[align=center]
[ 1 ]
بسم الله الرحمن الرحيم
فإن من نعم الله علينا في هذه البلاد أن دين الإسلام ظاهر ، وشعائره قائمه ، وأهله مكرمون، بخلاف كثير من الدول الإسلامية ، والتي تفتقد هذه الخصائص التي حبانا الله إياها ، وكل كذلك بفضل الله ثم بفضل دول التوحيد والسنة ، هذه الدولة السعودية .
وإن هذه النعم لجديرة بأن تشكر، فإن النعم إذا شكرت قرّت وإذا كفرت فرّت، وشكر هذه النعمة بتحقيق توحيد الله والإخلاص له عبادة ، ومعاملة ، وحباً وبغضا ، و بالاعتصام بحبل الله جميعاً وعدم التفرق ، و مناصحة من ولاه الله أمرنا ، ومن مناصحته الدعاء له بالسداد ، والتوفيق لنصرة الشريعة وإقامة الملّة ، ومن ذلك طاعته بغير معصية الله ، وجمع قلوب رعيته عليه ، والحذر من غيبته ونشر معايبه، ومن ذلك إبلاغه بمن يتربص به فهذا كله من التعاون على البر والتقوى .
وإن من نعم الله على هذه البلاد أن عامة الناس تثق بأهل الخير ، وتوليهم التقدير اللائق بهم ، ومن آثار ذلك ، أن كثيراً من الآباء لا يمانع من تسليم ولده ، وثمرة فؤاده ، وريحانة قلبه ، وقرّة عينه لهؤلاء الأخيار ( ظاهراً ) لإعانته على تربيته ، و تنشئته النشأة الصالحة الخالية من الإفراط والتفريط .
وكان من آثار ذلك أن نشط عدد من الأخيار لإنشاء ما يسمى بــ : (المجموعات الشبابية الدعوية) أو ( المكتبات ) ، وذلك لاحتواء الشباب ، وإعانة والديهم على تربيتهم ، وتوجيههم الوجهة الصالحة .
هذه المجموعات ، هي عبارة على مجموعة من الطلاب ، يقوم عليهم قائم و مسؤل ، يتولى تنظيمهم ، وإقامة ما يراه مناسباً لتربيتهم من الأنشطة و الوسائل . كم سمعنا أن فلاناً انظم لمجموعة ، وهكذا فلان الآخر ، وهلم جراً ...
هذه المجموعات فيها مصالح عظيمة إذا استغلت الاستغلال الأمثل ، وأديت الأمانة ، التي ائتمن الوالد ولده هذه المسؤل من أجلها ، فلم يغش ، أو يخون .
ولكن لابد لنا من وقفة صادقة ، مخلصة ، مشفقة ، نقيم فيها أداء هذه المجموعات ، ونضع لها الأطر التي ينبغي لكل من تصدّر لمجموعة أن يرعيها حق الاهتمام ، فإننا نجد أصحاب هذه المجموعات على اختلاف بينهم في كيفية إدارة هذه المجموعات وأقصد الإدارة المنهجية التربوية ، وسبب هذا هو اختلاف مناهج القائمين على هذه المجموعات – ويتبين هذا من خلال ما سيأتي من كلام .
إن الواجب علينا وضع ضوابط لهذه المجموعات ، ويجب على من سلّم ابنه لمجموعة من المجموعات أن يتأكد من تطبيق هذه الضوابط في هذه المجموعة ، إذ أن في ذلك سلامة ابنه من أن تخطفه الأعادي ، ولأن تصحب السارق والزاني وشارب الخمر ، خير لك من أن تصحب المبتدع . وقانا الله وإياكم .
فمن هذه الضوابط إجمالاً ثم تفصيلاً :
1- أن يكون القائم على هذه المجموعة ممن عرف بالعلم ، وسلامة العقيدة والمنهج .
2- أن تكون هذه المجموعات معلنة .
