الحمد لله الذي هدانا والصلاة والسلام على مصطفانا وبعد :
لقد أهمتني- منذ وقت ليس بالقصير - مسألة ( ميل النفوس للمدح وحبها للإطراء)
وما هي الطريقة المثلى التي أوجبها أو رغّب فيها الشرع للتعامل مع مدح الآخرين ؟
فقد كنت حتى وقت قريب على قناعة تامة أن قبول العبد لمطلق مدح و إطراء من الآخرين
علة قادحة في كمال إيمانه إما الواجب أو - على أقل تقدير- المستحب .
وعزز هذه القناعة -عندي - ما نقل عن بعض السلف من أفعل و أقوال تذم بل
وتقدح في إيمان قابلي المدح ومحبي الإطراء ، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر :
- قول الإمام ابن القيم :
( لا يجتمع الإخلاص و حب المدح فى قلب المؤمن )
- وكذا تورع وتنزه بعضهم عن محض ذكر اسمه على عمله :
قائلا : ( وددت أن الخلق تعلموا العلم ولم ينسب لى منه شيء )
إلى أن انتبهتُ يوما لحديث :
( ليس أحد أحب إليه المدح من الله عز وجل . من أجل ذلك مدح نفسه .
وليس أحد أغير من الله . من أجل ذلك حرم الفواحش . وليس أحد أحب
إليه العذر من الله . من أجل ذلك أنزل الكتاب وأرسل الرسل )
الراوي: عبدالله بن مسعود المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم-
الصفحة أو الرقم: 2760 / خلاصة حكم المحدث: صحيح .
-* فعنّ لي- ساعتئذ - أن هذا يصلح دليلا على جواز محبة المدح للمخلوق :
فقد أثبت لفظ الحديث أن هناك تفاضل باستخدام الفعل ( أحبّ )
مما يشعر بثبوت تلك المحبة أيضا -مع تفاوت المقدار بلا شك - للمخلوق .
-* وذهبت أبحث في كتب أهل العلم علّي أجد ما يعضدد هذا الفهم
فوجدت كلاما للمباركفوري في : ( تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي ) نصه :-
[ ( ولا أحد أحب إليه المدح من الله )
يجوز في أحب الرفع والنصب وهو أفعل التفضيل بمعنى المفعول , وقوله المدح بالرفع فاعله , وحب الله المدح ليس من جنس ما يعقل من حب المدح وإنما الرب أحب الطاعات ومن جملتها مدحه ليثيب على ذلك فينتفع المكلف لا لينتفع هو بالمدح . ونحن نحب المدح لننتفع ويرتفع قدرنا في قومنا . فظهر من غلط العامة قولهم : إذا أحب الله المدح فكيف لا نحبه نحن فافهم
( ولذلك )
أي ولأجل حبه المدح . .... ] انتهى كتاب : الدعوات عن رسول الله / باب منه / رقم : 3453
- وكدت أطمئن لما فوق الخط ويزول إشكالي إلا أني
وجدت مانعا حال بيني وبين ذلك وهذا المانع هو :
الجملة التالية في الحديث المذكور : (من أجل ذلك مدح نفسه ) ؟!
فخيّل إليّ أن هذه الجملة كالمعارض للمعنى الذي أورده المباركفوري !
أضف إلى ذلك :
ما جبلت عليه النفس - وأحيانا تكون بحاجته لتواصل - من محبة المدح والإطراء
- نقول مطلق المدح وليس المدح المطلق .
والإشكال الذي يطرح نفسه وبقوة بعد التفصيل السابق :
هل كل محبة لمدح / الإطراء مذمومة شرعا ؟ أم أن الأمر فيه تفصيل ؟
وما هي ضوابط هذا التفصيل - إن وجد - بالأدلة ؟
** وفي الأخير : هذه ليست دعوة للقول بمشروعية محبة المدح والإطراء
بل هي محض مناقشة علمية بغية الهدى للصواب في تلكم المسألة .
والله نسأل : أن يتفضل علينا فيهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه ؛
إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .