ثانيا : من شرح العينيحول كلمة "عَضُّوا"
أولا في تاج العروس:
عضض
" عَضَضْتُهُ " مُتعدّياً بنَفْسه عَضِضْتُ " عَلَيْه " مُتَعَدِّياً بعَلَى وكَذَا عَضضْتُ بِهِ مُتَعَدِّياً بالبَاءِ صَرَّح به الجَوْهَرِيُّ والصّاغَانِيُّ " كسَمِعَ " ومَنَعَ " . قال شيخُنا : وَزْنُه بمَنَع وَهَمٌ إِذِ الشَّرْطُ غَيْرُ مَوْجُودٍ كما في النَّاموس إِلاَّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى تَدَاخُلِ اللُّغَاتِ انتهى . قُلْتُ : الفَتْحُ نَقَلَه الجَوْهَرِيّ ونَصُّه : ابنُ السِّكِّيت : عَضَضْتُ باللُّقْمَة فأَنَا أَعَضُّ . وقال أَبو عُبيْدٍ : عَضَضْتُ بالفَتْحِ لُغةٌ في الرِّبابِ . قال ابنُ بَرِّيّ : هذا تَصْحِيفٌ على ابنِ السِّكِّيتِ والَّذِي ذَكَرَهُ ابن السِّكِّيت في كِتاب الإِصلاح : غَصِصْتُ باللُّقْمَةِ فأَنا أَغَصُّ بها غَصَصاً
.....
فالصَّوابُ الَّذي لا مَحيدَ عنه أَنَّهُ من باب سَمِع فَقَط . يُقَال : عَضِضْتُه أَعَضُّ وعَضِضْت عَلَيْه " عَضّاً " وعِضَاضاً " وعَضِيضاً : مَسَكْتُهُ " وفي بَعْضِ النُّسَخ . أَمْسَكْتُه " بأَسْنَانِي " وشَدَدْتُه بهَا " أَو بلِسَانِي " وكَذلك عَضّث الحَيَّة ولا يُقَال للعَقْرَب لأَنَّ لَدْغَهَا إِنَّمَا هو بزُبَانَاها وشَوْلَتِهَا والأَمْرُ منه عَضَّ واعْضَضْ . قال الله تَعالَى : ( عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظ ) أَخْبَرَ أَنَّه لشِدَّة إِبْغاضهم المُؤْمنينَ يَأْكُلُون أَيْدِيَهُم غَيْظاً . وفي حَديث العِرْبَاض : " وعَضُّوا عليها ...
(24/194-195)
أنقله كما هو للفائدة
قال الإمام البخاري:
حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا ابن جابر ، حدثني بسر بن عبيد الله الحضرمي أنه سمع أبا إدريس الخولاني أنه سمع حذيفة بن اليمان يقول : كان الناس يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخير ، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني ، فقلت : يا رسول الله ، إنا كنا في جاهلية وشر ، فجاءنا الله بهذا الخير ، فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال : نعم ، قلت : وهل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال : نعم ، وفيه دخن. قلت : وما دخنه ؟ قال : قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر. قلت : فهل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال : نعم ، دعاة على أبواب جهنم ، من أجابهم إليها قذفوه فيها. قلت : يا رسول الله ، صفهم لنا ، قال : هم من جلدتنا ، ويتكلمون بألسنتنا. قلت : فما تأمرني إن أدركني ذلك ؟ قال : تلزم جماعة المسلمين وإمامهم. قلت : فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ؟ قال : فاعتزل تلك الفرق كلها ، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك.
قال الإمام العيني:
$ /100 مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله : " فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام " إلى آخره.
وابن جابر - بالجيم وكسر الباء الموحدة - هو عبد الرحمن بن زيد بن جابر ، كما صرح به مسلم في روايته عن محمد بن المثنى شيخ البخاري فيه. وبسر - بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة - ابن عبد الله الحضرمي ، بفتح الحاء المهملة وسكون الضاد المعجمة. وأبو إدريس عائذ الله - بالذال المعجمة - الخولاني ، بفتح الخاء المعجمة.
والحديث مضى في علامات النبوة ، عن يحيى بن موسى. وأخرجه مسلم في الفتن ، عن محمد بن المثنى به. وأخرجه ابن ماجه فيه ، عن علي بن محمد ببعضه.
قوله : " مخافة " أي لأجل مخافة أن يدركني أي الشر ، وكلمة أن مصدرية.
قوله : " في جاهلية وشر " يشير به إلى ما كان قبل الإسلام من الكفر وقتل بعضهم بعضا ونهب بعضهم بعضا وارتكاب الفواحش.
قوله : " بهذا الخير " يعني الإيمان والأمن وصلاح الحال واجتناب الفواحش.
قوله : " دخن " بفتح الدال المهملة وفتح الخاء المعجمة ، وهو الدخان ، وأراد به ليس خيرا خالصا ، بل فيه كدورة بمنـزلة الدخان من النار. وقيل : أراد بالدخن الحقد. وقيل : الدغل. وقيل : فساد في القلب. وقيل : الدخن كل أمر مكروه ، وقال النووي : المراد من الدخن أن لا تصفو القلوب بعضها لبعض كما كانت عليه من الصفاء.
قوله : " يهدون " بفتح أوله.
قوله : " بغير هديي " بياء الإضافة عند الأكثرين ، وبياء واحدة بالتنوين في رواية الكشميهني ، وفي رواية الأسود : " تكون بعدي أئمة يهتدون بهديي ، ولا يستنون بسنتي ".
قوله : " تعرف منهم " أي من القوم المذكورين " وتنكر " يعني من أعمالهم ، وقال القاضي : الخير بعد الشر : أيام عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه ، والذي تعرف منهم وتنكرهم الأمراء بعده ، ومنهم من يدعو إلى بدعة وضلالة كالخوارج ، وقال الكرماني : يحتمل أن يراد بالشر زمان قتل عثمان رضي الله تعالى عنه ، وبالخير بعده زمان خلافة علي رضي الله تعالى عنه ، والدخن الخوارج ونحوهم ، والشر بعده زمان الذين يلعنونه على المنابر.
قوله : " دعاة " بضم الدال جمع داع " على أبواب جهنم " قال ذلك باعتبار ما يؤول إليه حالهم.
قوله : " من جلدتنا " أي من قومنا ، ومن أهل لسانا وملتنا. وفيه إشارة إلى أنهم من العرب ، وقال الداودي : أي من بني آدم ، وقال القاضي : معناه أنهم في الظاهر على ملتنا ، وفي الباطن مخالفون ، وجلدة الشيء ظاهره ، وهي في الأصل غشاء البدن.
قوله : " وإمامهم " بكسر الهمزة أي أميرهم ، وفي رواية الأسود " تسمع وتطيع ، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك ".
قوله : " وأن تعض " بفتح العين المهملةوتشديد الضاد المعجمة من عضض يعضض من باب علم يعلم ، أي ولو كان الاعتزال من تلك الفرق بالعض فلا تعدل عنه ، ولفظ : " تعض " منصوب عند الرواة كلهم ، وجوز بعضهم الرفع ، ولا يجوز ذلك إلا إذا جعل أن مخففة من المثقلة ، وقال البيضاوي : المعنى إذا لم يكن في الأرض خليفة فعليك بالعزلة ، والصبر على تحمل شدة الزمان. وعض أصل الشجرة كناية عن مكايدة المشقة ، كقولهم : فلان يعض الحجارة من شدة الألم ، أو المراد اللزوم كقوله في الحديث الآخر : " عضوا عليها بالنواجذ ".
قوله : " وأنت على ذلك " أي على العض الذي هو كناية عن لزوم جماعة المسلمين وإطاعة سلاطينهم ، ولو جاروا.
وفيه حجة لجماعة الفقهاء في وجوب لزوم جماعة المسلمين وترك القيام على أئمة الحق لأنه أمر بذلك ، ولم يأمر بتفريق كلمتهم وشق عصاهم.
واختلفوا في صفة الأمر بذلك ، فقال بعضهم : هو أمر إيجاب بلزوم الجماعة ، وهي السواد الأعظم. واحتجوا برواية ابن ماجه من حديث أنس مرفوعا : " إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة ، وإن أمتي ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا واحدة ، وهي الجماعة " وقال آخرون : الجماعة التي أمر الشارع بلزومها هي جماعة العلماء ؛ لأن الله عز وجل جعلهم حجة على خلقه ، وإليهم تفزع العامة في دينها ، وهم تبع لها ، وهم المعنيون بقوله : " إن الله لن يجمع أمتي على ضلالة " وقال آخرون : هم جماعة الصحابة الذين قاموا بالدين ، وقال آخرون : إنها جماعة أهل الإسلام ما داموا مجتمعين على أمر واجب على أهل الملل ، فإذا كان فيهم مخالف منهم فليسوا مجتمعين.
وقال الإمام أبو محمد الحسن بن أحمد بن إسحاق التستري في كتابه افتراق الأمة : أهل السنة والجماعة فرقة ، والخوارج خمس عشرة فرقة ، والشيعة ثلاث وثلاثون ، والمعتزلة ستة ، والمرجئة اثنا عشر ، والمشبهة ثلاثة ، والجهمية فرقة واحدة ، والضرارية واحدة ، والكلابية واحدة. وأصول الفرق عشرة : أهل السنة ، والخوارج ، والشيعة ، والجهمية ، والضرارية ، والمرجئة ، والنجارية ، والكلابية ، والمعتزلة ، والمشبهة.
وذكر أبو القاسم الفوراني في كتابه فرق الفرق : إن غير الإسلاميين الدهرية ، والهيولي أصحاب العناصر الثنوية ، والديصانية ، والمانوية ، والطبائعية ، والفلكية ، والقرامطة.
وجزاكم الله خيرا