ابن عربي
صاحب كتاب (فصوص الحكم)
إمام من أئمة الكفر والضلال
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين.. وبعد،،
فقد نقل عن دكتور في الشريعة أن ابن عربي صاحب كتاب "فصوص الحكم" طود شامخ، وعالم كبير، وأن ما كان يسمعه عنه في بداية الطلب غير ما تحقق منه بعد أن اطلع بنفسه على كتبه وعلومه... ولما كان الدكتور المذكور قد قالهذا القول في مؤتمر عام، ولم يتسن بيان ما في كلامه من الخطأ العظيم أو الزور الكبير، وقد يضل بقوله من لم يعرف حقيقة الأمور، أو يغتر به جاهل أو مغرور، أحببنا بيان هذا الأمر الخطير...
سائلاً الله تبارك وتعالى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه . إنه سميع عليم.
عبدالرحمن بن عبدالخالق
الكويت / غرة شوال 1422هـ
الموافق 15/1/2002
ابن عربي وكتابه (فصوص الحكم):
ابن عربي والذي يسمونه الشيخ الأكبر ويلقبونه بمحي الدين المتوفى سنة 638 هـ هو صاحب كتاب (فصوص الحكم) والذي فصل فيه عقيدته المسماه بوحدة الوجود، والذي ادعى في هذا الكتاب أن النبي قد كتبه له بنصه، وسلمه إياه يداً بيد، وقال اخرج به على الناس.
قال:"فإني رأيت رسول الله r في مبشرة أريتها في العشر الآخر من محرم سنة سبع وعشرين وستمائة بمحروسة دمشق، وبيده r كتاب، فقال لي: هذا كتاب فصوص الحكم خذه واخرج به إلى الناس ينتفعون به، فقلت: السمع والطاعة لله ولرسوله وأولي الأمر منا كما أُمرنا. فحققت الأمنية وأخلصت النية وجردت القصد والهمة إلى إبراز هذا الكتاب كما حده لي رسول الله r من غير زيادة ولا نقصان".
وقد جمع ابن عربي في كتابه هذا أعظم كفر عرفته البشرية في كل عصورها، دونه كفر اليهود والنصارى وسائر المشركين، فقد فصل ابن عربي في كتابه هذا عقيدته الخبيثة فيما سمى بوحدة الوجود: وأن كل هذه الموجودات القائمة من السماء والأرض والجن والإنس والملائكة والحيوان والنبات ما هي إلا الله وأن هذه الموجودات هي عين وجوده، وأنه لا يوجد خالق ومخلوق ولا رب ولا عبد، بل الخالق هو عين المخلوق، والعبد هو عين الرب، والرب هو عين العبد، وأن الملك والشيطان، والجنة والنار، والطهر والنجاسة وكل المتناقضات والمتضادات ما هي إلا عين واحدة تتصف بكل صفات الموجودات، وهي عين الله الواحد الذي ليس معه غيره.. تعالى الله عما يقول هذا المجرم وأمثاله علواً كبيراً.
وفضّل هذا الخبيث نفسه على سائر البشر والأنبياء المرسلين زاعماً أنه خاتم الأولياء كما كان النبي محمد r هو خاتم الأنبياء، والولي عنده أفضل من النبي لأنه زعم أن الولي يأخذ ويتعلم من معين الحق، والنبي يأخذ بواسطة الملك ومن يأخذ بلا واسطة خيرٌ مما يأخذ بواسطة، وإن كان الجميع عنده في النهاية عيناً واحدة، ولكنهم يتفاوتون في المراتب والمنازل.
ألوان من كفر ابن عربي وتفصيله لعقيدته وحدة الوجود:
وقال هذا الأفاك فيما قال: إن الله لا ينزه عن شيء، لأن كل شيء هو عينه وذاته، وأن من نزهه عن الموجودات قد جهل الله ولم يعرفه، أي جهل ذاته ونفسه... قال: "اعلم أن التنـزيه عن أهل الحقائق في الجانب الإلهي عين التحديد والتقييد فالمنزه إما جاهل وإما صاحب سوء أدب" (الفصوص/86).
وقال في وصف نوح r: ")ومكروا مكراً كباراً( لأن الدعوة إلى الله مكر بالمدعو، فأجابوه مكراً كما دعاهم فقالوا في مكرهم: لا تذرن آلهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً. فإنهم لو تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء. فإن للحق في كل معبود وجهاً يعرفه من يعرفه ويجهله من يجهله ) وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه( أي حكم فالعالم يعلم من عَبَد وفي أي صورة ظهر حتى عُبِد، وإن التفريق والكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة والقوى المعنوية في الصورة الروحانية، فما عبد غير الله في كل معبود" (الفصوص/72).
ولما جعل هذا الخبيث قوم نوح الذين عبدوا الأصنام لم يعبدوا إلا الله وإنهم بذلك موحدون حقاً فلذلك كافأهم الله الذي هم نفسه وذاته بأن أغرقهم في بحار العلم في الله. قال: ")مما خطيئاتهم( فهي التي خطت بهم فغرقوا في بحار العلم بالله، )فأدخلوا ناراً( في عين الماء )وإذا البحـار سجرت( )فلم يجدوا من دون الله أنصاراً ( فكان الله عين أنصارهم فهلكوا فيه إلى الأبد" (الفصوص/73).
وقال أيضاً:"ومن أسمائه العلي: على من، وما ثم إلا هو، فهو العلي لذاته أو عن ماذا ؟ وما هو إلا هو، فعلوه لنفسه، ومن حيث الوجود فهو عين الموجودات فالمسمى محدثات هي العلية لذاتها وليس إلا هو" (الفصوص/76).
وقال: ومن عرف ما قررناه في الأعداد، وأن نفيها عين إثباتها، علم أن الحق المنزه هو الخلق المشبه، وإن كان قد تميز الخلق من الخالق. فالأمر الخالق المخلـوق، والأمر المخلوق الخالق. كل ذلك من عين واحدة، لا، بل هو العين الواحدة وهو العيون الكثيرة. فانظر ماذا ترى)قال يا أبت افعـل ما تؤمر(؛ والولد عين أبيه. فما رأى يذبح سوى نفسه. وفداه بذبح عظيم، فظهر بصورة كبش من ظهر بصورة إنسان. وظهر بصورة ولد: لا، بل بحكم ولد من هو عين الوالد.)وخلق منها زوجها(: فما نكح سوى نفْسِهِ. اهـ(الفصوص/78).
وقال أيضاً:"فالعلي لنفسه هو الذي يكون له الكمال الذي يستغرق به جميع الأمور الوجودية والنسب العدمية بحيث لا يمكن أن يفوته نعت منها، وسواء كانت محمودة عرفاً وعقلاً وشرعاً أو مذمومة عرفاً وعقلاً وشرعاً. وليس ذلك إلا لمسمى الله تعالى خاصة" (الفصوص/79).
وهذا الخبيث لا يكذب الرسل فقط في إخبارهم عن الله والغيب، بل يكذب ويكابر في المحسوس فإنه بما زعم في وحدة الوجود وأنه ليس إلا الله، مدعياً أنه هو عين المخلوقات، وبذلك لا يكون هناك فارق بين الملك والشيطان والمؤمن والكافر، والحلال والحرام، ومن عبد الشمس والقمر، ومن كفر بعبادة الشمس والقمر... بــل ادعى كذلك أن الجنة والنار كليهما للنعيم، وأن أهل النار منعمون كما أهل الجنة، قال:
وإن دخلـوا دار الشقــاء فإنهم علىلذة فيها نعيم مباين
نعيم جنان الخلد، فالأمر واحد وبينهما عند التجـلي تبـاين
يسمى عذاباً من عذوبة طعمهوذاك له كالقشر والقشر صاينُ
وهذه صورة من الصور الشيطانية الإبليسية في الإفصاح عن هذه العقيدة الخبيثة فيما سماه بفص حكمــة أحدية في كلمة هودية:
"اعلم أن العلوم الإلهية الذوقية الحاصلة لأهل الله مختلفة باختلاف القوى الحاصلة منها مع كونها ترجع إلى عين واحدة، فإن الله تعالى يقول: ((كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يسعى بها)) فذكر أن هويته هي عين الجوارح التي هي عين العبد. فالهوية واحدة والجوارح مختلفة. ولكل جارحة علم من علوم الأذواق يخصها من عين واحدة تختلف باختلاف الجوارح، كالماء حقيقة واحدة في الطعم باختلاف البقاع، فمنه عذب فرات ومنه ملح أجاج، وهو ماء في جميع الأحوال لا يتغير عن حقيقته وإن اختلفت طعومه. وهذه الحكمة من علم الأرجل وهو قوله تعالى في الأكل لمن أقام كتبه: )ومن تحت أرجلهم( فإن الطريق الذي هو الصراط هو السلوك عليه والمشي فيه، والسعي لا يكون إلا بالأرجل. فلا ينتج هذا الشهود في أخذ النواصي بيد من هو على صراط مستقيم إلا هذا الفن الخاص من علوم الأذواق. )فيسوق المجرمين(وهم الذين استحقوا المقام الذي ساقهم إليه بريح الدبور التي أهلكهم عن نفوسهم بها، فهو يأخذ بنواصيهم والريح تسوقهم وهو عين الهواء التي كانوا عليها إلى جهنم، وهي البعد الذي كانوا يتوهمونه.
