النظرية العامة للإعلام الإسلامي
للدكتور جمعه شعبان وافي
تؤخذ النظرية العامة للإعلام الإسلامي من مصدره ومنشئه،وذلك من قوله تعالى: )وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (قّ:16)، وين حالة الإنسان مع الإعلام منذ ولادة الإنسان في قوله تعالى:
(وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل:78).
في هذه الآية الكريمة خبر مفاده:{خالق:ٌ هو الله، خَلق الإنسان في بطن أمِّه، ثم أخرجه بذاكرة خالية تماما من المعلومات، لكنه خلق له أجهزة للسمع وأجهزة للإبصار (جوالب للمعلومات)، وخلق له معها (الفؤاد) أداة إدراكية مؤهلة لتحليل المعلومات والمفاهيم وتبويبها وترتيبها وحفظها، والقدرة على إعادة تقديمها وفق معايير بشرية فطرية عامة، وبَيّن له أن الهدف من ذلك هو الأمل في أن يكون الإنسان(من اهتدى منهم) من الشاكرين، أي ممن يستعمل هذه النعم(الأدوات ، الوسائل) في ما ينفع دون ما يضر. بمعنى أن المادة الإعلامية المجموعة عن طريقهما تكون مفيدة وسليمة، وأن تكون عوملت أسلوبيا وصيغت بطريقة سليمة وواضحة وقريبة من فهم المخاطَب بها، وأن تكون وجهتها نافعة وصالحة لتحقيق الهدف الذي أوجدت لتحقيقه.فلا توجّه إلا إلى خير الدنيا بتفعيل التنمية بالأمر وبالمعروف من القول والعمل بما نفع النفس والناس والأحياء والأشياء، وتمنع الخطأ والشر عن النفس والناس والأحياء والأشياء، ومراعاة حقوق الإنسان وواجباته في ظل حاجته الاجتماعية من الحرية المنضبطة بالعقيدة، في مجال الأخلاق، وبالشريعة الحاكمة للتصرفات والعلاقات، في مجال السلوك، والوسطية والتوازن والتكامل والإيجابية والإنسانية في الحياة البشرية، ورد المتغيرات فيها إلى عوامل الثبات، وترقية الواقع إلى مستوى الطموحات والمثاليات في قوله تعالى: )إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ)( الإسراء: من الآية9)، في مجال الثقافة. وإلى خير الآخرة بالإخلاص لله سبحانه وتعالى باتباع مراضيه على علم وثيق وفهم دقيق، واجتناب مساخطه عن علم وثيق وفهم دقيق.
وقد تضمنت هذه الآيات الإشارة إلى "عملية إعلامية":
تجلى فيها:
المصدر :الخالق( المتحدث، منشئ الرسالة، ومنزل الرسالة)، الذي أخرج..، وجعل..
ووسائل جمع المعلومات:وسائل الاستعلام (السمع البصر).
و أداة الفهم ، والإعلام (الفؤاد) (المطبخ الإعلامي) ليكون مع اللسان وسيلة الإعلام والنشر كما بيّن سبحانه وتعالى في قوله: )أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ) *)وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ) (البلد:8،9) .
و الجمهور المتلقي(وهو الإنسان) الذين أخرجهم الله من بطون أمهاتهم ..) وأكد ذلك قوله تعالى:. .وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ..) (سبأ:28)، وقوله تعالى: )قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً )(لأعراف:من الآية)158).
وإلى هدف العملية الإعلامية جملة(لعلكم تشكرون).
وقد وعد الله هذا الإنسان بإعلام ،هدى يهتدي به، يتبع مدلولاته ومقتضياته، في قوله تعالى: ) فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)(الب قرة: من الآية38) وتوعد من يكذب به بالنار والجحيم، في قوله تعالى: )وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة:39).
ثم بين المادة الإعلامية بقوله تعالى: )ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) (البقرة:2).
وأنه وحي، في قوله تعالى: )وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ) (فاطر:31)
)وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) (الشورى:7)
)وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الشورى:52)
وأنه إنزال ! في قوله تعالىكِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)(ابرا هيم: من الآية1).
وبيّن المرسل المنشئ للرسالة في قوله تعالى : )إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9)
وبيّن المرسل "الناقل" وعلاقته بالمرسل المنشئ وبالمادة المنزلة في قوله تعالىوَأَنْزَلْ نَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)( النحل: من الآية44).
ثم بين الأمر والتكليف للناقل بتبليغ الرسالة المنزلة:في قوله تعالى: )يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ..) (المائدة: من الآية 67)، وذكر اسمه لفظا وتحديدا في قوله تعالى: )مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ )(الفتح: من الآية29).
