تصحيح خطأ تاريخي حول الوهابية
د. محمد الشويعر
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على الصادق الأمين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى اليوم الدين أما بعد :
(.......... ففي عام 1407 هـ، كنت في مهمة لموريتانيا ، ثم عرجّنا على السنغال ، وكان خط سير الطيران ملزماً لنا بالبقاء في المملكة المغربية ستة أيام .
وفي أحد الأيام كنت في ضيافة أحد الأساتذة بإحدى الجامعات هناك ، وأرمز له : بالدكتور عبد الله . وفي جلسة بمكتبته دارت أحاديث شتى ، ومن محبته للملكة وحضور مؤتمرات عديدة بها ، طرح عليّ هذا السؤال أمام الحاضرين ،وعددهم يقارب الاثني عشر شيخاً من فضلاء البلاد هناك .
قال إننا نحب المملكة ، ونفوس المسلمين وقلوبهم تهفوا إليها ، وبيننا وبينكم تقارب كبير وتفاهم بين القيادات ، وإعجاب بما يؤديه حكام وعلماء المملكة من جهود مخلصة للإسلام والمسلمين ، ولكن حبذا لو تركتم المذهب الوهابي الذي فرق بين المسلمين ؟! .
فأجبته : قد يكون علق بالذهن معلومات خاطئة ، مأخوذة من غير مصدرها السليم ، ولكن حتى تلتقي المفاهيم ، نحب أن نطرح الموضوع بحضور الإخوة للنقاش العلمي المقرون بالبراهين .. ثم قلت :-
ولما كان كل إنسان ترتاح نفسه ، ويطمئن قلبه ، لما ألفه علماء بلده ، فإنني في هذا الحوار لن أخرج عما في محتويات هذه المكتبة ، التي تضمنا جدرانها الأربعة ؛ لأنك كما تراني الآن لا أحمل كتاباً ، ولم يخطر ببالي مثل هذا النقاش .
ولذا وقبل أن نبدأ : أرجو أن يكون نقاشنا بعيداً عن التعصب والانفعال ، أو طرح الآراء بدون دليل مقنع يعول عليه ، لأن نشدان الحقيقة هو هدفنا ، والامتثال لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم هو غايتنا ، ونصر الدين هو المؤمل من كل منّا .
قال : أوافقك على هذا ، وأصحاب الفضيلة المشايخ هم الحكم بيننا .
قلت : رضيت بذلك ، وبعد التوكل على الله أرجو أن تطرح أي مدخل للحوار .
قال : خذ مثلاً ما ذكره الونشريسي في كتابه ] المعيار [ الجزء 11 ، وهو قوله : سئل اللخمي : عن أهل بلد بنى عندهم الوهابيون مسجداً ، ما حكم الصلاة فيه ؟.
وللمعلومية : فإن كتاب ]المعيار[ هذا هو كتاب يجمع الفتاوى في الفقه المالكي ، جمعه أحمد بن محمد الونشريسي ، وطبع في 13 مجلداً ، وقد طبعته الحكومة المغربية وتوزع منه نسخ عن طريق الإهداء .
بعد طرح السؤال ، و إحضار الكتاب المذكور الجزء 11 ، أجبته : بان الفتوى على هذا السؤال صحيحة ، ونوافق اللخمي على ما جاء في فتواه .
قال إذا اتفقنا على أن هذه الفرقة ، وخطأ ما تسير عليه ، خاصة وأن المفتي قال : هذه فرقة ، خارجية ضالة كافرة ، قطع الله دابرها من الأرض ، يجب هدم المسجد ، وإبعادهم عن ديار المسلمين .
قلت : لم نتفق بعد ولا زلنا في بداية الحوار .. ولعلمك : فإن هذه الفتوى لها نظائر كثيرة قبل اللخمي وبعده ، موجودة لدى علماء الأندلس ، وفقهاء شمال أفريقيا ، وهي مستمدة من حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخوارج ، الذين قاتلهم علي بن أبي طالب في النهروان .
وفي نقاشنا هذا ، سوف نصل بإذن الله إلى تصحيح المفهوم التاريخي بين ما تعنيه هذه الفرقة ، التي أفتى علماء الإسلام في الأندلس وشمال إفريقيا بشأنها ، وبين التسمية التي ألصقت وصفاً مستهجناً بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله التصحيحية . هذا التصحيح لن يكون مقنعاً إلا بقرائن وبراهين مرضيّة عندكم ، لأن رائدنا جميعاً الوصول إلى الحقيقة لذات الحقيقة .. والرأي الهادئ المقنع هو الذي تنجلي به الغشاوة وتصحح به المفاهيم .
قال: كلنا نريد الوصول لهذه الحقيقة .. ثم قال : وبعد هذه الفتوى نريد أن تعطينا ما عندك ، ونحن نستمع والإخوة يحكمون بيننا ، ويصوبّون أو يخطئون ما يقال أو يعرض أمامهم .
قلت : : سترون – إن شاء الله - ، ما ينير الطريق لمن يريد الوصول للرأي الصائب ، واستجلاء الأمر ، و لهذا : نبدأ بما لدينا من أجزاء المعيار ..
ولعلك تقرأ طرة الكتاب ليسمع الإخوة ؟ .
قال : تريد الفتوى حتى أقرأها أمامهم ، أم أبدأ بما على الغلاف الخارجي من معلومات ؟؟.