3- أن يربط الطلاب بالكتاب والسنة بفهم السلف ، لا بفهم الخلف .
4- أن يربى الطلاب تربيةً ربانية ، وذلك بصغار العلم قبل كباره .
5- أن يربى الطلاب على التعصب للحق ، لا للمجموعة .
6- أن يربط الطلاب بعلماء السنة المعاصرين فضلاً ربطهم بالمتقدمين .
أما التفصيل : (فالأول) : لأن غير العالم يفسد أكثر مما يصلح ، ولأنه بحاجة لأن يعلم نفسه قبل أن يعلّم غيره، ولأن الجهل قد يحمله على القول على الله بلا علم فيَضِلّ ويُضِلّ ، فإن لم يكن من أهل العلم ، فلابد أن يكون ممن يلزم كلام أهل العلم السلفيين كالإمام ابن باز و العثيمين والفوزان وغيرهم ، أما سلامة العقيدة والنهج ، فلأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن هناك دعاة على أبواب جهنم من أجابهم قذفوه فيها ، وأخبر أن صراط الله مستقيما لا اعوجاج فيه وهو سبيل الله ، وأخبر أن على هذه الطريق شعب وطرق ، وعلى رأس كل شعْبٍ وطريق دعاة يدعون إلى الضلال فمن أجابهم ضل وهلك ومن أعرض عنهم سلم وأفلح بلزوم صراط الله المستقيم .
فلابد من كونه سالماً في معتقده ، فلا يكون مختلطاً ببدعة ، لأنه من أفضى إلى مبتدع فقد نزع الله منه العصمة ، ومن قارب الفتنة بعدت عنه السلامة . وكذا سلامة المنهج فيكون منهجه منهج السلف الصالح ، فإن من الناس من عقيدته وفق عقيدة السلف ، إلا أن منهجه في التعامل من المستجدات المعاصرة ، وفي الموقف من المخالف ، وولي الأمر ، وفي الاستدلال والاستنباط ليس على منهج السلف ، وهذا ضلال ، ولا يؤتمن على تمرة القلب ، وقرة العين والابن والأخ .
أما (الثاني) : فالإعلان ، وأقصد بالإعلان أن يكون ولي أمر الطالب ، ومن يعنه الأمر كالعلماء وأهل الحل والعقد على علم ببرنامج المجموعة ، بأن يطلعوا عليها من قرب ، فتنتفي الريبة ، ولأن السنة مقرون بالإعلان ، و البدعة مقرونة بالكتمان . فعند اللالكائي في كتاب : شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ( 1/153) عن عمر بن عبد العزيز : " إذا رأيت قوماً يتناجون في أمر دينهم بشيء دون العامة فاعلم أنهم على تأسيس ضلالة ".
وقال الهروي رحمه الله في كتاب : ذم الكلام ( 4/428) : " لا والله ، لا دين المتناجين دين ، ولا رأي المستترين متين ". فأي مجموعة تؤسس على التكتم والسر ، فاحذروها ، لأن الحق لا يخاف صاحبه من إظهاره ، بخلاف الباطل إذا كانت الصولة لأهل الحق .قال العلامة صالح الفوزان في مقدمته على كتاب الغلو للشيخ محمد بن ناصر العريني : " يتعين على المسلمين العناية بشبابهم كل في حدود مقدرته ، وأن لا يتركوهم لدعاة الضلال واصحاب الأفكار المنحرفة ، والتعليم يتلقى في دور العلم وفي المساجد وعلى أيدي العلماء الأتقياء ، ولا يتلقى في الاستراحات والرحلات والبراري والكهوف وعلى أيدي المتعالمين والمشبوهين وحدثاء الأسنان وأصحاب الأفكار المنحرفة والنحل الضالة، والتوجهات الحزبية " أ.هـ
أما (الثالث) ، فلأن آخر هذه الأمة لا يمكن أن يصلح إلا بما صلح به أولها ، وأول هذه الأمة صلحوا لما تنزهت نفوسهم عن الأهواء والأغراض الفاسدة وفقوا لفهم الكتاب والسنة فهماً صحيحاً .فهم خير القرون ، وشهدوا التنزيل كالصحابة أو من شهد الصحابة فنهل منهم كالتابعين أو من شهد التابعين فنهل منهم أو من سار على طريقتهم بإحسان من بعدهم ، فيربط الطلاب بالقرآن حفظاً ، وفهماً ، وتدبراً ، فهاً بفهم السلف ، لا بفهم الخلف . وكذا السنة ومنها الاعتقاد من مضانها ، وكذا السلوك والمعاملة . فيربطون بالكتاب والسنة بفهم السلف ، عملاً وتطبيقاً ، ويحذّرون من ضد ذلك حتى لا تزل بهم الأقدام ، فالشيء يعرف بضدّه ، وتنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية .
أما (الرابع) ، فلأن ذلك هي : الربانية التي أمرنا الله تعالى بها ، فلا ينبغي أن يعرض مع الطلاب عظائم المسائل ، أو يقرأ بكتاب متقدم علمياً ، وهو لم يفقه ويعرف حق الله عليه وهو التوحيد ، وقبل أن يعرف طهوره ، وصلاته . فكيف بك أخي إذا علمت أن بعض من يتولى هذه المجموعات يشغل الطلاب بالسياسة ، والتهريج ، وإذا سألت هذا ( السياسي ) القائد لهذه المجموعة عن نواقض الوضوء تلكأ ! ولا حول ولا قوة إلا بالله . ففي كتاب سير أعلام النبلاء (8/97) : جاء الإمام ابن وهب إلى مالك بن أنس فقال : " ما تقول في طلب العلم؟ قال : حسن جميل ، لكن انظر الذي يلزمك من حين تصبح إلى أن تمسي فالزمه " . فما أشد عجبي ممن يربون الشباب تربية سياسية ، أو تربية تهريجية ، وبزعمهم أن هذا هو الطريق لشحذ العاطفة الدينية ونسوا ، هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في تربية أصحابه الذين كانوا في الجاهلية عتاة أشداء غلاظ ، فنجح في تربيتهم. ألا فأين المربون من منهجه ؟!
وأما (الخامس) ، فلأن التعصب للمجموعة وصاحبها دون الحق بدعة ضلالة ، وتحزباً مذموماً ، وتفريقاً للصف الواحد ، والكلمة الواحدة ، ولأن رد الحق تعصباً لمجموعته أو شيخه أو شخص ما شرك في الطاعة ، فالطاعة المطلقة لا تجوز لأحد قط إلا الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وإنك لتلحظ في بعض أصحاب المجموعات تعصباً لمجموعاتهم ، بل وسمعت أن بعضهم إذا علم أن أحد طلابه قد انظم إلى مجموعة أخرى ، حذّره – من غير مبرر شرعي - من هذه المجموعة ، ومن صاحبها حسداً وتحزباً ، بل وتجد البعض ينصب شخصاً يعظمونه في نفوس طلابهم ، ويرفعون منزلته حتى يصل لمنزلة الأئمة المهديين بل ؛ ربما المعصومين ، فيبالغون في الثناء والتمجيد لمن لا يستحق كل هذا ، ويجعلون الحق مناطاً بها ، والباطل ما خالفه ، بل و يحذرون ممن خطأه بحق ولسان حالهم : الحق يعرف بالرجال ، لا الرجال يعرفون بالحق .و هذا المرض وهو التحزب ، ينبغي تحذير الطلاب منه ، وتربيتهم على عدم التعصب إلا للحق دون ما سواه .
