بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله سبحانه : { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى }
وقال صلى الله عليه وسلم : ( ... فإنما هن عوان عندكم ... )
هذان أصلان في الحكم بقرار المرأة في بيتها , وعدم خروجها إلا لحاجة .
فإن وهم واهم أن الآية تعني أمهات المؤمنين دون النساء , فيردّ ظنه أن كل الأوامر والنواهي في الآية غير الأمر بالقرار في البيوت تنطبق حتما على جميع المسلمات .
فما الذي يخرج هذا الأمر نفلة عن الباقيات دون قرينة مخرجة ؟!
فالنواهي والأوامر في الآية هي :
{ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ } وهل يجوز لغير أمهات المؤمنين أن يخضعن بالقول ؟!
{ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا } وهل يجوز لغيرهن أن يقلن منكرا ؟!
{ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ } هذا مدار الحديث
{ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى } وهل يجوز لغيرهن تبرج الجاهلية ؟!
{ وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ } وهل يجوز لغيرهن ترك الصلاة ومنع الزكاة ؟!
{ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } وهل يجوز لغيرهن معصية الله ورسوله ؟!
{ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ } وهل يحسن من غيرهن عدم ذكر آيات الله والحكمة التي تتلى في كل بيوت المسلمين ؟!
فمن خصص الأمر بالقرار بأمهات المؤمنين بحجة أن الخطاب في الآية لهن وحدهن , فعليه تخصيص باقي الأوامر والنواهي في الآية ’ فالخطاب في كل الأوامر والنواهي في الآية لأمهات الؤمنين .
ولو ظن أحد أنه عدا الأمر بالقرار فإن باقي الأوامر والنواهي تشمل جميع النساء المسلمات بدلالة نصوص أخرى , فيردّ ظنه أن الأمر بالقرار له نصوص أخرى أيضا تفيد عمومه , منها الحديث ( فإنما هن عوان عندكم )
واالعواني هنّ الأسيرات , ولا وجه لعدّ الشخص أسيرا إلا أن يكون ممنوعا من مطلق الحركة دون إذن آسره .
ولو كان للنساء حق الخروج من بيوت أوليائهن متى شئن , يتاجرن ويتسوّقن ويتنزّهن يغشين المجامع , دون حاجة إلى استئذان أوليائهن لما عدّتهن الشريعة أسيرات , هذه لغة العرب , في معنى الأسير .
فالحديث مبني على الآية والآية مبنية على الفطرة التي فطر الله الناس عليها , والتي جاء عليها قول الله تبارك وتعالى : { فَلا يُخْرِجَنَّكُمَ ا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى }
لم يقل سبحانه " فتشقيان " لكون الفطرة كدح الرجل في طلب الرزق ( خارج البيت ) وقرار المرأة في الظل والدعة يجلب لها الرجل الأرزاق .
فإن شك أحد في القصد .
فليتأمل تثنية الضمير في ( يخرجنكما ) وإفراده في ( تشقى ) فالبداهة تثنية الضميرين لأن الخطاب بدأ بالتثنية , والأصل أن يظل الخطاب للمثنى , إلا أن يدعو معنى طارئ للالتفات , وكذلك لأن الخروج من الجنة هو في حقيقته شقاء للاثنين معا .
إذن فقد تركت الآية تناسب الضميرين معنى وتناسبهما لفظا , وتركت الإشارة إلى شقاء حواء رغم أنه سيحصل , ذلك لتأكيد هذه الفطرة .
هي الفطرة التي بنيت عليها أحكام وغرائز أخر :
1- عليها جاء تقديم المؤنث على المذكر في قوله تعالى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي } على غير العادة من تقديم المذكر على المؤنث , وهو إشعار بأن جرمها أشد , لكونها مفصورة في بيت وليّها فأجرمت وخرجت هي للرجل ( الزاني بها ) أو أدخلته بيتها.
2- وعليها جاءت مفاهيم آيات وأحاديث كثيرة , في عدّ المرأة عورة , والعورة حقها الإخفاء , وفي فضل لزوم المرأة بيتها , والنهي عن الدخول عليها , وذم خروجها من بيتها دون تمام الاحتشام , وإيجاب الجلباب والخمارعليها عند خروجها يعوّضها مؤقتا عن ستر البيت , وذم اختلاطها بالرجال في الطرقات .
