نعمة الإهمال
ما أسعدك أيها العبد المؤمن بعطية الله لك؛ ما أعظم سرورك أن أمهلك وأبقاك حتى تشهد تلك الأيام المباركات والأزمان الميمونات ... أشهدك رمضان...وأبقى لك بعد رمضان ما تستقبل به غيره
أوقفك ببابه وعرضك لعطائه ونواله وقد طرد الآلاف بل الملايين فلا يزالون حيارى..
أجلك فلا زلت في الدنيا واستعجل غيرك...
فما أعظم جوده وبره عليك....
العزيمة على الإصلاح
*وشهود تلك الأيام نعمة حقها أن تستخرج عزيمة النفس على الطاعة؛؛
ومعرفة فضل تلك الأيام حقه أن تتضاءل معه ثمرات الدنيا..
فيا نفس سمعت (( ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام)) ؛ ((ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء))
شرف الزمان
يا نفس سمعت... لامحل للغفلات ...لا زمان للشهوات...
إن من وراء هذه الأيام يوم يزيد في الفضل عن مجموعها...
علمت يا نفس ما قال أنس ( كان يقال في أيام العشر بكل يوم ألف يوم ؛؛ ويوم عرفة عشرة آلاف يوم)
فليتك يا نفس أصلحت اليوم الأول...
وليتك يا نفس خاصمت تلك البطالة...
*في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت (( ما من يوم أكثر من أن يعتق الله تعالى فيه عبيده من النار من يوم عرفة ))
الصيام
فإذا كان أعظم وظائف يوم عرفة صيامه ؛ ففي صحيح مسلم عن أبى قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (( صيام يوم عرفة أحتسب على الله تعالى أن يكفر السنة التي بعده والسنة التي قبله))
فإذا كان الصيام أعظم تلك الوظائف فانه يستحق عناية تستوفى بها أركانه ويلحظ فيها كونه إيمانا واحتسابا"
فإذا كان حق الصيام كله أن يكون إيمانا واحتسابا" فأجدر بصيام يوم عرفة أن يستحق هذين الشرطين ليكون صيام من صامه رغبة في ثواب الله تعالى لا رياء ولا سمعة ولا ملاحظة لنظر الخلق إلى فعله
وأن يكون احتسابا" فلا يستثقل فعله ولا يستطيل زمانه فإن ما فيه من مشقة فيه انكسار لقلبه ومحو لخطيئاته
حفظ السمع والبصر واللسان
ففي مسند الإمام احمد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان فلان ردف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في يوم عرفه – يعنى كان راكبا" خلفه على راحلة واحدة – فجعل الفتى يلاحظ النساء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(( إن هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له )).
*فحق العبد أن يمرن نفسه في أيام ذي الحجة على حفظ سمعه وبصره ولسانه حفظا" يعنى:
1- التحرز من الآثام والتهيؤ لتحصيل الطاعات لتلك الجوارح.
2- شغل السمع بطاعات الله عز وجل وما يستوجب رضاه .
3- شغل البصر بما يكون زيادة لثوابه وزكاة لقلبه .
4- شغل اللسان بذكر الله والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر .
الدعاء
في سنن الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((خير الدعاء دعاء يوم عرفة؛وخير ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ))
وهو دعاء قلب منكسر ونفس لهفى تروم أن ينقضي زمان ذلك اليوم وقد غفر لها.
*ودعاؤه صلى الله عليه وسلم إعلان بالتوحيد؛ وهو توسل بالنطق ليثبت الله الجنان عليه.
*فيقول لا إله إلا الله فيشهد تفرد الله عز وجل بالإلهية واستحقاقه أن يعبد فلا يشرك معه غيره
*فيرى الله تعالى لا ند له ولا نظير ولا مثيل له ؛ له الملك وله الحمد
*ويرى الله عز وجل قد انفرد بالتصرف في ملكه والتحكم في خلقه
*فيرى تفرده سبحانه باستحقاقه أنواع المحامد واكلها وأجملها
*ويرى قدرة الله تعالى شاملة كل الممكنات...جامعة كل المقدورات ...