قلت : بل الغلاف الخارجي .. أو الداخلي .. فهما سواء ..
فقرأ : ] المعيار المعرب في فتاوى أهل المغرب [ ، تأليف : أحمد بن محمد الونشريسي المتوفى عام 914 هـ ، بفاس بالمغرب .
قلت لأكبر المشايخ سناً ، وهو شيخ وقور ، هادئ الطبع ، اسمه أحمد : يا شيخ أحمد سجل تاريخ وفاة الونشريسي .. فرصد ذلك عام 914 هـ .
ثم قلت : هل من الممكن إحضار ترجمة اللّخميّ ؟ .
قال : نعم .. ثم قام إلى رفّ من رفوف المكتبة فأحضر جزءاً من أحد كتب التراجم ، وفيه ترجمة : علي بن محمد اللخمي ، مفتي الأندلس وشمال إفريقيا ، والترجمة طويلة ، وفيها ثناء عليه وعلى علمه .. فقلت : إن بيت القصيد في نهاية الترجمة ، فمتى توفي ؟
قال القارئ : وتوفي عام 478 هـ .
فقلت للشيخ أحمد : اكتب تاريخ وفاة الشيخ علي اللّخمي ، فكتبه في عام 478 هـ
فقال الدكتور عبد الله : هل تشك في علمائنا وفي فتاواهم ؟ .
قلت وما دليلك على هذا الشك ؟ . ثم التفتّ إلى المشايخ .. وقلت : هل بدر مني ما يدعو إلى الشيك الذي أوجب هذا القول ؟. فكان الجواب بالإجماع : النفي .
قلت : ولكي أنفي الشك عني ، وعن علمائنا في بلادي ، فإننا نحترمهم ونجلّهم ، ونصوّب كل فتوى تصدر عنهم ، يدعمها الدليل من الكتاب الكريم ، والصحيح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولكن الوصول إلى ما بدأنا الحديث من اجله ، مقروناً بما يدعمه ، يحتاج إلى شيء من الأناة والصبر .
ومن باب استعجال الجواب : أطرح على الجميع هذا السؤال : هل يمكن أن يفتي العلماء على معتقد لم يوجد صاحبه الذي ينسب إليه بعد ، أو الحكم على ملّة من الملل لم تظهر بعد ؟؟!! .
قالوا جميعاً : لا .. ولم يعرف هذا ، إلا ما جاء عنه إخبار من رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهذا من معجزات النبوة ، وفي الغالب يأتي الوصف دون المسمى .
قلت موجهاً الكلام لمحدّثي : ألست تعتقد ويعتقد غيرك : أن الوهابية أول من أنشأها محمد بن عبد الوهاب في نجد ؟ قال بلى .
قلت : إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، عندما أفتى اللّخمي وغيره من علماء المالكية في الأندلس . وفي الشمال الإفريقي ، كان أكثر من اثنين وعشرين من أجداده لم يولدوا بعد ، باعتبار أن المتوسط لكل قرن ثلاثة جدود ، كما أن بين وفاة عبد الوهاب بن رستم ووفاة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ما يقرب من واحد وثلاثين جداًّ ، وعلماؤكم وعلماء المسلمين لا يعلمون الغيب ، وننزههم عن الكهانة والسحر ، وعن القول في أمر لا يعلمونه ، قال تعالى ) قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيَّان يبعثون ( .
قال : أوضح أكثر ..!!
قلت : إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ولد عام 1115هـ ، ومات سنة 1206 هـ ، وبينه وبين أحمد الونشريسي الذي ألف كتاب ( المعيار ) ، ونقل الفتوى عن اللّخمي – كما مر بنا – مئتان واثنتان وتسعون سنة ( 292 ) وفق تاريخ الوفاة ، كما أن بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب وبين اللّخمي ، وهو صاحب الفتوى سبعمائة وثمانية وعشرون عاماً (728 ) وفق تاريخ الوفاة ، وفق ما سجّل الشيخ أحمد لوفاة كل منهما .
ويقاس على هذا كل من أفتى من علماء الأندلس وشمال إفريقيا عن تلك الوهابية .
قال : هل يمكن أن توضح أكثر لما تعني .. بدليل مقنع ؟
قلت : لم يهتم علماء شمال إفريقيا والأندلس ، بالفتاوى عن الوهابية والتحذير منها ، إلا لأنها موجودة عندهم بخلاف ديار المسلمين الأخرى ، التي وضّح فرقها الشهرستاني في كتابه ( الملل والنحل ) .
وابن حزم في كتابه ( الفصل في الملل والأهواء والنحل ) .
وفي موضوعنا : ألا يوجد عندك كتاب : ( الفرق الإسلامية في شمال إفريقيا ) ، الذي ألفّه الفرنسي : ألفرد بل ، وترجمه للغة العربية : عبد الرحمن بدوي ؟ .. وهو جزء واحد .
قال : هاهو موجود .. ثم قام وأحضره .
قلت فلنقرأ في آخره ، حرف الواو .. فقرأ أحدهم : الوهبية أو الوهابية : فرقة خارجية أباضية أنشأها عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن رستم ، الخارجي الأباضيّ ، وسميت باسمه وهابية ، الذي عطّل الشرائع الإسلامية ، وألغى الحج ، وحصل بينه وبين معارضيه حروب .. إلى أن قال : المتوفى عام 197 هـ ، بمدينة تاهرت بالشمال الأفريقي ، وأخبر بأن فرقته أخذت هذا الاسم ؛ لما أحدثه في المذهب من تغيرات ومعتقدات ، وكانوا يكرهون الشيعة قدر كراهيتهم لأهل السنة .وكان ألفرد هذا قد تحدث في كتابه المنوه عنه عن الفرق الإسلامية في الشمال الإفريقي من الفتح العربي حتى وقت المؤلف في العصر الحاضر تقريباً .
