يذكر «شسمان» Cheesman في كتابه «الأرض العربية المجهولة»IN UNKOWN ARABIA المنشورعام 1926م «ص79» كيف استطاعت الشركات الإنجليزية في نهاية القرن التاسع عشر أن تصلإلى الأسواق المحلية في جزيرة العرب وتصنع مايحتاجه الناس بسعر ينافس الصناعةالمحلية مما أدى إلى تدهور الحرف المحلية واضمحلالها. وربما يعيد التاريخ نفسه فينهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين مع العولمة ودخولنا لمنظمةالتجارة العالمية، فالتنافس على أسواقنا المحلية سيزداد حدة وصناعتنا المحلية إذالم نضع لها الأسس القوية التي تكفل لها التنافس والاستمرار ستتلاشى كما تلاشت حرفناالمحلية سابقاً عندما غزتها الشركات الأجنبية وقدمت للمستهلك المحلي مايحتاجه بسعرأقل.
يحق لنا أن نتساءل كيف استطاعت الشركات الإنجليزية في ذلك الوقت المبكر أنتغزو أسواق العالم؟ وما نحن فاعلون الآن بعد أن ازدادت الفجوة التقنية والعلميةبيننا وبينهم؟ كيف يمكننا أن نستفيد من تجاربهم؟ فرغم أن الإنجليز يقولون (ببطءولكن أكيد) Slow but Sure إلا أننا لانستطيع أن نتمهل مع هذه الهوة الواسعة بينناوبينهم؟ على أننا نستطيع أن نطرح مفهوم «التقنية الاجتماعية» كمفهوم جدير بالمناقشةلأننا نعتقد أنه الأساس الذي يمكن أن تبنى عليه قاعدة تقنية تنافسية. ولو رجعناللتجربة الإنجليزية وكيف توطنت التقنية اجتماعياً سوف نجد أنه تضافرت جهود مؤسساتيةوفردية لبناء وتوطين هذه الخبرة اجتماعياً. فعلى سبيل المثال اقترح «روبرت بيل» Robert Peel بناء القاعة القومية للفنون في لندن عام 1822م لكي تدعم الصناعةالإنجليزية في مواجهة منافسيها الأوروبيين مما أدى إلى تطور الصناعة الإنجليزية فيالقرن التاسع عشر حتى إنها غزت أسواقنا النائية. وارتباط الفن بالصناعة كان أحدالأسس التي بنت عليها كافة الصناعات الأوروبية انطلاقتها عندما تحولت من العملاليدوي إلى العمل الآلي مع بداية الثورة الصناعية.
لقد تعامل صانع الخزف المشهور «ودجوود» Wedg wood في بدايةتحول المجتمع الإنجليزي «رائد الثورة الصناعية» إلىالآلة في إنتاجه الصناعي في نهاية القرن الثامن عشر بذكاء مع تصور الناس وقيمهمالجمالية، فلم يتنازل عن الحرفة اليدوية بشكل كامل بل طورها لكي تتلاءم مع التقنيةالجديدة، وكان أن حول صناعة الخزف في إنجلترا من حرفة ريفية إلى صناعة كبرى. إنالنجاح الذي حققه «ودجوود» كصاحب لرأس المال لم يكن لديه فرق أن يتبنى الكلاسيكيةالجديدة أو أي طراز آخر لولا أنه وعى أن أي صناعة ناجحة يجب أن تتماشى مع الذوقالسائد في المجتمع. لقد أدرك الرأسماليون الغربيون أهمية الشكل في امتصاص مقاومةالمجتمعات للتغيير، وأدركوا أن الفن له قيمة تجارية كبيرة لذلك لاحظنا كيف تجاوزواالصناعة اليدوية بل وتفوقوا عليها في الجودة والسعر.