وعيها جاء النهي الشديد عن ((( خروجها ))) من بيتها حال العدّة .
3- وعلى هذ الفطرة جعلت راعية في بيت زوجها ومسؤولة عنه , تأذن للداخل بيته وتمنع .
وعليها جاء منعها من المشاركة في القتال .
4- وعلى هذه الفطرة أيضا جعل الله للمرأة غشاء بكارة دون الرجل .
ومع كل هذه الأمارات , فإن حديث :( ... فإنما هن عوان عندكم ... ) من التصريح والوضوح بما لا يحيج معه دليلا آخر على ( وجوب ) قرار النساء بالبيوت .
أقول :
إن الله تعالى يوم أراد للمرأة القرار , كفل لها ما يغنيها عن الخروج حتى لكسب العيش ! فأوجب لهاالنفقة على من له الخروج والكسب , وهو الرجل وليّها .
لهذا فالسبب السائد عند الأئمة لوجوب النفقة على المرأة كونها مقصورة في بيتها .
أما من ظن أن النفقة وجبت لها لكونها حاضن الولد , فيُعترَض عليه بأن الولد ذرية مشتركة هم للمرأة كما هم للرجل , والعناء في تربيتهم متشترك , فالمرأة عليها الحمل والإرضاع والخدمة , والرجل عليه كسوتهم ورزقهم وسكنهم وكل تكاليف حياتهم . وأما كون حق الأم بالصحبة يسبق حق الأب , فهذا من الحقوق التي بين المرأة وأولادها ولا صلة له فيما بين المرأة وزوجها من حقوق .
واما من ظن أن النفقة وجبت لكونه ملك بضعها - بزواجه منها - وقصرها له , فيردّ ظنه أن ملكه بضعها ونقلها لبيت الزوجية كان ثمنه ( المهر ) , ولا يصح أن يدفع ثمنان أو ثمن مرتين لشيء واحد لشيء واحد .
هذا إضافة إلى أن ملك البضع صار للزوج , بينما وجوب النفقة ليس مقصورا على الزوج , بل هو على الأب والابن والأخ ..... الخ , فما شأن هؤلاء بالبضع هنا ؟!
فإن تقرر أن النفقة وجبت على الزوج لأنه حبس الزوجة في بيته فلا تخرج للكسب والرزق
وأن وكل محبوس من إنسان أو حيوان تجب له النفقة على حابسه
فإن المرأة التي قرّت في بيت زوجها احتشاما عن أعين الرجال , وتفرّغا لشؤون بيته وخدمته ورعاية ولده ’ أهل لوجوب النفقة ولو كانت أغنى الناس , ولو قام غيرها بتدبير أموالها والاتجار لها .
إذ الحكم متعلق بجسدها , لا بغناها أو فقرها , فالجسد الذي منع من حرية التجارة والكسب , هو ذاته الذي يحتاج للكساء والغذاء والمأوى والعلاج ونحوها .
إن تقرر ما سبق
فما القول في بعض زوجات اليوم ؟
تخرج الواحدة منهن للتجارة , أو التكسب من وظيفة أو نحوها ؟
أقول :
هن بهذا لم يحبسن نفوسهن على أزواجهن وبيوتهم وولدهم .
بل حالهن كحالهم ! تخرجن كما يخرجون ويكسبن كما يكسبون , ويمضين خارج البيوت وقتا كالذي يمضون , ذلك في التكسّب وجني المال .
ومع أسفٍ فالأنظمة اليوم لا تفرّق بين رجل وامرأة ! لا في المرتب ولا في ساعات العمل , فالوقت هو هو , والمرتب هو هو .
وهذا – كفانا الله شرّه – مزلق خطير تتنامى أضراره مع مر الزمان , وقد بان لنا اليوم شيء من أضراره .
ومع أن أضرار خروج المرأة كثيرة .
منها تضرّر نشأة الأولاد النفسية بسبب غياب الأم عنهم نصف النهار أو يزيد .
ومنها تبدل طبيعة المرأة إلى شيء من طبيعة الرجل وخشونته , بما يكثر من أدائها أعمالا خارجية ليست أساسا من مهمة أوطبيعة المرأة المفطورة على رعاية أولادها وشؤون بيتها ..
