والثاني: اقتران شهادتهم بشهادته .
والثالث: اقترانها بشهادة ملائكته .
والرابع: أن في ضمن هذا تزكيتهم وتعديلهم فان الله لا يستشهد من خلقه الا العدول
الخامس: انه وصفهم بكونهم أولى العلم وهذا يدل على اختصاصهم به وأنهم اهله واصحابه ليس بمستعار لهم .
السادس: انه سبحانه استشهد بنفسه وهو اجل شاهد ثم بخيار خلقه وهم ملائكته والعلماء من عباده ويكفيهم بهذا فضلا وشرفا.
السابع: انه استشهد بهم على اجل مشهود به وأعظمه وأكبره وهو شهادة أن لا إله إلا الله والعظيم القدر انما يستشهد على الأمر العظيم أكابر الخلق وساداتهم
الثامن: انه سبحانه جعل شهادتهم حجة على المنكرين فهم بمنزلة آدلته وآياته وبراهنيه الدالة على توحيده .
التاسع: انه سبحانه أفرد الفعل المتضمن لهذه الشهادة لصادرة منه ومن ملائكته ومنهم ولم يعطف شهادتهم بفعل آخر غير شهادته وهذا يدل على شدة ارتباط شهادتهم بشهادته.
العاشر: انه سبحانه جعلهم مؤدين لحقه عند عباده بهذه الشهادة فإذا أدوها فقد أدوا الحق المشهود به فثبت الحق المشهود به فوجب على الخلق الإقرار به وكان ذلك غاية سعادتهم في معاشهم ومعادهم وكل من ناله الهدى بشهادتهم واقر بهذا الحق بسبب شهادتهم فلهم من الأجر مثل أجره وهذا فضل عظيم لا يدرى قدره الا الله وكذلك كل من شهد بها عن شهادتهم فلهم من الأجر مثل أجره ايضا .

( فهذه عشرة اوجه في هذه الاية على فضل العلم والعلماء )



(35)

كان المنصور في شبيبته يطلب العلم من مظانه والحديث والفقه فنال جانبا جيدا وطرفا صالحا، وقد قيل له يوما: يا أمير المؤمنين هل بقي شئ من اللذات لم تنله ؟ قال: شئ واحد، قالوا: وما هو ؟ قال: قول المحدث للشيخ من ذكرت رحمك الله.
فاجتمع وزراؤه وكتابه وجلسوا حوله وقالوا: ليمل علينا أمير المؤمنين شيئا من الحديث، فقال: لستم بهم، إنما هم الدنسة ثيابهم، المشققة أرجلهم، الطويلة شعورهم، رواد الآفاق وقطاع المسافات، تارة بالعراق وتارة بالحجاز، وتارة بالشام، وتارة باليمن.

فهؤلاء نقلة الحديث.



(36)


قال ابن جرير لأصحابهِ: هل تنشطونَ لكتابةِ التاريخ من عهدِ آدمَ إلى وقتنَا بنحوِ 30 ألفَ ورقة؟! فقالوا: هذا مما تفنى الأعمارُ قبلَ تمامِهِ !! فقال/ ماتـتِ الهِمَــم !! .


37)


قال الإمام أحمد –رحمه الله-: النَّاسُ بحاجةٍ إلى الطَّعامِ أكثر من الطَّعامِ والشَّرابِ, لأنَّ العلمَ تحتاجهُ عددَ الأنفاسِ , والطعامُ والشراب تحتاجُهُ مرةً أو مرتينِ في اليومِ .


(38)


قال –عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: موتُ العالمِ مصيبةٌ لا تجبَرْ, وثلمةٌ لا تسدُّ, ونجمٌ طمسَ, وموتُ قبيلةٍ أيسرُ من موتِ عالمٍ. اهـ.


لعمركُ بالرَّزيَّةُ فقد مالٍ *** ولا شاةٍ تموتُ ولا بعيـرُ


ولكنَّ الرَّزيَّةَ فقدُ شخصٍ *** يموتُ بموتِـهِ خلقٌ كثيرُ


(39)


قال ابن القيِّم –رحمه الله-: العلماءُ باللَّهِ وأمره فهم حياة الموجود وروحه ولا يستغنى عنهم طرفة عين فحاجة القلب إلى العلم ليست كالحاجة إلى التنفس في الهواء بل اعظم وبالجملة فالعلم للقلب مثل الماء للسمك إذا فقده مات فنسبة العلم إلى القلب كنسبة ضوء العين إليها .


(40)


قال الشيخُ النحويُّ أبو الأسودِ الدؤلي:



العلم زين وتشريف لصاحبه *** فاطلب هديت فنون العلم والأدبا


لا خير فيمن له أصل بلا أدب *** حتى يكون على ما زانه حدبا


كم من كريم أخي عي وطمطمة *** فكم لدى القوم معروفا


إذا انتسبا في بيت مكرمة آباؤه نجب *** كانوا الرؤوس فأمسى بعدهم ذنبا


وخامل مقرف الآباء ذي أدب *** نال المعالي بالآداب والرتبا


أمسى عزيزا عظيم الشان مشتهرا *** في خده صعر قد ظل محتجبا


العلم كنز وذخر لا نفاد له *** نعم القرين إذا ما صاحب صحبا


قد يجمع المرء مالا ثم يسلبهُ *** عما قليل فيلقى الذل والحدبا


وجامع العلم مغبوط به أبدا *** ولا يحاذر منه الفوت والسلبا


يا جامع العلم نعم الذخر تجمعه *** لا تعدلن به درا ولا ذهبا


(41)


قال بعضهُمْ: من طلبَ الرَّاحةَ تركَ الرَّاحةَ, وإنَّ العلمَ لراحةٌ .


فيا وصْلَ الحبيبِ أما إليهِ *** بغيرِ مشقةٍ أبداً طريقُ


(42)


قال أبو الأسود الدؤلي: الحكامُ ملوكٌ على النَّاسِ, والعلماءُ ملوكٌ على الحكَّامِ .


(43)


أهلاً وسهلاً بالذين أودهم ... وأحبهم في الله ذي الآلاء


أهلاً بقوم صالحين ذوي تقى ... خير الرجال وزين ملاء


يسعون في طلب الحديث بعفة ... وتوقر وسكينة وحياء


لهم المهابة والجلالة والتقى ... وفضائل جلت عن الإحصاء


ومداد ما تجري به أقلامهم ... أزكى وأفضل من دم الشهداء


(44)


والعلمُ يجلو العمى عن صاحبِهِ *** كما يجلي سواد الظمةِ القبرُ


وليس ذو العلم بالتقوى كجاهلها *** ولا البصيرُ كأعمـى ما لهُ بصرُ


(45)


أحسنُ شيءٍ ما قالهُ القائلُ :


فقـل لمرجِّي معالـي الأمــورَ *** بغيــرِ اجتِهادٍ رجـوتَ المُـحالا


يتبعُ إن شــاءَ اللَّـهُ تعـالـى............