في اعتقادي أن بداية النجاحهو اقتناع المستهلك المحلي بجودة الصناعة المحلية، وهذا لايمكن أن يحدث ما لم يكنهناك دراسة وافية لتطور الثقافة المادية المحلية، فهذه الثقافة هي التي تشكل ذوقالناس وتصوراتهم وقيمهم الجمالية وترتبط بعاداتهم وحياتهم اليومية. فإذا كنا رأيناكيف تحولت الحرفة إلى صناعة، كما فعل «وودجوود»، فإن هذا لم يكن ليحدث لولا تلمسهذا الخزاف لاحتياج المجتمع المحلي وقيمه الجمالية. إن هناك حلولاً أسهل من حلولأخرى ولكن قد تكون الحلول الصعبة ذات قيمة وتأثير طويل الأمد مقارنة بالحلولالأسهل، هذا ينطبق على تطور التقنية الاجتماعية التي نقصد بها هنا تلك التقنية التيتنتج من قبل أفراد المجتمع لتلبية حاجة المجتمع، وهي كذلك تلك التقنية التي تعبر عنذوق المجتمع وقيمه الجمالية.
سنحاول الاقتراب أكثر من الجانب التقني ليس فقطكسوق ولكن كبعد اجتماعي ضارب الجذور في تفاصيل الحياة اليومية، فما تنتجه الصناعةفي وقتنا المعاصر يعمل على تحديد هوية وشخصية الثقافة المادية لأي مجتمع، فإذا كانتهذه الثقافة تعبر بصدق عن رؤية المجتمع ستجد هذه الصناعة في تطور مطرد. أحد الأمثلةالمتميزة للتقنية الاجتماعية في المملكة هو انتشار نوع من الأثاث نابع من الحاجةاليومية للإنسان السعودي، هذا الأثاث عبارة عن جلسة اسفنجية مصنعة محلياً ارتفاعهاأقل من الكنب، هذه الجلسة تحاكي في شكلها الأثاث التقليدي للمجلس العربي، ولوتتبعنا تطوره سنجده قد مر بعدة مراحل حتى وصل إلى شكله الحالي، وقد يتطور فيالمستقبل عن طريق الاستخدام من قبل الناس والاتصال المباشر بين الناس وبين الصانعإلى شكل أكثر دقة وأكثر خصوصية يعبر عن هوية المجتمع. دون شك أن هذا النوع منالأثاث المطور محلياً أضفى وسوف يضفي على مجالسنا ومساكننا المعاصرة خصوصية معماريةتختلف عن أي مكان في العالم.
إننا لاندعو إلى عودة الحرفة التقليدية وتطويرها منجديد فهذه الدعوة عاطفية محضة لاتستند إلى واقع اقتصادي، ونجاح أي صناعة مرتبطبالجدوى الاقتصادية، ولكننا نهدف هنا إلى إثارة قضية حساسة مرتبطة بالتنمية وهيأهمية وجود تقنية اجتماعية معاصرة تتناسب مع المطلب الاجتماعي المعاصر وتنتج محلياًوفي الوقت نفسه تكون قادرة على استيعاب الديناميكية الاجتماعية وإلا سوف تكون تقنيةجامدة سرعان ماتتلاشى. هذه دعوة لرجال الأعمال في المملكة لكي يولوا دراسة الثقافةالمادية رعايتهم ودعمهم خصوصاً تلك الدراسات التي تحدد بدقة التغيرات في أسلوبالحياة؛ لأن الصناعة الناجحة لابد أن تكون لديها عيون قادرة على رصد التغيراتوآليات للتعامل مع هذه التغيرات بسرعة. كما أنها دعوة لكي تكون لنا خصوصيتناالتقنية التي تقلل من مخاطر المنافسة الخارجية.
أسباب فشل التقنية العربية!