فلما ساقهم إلى ذلك الموطن حصلوا في عين القرب فزال البعد فزال مسمى جهنم في حقهم، ففازوا بنعيم القرب من جهة الاستحقاق لأنهم مجرمون. فما أعطاهم هذا المقام الذوقي اللذيذ من جهة المنة، وإنما أخذوه بما استحقته حقائقهم من أعمالهم التي كانوا عليها، وكانوا في السعي في أعمالهم على صراط الرب المستقيم لأن نواصيهم كانت بيد من له هذه الصفة. فما مشوا بنفوسهم وإنما مشوا بحكم الجبر إلى أن وصلوا إلى عين القرب. )ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون( وإنما هو يبصر فإنه مكشوف الغطا )فبصره حديد(وما خص ميتاً من ميت أي ما خص بعيداً في القرب من شقي. )ونحن أقرب إليه من حبل الوريد(وما خص إنساناً من إنسان. فالقرب الإلهي من العبد لا خفاء به في الإخبار الإلهي. فلا قرب أقرب من أن تكون هويته عين أعضاء العبد وقواه، وليس العبد سوى هذه الأعضاء والقوى فهو حق مشهود في خلق متوهم. فالخلق معقول والحق محسوس مشهود عند المؤمنين وأهل الكشف والوجود، وما عدا هذين الصنفين فالحق عندهم معقول الخلق مشهود. فهم بمنزلة الماء المالح الأجاج، والطائفة الأولى بمنزلة الماء العذب الفرات السائغ لشاربه. فالناس على قسمين: من الناس من يمشي على طريق يعرفها ويعرف غايتها، فهي في حقه صراط مستقيم. ومن الناس من يمشي في طريق يجهلها ولا يعرف غايتها وهي عين الطريق التي عرفها الصنف الآخر، فالعارف يدعو إلى الله على بصيرة، وغير العارف يدعو إلى الله على التقليد والجهالة. فهذا علم خاص يأتي من أسفل سافلين، لأن الأرجل هي السفل من الشخص، وأسفل منها ما تحتها وليس إلا الطريق. فمن عرف أن الحق عين الطريق عرف الأمر على ما هو عليه، فإن فيه جل وعلا تسلك وتسافر إذ لا معلوم إلا هو، وهو عين الوجود والسالك المسافر. فلا عالِمَ إلا هو فمن أنت ؟ فاعرف حقيقتك وطريقتك، فقد بان لك الأمر على لسان الترجمان إن فهمت. وهو لسان حق فلا يفهمه إلا من فهمُهُ حق: فإن للحق نسباً كثيرة ووجوهاً مختلفة: ألا ترى عاداً قومَ هود كيف "قالوا هذا عارض ممطرنا" فظنوا خيراً بالله تعالى وهو عند ظن عبده به، فأضرَبَ لهم الحق عن هذا القول فأخبرهم بما هو أتم وأعلى في القرب، فإنه إذا أمطرهم فذلك حظ الأرض وسقى الحبة فما يصلون إلى نتيجة ذلك المطر إلا عن بعد فقال لهم:)بل هو ما استعجلتم به ريحٌ فيها عذابٌ أليم( فجعل الريح إشارة إلى ما فيها من الراحة فإن بهذه الريح أراحهم من هذه الهياكل المظلمة والمسالك الوعرة والسدف المدلهمة، وفي هذه الريح عذاب أي أمر يستعذبونه إذا ذاقوه، إلا أنه يوجعهم لفرقة المألوف. فباشرهم العذاب فكان الأمر إليهم أقرب مما تخيلوه فدمرت كل شيء بأمر ربها، )فأصبحوا لا يُرى إلا مساكنهم( وهي جثثهم التي عمرتها أرواحهم الحقِّية. فزالت حقية هذه النسبة الخاصة وبقيت على هيا كلهم الحياة الخاصة بهم من الحق التي تنطق بها الجلود والأيدي والأرجل وعذبـات الأسواط والأفخاذ. وقد ورد النص الإلهي بهذا كله، إلا أنه تعالى وصف نفسه بالغيرة، ومن غيرته )حرم الفواحش(وليس الفحش إلا ما ظهر. وأما فحش ما بطن فهو لمن ظهر له. فلما حرم الفواحش أي منع أن تعرف حقيقة ما ذكرناه، وهي عين الأشياء فسترها بالغيرة وهو أنت من الغير، فالغير يقول السمع سمع زيد، والعارف يقول السمع سمع الحق، وهكذا ما بقي من القوى والأعضاء. فما كل أحد عرف الحق فتفاضل الناس وتميزت المراتب فبان الفاضل والمفضول. واعلم أنه لما أطلعني الحق وأشهدني أعيان رسله عليهم السلام وأنبيائه كلهم البشريين من آدم إلى محمد صلى الله عليهم أجمعين في مشهد أقمتُ فيه بقرطبة سنة ست وثمانين وخمسمائة، ما كلمني أحد من تلك الطائفة إلا هود عليه السلام فإنه أخبرني بسبب جمعيتهم، ورأيته رجلاً ضخماً في الرجال حسـن الصورة لطيف المحاورة عارفاً بالأمور كاشفاً لها. ودليلي على كشفه لها قوله: )مـا من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم(. وأي بشارة للخلق أعظم من هذه ؟ ثم من امتنان الله علينا أن أوصل إلينا هذه المقالة عنه في القرآن، ثم تممها الجامع للكل محمد r بما أخبره عن الحق بأنه عين السمع والبصر واليد والرجل واللسان: أي هو عين الحواس. والقوى الروحانية أقرب من الحواس. فاكتفى بالأبعد المحدود عن الأقرب المجهول الحد. فترجم الحق لنا عن نبيه هود مقالته لقومه بشرى لنا، وترجم رسول الله r عن الله مقالته بشرى: فكمل العلم في صدور الذين أوتوا العلم )وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون( فإنهم يسترونها وإن عرفوها حسداً منهم ونفاسة وظلماً. وما رأينا قط من عند الله في حقه تعالى في آية أنزلها أو أخبر عنه أوصله إلينا فيما يرجع إليه إلا بالتحديد تنزيهاً كان أو غير تنزيه" اهـ (الفصوص/107-110).
ولا يخجل هذا الأفاك من وصف الرب الإله سبحانه وتعالى بكل صفات الذم تصريحاً لا إجمالاً وتلميحاً وفحوى… فهو يصف الجماع بل الوقاع نَفسَه أنه دليل هذه الوحدة، فالله عنده هو الطيب والخبيث تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً- فيقول: "والعالم على صورة الحق، والإنسان على الصورتين"(الفصوص/222).
وقال: "ولما أحب الرجل المرأة طلب الوصلة أي غاية الوصلة التي تكون في المحبة، فلم يكن في صورة النشأة العنصرية أعظم وصلة من النكاح، ولهذا تعم الشهوة أجزاءه كلها، ولذلك أُمِرَ بالاغتسال منه، فعمت الطهارة كما عم الفناء فيها عند حصول الشهوة. فإن الحق غيور على عبده أن يعتقد أنه يلتذ بغيره، فطهره بالغسل ليرجع بالنظر إليه فيمن فني فيه، إذ لا يكون إلا ذلك. فإذا شاهد الرجل الحق في المـرأة كان شهوداً في منفعل، وإذا شاهده في نفسه - من حيث ظهور المرأة عنه - شاهده في فاعل، وإذا شاهده في نفسه من غير استحضار صورة ما تكوَّن عنه كان شهوده في منفعل عن الحق بلا واسطة. فشهوده للحق في المرأة أتم وأكمل، لأنه يشاهد الحق من حيث هو فاعل منفعل، ومن نفسه من حيث هو منفعل خاصة. فلهذا أحب r النساء لكمال شهود الحق فيهن، إذ لا يشاهد الحق مجرداً عن المواد أبداً، فإن الله بالذت غني عن العالمين، وإذا كان الأمر من هذا الوجه ممتنعاً، ولم تكن الشهادة إلا في مادة، فشهود الحق في النساء أعظم الشهود وأكمله "(الفصوص/217).
وحدة الوجود أعظم عقيدة في الكفر:
وهذه العقيدة التي لم تعرف الأرض أكفر ولا أفجر منها والتي فصلها هذا الخبيث في كتابه الفصوص، قد نثرها وفرقها في موسوعته الكبيرة الفتوحات المكية والتي تقع في أربع مجلدات كبار كبار.
بدأها في مقدمته بقوله " ولما حيرتني هذه الحقيقة أنشدت على حكم الطريقة للحقيقة:
الرب حق والعبد حـق يا ليت شعري من المكلف
إن قلت عبد فذاك ميت وإن قلت رب أنى يكلف
فهو يطيع نفسه إذا شاء بخلقه..." الخ.
ثم فرق هذه العقيدة الكفرية في كتابه هذا قائلاً: " وأما عقيدة خلاصة الخاصة في الله تعالى... جعلناه مبدداً في هذا الكتاب لكون أكثر العقول المحجوبة تقصر..." (الفتوحات/47).
أسلوب ابن عربي في كتاباته:
وبنى ابن عربي كتاباته كلها على الثعلبية والمكر والخداع وذلك بتحريف الكلم عن مواضعه تحريفاً معنوياً للقرآن الكريم والحديث الشريف، والكذب وادعاء العلم الإلهي، والرؤى، والاطلاع على مالم يطلع عليه أحد من الخلق سواه، مع ادعائه بالعلم والدين والتقوى والصدق، وقد لا يوجد على البسيطة كلها من هو أكذب منه. ووالله إني عندما أقرأ كتابه وأقارن بين ما قاله إبليس في أول أمره عندما امتنع عن السجود لآدم، واستكبر وأبى فلعنه الله إلى يوم القيامة )وإن عليك لعنتي إلى يوم يبعثون( وبين هـذا الكذاب الأفاك الذي قال عن الله وفي الله ما لم تقله اليهود والنصارى ولا مشركو العرب والعجم فأرى أن إبليس في وقت لعن الله له، كان أخف ذنباً وجرماً، وإن كان قد أصبح بعد ذلك هو محرك الشرك كله وباعثه، وابن عربي وأمثاله وإن كانوا غرساً من غراس إبليس اللعين فإنهم قد فاقوا بكفرهم وعنادهم وعتوهم وقولهم العظيم علـى الله ما لم يقله إبليس، فإن إبليس كان يفرق بين الخالق والمخلوق، وبين الرب الإله القوي القاهر، وبين المخلوق الضعيف الفقير المحتاج إلى إلهه ومولاه، وأما ابن عربي هذا ومن على شاكلته فقد جعلوا إبليس وجبريل والأنبياء والكفار والأشقياء، وكل هذه المخلوقات هي عين الخالق وأنه ليس في الوجود غيره، يخلق بنفسه لنفسه، وأنه ليس معه غيره، وأن الكفر والإيمان، والحلال والحرام، والأخت والأجنبية، واتيان النساء، واتيان الذكور شيء واحد، وكل هذا عين الرب وحقيقته وأفعاله - فتعالى الله عما يقولون علواً كبيراً- ونستغفره سبحانه وتعالى من ذكر أقوالهم ونقل كفرهم، ولكننا نفعل ذلك لأن هؤلاء المجرمين هم عند كثيـر من الحمقى المغفلين، والزنادقة المخادعين هم عندهم أولياء الله الصالحين.
وقد قام علماء المسلمين الصادقين في كل وقت يردون إفك هؤلاء المجرمين.
ابن تيمية يرد على إفك ابن عربي وعقيدته وحدة الوجود:
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- فيهم: "حتى يبلغ الأمر بأحدهم إلى أن يهوى المردان، ويزعم أن الرب تعالى تجلى في أحدهم، ويقولون: هو الراهب في الصومعة ؛ وهذه مظاهر الجمال ؛ ويقبل أحدهم الأمرد، ويقول: أنت الله. ويذكر عن بعضهم أنه كان يأتي ابنه، ويدعي أنه الله رب العالمين، أو أنه خلق السماوات والأرض، ويقول أحدهم لجليسه: أنت خلقت هذا، وأنت هو، وأمثال ذلك.