إن تربية الشباب في بعض هذه المجموعات على مثل هذا إنه لمن أعظم الظلم ، لأنه يقتضي أن تربيهم على الإجهاز على إنكار المنكر ، ورد المقالات الباطلة ، وهو تربية على عدم الاستسلام للدليل والنص ، كما أنه جدير بمن ربي على هذه التربية ، أن ينتكس وينكص على عقبيه متى انفك رباط الوصال بينه وبين مجموعته ، أو بينه وبين من عُظِّم شخصه بنفسه هذا التعظيم السابق .
أما (السادس) ، فلأن علماء السنة أعلم بالكتاب والسنة ، وأعلم بمنهج السلف ، فربط الشباب بهم فيه تربية لهم على الجد في الاستقامة على الدين ، والأخذ من أكابر القوم ، بخلاف أولئك الذين يربون طلابهم في هذه المجموعات على الارتباط بأهل الغلو أو أهل التميع أو أهل التهريج ، ، ومتى رأيت القوم يأخذون العلم من أصاغرهم فاعلم أنهم على شفا هلكة . وما أشد حزني حينما أعلم أن بعض تلك المجموعات تقوم على التزهيد بعلماء السنة ، والطعن فيهم ، وبهتانهم ، تارةً بعدم فقه الواقع ! وتارة بعلماء السلاطين ! وتارة ببغلة السلطان ! وتارة بفقهاء الحيض والنفاس ! وتارة بالقاعدين ! وتارة بالمداهنين! ، و آخرها من يقول : إن من العلماء من يفقه عصر ابن تيمية أكثر من عصره ! تزهيداً ولمزاً لهم لأنهم ليسوا مثله اشتغلوا بالقيل والقال السياسي ، والعصري ، وأنت ماذا أفادك معرفة عصر ابن تيمية بتطبيقه في هذا العصر ؟ فهل لما عرفت البدعة التي حذّر منها ابن تيمية حذّرت منها يا مدعي الفهم ؟! أو أن يلمز العلماء بما هو مديحة في الأصل فيقول : هؤلاء العلماء اشغلونا بالتوحيد وكأننا مشركين ! ، و لا تسأل بعد ذلك عن الآثار التي يجدونها في نفوسهم ، بل وسلوكهم في التعامل مع فتاوى العلماء السلفيين ، والأخذ عنهم ، وعندها ؛ يهدم الدين كما قال بعض السلف، فأي تربية ترجوها من مثل هذه المجموعات ؟! .
أيها الأخوة : هذه بعض الضوابط التي ينبغي لكل من تصدّر لمجموعة من المجموعات أن ينتبه لها ، وأن يرعيها حق الاهتمام ، وكذلك ينبغي لكل ولي أمر أن لا يكون مغفلاً ، ويحسن الظنّ بكل احد بل لابد من النظر في حال الشخص المربي ، ومنهجه وعقيدته ، وكذلك ما أشرنا إليه في هذه الضوابط .
أيها الأخوة ، كما أننا ذكرنا أن هذه (المجموعات الشبابية الدعوية) أو (المكتبات) نعمة من الله ، ومنة إن استغلت الاستغلال الأمثل ، و تولاها الأمناء ، فإنها كذلك وسيلة من وسائل الفساد الفكري والمنهجي ، إن لم تستغل وفق الضوابط السابقة . ولعل من تأمل تفصيلي لهذه الضوابط يستنتج المحاذير التي ستقع حين الإخلال بهذه الضوابط .
إن الواجب على الجميع خصوصاً من تصدّر لتربية الشباب ، أن يتأمل قبل أن يقدم ، منهج السلف الصالح ، ويحذوا حذوهم ، ويقف عند ما وقف القوم ، فإننا قوم نتبع ولا نبتدع ، ونقتدي ولا نبتدي ، فعلينا جميعاً بالأمر العتيق كتاب الله وسنة رسوله بفهم السلف الصالح .
[ يتبع إن شاء الله ]
صالح السويح
8/1/1428[/align]