وعبد الوهاب بن رستم قد اختلف في تاريخ وفاته ، عند من كتب عنه ، ويرى الزر كلي في ( الأعلام ):أن وفاته نحو 190 هـ .
عند ذلك قلت له وللحاضرين : هذه هي الوهابية التي فرقت بين المسلمين ، وصدرت بشأنها فتاوى من علماء وفقهاء الأندلس وشمال أفريقيا ، كما تجدون في كتب العقائد عندكم ، وهم محقون فيما قالوا عنها .
أما دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التي ناصرها الإمام محمد بن سعود – رحمهما الله – السلفية التصحيحية ، فهي ضد الخوارج وأعمالهم ؛ لأنها قامت على كتاب الله وما صح من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ونبذ ما يخالفهما وهم من أهل السنة والجماعة .
والشبهة التي انتشرت في بلاد الإسلام قد روجها أعداء الإسلام والمسلمين من مستعمرين وغيرهم لكي تبث الفرقة في صفوفهم ، فقد كان المستعمرون يسيطرون على غالب العالم الإسلامي في ذلك الوقت ، وهو وقت عنفوانهم ، ويعلمون من واقع حروبهم الصليبية ، أن عدوهم الأول في تحقيق مآربهم : الإسلام الخالي من الشوائب ، وتمثله السلفية ، ووجدوا ثوباً جاهزاً ألبسوه هذه الدعوة تنفيراً ، وتفريقاً بين المسلمين – لأن مبدأهم فرق تسد – حيث أن صلاح الدين الأيوبي رحمه الله لم يخرجهم من ديار الشام إلى غير رجعة ، إلا بعد أن قضى على دولة الفاطميين العبيديين الباطنيين من مصر ، ثم استقدم علماء من أهل الشام ووزعهم في الديار المصرية فتحولت مصر من التشيّع الباطني إلى منهج أهل السنة والجماعة ، الواضح دليلاً وعملاً واعتقاداً .
فالمستعمرون خافوا من إعادة الكرّة ، بعدما رأوا دولة التوحيد السنّية ، التي قادها الإمامان : محمد بن عبد الوهاب ، ومحمد بن سعود ، ثم من جاء بعدهما ، تتسع أعمالهما ، ، ويكثر المستجيبون لما تهدف إليه هذه الدعوة ، ومعلوم لديكم أن المستعمر ما دخل بلدة إسلامية إلا حاول إقصاء أهل السنة ، وتقريب أهل الأهواء والبدع ؛ لأنهم مطيته فيما يريد عمله في ديار الإسلام .
كنت أعتقد أن هذا الجواب فيه إقناع .. لكن طرح أحدهم سؤلاً قال فيه : ألا يكون محمد بن عبد الوهاب قد أخذ منهج السابقين وأحياه من جديد واتبع طريقتهم ؟!
قلت : أولاً : لبعد الاتصالات بين المكانين فإن المعلومات لا تصل ولم يكن لدعوة عبد الرحمن بن رستم ذكر في تاريخ الجزيرة العربية ، بل كما مر بنا ، لم يكن لها تصنيف عند الدارسين والراصدين للملل والنحل والأهواء ؛ كالشهرستاني وابن حزم ، ولا في ردود ابن تيمية ، وابن رستم مات قبل هؤلاء بزمن . مما يدل على أن دعوة عبد الوهاب بن رستم ( الوهّابيّة ) لم تتعدّ الشمال الإفريقي والأندلس قبل ضياعها .
ثانيا : أن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب تختلف عن دعوة جميع الفرق المخالفة لكتاب الله ولسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، لأنها دعوة تجديدية على منهج السلف الصالح ، ولم يأت بشيء يخالف ذلك .
ثالثاً : تسمية الدعوة التي قام بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب بـ ( وهّابيّة ) نسبة إليه خطأ لغوي ، لأن والده لم يقم بها ، و إلا لأشترك في هذه النسبة الوالد وأولاده ، ومحمد واحد منهم لتصبح نسبة مشتركة .
رابعاً : الشيخ محمد بن عبد الوهاب في دعوته لا يوافق الإباضية في آرائهم ، ولا غيرهم من الفرق التي ذمها علماء أهل السنة منذ نشأت في ديار المسلمين ، وكتبه ورسائله توضح ذلك .
خامساً : أن ما نسب إليه من أمور ، آتي لها بشواهد – إن رأيتم في الوقت متسعاً _ من كلامه وكلام تلاميذه بالتبرئ مما نسب إليه كذباً وزوراً ، ويقول في كلامه : سبحانك ربي هذا بهتان عظيم . فكيف ينسب للإنسان شيء هو يتبرأ منه ؟؟!
لكن سوف نستكمل الحوار ، ولعلنا نجد في هذه المكتبة – بحول الله – ما يزيل ما علق بالأذهان من شبهة ، والحكمة ضالة المؤمن .