الرياض - د. أحمد صالح التويجري (خبير اقتصادي)
التنمية بمفهومها الواسع هي تنمية الإنسان نفسه منالجوانب الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليمية كافة؛ فهو الهدف الأول والأخيرمن جميع محاولات التنمية سواء في العالم المتقدم أو العالم النامي. أما التقنية فهيقدرة المجتمع على تجديد أساليب إنتاجه بصفة مستمرة نحو الأفضل رأسياً وأفقياً حسبظروف كل دولة. فالارتباط إذن وثيق للغاية بين الاثنين، فاستعمال التقنية المناسبةيساعد بلا شك في الإسراع في عملية التنمية؛ وكلمة مناسبة هنا تبرز من خلالها عدةتساؤلات: ü ما التقنية المناسبة لاقتصاد ما؟ ü هل من الممكن تحديد التقنية الأنسب؟ ü هل تتماشى التقنية المختارة مع الخط التنموي للدولة بصفة عامة؟ ü هل تعطىالأولوية للتقنية الصناعية بغرض دفع التنمية الصناعية، أم تعطى للأنواع الأخرى منالتقنية، أم لجميع الأنواع في وقت واحد؟ وفي محاولات للإجابة عن هذه التساؤلات ظهرتعلى السطح اصطلاحات عدة منها: نقل التقنية؛ شراء التقنية، تطويع التقنية حسب الظروفالمحلية للدولة المستوردة لها، والمتتبع لهذه الأمور يجدها منصبة على مبدأ واحدسائد في عصرنا هذا؛ وهو أن المخترع للتقنية هو العالم المتقدم، والمشتري لهاهوالعالم النامي. وبمعنى آخر هو ما يروج له الاقتصاديون الغربيون من أن قدرةالإنسان في العالم النامي قد اقتصرت على نقل ما ابتدعه الغير في العالم المتقدم،وهذا الرأي مجانب للحقيقة. فالعقل البشري هو نفسه العقل البشري سواء كان في الغربأو في الشرق، وخالقه هو الواحد الأحد سبحانه وتعالى، غير أن الظروف الاقتصادية وشحالموارد الطبيعية وعوامل الإنتاج في الدول النامية بصفة عامة ساعدت بصفة رئيسة علىما يسمى بالتأخر التكنولوجي في هذه الدول التي تعطي الأولوية للقضايا الأساسية. فغزو الفضاء والوصول إلى القمر وحرب النجوم ليست من الأولوية في شيء من خطط التنميةللدول النامية، وليس القصد هنا هو مهاجمة الاختراعات الحديثة أو التقنية المتقدمة،وإنما نقصد الرد على المبادئ الهدامة التي يركز عليها الإعلام الغربي، وهي أنالإنسان في الدول النامية متأخر بطبعه وتكوينه البشري. غير أننا - وإحقاقاً للحق- لا يجب أن نعفي دول العالم الثالث وشعوبها من العديد من الأخطاء التي أثرت بشكلمباشر على جميع نواحي التقدم التقني لهذه الشعوب؛ وأهم هذه الأخطاء: عدم الاستقرارالسياسي،وانعدام التخطيط الاقتصادي السليم والبرامج التعليمية والتنموية. أما فيالظروف والأحوال العادية والمستقرة في أية دولة نامية فإن الخيار الأفضل هو اختيارالتقنية الملائمة للظروف المحلية ومستويات المجتمع العلمية والفنية، ومن ثم تطويعهذه التقنية حتى يمكن استيعابها محلياً مع الاستمرار في تطوير التقنية المحلية عنطريق تشجيع البحث العلمي نظرياً ومن ثم تطبيقياً. ومن خلال كافة هذه المراحل يجبالأخذ في الاعتبار بأن التقنية لها نواح فنية وأخرى اقتصادية لا تقل أهمية، فأكثرأساليب الإنتاج تقدماً من الناحية الفنية ليس بالضررة أفضلها اقتصادياً، إذ إنه منالممكن استيراد أفضل المصانع من الناحية التقنية غير أن الأيدي العاملة العربية قدلا تتمكن من استيعاب هذه التقنية على أكمل وجه، مما تظهر معه مشكلة الطاقة المعطلةأو شبه المعطلة، وهو تبديد دون شك للاستثمار الصناعي، ومن هنا يجب أن يعطى موضوعتدريب الأيدي العاملة العربية الأولوية القصوى حتى يمكن التغلب على هذه المشكلة،وإلا اضطرت الدول إلى استيراد الأيدي العاملة مما يزيد المشكلة تعقيداً نظراًلتزايد كلفة الإنتاج المحلي، وهو ما يحدث بالفعل حالياً، وقد ينادي البعض باستيرادالعمالة الرخيصة من الخارج، غير أن هذا يعتبر حلاً تجارياً وأمده قصير، ولا يعتبرحلاً تنموياً لجذور المشكلة وهو المطلوب في الأمد الطويل. نقطة أخيرة في هذا الصددوهي ضرورة تطويع التقنية لتناسب مستوى الإنسان العربي من كافة النواحي وليس تطويعالإنسان نفسه ليناسب التقنية المختارة. التنمية والتخطيط والاستراتيجية لا تكادتخلو دولة من دول العالم بما يسمى بخطة التنمية، ولفترات زمنية متلاحقة يتخللهادائماً إجراءات لمتابعة تنفيذ وتقييم فعاليتها. وخطة التنمية في حد ذاتها ما هي إلاوضع مجموعة من البرامج ذات فترات زمنية محددة لتنفيذ مشروعات معينة لتنمية القطاعاتالمختلفة في الاقتصاد الوطني سواء كانت قطاعات إنتاجية كقطاعي الزراعة والصناعة، أوقطاعات تجارة وخدمات وما يتعلق بها، على أن يتم ذلك حسب أولويات معينة تتضمنالاستغلال الأمثل لموارد الدولة المتاحة والمتوفرة، بالإضافة إلى الموارد الأخرىالتي يمكن تنميتها أيضاً في أثناء الفترة الزمنية للخطة. ومن هذا التعريف المبسطيتضح مدى التلاحم بين التنمية والتخطيط والإستراتيجية، فالتوصل إلى نسبة نمواقتصادي مرتفع قدر الإمكان هو الهدف، أما التخطيط فهو الكيفية للوصول إلى هذاالهدف، أما الإستراتيجية فهي السياسات والوسائل المستعملة خلال فترة التنفيذ،ودائماً ما يخلط البعض بين الخطط والأهداف والإستراتيجية نظراً لارتباطهم الوثيقلعدم وجود الخلط القاطع بينهم، وقد يكون في المثال التالي إيضاح لهذه النقطة: البلاد العربية غنية بموارد طبيعية متعددة ذات نسبة استغلال لا بأس بها، وتتوافرلدى كل دولة فرص صناعية متعددة في حالة استغلال مواردها استغلالاً أفضل، ورغم أنالكثافة السكانية لدى الدول العربية عالية، إلا أن المستوى التعليمي الأكاديميوالفني ضعيف، وبالتالي فإن المستوى التقني أيضاً منخفض بالنسبة للأيدي العاملةوأيضاً بالنسبة لوسائل الإنتاج الممكن استعمالها للنهوض بتنمية صناعية شاملة، ومايرتبط بذلك من ضرورة تنمية كافة القطاعات الأخرى ذات العلاقة من طرق ومواصلاتووسائل تسويق وغيرها، مع تطوير وتنمية القطاع المنفذ للبرامج والمشروعات الصناعيةوليكن القطاع الخاص مثلاً.. فماذا يكون الوضع بالنسبة للدول العربية في حالة اتخاذقرار بالبدء في تنمية شاملة لتحسين أوضاع شعوبها والنهوض بمستوى معيشتهم والارتقاءالحضاري بهم؟ في رأيي أن الخيار الأفضل لمخططي الدول العربية هو ما يلي: الأهداف: - تنويع مصادر دخل كل دولة باستغلال كافة الموارد الطبيعية المتاحة خصوصاً قطاعاتالتعدين والمعادن والزراعة بعد استصلاح الأراضي الشاسعة غير المستغلة في العالمالعربي. - تنمية وتطوير الموارد غير المستغلة بجميع أنواعها اقتصادية وصناعيةوخدمية وسياحية. - تنمية كافة القطاعات المتعلقة بالتنمية الصناعية بصفة خاصة. - زيادة نسبة المتعلمين في العالم العربي إلى 100% من الأعداد الحالية سواء كانتعليمياً أكاديمياً أو فنياً، وإنشاء مراكز البحوث العلمية والتقنية في كل دولةعربية. - زيادة الكفاءة الإنتاجية للكوادر الفنية والإدارية عن طريق التدريب النظريوعلى رأس العمل. تحقيق نسبة عالية من الرفاهية الاجتماعية لجميع الشعوب العربيةلتضييق الفوارق الاجتماعية والطبقية بين الشعوب العربية. تقنية عربية لماذا لا نملكتقنية عربية متقدمة في العالم العربي؟ رغم تملكنا لكافة عناصر الإنتاج الأخرى، وهيالقوى العاملة والتمويل الرأسمالي والخامات والإدارة. فعدد السكان فاق المائتيمليون عربي، والأموال العربية في البنوك الغربية بلغت 400 مليار دولار، حسب أحدثالتقارير الدولية والصحفية، ومنها مجلة فورتشن الموثوق فيها تماماً. أما من ناحيةالخامات فلا يوجد خام واحد غير متوفر في العالم العربي من البترول والغاز إلى الذهبوالفضة والحديد والزنك والفوسفات والنحاس، حتى الرمال العربية مليئة بمادة السيليكاوهي المادة الرئيسة في صناعة الزجاج، فلماذا إذن نتخلف في تحقيق التقنية المتقدمة،وهي عماد التقدم الصناعي الذي هو بدوره العمود الفقري للتنمية الاقتصادية؟! وفيالإجابة عن هذا السؤال ظهرت على السطح العربي اصطلاحات عدة منها: نقل التقنية، شراءالتقنية، تطويع التقنية. والمتتبع لهذه المسميات يجدها تؤدي إلى نتيجة واحدة، وهيأن المخترع للتقنية هو العالم المتقدم، والمشتري لها هو العالم النامي أو الثالث،كما يسميه البعض، حيث يوجد عالم ثان، وهو بعض دول شرق آسياً، وأوروبا الشرقيةوأمريكا الجنوبية التي تستغل وفرة العمالة المدربة والرخيصة لديها لإقامة المئات منصناعات التصدير الناجحة مثل مصانع تجميع السيارات، والمعدات والأجهزة الكهربائية،والملابس وغيرها من الصناعات المقامة برؤوس أموال معظمها مستورد من الدول الغربيةواليابان، وهي اقتصاديات لا أقول هشة، وإنما قائمة على أساس ضعيف وهي التقنيةالمستوردة، ولا تقدم إلا العمالة وبعض الخامات، وتستورد كافة العناصر الأخرى،وأهمها الآلات والمعدات وطرائق الإنتاج (التقنية) من الدول المتقدمة تحت نظامالتراخيص الفنية بموجب اتفاقيات معينة، وهي اتفاقيات لحماية حقوق المخترع أوالملكية الفكرية، وهي من أهم بنود منظمة التجارة العالمية، حتى يحمي الغرب القوينفسه من سرقة الاختراعات، مثل ما تعمل بعض دول العالم النامي حالياً في نسخ برامجالكمبيوتر الأصلية التي تأتي من الغرب وبيعها بربع أو خمس السعر في أسواقهاالمحلية، لذا فنحن لدينا مصطلح جديد وهو سرقة التقنية بجانب الشراء والنقلوالتطويع، فما هو الحل؟ قد يقول القارئ إن هذا الكاتب يعتبر يائساً وانهزامياً وغيرذلك من المسميات الكبيرة، التي عودتنا عليها بعض النظم العربية والتي تقحم «الاستعمار والمؤامرة والانهزامية والتحدي، وتحالف قوى الشعب العاملة وغير العاملة» وغير ذلك من المخترعات العربية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، والمنتشرة في وسائلإعلامنا العربية. وأرد على القارئ.. أعطني أنت الحل.. فقد تحررت آخر دولة عربية منالاستعمار مند حوالي أربعين عاماً، فالاستعمار سارق الثروات والعقول العربيةالجبارة أصبح حجة واهية، ثم جاء الإعلام في العالم الثالث بنظرية المؤامرة وأنهاالسبب الرئيس في التخلف والحروب الأهلية في آسياً وإفريقياً ومشكلات الحدود بينالدول العربية حتى انهيار النمور الآسيوية كانت مؤامرة وراءها رجل الأعمال اليهودي «ساويرس» وحرب إيران والعراق كانت مؤامرة من أمريكا لإضعاف الاثنين، وغزو العراقللكويت كانت مؤامرة وراءها السفيرة الأمريكية..إلخ. وسنسمع عن الكثير من المؤامراتمستقبلاً وسواء كانت هذه المؤامرات صحيحة أم لا. فإن هذا ليس له علاقة بفشلناالتقني. فمنذ اختراعنا «للصفر» منذ أكثر من ألف عام لم يخترع العرب شيئاً، هذه هيالحقيقة المرة سواء اعترفنا بها أم منعنا الكبرياء العربي من الاعتراف بذلك، رغمأننا نقول في كل وقت إن الاعتراف بالحق فضيلة. فهل نستسلم، ونصبح تابعين للدولالمتقدمة ننتظر ما يخترعونه ويبدعونه لنشتريه حين ميسرة؟ الإجابة: لا بالطبع،وسأبرهن للقارئ هنا بأنني لست كاتباً اقتصادياً انهزامياً، فنحن في العالم العربيلدينا الكثير من الإيجابيات والمقومات والثروات البشرية والطبيعية مما يعوض الفشلالتقني، لكن لابد أولاً من الاعتراف بعدة حقائق وسلبيات عربية واضحة فينا يجب أننتغلب عليها، أولاً قبل أن نناقش الحلول التي هي بين أيدينا. السلبيات العربية: أولاً: يجب أن نعترف أنه منذ خمسين عاماً ونحن نناقش إنشاء السوق العربية المشتركةدون جدوى، وأخيراً اكتفينا بإنشاء منطقة عربية حرة مازالت تحت الإنشاء. ثانياً: يجبأن نعترف بأن اقتصاديات الدول العربية متفاوتة ومؤشراتها مختلفة بصدد التضخم وسعرصرف العملات والقوانين النقدية وقوانين الاستثمار وبرامج الخصخصة، بحيث لا يمكنالتحدث عن سوق مال عربية مشتركة. ثالثاً: مازالت بعض الدول العربية تؤمن بالاقتصادالموجه والبعض بالاقتصاد الحر والبعض بين الاثنين، والبقية لا هوية واضحة لها. رابعاً: هروب رؤوس الأموال العربية للخارج، ويجب أن تدرس الحكومات العربية هذهالظاهرة الخطيرة، فلم نسمع عن ندوة واحدة أقيمت حول هذا الموضوع، ولم يسأل رجلأعمال عربي واحد، لماذا يستثمر أمواله خارج بلده؟ يجب أن نسمع أقوال وآراء رجالالأعمال العرب، فمن المؤكد أن لهم أسباباً وجيهة. خامساً: إننا كعرب نعشق العقار منأراض ومبان ونفضله على الإنتاج والإبداع والبحث والاختراع. فمعظم رجال الأعمالالعرب كونوا ثرواتهم من الأراضي والعقارات، ومعظم الاستثمارات العربية تجدها فيالمدن والقرى السياحية والفنادق، والقليل منها في المصانع ومراكز الإنتاج والبحوثوالتدريب. سادساً: يجب أن نعترف بأن الكثير من الأنظمة الحكومية والقوانين المطبقةحالياً لا تصلح للقرن الجديد مطلقاً، فالكثير من القوانين والأنظمة العربية لهاثلاثون أو أربعون سنة لم تغير فيها مادة واحدة. سابعاً: إننا مازلنا لانؤمنبالخصخصة ونتعامل في العالم العربي مع هذا الموضوع بحياء واضح وكأنه عيب كبير أنتبيع أية حكومة عربية حصتها في أي مشروع قائم. يجب أن تقصر الحكومة دورها على الأمنوالدفاع والأمور السيادية، ويقتصر دورها في الاستثمار على الدعم والإقراض والبنيةالتحتية، أي بناء المرافق العامة، وتترك كافة المشاريع الإنتاجية للقطاع الخاص،وتفرض على المستثمرين الضرائب المناسبة. ما الحلول؟ أولاً: يذكر تقرير للبنك الدوليأن العالم العربي خلال 10 سنوات سيبلغ عدد سكانه حوالي 300 مليون نسمة، منهم 40% تتراوح أعمارهم بين 20 إلى 25 سنة، بعكس الوضع تماماً في أوروبا واليابان والولاياتالمتحدة، فشريحة كبار السن لديهم التي ستخرج من سوق العمل ستبلغ رقماً هائلاً. وهيفرصة كبيرة متاحة أمامنا لاستغلال هذه الميزة النسبية، فنخطط من الآن لتعليم وتدريبحوالي 120 مليون نسمة تعليماً وتدريباً يتماشى مع احتياجاتنا التنموية لنوجه 90% منالعدد المذكور نحو التخصصات العلمية من هندسية بأنواعها إلى طبية وصناعية وصيانةوخدمات فنية بأنواعها..إلخ. ويكفينا للتخصصات النظرية 10%. وفي رأيي أن التعليموالتدريب والصحة والتقنية هم عماد التنمية في أي بلد في القرن المقبل وفي كلالقرون، وليس شعر المتنبي أو أدب الجاحظ أو علاقة العقاد بمي زيادة. ثانياً: استغلال مواردنا الطبيعية إلى أقصى حد ممكن، فلدينا ميزة نسبية لا تقدر بثمن وهيالبترول والغاز أولاً، ثم المعادن ثانياً، وعلينا أن نركز على الصناعات الكيماويةوالبتروكيماوية بكافة فروعها وهي بالآلاف وليست بالمئات، ونستفيد من الخاماتالمتوفرة في كل دولة عربية. فالخليج يتخصص في الصناعاتالكيماو ية والبتروكيماويةوالأسمدة، والمغرب العربي يتخصص في الصناعات التعدينية كالفوسفات والنحاس والمنجنيزوغيرهم، ومصر وسوريا والسودان في الصناعات الزراعية والنسيجية والصناعات الهندسيةكصناعة السيارات في مصر التي بدأت تنجح بالفعل، فقد بدأت بالتجميع والآن تصنع 50% من الأجزاء محلياً وبأنواع سيارات فاخرة للغاية. ثالثاً: علينا أن نشجع السياحةالعربية، فالدول العربية لديها البحار والمحيطات والقرى السياحية والطقس المناسب،ولا ينقصها إلا الارتقاء بالخدمات السياحية، والبعد عن الابتزاز للسائح العربي. رابعاً: إن القرن الحالي سيشهد ثورة تصديرية والذي سيفشل في التصدير فلن يكون لهوجود على الساحة الاقتصادية العالمية، ولن ننجح كعرب في تصدير سلعنا الصناعية إلابالتكتل الاقتصادي والتكامل والاندماج بين الشركات المتشابهة لنصل إلى الإنتاجالكبير والوفورات الاقتصادية، والكلفة الرخيصة بجودة عالية، حتى نغزو الأسواقالعالمية بسلع ذات جودة عالية وكلفة مقبولة. وعلى الجامعة العربية ممثلة في المنظمةالعربية للتنمية الصناعية (بالرباط) ومنظمة الخليج للاستشارات الصناعية (بالدوحة) دور كبير في هذا الشأن تحت مظلة الجامعة العربية، فإذا فشلنا في إنشاء سوق عربيةمشتركة، فسننجح إن شاء الله في إنشاء أداة تنسيق فاعلة، فلا داعي لإنشاء عشرات منالمجمعات البتروكيماوية المتشابهة في العالم العربي، وليس