السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
آل البيت و آل الفاروق .. علاقة محبة و ألفة
أبو تميم عُمر بن عبد العزيز العُمري
Umar.Umari@Gmail.Com
ورد في ذهني لمناسبة يوم عاشوراء و قرب صدور المجلّة العُمريّة – دورية سنوية - أن أكتب عن علاقة آل البيت و آل الفاروق , خصوصاً أننا نعلم أن العلاقة بين البيتين قد شُوهت من قِبَلِ جُهّال يدّعون أنهم علماء , تبعهم بعد ذلك الملايين من عوامهم , ولو ننظر إليهم لوجدنا أنهم بالفعل علماء ولكنهم علماء جهل و ضلال , يقول تعالى: ((أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ)) الجاثية 23 . فمِن كذِبٍ إلى افتراءٍ إلى تلفيق .. كل هذا من أجل أن يصدقوا خرافاتهم و يجعلونها حقائق يتعبدون الله بها - نعوذ بالله من الضلال - , وقد رأيت أن أكتب في هذا المقال عن هذه العلاقة التي ما جمعت والله إلا المحبة و الألفة ..
ولكن في بداية الأمر , يجب علينا أن نعرف من المراد بـ آل البيت ؟! اختلف في المراد بـ آل البيت , وتنوعت الأقوال في هذه المسألة إلى أقوال كثيرة , ولعلنا نفصل بعض الشيء بهذه المسألة :
* القول الراجح أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم يدخلن في آل البيت , وقد شهد لهم القرآن بذلك , فقد قال تعالى : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )
* و كذلك آل المطلب , فالقول الراجح أنهم داخلون في آل البيت , و أصحاب هذا القول استندوا إلى الحديث الذي أخرجه البخاري عن جبير بن مطعم رضي الله عنه أنه قال : " مَشَيْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطَيْتَ بَنِي الْمُطَّلِبِ وَتَرَكْتَنَا وَنَحْنُ وَهُمْ مِنْكَ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ ؟! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّمَا بَنُو الْمُطَّلِبِ وَبَنُو هَاشِمٍ شَيْءٌ وَاحِدٌ " رواه البخاري برقم 2907 ، والنسائي برقم 4067 وغيرهما.
* والراجح أيضاً في بني هاشم أنهم يدخلون كذلك في الآل , واستدلوا بالحديث الذي أخرجه أحمد في مسنده عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال : قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا خَطِيبًا فِينَا بِمَاءٍ يُدْعَى خُمًّا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ ؛ فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَوَعَظَ وَذَكَّرَ ثُمَّ قَالَ : " أَمَّا بَعْدُ أَلَا يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَنِي رَسُولُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فَأُجِيبُ ؛ وَإِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ فَخُذُوا بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ - فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَرَغَّبَ فِيهِ - قَالَ : وَأَهْلُ بَيْتِي , أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي , أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي , أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي " فَقَالَ لَهُ حُصَيْنٌ : وَمَنْ أَهْلُ بَيْتِهِ يَا زَيْدُ ؟ أَلَيْسَ نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ؟ قَالَ : إِنَّ نِسَاءَهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَلَكِنَّ أَهْلَ بَيْتِهِ مَنْ حُرِمَ الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ . قَالَ : وَمَنْ هُمْ ؟ قَالَ : " هُمْ آلُ عَلِيٍّ وَآلُ عَقِيلٍ وَآلُ جَعْفَرٍ وَآلُ عَبَّاسٍ " قَالَ : أَكُلُّ هَؤُلَاءِ حُرِمَ الصَّدَقَةَ ! قَالَ : نَعَمْ . رواه أحمد برقم 18464
* وقد روى مهران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه أنه قال : " إِنَّا آلُ مُحَمَّدٍ لا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ وَمَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ " رواه أحمد 15152 وبذلك يدخل الموالي كذلك في الآل .