قلت : ولعلنا نجد عندكم كتاباً تاريخياً عن منطقتكم اسمه ( تاريخ شمال أفريقيا ) من تأليف أحد الغربيين في فرنسا .. واسم المؤلف : شارلي أندري ، وقد ترجمه إلى اللغة العربية محمد مزالي رئيس وزراء تونس الأسبق ، والبشير بن سلامة ..
قال الدكتور عبد الله : نعم موجود .. فأحضره وهو ثلاثة أجزاء .
وباستعراض الفهارس : قرأنا في الجزء الثاني ، عن ممالك الخوارج ، ومن ضمنها مملكة تاهرت ، التي هي الدولة الرستمية ، حيث توسع المؤلف في الحديث عن معتقداتها واتساعها ومعالمها الحضارية ، وتسميتها بالوهابية ، نسبة إلى عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم ، الذي خالف أهل ملته ، كما أبان في عشر صفحات ، بأن هذه الوهابية – الرستمية – تخالف أهل السنة في المعتقد .
ثم قلت : ولعلك تحضر أيضاً كتاب : ( المغرب الكبير ، العصر العباسي ) للدكتور : السيد عبد العزيز سالم ، إن كان موجوداً في هذه المكتبة .
قال : نعم موجود : ثم أحضره .
فقرانا سوياً بعد إحضاره في الجزء الثاني عن الدولة الرستمية ، في مدينة تاهرت في المغرب : أن عبد الرحمن بن رستم ، وهو من أصل فارسي ، عندما أحس بدنو أجله في عام 171 هـ ، أوصى لسبعة من خيرة رجال الدولة الرستمية ، ومن بينهم ابنه عبد الوهاب ، ويزيد بن فنديك : وقد بويع عبد الوهاب ، مما ترتب عليه نشوء خلاف بينه وبين ابن فنديك .
وقد انقسمت الإباضّية التي هي ديانة ابن رستم ومن معه ، حيث نقلها من المشرق إلى المغرب إلى فرقتين : الوهابية نسبة إلى عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم ، والنكارية ، ودارت بين الطرفين معارك ومقاتل ، تنهزم فيها النكارية ، إلى أن قتل زعيمها : ابن قنديرة ، وفي حالة ضعف من النكارية ، انضموا إليهم الواصلية المعتزلة .
ثم قال : وقد عزم عبد الوهاب هذا على حج في آخر حياته ، إلا أن أتباعه نصحوه بالبقاء في ( نفّوسه ) خوفاً عليه من العباسين .
ثم قلت : ولو رجعنا إلى كتاب ألفرد بل ، عن الفرق الإسلامية في الشمال الإفريقي ، من الفتح الإسلامي حتى اليوم ..لوجدناه في موضع آخر يقول : الخوارج الوهبيين الذين سمّوا نسبة على عبد الله بن وهب الراسبي ، الذي قاتله علي بن أبي طالب رضي الله عنه في النهروان هم : خوارج أباضية ، وعن انقسامهم قال : بأن أباضية المغرب ، في تاهرت منهم ، وهم الذين كانت ولتهم الرستمية في شمال إفريقيا ، وكانوا أشد الفرق تعصباً . واتباع عبد الوهاب بن رستم ، الذي سميت فرقته بالوهابية نسبة إليه ؛ لما أحدثه في المذهب من تغييرات ومعتقدات .
وقد تحدث في هذا الأمر قرابة اثني عشرة صفحة ، واخبر أنهم يكرهون أهل السنة .
ثم قلت : من هذا الرصد وغيره من كتب العقائد والسير ، في تاريخ شمال أفريقيا ، يبرز أمام طالب الحقيقة ، ما حرص عليه الكاتبون من تفنيد لمعتقدات الخوارج الإباضية الرستميين ، الذين منهم الوهابيون – نسبة إلى عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم - ، منذ خرجت هذه الفرقة بالقرن الثاني الهجري ، حيث أكدت ذلك جميع المصادر .
والشيخ محمد بن عبد الوهاب ، الذي قام بدعوته للقضاء على الشوائب التي أُدخلت على الإسلام في صفاءه ونقاوته ، رغبة منه في تصحيح العقائد ، وتنقيتها من مداخل الشرك والبدع ، مثلما سار من قبله دعاة منهم : أحمد بن حنبل في العراق ، وشيخ الإسلام ابن تيمية في الشام ، والعزّ بن عبد السلام في مصر ، و الشاطبي في المغرب والأندلس ، والأمير الصنعاني في اليمن وغيرهم .. كلهم وغيرهم من أئمة الإصلاح والتجديد ، يخالفون ملل الخوارج ، وما يدعون إليه من معتقدات و إعتزال وبدع ، تخالف ما درج عليه أهل السنة والجماعة ، وهذا مرصود في كتب : الملل والأهواء والنحل .
فحصل بحمد الله الاقتناع ، خاصة بعد أن تردد اسم الوهابية في مصادرهم التاريخية والعقدية مرارا ، مع إيضاح نماذج مما يدعون إليه . لكنني أحببت ترسيخ هذا المفهوم عندهم ، بما لا يدع مجالاً للشك ، ولكي يستفيد منه من يطّلع عليه عند تدوينه ، وفقاً لكلام البلاغيين : زيادة المبنى ، زيادة في تمكين المعنى .
فقلت : ما رأيكم إذا اتسعنا مع المصادر ، وبرز أمامنا من الحقائق التاريخية زيادة عما ذكر ، ما يدل على أن علماء بلادكم وحكامها قد اهتموا بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، عندما حرص آل سعود على نشرها ، وتبليغها لحكام المسلمين بالمكاتبات ، وبعث المندوبين إقتداء بأسلافنا في أداء الأمانة ، وتبليغ ما قاموا من أجله ، أخذاً من قول الله سبحانه : ) وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون ( ، حيث قام حكام المغرب الأقصى وعلماءه بالتقصي والمحاورة ، ثم اقتنعوا بسلامة هذه الدعوة .
قالوا : نعم ..نريد المزيد ،بالشيء المفيد ، المقنع والموثّق. .
قلت :سوف يكون ذلك إن شاء الله.
ثم قلت :لعلكم تعلمون أن الإمام سعود بن عبد العزيز- وهو الإمام الثالث من الدولة السعودية الأولى- قد بعث بعدما دخل مكة في عام 1219 هـ ، رسائل لملوك شمال أفريقيا : تونس والمغرب الأقصى وغيرهم ، يشرح فيها حقيقة التوحيد وأصول الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ، صافياً نقياً من الأمر التي أدخلت عليه ، وبلغ للناس بصدق وأمانة ، عليه من ربه أفضل الصلاة وأزكى التسليم ، وهي رسالة من ثلاث صفحات ، حسبما نشرتها مجلة ألمانية اسمها إسلاميكا Islamika ، مع دراسة باللغة الألمانية ، لما تعني الدعوة التي قاموا بها ، من أحد المستشرقين .
وكانت هذه الرسالة بمحتواها ونصها العربي ؛ ما قام به الإمام سعود ووالده من قبله ، من عمل وفق أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم للدعوة إلى دين الله على نور من الله ؛ ليزيل ما قد يكون علق بالأذهان من أكاذيب قيلت عن الدعوة ، ونفاها الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، قبل وفاته ( 1115 – 1206 هـ ) ، وفي ردوده بقوله : سبحانك هذا بهتان عظيم ، وقبلنا كذب على صفوة الخلق صلى الله عليه وسلم ، كما في رسالته رحمة الله عليه لعبد الله بن سحيم وهو من المعارضين له ، وفي رسالته إلى عالم بغداد الشيخ عبد الرحمن السويدي رحمه الله تعالى : بعد أن بيّن لهذا الأخير عقيدته ، و ما يدعو الناس إليه من إخلاص العبادة لله تعالى ، وإنكار ما فشا في الناس من أمر الشرك ، من دعاء الأموات ، والالتجاء إليهم من دون الله تعالى قال : فقام بسبب هذه الدعوة من عارضنا في ذلك ، وافترى علينا الكذب – إلى أن قال : - فإني ألزمت من تحت يدي بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، وغير ذلك من فرائض الله ، ونهيتهم عن الربا وشرب الخمر وأنواع المنكرات ، فلم يمكن الرؤساء القدح في هذا وعيبه ؛ لكونه مستحسناً عن العوام ، فجعلوا قدحهم وعداوتهم في ما آمر به من توحيد ، وأنهى عنه من الشرك ، ولبسوا على العوام : أن هذا خلاف ما عليه أكثر الناس ، وكبرت الفتنة جداً ، واجلبوا علينا بخيل الشيطان ورجله ، منها : إشاعة البهتان بما يستحي العاقل أن يحكيه ، فضلاً على أن يفتريه ، ومنها ما ذكرتم : أني أكفر جميع الناس إلا من اتبعني ، وأزعم أن أنكحتهم غير صحيحة ، ويا عجباً كيف يدخل هذا في عقل عاقل ؟ هل يقول هذا مسلم أو كافر أو عارف او مجنون ؟؟!!.
وبعد أن عدد اموراً كثيرة مما نسبت إليه قال : والحاصل : أنما ذكر عنا من الأسباب غير دعوة الناس إلى التوحيد والنهي عن الشرك ، فكله من البهتان ، وهذا لو خفي على غيركم ما خفي عليكم .
ثم قلت : ومن رغبة الحكام والعلماء في المغرب ، التقصي ، نرى الحقيقة التالية :
1- تأثر بهذه الدعوة واهتم بها وبمحتواها بعد الدراسة والتعمق ، سلطان المغرب الأقصى : سيدي محمد بن عبد الله العلوي جد الأسرة الحاكمة الآن : -
حيث قام بمحاربة البدع في بلاده ، كما حارب تشعب الطرق الصوفية ، ودعا إلى الاجتهاد ، وإلى انتشار السنة ؛ لأنه ذلك الوقت من أقوى الحكام المسلمين ، ولان بلاده قد اكتوت بنيران : الباطنية العبيدية ، وأصحاب البدع مع تفشي البدع ، والوهابية الرستمية الخارجية الباطني ، علاوة على الغزو الصليبي للشمال الأفريقي بعد سقوط الأندلس في أيدي الإفرنج .
وقد ذكر محمد جمعه في كتابه : ( انتشار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب) أمورا من أعمال سيدي محمد بن عبد الله العلوي ، فيما يتفق مع دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، و حرصهما على تنقية التوحيد من البدع والشرك مع الله .
هذا السلطان هو الذي وصفه المؤرخ الفرنسي : شارلي جوليان ، في كتابه : تاريخ أفريقيا الشمالية الذي ترجمه إلى اللغة العربية : محمد مزالي والبشير بن سلامة الذي مر بنا ذكره قبل قليل .
فقرانا في الجزء الثاني قوله : وكان سيدي محمد ، وهو التقي الورع ، علم بواسطة الحجيج بانتشار الحركة الوهابية في الجزيرة العربية ، وتأييد آل سعود لها ، وقد أعجب بعباراتها ، وكان يؤثر عنه قوله : ( أنا مالكي المذهب ، وهابي العقيدة ) وقد ذهبت به حماسته الدينية إلى الإذن بإتلاف الكتب المتساهلة بالدين والمحللة لمذهب الأشعرية ، وتهديم بعض الزوايا .
2- أما مؤرخ المغرب الأقصى : أحمد الناصري ، فإنه توسع في الجزء الثامن من كتابه التاريخي : ( الاستقصاء في تاريخ المغرب الأقصى ) ولا بد أن يكون موجوداً ضمن محتويات هذه المكتبة . فقال : نعم .
فلما أحضره فتحنا على أحداث عام 1226 هـ . فإذا هو يقول : في هذا العام حج جماعة من المغاربة صحبة المولى إبراهيم بن السلطان المولى سليمان سلطان المغرب الذي خلف والده السلطان : سيدي محمد بن عبد الله العلوي ، فقال ابنه المولى إبراهيم ومن معه : ما رأينا من ابن سعود ما يخالف ما عرفناه من ظاهر الشريعة ، وإنما شاهدنا منه ومن أتباعه ما به الاستقامة والقيام بشعائر الإسلام من صلاة وطهارة ، وصيام ونهي عن المنكر ، وتنقية الحرمين من الآثام .
ثم قلت لهم : هل من شهد له ولأتباعه المولى إبراهيم بن السلطان سليمان ، ومن معه من العلماء بعد المناقشة في مكة أثناء الحج عام 1226 هـ ، حيث قال الناصري عن الطريقة المتبعة في الركب النبوي الذي جرت العادة على خروجه من فاس على هيئة بدعية من الاحتفال ، وكانت الملوك تعتني به ، وتختار له أصناف الناس من العلماء والأعيان والقاضي وشيخ الركب ، وغير ذلك مما يضاهي ركب أهل مصر والشام .
هذا الركب بعلمائه ووجهائه بعد مناقشته مع الإمام سعود والعلماء ، هل يتفق مع عبد الوهاب بن رستم الخارجي الأباضي ؟ ، صاحب الوهابية الأساسية التي جاءت عنها الفتاوى أم أنها فرية من أعداء دين الإسلام ، وصدقها بعض المسلمين دون تمحيص ولا رويّة ، ولا رجوع للكتب التاريخية والعقدية الموثّقة ؟! .
قالوا جميعاً : نحن معك واقتنعنا .. لكن كيف غاب على كثير من الباحثين ما رصد في مصادرنا مما لا يقبل الشك ..
قلت : ولكي أزيدكم ، ويستفيد منه من يطلع عليه بعدنا ، فإن الناصري في تاريخه هذا قد غطى حيّزاً كبيراً من أخبار هذه الدعوة بأكثر من عشر صفحات ، وسوف أزيدكم من قوله ، وهو من المؤرخين الموّثقين عندكم ، وتاريخه من مصادر بلادكم المهمة . قالوا : نعم .
قلت : يقول الناصري عن السلطان سليمان بن محمد بن عبد الله العلوي الذي بويع في فاس في حدود عام 1226 هـ ، قد كان معاصراً للإمام عبد الله بن سعود ، ووالده الإمام العالم سعود بن عبد العزيز الذي دخل مكة المكرّمة في المرة الأولى حاجاً عام 1214 هـ ، الموافق لعام 1799م ، بأنه أراد أن يتحقق من ابن سعود وما يدعو إليه ، فأرسل ابنه إبراهيم في جماعة من علماء المغرب وأعيانه ، ومعه جواب من والده فوصلوا إلى الحجاز ، وقضوا المناسك وزاروا الروضة الشريفة ، كلّ هذا على الأمن والأمان والبّر والإحسان ، ثم أردف الناصري قائلاً : حدثنا جماعة وافرة ممن حج مع المولى إبراهيم في تلك السنة ، أنهم ما رأوا من ذلك السلطان – يعني الإمام سعود – ما يخالف ما عرفوه من ظاهر الشريعة ، وإنما شاهدوا منه ومن أتباعه غاية الاستقامة ، والقيام بشعائر الإسلام من صلاة وطهارة ، وصيام ونهي عن المنكر الحرام ، وتنقية الحرمين الشريفين من القاذورات والآثام التي كانت بهما من غير نكير ، وأنه لما اجتمع بالشريف المولى إبراهيم ، أظهر له التعظيم الواجب لآل البيت الكريم ، و جلس معه كجلوس أحد أصحابه وحاشيته ، وكان الذي تولىّ الكلام معه الفقيه القاضي : أبو إسحاق إبراهيم الزّرعيّ ، فكان من جملة ما قاله ابن سعود لهم : إن الناس يزعمون أننا مخالفون للسنة المحمدية ، فأي شيء رأيتمونا خالفناه من السنة ، وأي شيء سمعتموه عنا قبل اجتماعكم بنا ؟؟.