لكل من اكتشف بئر غاز أنينشئ مصنع بتروكيماويات، والتي بدأت أسعارها العالمية في الانهيار لهذا السبب. ولاداعي لإنشاء مائة مصنع للمياه المعبئة، فكل من وجد بئر مياه سطحية أو جوفية، وسواءملوثة بمياه المجاري أو الصرف الصحي من عدمه أقام مصنعاً للمياه. فمياه «إيفيان» الفرنسية تصدر للعالم أجمع عشرة أضعاف ما تصدره المصانع العربية للمياه مجتمعة،وسعرها أضعاف سعر المياه العربية المعبئة، لكنها جودة الإنتاج وحسن الإدارةوالتسويق. خامساً: علينا أن نسرع في تغيير أنظمتنا العتيقة مثل أنظمة الاستثمارالأجنبي والتأمينات الاجتماعية والعمل والعمال، والتأمين الصحي والضرائب، والجماركوأنظمة الأسواق المالية التي يجب التوسع في إنشائها في كل بلد عربية وفتح الاستثمارفي جميع المجالات أمام الجميع عربي وأجنبي، بتنظيمات وقوانين معينة تحقق المعاملةالعادلة .. لكن السؤال هو لماذا لانمتلك تقنية عربية متقدمة؟ ولماذا الفشل التقنيالعربي حتى الآن؟ إن السبب هو غياب التعاون والتكتل الاقتصادي العربي على نمطالاتحاد الاقتصادي الأوروبي الذي لن يتحقق إلا بإجماع العرب على إستراتيجيةاقتصادية موحدة. فإذا كنا فشلنا في إحراز التقدم التكنولوجي المطلوب، كميزة نسبيةينفرد بها العالم الغربي، فإنه لدينا أربع ميزات نسبية أخرى في الإنتاج تعوضنا عنالفشل المذكور كما أوضحناه أعلاه، فلدينا الأيدي العاملة والمواد الخام ورأس المالوالعقول الإدارية ولا يتبقى إلا أن نتفق على التكتل الاقتصادي العربي من خلالالإستراتيجية العربية الموحدة اعتماداً على ما يلي:
وضع وتبني خطة اقتصادية طويلةالأجل يكون هدفها تحقيق نسبة نموسنوي لا تقل عن 5%. - وضع السياسات الخاصة بتنميةالموارد الطبيعية واستغلالها الاستغلال الأمثل. - وضع سياسة صناعية واضحة المعالمتنص على حوافز مجزية للقطاع الصناعي كمنح المساعدات المالية والفنية كالقروض،والخدمات الهندسية، وتوفير أراضي المصانع، والإعفاءات الضريبية، وتشجيع إقامةالمناطق الحرة بين الدول العربية. - وضع سياسة تضمن إحداث تغيير جذري في بنيةالاقتصاد العربي كتطوير التجهيزات الأساسية كخطوة أولى وضرورية لضمان تنفيذ كافةبرامج التنمية لمختلف القطاعات التي تتعلق بأهداف الخطة، ومن ثم التحرك نحو إنشاءالسوق العربية المشتركة. - وضع سياسة لتطوير قدرات القطاع العربي الخاص لمساعدتهعلى القيام بمهام التنفيذ إلى جانب انتهاج العديد من السياسات الأخرى كالرعايةالاجتماعية، والتوظيف، وتخصيص أكبر عدد ممكن من الشركات الحكومية المربحة أوالواعدة. - توفير التقنية الملائمة بالشراء والتطويع وغيرها من الوسائل، مع وضعسياسات وبرامج للتدريب بكافة أنواعه ومستوياته حسب برامج الخطة الزمنية واحتياجاتهذه البرامج وتطوير المنتجات العربية عن طريق البحوث العلمية وتقديم منتجات عربيةجديدة بتقنية منفردة لها خصوصيتها العربية الملائمة، وكل تقدم اقتصادي وتقني عربيسيأتي بالمثابرة والعمل الجاد والمرحلي المدروس. نشر في مجلة (التدريب والتقنية ) العدد (15) بتاريخ ( ربيع الأول 1421ه
مع تحياتى وتقديري واحترامى الاستاذة وفاء