وبعد أن تعرفنا على المقصودين بـ آل البيت , سنذكر بإيجاز بعض المصاهرات بين آل البيت و آل الفاروق
رضي الله عن الجميع وأرضاهم و جمعنا و إياهم في الفردوس الأعلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم :
1- أول من يذكر في هذا الباب هي حفصة بنت الفاروق رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم , و أحد أمهات المؤمنين , وقد دخلت في آل البيت بعد زواجها من النبي صلى الله عليه وسلم كما بيّنا سابقاً .
2- الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه , ثاني الخلفاء الراشدين , و أب أم المؤمنين حفصة بنت عمر رضي الله عنها , تزوج ببنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها , و بنت علي بن أبي طالب ابن عم النبي و رابع الخلفاء الراشدين , أم كلثوم شقيقة الحسن و الحسين رضي الله عن الجميع , و أنجب منها رقية و زيد الأصغر .
3- الحسين بن علي بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم أجمعين - تزوج بـ جويرية بنت خالد بن أبو بكر بن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهم أجمعين - , ولعل هذه المصاهرات لم تأت إلا دلالةً على المحبة و القرب بين البيتين , مع عظم شرف آل البيت , بعيداً عما يدعيه بعض الجهلة للتاريخ إما لهوى أو ظلم أو غيره من الأسباب الغير مبررة .
وبعد هذه المصاهرات بين آل البيت و آل الفاروق , نورد بعض من سُمِي من آل البيت بـ عمر : فقد سمّى علي بن أبي طالب رضي الله عنه اثنين من أبنائه بعمر , الأول عمر الأكبر و الثاني عمر الأصغر , و قد سمى الحسن بن علي رضي الله عنه أحد أولاده بـ عمر " وقد كان مع عمه الحسين في كربلاء " , و كذلك الحسين بن علي رضي الله عنه سمى أحد أولاده بعمر " وقد استشهد معه في كربلاء " , و كذلك زين العابدين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما سمى أحد أولاده بعمر , و عرف بـ عمر الأشرف , و كذلك محمد بن علي بن أبي طالب " المعروف بابن الحنفية " قد سمى أحد ولديه بـ عمر .
وبعد كل هذا .. أين أدعياء العداوة بين الآل و عمر و آله ؟ أين الذين يتعبدون إلى الله بسب عمر بن الخطاب ؟ لعلهم كانوا أعلم من علي و فاطمة و الحسن و الحسين ... بأنفسهم !! , لقد افتروا على كثير من الصحابة ما ليس فيهم أو لم يثبت عنهم , و من أبرز المفترى عليهم .. العمران , أبو بكر و عمر بن الخطاب رضي الله عنهما , ولعل من أعظم افتراءات أهل الزيف و الضلال على الفاروق رضي الله عنه أنه كسر ضلع فاطمة رضي الله عنها , و أنه أحرق بيتها , وهذا خبر لا يستسيغه عقل الجاهل فكيف بعقول علمائهم ؟! لقد عُرِف عن علي رضي الله عنه الشجاعة و القوة , وهذا أمر مُسلّمٌ فيه عندنا و عندهم , و كفى علي موقفه حينما نام على فراش النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة , فكيف يقبل هذا الشجاع أن تقتل زوجته و يحرق بيته ؟! بل الأكثر غرابة كيف يزوج ابنته بـ قاتل امرأته ؟! و كيف يسمي أولاده عليه ؟! و كيف رضيت بنتها أم كلثوم رضي الله عنها أن تنظر في وجه قاتل أمها ؟ بل و كيف تتزوجه ؟! تدبّر معي أيها القارئ الكريم هذا الخبر و ستعلم يقيناً أنه تلفيق من جهلةٍ أعماهم حقدهم عن صياغة كذبة معقولة ! , ومن باب الطرافة لا أكثر .. حينما قرء هذه التلفيقة جهالهم المتأخرون , قالوا أنها ليست أم كلثوم بنت علي و فاطمة , بل إنها جنية تمثّلت بجسد أم كلثوم - تعالى الله عما يقولون - أهذا هو الفاروق الذي قال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إِيه يَا ابْنَ الْخَطَّابِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لقيك الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا قَطُّ إِلا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ " البخاري 3431 .