وأنه خاتم النبيين وذلك بقوله تعالى: )مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (الأحزاب:40).
وأنه رسول الله للناس كافة بقوله تعالى: )وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ..) (سـبأ:من الآية 28).
وبيّن آلية المهمة الموكلة إليه في قوله تعالى: )قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (لأعراف:158)
وقوله تعالى: )إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ) (فاطر:24)
وفي قوله تعالى: ) رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِين َ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ)(التوبة: من الآية128. وبين أنه لا ينطق عن هواه وإنما هو الوحي في قوله تعالى: )وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى) * )إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) *)عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) (النجم:3ـ5).
وأمر بطاعته في قوله تعالى: )قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) (النور:54)، وين ضرورة اتباعه في حالتي الأمر أو النهي في قوله تعالى: ) وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)(الحش ر: من الآية7)، وربط الإيمان بدرجة الرضى بحكمه في قوله تعالى: )فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء:65).
وبين عاقبة الذين عصوه في قوله تعالى: )يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً) (النساء:42) كما حذّر من التعرض له بأذى في قوله تعالى وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)(التوبة: من الآية61)
وقد حذَّر من الانخذال عن معطيات رسالته بعد موته، وأن الذين ينخذلون عنها فإنما هم الخاسرون.
وذلك بقوله تعالىوَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) (آل عمران:144).
وألزم الجمهور بالأخذ بجميع ما جاء به الرسول في قوله تعالى وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)(الحش ر: من الآية7).
ووعد من آمن ، في قوله تعالى: )وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) (المائدة:9). وتوعد من كفر، في قوله تعالى: )وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) (المائدة:10).
كما توعد من أعرض في قوله تعالى: )وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) (طـه:124).
وبيّن "الهدى" الذي نبّأ به سابقا بقوله تعالى: ) قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى، وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ)(البقرة: من الآية120) فكان ذلك إجمالا وضحه الله تعالى بأن هدى الله هو: أولاً: "الكتاب"(أي القرءان العظيم) بقوله ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) (البقرة:2)، وثانيا : هو: "الرسول الكريم" بقوله تعالىوَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ..)(ابراهيم : من الآية4)، وقوله تعالى: )وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (النحل:64)، وأنه أُنزل منجما ليوافق الإحداث ويستوعبها ويوضح المنهج، في قوله: )وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً) (الاسراء:106).
وأنه شامل ومتطور ومتحقق لمقابلة احتياجات الناس ومتطلبات حياتهم في قوله تعالى: )مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة:106) وفي قوله تعالى: ) مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ )(الأنعام: من الآية38) وقولهتعالى: ) وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ )(النحل: من الآية89).
وأنه مرصود لمقابلة الأفكار الوافدة الهدامة في قوله تعالى: )وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً) (الفرقان:33).
وعن أسلوب التبليغ والدعوة، قال تعالى: )ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين َ) (النحل:125) وقال اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى) *)فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (طـه:43،44) ،وقال تعالىفَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر..)(آل عمران: من الآية159).
وهو يعتمد قادة الرأي ويمكن لهم دورهم، في قوله تعالى: ) وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَ هُ مِنْهُمْ)(النساء : من الآية83) وقال: ) فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(الن حل: من الآية43).
وبيَّن سبحانه علاقة المسلمين بأهل الكتاب، في قوله تعالى: ) ..وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ )(المائدة: من الآية48) وقالوَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْك..)(المائد ة: من الآية49).
وعن قادة الرأي المنافقين أهل الأهواء والمصالح الخاصة أولاً! قال تعالى: )اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) *)ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ) *)وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (المنافقون:2ـ4). )مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً) (الاسراء:18)
ثم بين صفات هؤلاء المتقين فقال: ..)الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) * )وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) * )أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (البقرة3ـ5)، وقال تعالى: )وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ) (الحج:24).
قال تعالى: والعصر * أن الإنسان لفي خسر*)إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (سورة العصر)، قدم في هذه السورة خبراً مفاده :{فَرْضُ البحث عن العلم المثمر إيمانا، وطلبِه والعملِ بموجبه عملا صالحا موافقا لمجريات الإيمان، والثبات عليه رغم كيد الأغيار!!وصبروا ورغَّبوا الناس في التزام الصبر، أولئك هم المؤمنون حقا!!.وقال تعالى: )قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) (المؤمنون:1), وقال قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) *)وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) (الأعلى:14،15).
وأن الإصلاح مبتغى الصالحين والتوفيق بيد الله ،كما في قوله تعالى: ) وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)(هود: من الآية88).
ومن خلال معطيات هذه النظرية أقدم هذا التعريف للإعلام الإسلامي، وجدت أنه يضيف شيئا إلى ما قدمته التعاريف السابقة.ويقول الباحث:الإعلام الإسلامي هو سبيل الراغبين في الإسلام والداعين إليه والمرشدين فيه، لنوال خير العيش في ظل الإسلام بالتعرف عليه والتعريف به، ولتحقيقه وتعميمه وتوريثه، بأسلوب مؤثر ووسيلة مباحة، وهو علم وفن:العلم منه: 1/ مضامين الوحي(من كتاب الله، وصحيح السنة المطهرة) والنصوص الشارحة المبينة لهما لخدمتهما. 2/تراكمات الجهد البشري من المعارف التجريبية من معلومات وعلاقات تجاه الكون والحياة ولوازمها ووسائلها وخصائصها، وسبل تطويرها بعد تنسيبها لتوافق المعايير الإسلامية أداء وغاية.وأما الفن منه: فهو تحسين طريقة الأداء التي يتم بها التأليف والإعداد والعرض والنشر والتحقيق والتوثيق والتعميم والحفظ والتوريث، والإبداع فيه تنظيما وأسلوبا.شرح التعريف:السبيل هنا: يعني المادة الإعلامية والوسيلة والأسلوب (لأن الإعلام علم وفن).
وقولنا: الراغبين في الإسلام: يعني السائلين المسترشدين برغبتهم للتعرف عليه جملة أو تفصيلا.
وقولنا في التعريف: "الداعين له": يعني، الذين يقومون بتقديمه لغيرهم جملة أو تفصيلا، يرغبون الناس في اتباعه.
وقولنا:"المرشدين فيه":يعني، الذين يقومون بتوضيحه وتبيين مضامينه ومقتضياته للذين قد أسلموا من الناس.
وقولنا: "لنوال خير العيش في ظل الإسلام": يعني، هدف كل من المسترشد والمرشد، وسبب الاسترشاد والاسترشاد أنه نوال الخير وليس الجهد الذي يبذله أعداء الإسلام للتشويش عليه وتشويهه، أو إثارة الشبهات حوله أو حول مضامينه.
وقولنا :" بالتعرف عليه أو التعريف به": يعني، التساؤل (الاسترشاد والاستعلام ) والإجابة (الإرشاد والإعلام والتعليم والتدريب ونحوه).
وقولنا :"لتحقيقه وتوثيقه وتعميمه وتوريثه": يعني، مجال وظائف وسائل الإعلام.
قولنا:" بأسلوب مؤثر ووسيلة مباحة": يعني، إمكان الإعلاميين المرشدين أن يجتهدوا في تقديم المادة الإعلامية الإسلامية بالأسلوب الذي يرى كل منهم أنه الأبلغ تأثيرا وتوضيحا، والأقرب طريقا والأيسر وصولا إلى فهم المتلقي، وإلى الوصول بالمتلقي إلى مرحلة النصرة والتبني، ولإيجاد الجيل التالي من المسلمين والإعلاميين الدعاة والمرشدين.
وقولنا:"وهو علم وفن": فالعلم منه هو ما تعلق بالمضامين ومقتضياتها واللوازم وصفاتها وخصائصها، قال تعالى: "وعلّم آدم الأسماء كلها..".
والفن: هو طريقة وأسلوب التحقيق والتوثيق والتعميم والتوريث.
والإعلام الإسلامي عندنا: استماع سليم، وفهم سليم ثم تعبير سليم وتوضيح سليم؛ ليتم التوريث السليم، وهو ثابت مهما تغير الحكام أو قادة الرأي أو وسائل الإعلام أو الجمهور المتلقي، وهو مرن متغير بتغير الحالات أو القدرات أو الحاجات إلى الرُّخَص.
وكونه استماع سليم فذلك يشمل البحث عن المعلومة النافعة الصحيحة السليمة الموافقة لمعايير الصحة والسلامة في الثقافة الإسلامية عن المصدر الإعلامي المتميز بصفات الكمال والجمال، وكذلك للأسلوب والوسيلة المباحة أداء ومقصدا، والجمهور المخاطب السّويّ الباحث عن الرشد معتقدا ومسلكا.