فقال القاضي : بلغنا أنكم تقولون بالاستواء الذاتي ، المستلزم بجسمية المستوي فقال له : معاذ الله ، إنما نقول كما قال الإمام مالك رحمه الله : الاستواء معلوم و الكيف مجهول والسؤال عنه بدعة والإيمان به واجب .. فهل في هذا مخالفة ؟! . قالوا : لا .. وبمثل هذا نقول أيضاً ، ثم قال القاضي الزّرعيّ له : وبلغنا أنكم تقولون بعدم حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، وحياة إخوانه من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في قبورهم .. فلما سمع ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ارتعد ورفع صوته بالصلاة عليه وقال : معاذ الله ، إنما نقول أنه صلى الله عليه وسلم حيّ في قبره ، وكذا غيره من الأنبياء ، حياة فوق حياة الشهداء .
2- ثم في نهاية هذا الحديث ، قال الناصري : وأقول أن المولى السلطان سليمان رحمه الله ، كان يرى شيئاً من ذلك ، ولأجله كتب رسالته المشهورة ، التي تكلم فيها عن حال متفقّرة الوقت – يعني بهم رهبنة الصوفية – وحذر فيها رضي الله عنه من الخروج على السنة ، والتّغالي في البدعة ، وبيّن فيها آداب زيارة الأولياء ، وحذّر من غلو العامة في ذلك ، وأغلظ فيها مبالغة في النصح للمسلمين ، جزاه الله خيراً .
كما قال أن المولى سليمان قد حدّد خطبة تحث على التوحيد ومحاربة البدع ، وأمر بتوزيعها على مساجد الجمعة ، كما أمر بإغلاق زوايا الصوفية .
وبعد الحوار الذي دار في أمور كثيرة مما نسب لهم ، قال الناصري : ثم قال صاحب الجيش : هذا ما حدّث به أولئك المذكورون ، سمعنا ذلك من بعضهم جماعة ، ثم سألنا الباقي أفراداً فاتفق خبرهم على ذلك .
ثم قلت : هذه بعض الحقائق المقرونة بالحوار والرصّد ، وكما وعدتكم الخروج عما هو في محيط منطقتكم ، حيث نشأت الوهابية الحقيقية ، وحيث لُبِّس عليكم وعلى كثير من المسلمين أمر وحقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التي قام بنشرها آل سعود .
و إلا فإن الشيخ محمد كما يتّضح من رسائله وردوده التي طبعتها جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية كما مرّ بنا نماذج منها ، فيها نفي وتفنيد لما ألصق في دعوته من تهم وأكاذيب لم يقلها ، بل نفاها وكرر مراراً القول : سبحانك هذا بهتان عظيم .
فكيف يصدق العاقل ، ما قيل من أمورٍ هو في حياته سمعها ونفاها ، كما نفاها تلاميذه من بعده . وهذا كتابه كتاب التوحيد ، وشرحه فتح المجيد ، وتيسير العزيز الحميد ، اقرأوها بتمعّن وتدقيق ، فإن رأيتم فيها شيئاً يخالف ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلكم الحق في التشكيك ، ومثل ذلك رسائله ، ثلاثة الأصول ، وكشف الشبهات ، والقواعد الأربع ، وآداب المشي إلى الصلاة وغيرها .
3- أما الدكتور عباس الجراري وهو من هنا من المغرب ، ولست أدري هل اطلعتم على محاضرته عام 1399 هـ ، بجامعة الرياض ، جامعة الملك سعود حالياً التي قال فيها : إن التيار السلفي في المغرب ، قد ظهر مرة أخرى في بداية القرن الرابع عشر الهجري ، حيث وجه السلطان الحسن عام 1300 هـ ، رسالة إلى الشعب المغربي ، وقد نوّه عن هذا الناصري أيضاً ، كما حصل مثل ذلك عام 1185 هـ ، عندما أرسل الإمام عبد العزيز بن محمد ، الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الحصيّن ، إلى والي مكة آنذاك لمناظرة علماء مكة ، فكان من علماء مكة المشايخ ، يحيى بن صالح الحنفي ، وعبد الوهاب بن حسن التركي مفتي السلطان ، وعبد العزيز بن هلال ، فتفاوضوا في ثلاث مسائل ، وقت المناظرة ظهرت منها لهم الحقائق المقنعة بسلامة هذه الدعوة .
ثم قلت : إن علماء مكة ذلك الوقت ، كان عندهم شبهة كما هي لدى علماء المغرب وغيرهم حسبما يتردد من إشاعات ، وما يصلهم من أكاذيب وافتراءات ينشرها المغرضون .
بعدما دخل الإمام عبد العزيز بن سعود مكة ثانية ، جرت مناظرات ، وإجابات على تساؤلاتهم ، وكان من علماء نجد : الشيخ عبد العزيز الحصيّن ، والشيخ حمد بن ناصر بن معمر الذي عينه الإمام سعود قاضياً ومفتياً بمكة حتى توفي بمكة بعد ذلك . فحصلت القناعة من علماء مكة ، وصدرت بهذا وثيقة وقّعها الجميع بنفي الشبهات والأكاذيب حول الدعوة ، وطبعت عدة مرات .
ثم في عهد الملك عبد العزيز بعدما دخل مكة عام 1343 هـ ، حصل مثل ذلك .. مما أوجد قناعة بسلامة منهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله .
وأزيدكم علماً بأن القباب المبنية على القبور في مكة ، هدمت أيام الشريف عون الرفيق ، ما عدا قبر السيدة خديجة ، في الفترة ما بين الدولة السعودية الثانية وقيام الملك عبد العزيز لإعادة الدولة السعودية في دورها الثالث ، كان ذلك الهدم بمشورة الشيخ أحمد بن عيسى ، وتأييد من الشريف وبعض علماء مكة ، مما يدل على القناعة .