لقد كان الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه يحب علي بن أبي طالب , و كان يقربه و يستشيره في كثير من القضايا , وقد شهد الفاروق بأن النبي صلى الله عليه وسلم تُوفي وهو راض عن علي رضي الله عنه , و قد كان يقرب آل البيت ويعتني بهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم , فعن ابنه عبد الله أنه كان يقرب عبد الله بن عباس و يدخله في مجالس كبار الصحابة و مجالس البدريين و يقول له : إني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم دعاك يوما فمسح رأسك و قال :" اللهم فقهه في الدين و علمه التأويل " و قد روي عنه أنه حينما أجدبت الأرض استغاث بالعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم , و لما أنشئت الدواوين في عهد عمر أمر أن يبدؤوا بآل البيت , و ذلك لعلو مرتبتهم و بيان فضلهم , وقد بدء بالحسن وبالحسين فملا حجرهما من المال , فقال عبد الله بن عمر لأبيه : تقدمهما علي ولي صحبة وهجرة دونهما ؟ فقال عمر: اسكت لا أم لك , أبوهما خير من أبيك وأمهما خير من أمك , وقد روي عن علي أنه قال : " لا أوتى برجل يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري " , ومما يروى عنه أيضاً " خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر " , وعندما استشاره عمر لقتال الفرس بنفسه قال لـه : إن هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا قلة، وهو دين الله الذي أظهره، وجنده الذي أعده وأمده، حتى بلغ ما بلغ، وطلع حيث طلع، ونحن على موعود من الله، والله منجز وعده وناصر جنده، والعرب اليوم وإن كانوا قليلاً، فهم كثيرون بالإسلام، و عزيزين بالاجتماع، فكن قطباً، واستدر الرّحى بالعرب، وأصلهم دونك نار الحرب، فإنك إن شخصت - أي خرجت - من هذه الأرض انتقضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها، حتى يكون ما تدع وراءك من العورات أهمّ إليك مما بين يديك. إن الأعاجم إن ينظروا إليك غداً يقولوا: هذا أصل العرب فإذا قطعتموه استرحتم ، فيكون ذلك أشد لكَلَبِهم عليك ، وطمعهم فيك. " راجع كتاب نهج البلاغة للاستزادة " , وكان عمر دائماً ما يستشير علي في أمور الدولة و القضاء , و كان إذا أراده ذهب عمر إلى بيت علي فيقول له علي : (( هلاَّ أرسلت إلينا فنأتيك ؟ )) فيقول عمر رضي الله عنه: (( الحكم يؤتى إليه في بيته )).
ختاماً أيها الإخوة .. و بعد عرض موجز عن هذه العلاقة الحميمة بين البيتين , يتبين لنا كيف كانت تلك المحبة سائدة بينهم , إنها علاقة من الود و الإخاء , علاقة مبنية على المحبة في الله , لا نقول إلا رضي الله عنهم و أرضاهم , و أما أولئك الناعقين , الذين جعلوا دينهم خلاف ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقد قال : " لا تسبوا أصحابي ، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ، ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه " البخاري . فمن أعلى قرباتهم سب و لعن صحابته رضوان الله عليهم , وأخصهم العشرة المبشرين بالجنة , الذين شهد لهم النبي بدخول الجنة و هو الصادق ! اللهم رد كيد الحاقدين في نحورهم و نسألك أن تهلكهم و أن تظهر زيفهم للأمة أجمع , إنك على كل شيء قدير , اللهم إنا نشهدك أننا نحبك و نحب رسولك صلى الله عليه وسلم و نحب آل بيته الطاهرين رضوان الله عليهم , و نحب أصحابه أجمعين رضي الله عنهم و أرضاهم , اللهم واجمعنا و إياهم في الفردوس الأعلى - إنك سميع مجيب - .