فقبح الله طائفة يكون إلهها الذي تعبده هو موطؤها الذي تفترشه ؛ وعليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منهم صرفاً ولا عدلاً.
ومن قال: إن لقول هؤلاء سراً خفياً وباطن حق، وأنه من الحقائق التي لا يطلع عليها إلا خواص خواص الخلق: فهو أحد رجلين – إما أن يكون من كبار الزنادقة أهـل الإلحاد والمحال، وإما أن يكون من كبار أهل الجهل والضلال. فالزنديق يجب قتله، والجاهل يعرف حقيقة الأمر، فإن أصر على هذا الاعتقاد الباطل بعد قيام الحجة عليه وجب قتله.
ولكن لقولهم سر خفي وحقيقة باطنة لا يعرفها إلا خواص الخلق. وهذا السر هو أشد كفراً وإلحاداً من ظاهره ؛ فإن مذهبهم فيه دقة وغموض وخفاء قد لا يفهمه كثير من الناس" (الفتاوى 2/378-379).
ويقول أيضاً شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: "وأقوال هؤلاء شر من أقوال اليهود والنصارى، فيها من التناقض من جنس ما في أقوال النصارى ولهذا يقولون بالحلول تارة، وبالاتحاد أخرى، وبالوحدة تارة، فهو مذهب متناقض في نفسه، ولهذا يلبسون على من لم يفهمه. فهذا كله كفر باطناً وظاهراً بإجماع كل مسلم، ومن شك في كفر هؤلاء بعد معرفة قولهم ومعرفة دين الإسلام فهو كافر كمن يشك في كفر اليهود والنصارى" (الفتاوى 2/368).
وقال أيضاً: "ولا يتصور أن يثني على هؤلاء إلا كافر ملحد، أو جاهل ضال" (الفتاوى 2/367).
ولما سئل شيخ الإسلام عن كتاب فصوص الحكم قال: "ما تضمنه كتب (فصوص الحكم) وما شاكله من الكلام: فإنه كفر باطناً وظاهراً ؛ وباطنه أقبح من ظاهره. وهذا يسمى مذهب أهل الوحدة، وأهل الحلول، وأهل الاتحاد. وهم يسمون أنفسهم المحققين. وهؤلاء نوعان:
نوع يقول بذلك مطلقاً، كما هو مذهب صاحب الفصوص ابن عربي وأمثاله: مثل ابن سبعين، وابن الفارض، والقونوي والششتري والتلمساني وأمثالهم ممـن يقول: إن الوجود واحد، ويقولون: إن وجود المخلوق هو وجود الخالق، لا يثبتون موجودين خلق أحدهما الآخر، بل يقولون: الخالق هو المخلوق، والمخلوق هو الخالق. ويقولون: إن وجود الأصنام هو وجود الله، وإن عبّاد الأصنام ما عبدوا شيئاً إلا الله.
ويقولون: إن الحق يوصف بجميع ما يوصف به المخلوق من صفات النقص والذم.
ويقولون: إن عبّاد العجل ما عبدوا إلا الله، وإن موسى أنكر على هارون لكون هارون أنكر عليهم عبادة العجل، وإن موسى كان بزعمهم من العارفين الذين يرون الحق في كل شيء، بل يرونه عين كل شيء، وأن فرعون كان صادقاً في قوله: أنا )ربكم الأعلى( بل هو عين الحق، ونحو ذلك مما يقوله صاحب الفصوص.
ويقول أعظم محققيهم: إن القرآن كله شرك، لأنه فرق بين الرب والعبد ؛ وليس التوحيد إلا في كلامنا.
فقيل له: فإذا كان الوجود واحداً، فلم كانت الزوجة حلالاً والأم حراماً ؟ فقال: الكل عندنا واحد، ولكن هؤلاء المحجوبون قالوا: حرام. فقلنا: حرام عليكم"(الفتاوى 2/364-365).