ثم قلت : أيها الإخوة ، مما دار من نقاش ، ومما وجدنا من نصوص ، نرى أن الوهابية لعيوبها ، نسبتها إلى دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية خطأ محض ، وأن الوهابية التي صدرت عنها الفتاوى في كتبكم لا علاقة لها بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، ولا تقارب بينهما لأن الخطين متوازيين لا يلتقيان .
ذلك أن الشيخ محمد وتلاميذه يمقتون الوهابية الرستمية كما مقتها علمائكم من قبل ..؛ لأن دعوة الشيخ محمد سلفية ، ولا يوجد فيها ما يخالف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
كما برز أمامنا أن علماء المغرب برّأوا علماء الدعوة وحكام آل سعود ، الذين ناصروها إحياءً لدين الله ، وتجديداً لما ندثر من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإماتة للبدعة ، عندما تناظروا معهم عام 1226 هـ ، وظهر لهم كذب ما نسب للشيخ والدعاة لدين الله . وعلى هذا بان لنا أربعة من سلاطين المغرب الأقصى ، اهتموا بهذه الدعوة ، وتبنّوا نشرها في بلادهم ، وهم :-
1- المولى السلطان : سيدي محمد بن عبد الله العلوي ، الذي كان معاصراً للإمام عبد العزيز بن محمد ، وتبّلغ رسالة الإمام سعود .
2- المولى السلطان : سليمان بن محمد بن عبد الله العلوي ، الذي أوفد العلماء مع ابنه المولى إبراهيم ، وتناقش مع الإمام سعود بن عبد العزيز ، وعلماؤه مع علماء الدعوة .
3- المولى السلطان : إبراهيم بن سليمان بن محمد بن عبد الله العلوي ، الذي تسلم زمام الأمر بعد أبيه السلطان سليمان .
4- المولى السلطان : الحسن الأول في عام 1300 هـ ، ووقته فترة ما بين الدولة السعودية الثانية والدور الثالث لهذه الدولة ، الذي قام به الملك عبد العزيز من خمسة شوال عام 1319 هـ .
كما أن الدكتور محمد تقي الدين الهلالي – رحمه الله – اهتم بهذه الدعوة ، وهو حسنيّ من العائلة المغربية الحاكمة ، وقد كان تيجانياً ، ثم لما عرف حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – حرص على نشرها في كل مكان ذهب إليه ، حتى استقر آخر عمره بفاس ، ثم تحول إلى الديار البيضاء ، حتى توفي رحمه الله ، وقد ألف رسالة عن التيجانية وبطلانها ، ومثله الشيخ عبد الرحمن الإفريقي الذي كان سنغالياً تيجانياً فتركها وألّف في ذم ما هم عليه .
كما جرت كتابات عديدة عن محاكمة السلفية في المغرب ، وعن انتشارها وتأثر قاداتها بعلماء الحجاز ونجد ، من ذلك التاريخ حتى اليوم ، وقد ردّ الأستاذ أحمد العماري الذي حقق رسالة الوتري وقال : إن تحامله على السلفية تزمت شديد للطّرقية على حساب السلفية ، والمحقق مغربيّ .
ثم قلت : أرجو أن يكون ذلك مقنع وكفاية ، وإن أردتم زيادة توضيحية أكثر سواء بنقل آراء العلماء من العالم الإسلامي ، أو بوجهات نظر وتحليل المستشرقين من بلاد الغرب ، الذين راقبوا الأحداث وتتبعوا مسيرة الدعوة ، .. فلا مانع لكن ذلك يحتاج إلى مصادر قد لا تتوفر هنا .
لذلك اقتصرت على علماء المغرب وحكامها ؛ لأن طارحي الشبهة الآن مغاربة ، حيث يسهل الرجوع للمصادر من هذه المكتبة ، وذلك أقرب إلى القناعة أخذاً بقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه : خاطبوا الناس بما يعرفون حتى لا يُكَّذَبَ الله ورسوله .
وقال صاحبنا: كل ما ذكرت مقنع وواقعي ، وأزال بحمد الله الشبهات التي كانت تثار فما رأي الإخوة ؟ . قالوا : هذا صحيح .. ثم أردف قائلاً : لكن كيف أن هذه الإجابات المقنعة بين أيدينا ، وسهلة التناول وغاب عنا استجلاؤها .
قلت : هذا جوابه عندكم .. وطالب العلم مسئوليته أمام الله عظيمة ، فليس هو كالجاهل ، الذي يلقى إليه الأمر ويصدق ، إذ أن لا يحكم طالب العلم على أمر إلا بعد البحث والاستقصاء ، فالعامي ونصف المتعلم إن وجد ، له عذر ، إلا أن طالب العلم والأستاذ الجامعي لا يعذران ، لأن كلاّ منهما قدوة لغيره ، ولأن طلابه يأخذون عنه ، وينتظرون توجيهه ، وإزالة الشبهات من أمامهم .
قال : هل من الممكن أن تكتب بهذا الخصوص في صحيفة النور التي تصدر في تطوان بالمغرب مقالاً ؟، قلت : نعم .. ثم بعد أن عدت إلى المملكة بعثت لهم مقالاً موثقاً بمصادره ....)
انتهى .
د. محمد الشويعر