والثقافة الإسلامية هي : معرفة عملية مكتسبة تنطوي على جانب معياري مستمد من شريعة الإسلام مبني على عقيدتها، يتجلى في سلوك الإنسان الواعي في حياته الاجتماعية تجاه الوجود (خالقا ومخلوقا). ولكل مسلم بعد استيعاب ثقافته الإسلامية أن تكون له ثقافته الخاصة التي يتعامل بها مع جزئية من الوجود(أي معرفة عملية مكتسبة تنطوي على جانب معياري مستمد من شريعة الإسلام مبني على عقيدتها، يتجلى في سلوك الإنسان الواعي في حياته الاجتماعية تجاه اهتماماته الخاصة (حرفته أو هواياته أو أفكاره وآرائه)، يتعامل من خلالها مع حياته الخاصة ومجال حرفته في نطاق المعتقد المشترك والمسلك الواحد، ذلك بأن الغاية والهدف والمقصد والمبتغى إنما هو مشترك بين المرسل والمتلقي وهو خدمة الرسالة الربانية التي تضمنت عناصر السعادة للطرفين عند أداء كل منهما وظيفته التي وظِّف لها أو تكليفه الذي كُلف به.
والفهم السليم : يشمل العلم بالنص الوثيق والمعنى الدقيق الموافق لما عليه أهل الاختصاص في الموضوع أو المسألة من أهل السنّة والجماعة من المسلمين.
والتعبير السليم : هو البليغ المبين البعيد عن الإكراه والخداع، ويشمل /الكلمة الفصيحة المبينة، والعبارة البليغة الصادقة، والعمل الصالح الخالص.
والتوريث السليم : تنقيح المفاهيم والمصطلحات والنصوص والدلالات وفق وعي المختصين المخلصين من كل جيل، مضافا إليها المفيد من مكتسبات الجيل من المعارف العملية التي أفرزتها الثقافة الإسلامية في عصرها ذاك مع النافع المفيد من منجزات الحضارات العالمية الأخرى بعد إخضاعه لقواعد وأساليب الصياغة الإسلامية وتعديل مقاصده لتوافق المقاصد الإسلامية، ورفض المخالف أو تنحيته، ثم توريث ذلك للذرية من بنين وبنات كأنقى ما يكون وأصفى ما يكون، وأوفى ما يكون، وتعميمه حتى يقوم كل والد بتوريثه إلى ولده فينقل الدين من كل والد إلى كل ولد حتى يكون الانتقال من جمع غفير إلى جمع غفير يؤمن تواطؤهم على الكذب بحسب معايير الثقافة الإسلامية المأمونة المضمونة، ثم نقل كل ذلك إلى الجيل التالي تسليم عهدة وعهد مقرونا بأمانة الصيانة وسلامة التطوير وضرورة التوريث من جيل إلى جيل عبر كل الأجيال ما دام هنالك على وجه الأرض أجيال!!.
والإعلام الإسلامي يتوجه برسالة الله (إلى المرسل الناقل أولا ليتق الله فيما ينقل متقربا به إلى الله قاصدا نفع نفسه بِنَيْلِ حظها والحفاظ على حقوق الناس، وإلى المتلقي المقصود ليتقرب إلى الله وليعلم حقوقه وواجباته كما بين الله ويقف عندها فلا يعتدي على حقوق غيره). عن طريق الوسائل الإعلامية، فيجمع (أركان العملية الإعلامية) الصورة الذهنية الدلالية كمضمون، مع الصورة التعبيرية كأسلوب إعلان وإعلام، مع الصورة الحركية للبيان والتوضيح وأداء الوسائل / شخصية كانت أو جمعية أو جماهيرية، للتعميم والحفظ والتوريث، وفي ضوء قوله تعالى: )إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ -> وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً) (الإسراء:9) فيكون قوام الإعلام الإسلامي هو المصدر الأقوم، والمرسل الأقوم، والرسالة الأقوم والوسيلة الأقوم، والأسلوب الأقوم، مع ما تعنيه دلالة لفظة "الأقوم" من تطوير وإبداع مستمرين متجددين بتجدد عناصر العملية الإعلامية عبر الزمان والمكان وسعيا للغاية الأقوم في ضوء قوله تعالى: ) يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)(البقر ة: من الآية185) ) مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ..) (المائدة: من الآية6)وذلك بخصوص الأصل الثابت للعملية الإعلامية المتمثل في قوله تعالى: ) إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ …)(يوسف: من الآية40)
والقول بأن الإعلام الإسلامي يجمع الصورة التعبيرية والحركية للإسلام لا يعني أن الإعلام الإسلامي هو الإسلام فالإسلام شيء والتعبير عنه بجزء منه أو بصورة أو بأسلوب منه، شيء آخر.