وقال ابن تيمية أيضاً: "وقد صرح ابن عربي وغيره من شيوخهم بأنه هو الذي يجوع ويعطش، ويمرض ويبول ويَنكح ويُنكح، وأنه موصوف بكل عيب ونقص لأن ذلك هو الكمال عندهم، كما قال في الفصوص ؛ فالعلي بنفسه هو الذي يكون له الكمال الذي يستقصى به جميع الأمور الوجودية، والنسب العدمية: سواء كانت ممدوحة عرفاً وعقلاً وشرعاً، أومذمومة عرفاً وعقلاً وشرعاً وليس ذلك إلا لمسمى الله خاصة"(الفتاوى 2/265).
ويعتذر شيخ الإسلام عن الإفاضة في بيان عقيدة هؤلاء القوم والتحذير منهم قائلاً: "ولولا أن أصحاب هذا القول كثروا وظهروا وانتشروا، وهم عند كثير من الناس سادات الأنام، ومشايخ الإسلام، وأهل التوحيد والتحقيق. وأفضل أهل الطريق، حتى فضلوهم على الأنبياء والمرسلين، وأكابر مشايخ الدين: لم يكن بنا حاجة إلى بيان فساد هذه الأقوال، وإيضاح هذا الضلال.
ولكن يعلم أن الضلال لا حد له، وأن العقول إذا فسدت: لم يبق لضلالها حد معقول، فسبحان من فـرق بين نوع الإنسان؛ فجعل منه من هو أفضل العالمين، وجعل منه من هو شر من الشياطين، ولكن تشبيه هؤلاء بالأنبياء والأولياء، كتشبيه مسيلمة الكذاب بسيد أولي الألباب، وهو الذي يوجب جهـاد هؤلاء الملحدين، الذين يفسدون الدنيا والدين" (الفتاوى 2/357-358).
وقال في وجوب إنكار هذه المقالات الكفرية، وفضح أهلها: "فهذه المقالات وأمثالها من أعظم الباطل، وقد نبهنا على بعض ما به يعرف معناها وأنه باطل، والواجب إنكارها ؛ فإن إنكار هذا المنكر الساري في كثير من المسلمين أولى من إنكار دين اليهود والنصارى، الذي لا يضل به المسلمون، لا سيما وأقوال هؤلاء شر من أقوال اليهود والنصارى وفرعون، ومن عرف معناها واعتقدها كان من المنافقين، الذين أمــر الله بجهادهم بقوله تعالى: )جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم( والنفاق إذا عظم كان صاحبه شراً من كفار أهل الكتاب، وكان في الدرك الأسفل من النار.
وليس لهذه المقالات وجه سائغ، ولو قدر أن بعضها يحتمل في اللغة معنى صحيحاً فإنما يحمل عليها إذا لم يعرف مقصود صاحبها، وهؤلاء قد عرف مقصودهم، كما عرف دين اليهود والنصارى والرافضة، ولهم في ذلك كتب مصنفة، وأشعار مؤلفة، وكلام يفسر بعضه بعضاً.
وقد علم مقصودهم بالضرورة، فلا ينازع في ذلك إلا جاهل لا يلفت إليه، ويجب بيان معناها وكشف مغزاها لمن أحسن الظن بها، وخيف عليه أن يحسن الظن بها أو أن يضل، فإن ضررها على المسلمين أعظم من ضرر السموم التي يأكلونها ولا يعرفون أنها سموم، وأعظم من ضرر السراق والخونة، الذين لا يعرفون أنهم سراق وخونة.
فإن هؤلاء: غاية ضررهم موت الإنسان أو ذهاب ماله، وهذه مصيبة في دنياه قد تكون سبباً لرحمته في الآخرة، وأما هؤلاء: فيسقون الناس شراب الكفر والإلحاد في آنية أنبياء الله وأوليائه، ويلبسون ثياب المجاهدين في سبيل الله، وهم في الباطن من المحاربين لله ورسوله، ويظهرون كلام الكفار والمنافقين، في قوالب ألفاظ أولياء الله المحققين، فيدخل الرجل معهم على أن يصير مؤمناً ولياً لله، فيصير منافقاً عدواً لله"(الفتاوى 2/359).
خاتمة:
وفي هذا الذي نقلناه بحمد الله كفاية لمعرفة هذه العقيدة الكافرة، والعلم بأعظم من قام بترويجها ونشرها، ولعل في ذلك تحذيراً للمؤمنين المسلمين أن يفتروا بأقوال هؤلاء الزنادقة والمنافقين.