*فيتوسل بإقراره بكمال قدرة الله تعالى ....
*من تلك الأشياء المقدورات :
- أن يغفر الله له ذنبه ويستر عيبه ويتوب عليه من الخطايا.
- وان يثبته على الإيمان وان يلهمه ذكره على الدوام .
- وان يؤتيه الإخلاص في كل حال
-أن يوطن قلبه في الذل له والانكسار
- فيشكو عيوبه عيبا عيبا ..... ويرجو رحمة الله مع كل مرة يقر له بكمال قدرته.
دعاء الإمام على
كان من دعاء الإمام علي رضي الله عنه في يوم عرفة (( اللهم! أعتق رقبتي من النار وأوسع لي في الرزق الحلال واصرف عنى فسقة الجن والإنس )).
· وهو دعاء يشمل معاني الخير فكأنما تلقاه من فم النبوة المشرف..
· فما أجدر العبد أن يتشوق للعتق من النار بلسانه وجنانه ...وان يذل لربه ويخضع ... وفى لطفه يطمع ...وألا يستكثر ذنبه على ربه.
· فهو يرجو أن يعتق الله رقبته من عذابه..
· وان يغنيه الله تعالى عن خلقه....وان يعفه عن ما حرم من المكاسب والمطاعم.
· ويرى نفسه قد أصابه ما لا يقدر على دفعه فيقول ((واصرف عني فسقة الجن والإنس )).. لا أقدر على ذلك بنفسي ولا أملك أن أدفعه بقوتي.
الصدقة
ومن أسباب المغفرة الصدقة ( والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار)
وقد كان السلف في يوم عرفة يتصدقون بعتق الرقاب رجاء أن يتصدق الله عليهم بعتق رقابهم.
ومنهم من كان يعد ما يتصدق به غيره ليسبح مكان كل درهم تسبيحة .
الذكر
وإذا كان العمل الصالح مرغوبا كل يوم من أيام ذي الحجة ؛ فتأكد وظيفة الذكر يعني أن يعان العبد على غير الذكر من الوظائف
ووصية رسول الله صلى الله عليه وسلم (( فأكثروا فيهن من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير)).
أكثروا من ذلك .........
· فلعل من ذكر مرة يصادف سابق غفلة...
· فإذا ذكر مرة أخرى دافع تلك الغفلة...
· وفي الثالثة حضر قلبه وامتثل...
· وفي الرابعة خضع قلبه وسكن...
· ثم يفرح قلبه ويخشع...
· ثم يأنس ويقوى بذكره تعالى...
*******
فيا نفس كيف تركك رمضان لما ولى؟؟
كيف تركك الأعمال الصالحات؟؟
رجعت إليها.... بل ما رجعت...
فهلا تحسرت؟؟
أبقاك الله تعالى فما أحسن عطاءه...
فكيف كان شكرك لذلك؟؟
فالآن .. ويحك !! لو ذهبت تلك الأيام كما ذهبت أيام رمضان...
ويحك !! لو ما فارقت تلك السيئات والخطيئات...
ويحك !! لو ما حصلت تلك الأعمال الصالحات...
كم يا نفس غفلت ثم غفلت ثم غفلت...
لهوت ثم لهوت ثم لهوت..
فترحلين الآن قبل أن يرحل بك!!!
قبل أن تحملي ؛ قبل أن تتركي..
ويولون عنك ويدبرون... إذ ذاك تقولين ( رب ارجعون )
(كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون)
- ((من صام يوما في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا))
- ((إنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة))
- (( من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها ؛ لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف))
الإعتكاف
أصلحوا الصلوات المكتوبات والجمعات المباركات.. لا تسارعوا بالخروج من المساجد بل (( من اعتكف يوما ابتغاء وجه الله جعل الله بينه وبين النار ثلاث خنادق كل خندق أبعد ما بين الخافقين)).
والحمد لله رب العالمين.
(من خطبة لفضيلة الشيخ أسامة محمد عبدالعظيم)