ومنها فقد المرأة جانبا من حيائها , بما يكثر منها من مواجهة الرجال .
ومنها حدوث الافتتان والفواحش بما يصنعه خروج المرأة للوظائف والتجارة من فرص لمقابلة الرجال والاختلاط بهم والتعامل معهم .
إلا أني سأوجز النظرة إلى مشكلة أخرى منهن ؛ لكونها من صلب موضعنا .
إنها مشكلة : تكدس المال بأيدي النساء وخلو أيدي الرجال منه !
فالمعمول به اليوم عند القضاة , وفي عقود الزواج , أن الزوج ( مُلزَم )) بالنفقة كلها حتى لو كانت ( العروس ) موظفة أو تمتهن التجارةتخرج لها بنفسها !
هذا مع وجود من أظهر شجاعة من مشايخنا , فخالف السائد وبيّن أنه إذا أرادت زوجته أن تتوظف , فمن حق زوجها أن يمنعها أو يشترط عليها شيئا من المال تدفعه له مقابل تركها بيته بعض اليوم .
إننا لو تأملنا مجالات النفقة الكثيرة لألفيناها تشمل فيما تشمل :
1- تأمين المسكن بما يعنية من شراء أرض وبناء بيت , وشراء أثاث , والقيام الدائم على صيانته , وهذا من مستحيلات الزمان على شباب اليوم .
2- شراء السيارة .ودفع ما تتطلبه من صرف يومي ومن صيانة
3- تسديد مصاريف الخدمات من ماء وكهرباء وهاتف ورسوم عائلية ... الخ
4- دفع تكاليف الملبس والمشرب والمأكل لكل أفراد أسرته من زوجة وأولاد .
5- دفع تكاليف العلاج .
6- دفع تكاليف المناسبات من عقائق أولاده وولائم الزائرين ولو كانوا أهل الزوجة .
7- دفع تكاليف النزهات والترفيه والأسفار .
إلى غير هذا من مصارف .
كل هذا يتحمّله الرجل زوج الموظفة التي حالها كحاله في الخروج والكسب !
إن المرأة التي اقتصرت في بيت زوجها هي أهل لهذا وكرامة .
وإنما الطامة أن نلزم الرجل حتى ولو كان شابا على أبواب الحياة لم يكد يجد وسيلة رزق , نلزمه عند عقد القران بأن يؤدي كل ما سبق من نفقات مرهقة بعد أن قصم ظهره المهر وتأمين البيت وتأثيثه , عالمين أن زوجته ((( موظفة ))) تتسلم راتبا قد يفوق راتبه !
تخرج وتكسب كما يخرج هو ويكسب !
وتحصل على ما يحصل عليه من مال !
وتغيب عن بيته نصف يومها قدر ما يغيب هو !
ما وجه إلزامنا الزوج المسكين بكل هذه النفقات لزوجة ليست أسيرة عنده بقدر ما جعلناه هو أسيرا لها , يلهث دهره لهاثا عسى أن يوفّر ما ألزمناه به من نفقات على زوجة أراها أسقطت ذلك الحق يوم لم تحبس نفسها له ولأولاده ولبيته ؟!
هذا خلل ظاهر , وأثره على بناء المجتمع وخيم .
فالحل :
عدم فرض النفقة لزوجة عاملة . بل تركه حسب اختيار الزو ج , لايفرض عند عقد النكاح0 ولا عند المحاكمات .
فإن لم يكن هذا , فعلى الأقل علينا أن نقف العمل بالمبدأ الظالم للمرأة والرجل والأولاد من مساواة المرأة بالرجل في ساعات العمل ومن ثم قدر الراتب .
فللمرأة مسؤوليات في منزلها يجب ألا نرهقها ونذهلها عنها بعمل خارجي .
وكذا فليس على المرأة واجب النفقة حتى نعطيها ما نعطي الرجل من راتب .
يضاف لما سبق : عدم شغل وظائف يمكن أن يشغلها الرجال بنساء , إلا ان لا يوجد رجال يشغلونها , نقدّم توظيف الرجال استجابة للفطرة التي جعلت مهمة الرجل غير مهمة المرأة في شؤون الحياة الدنيا , فهو يخرج للكسب وهي ترعى أمور بيته وولده , تلك الفطرة التي لأجل تحققها أوجب الله النفقة على الرجل .
.