الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على قائد الغر المحجلين، نبينا محمد وآله وصحبه ومن تبعه إلى يوم الدين، أما بعد:
فهذا أثر لطيفٌ خرجه مسلم في الصحيح، فقال:
حدثنا يحيى بن يحيى التميمي قال: أخبرنا عبد الله بن يحيى بن أبي كثير قال: سمعت أبي يقول:
« لا يستطاع العلم براحة الجسم » .
[صحيح مسلم: أوقات الصلاة رقم (612)] .
قال الإمام النووي ـ رحمه الله ـ في شرحه على الصحيح: 5/113 ـ:
جرت عادة الفضلاء بالسؤال عن إدخال مسلم هذه الحكاية عن يحيى مع أنه لا يذكر في كتابه إلا أحاديث النبي r محضة ، مع أن هذه الحكاية لا تتعلق بأحاديث مواقيت الصلاة ، فكيف أدخلها بينها ؟
وحكى القاضي عياض ـ رحمه الله تعالى ـ عن بعض الأئمة أنه قال: سببه أن مسلما ـ رحمه الله تعالى ـ أعجبه حسن سياق هذه الطرق التي ذكرها لحديث عبد الله بن عمرو ، وكثرة فوائدها، وتلخيص مقاصدها، وما اشتملت عليه من الفوائد في الأحكام، وغيرها، ولا نعلم أحدا شاركه فيها ، فلما رأى ذلك أراد أن ينبه من رغب في تحصيل الرتبة التي ينال بها معرفة مثل هذا، فقال: طريقه أن يكثر اشتغاله، وإتعابه جسمه في الاعتناء بتحصيل العلم . هذا شرح ما حكاه القاضي.
وانظر: إكمال إكمال المعلم 2/302.
وذكره السيوطي في الديباج على مسلم 2/266 ـ ثم قال ـ قلت:
وقد أخرجه ابن عدي في الكامل بزيادة، ولفظه : سمعت أبي يقول: كان يقال: « العلم خير من ميراث الذهب، والنفس الصالحة خير من اللؤلؤ، ولا يستطاع العلم براحة الجسم »اهـ.
انظر: الكامل لابن عدي 4/215 ، وحلية الأولياء 3 /66.
قلت: قد قالها ـ أيضا ـ الإمام عبد الرحمن بن أبي حاتم ـ رحمه الله ـ :
قال: كنا بمصر سبعة أشهر لم نأكل فيها مرقة كل نهارنا مقسم لمجالس الشيوخ، وبالليل النسخ والمقابلة ، قال: فأتينا يوما أنا ورفيق لي شيخا، فقالوا: هو عليل، فرأينا في طريقنا سمكة أعجبتنا فاشتريناه، فلما صرنا إلى البيت حضر وقت مجلس، فلم يمكنا إصلاحه ومضينا إلى المجلس، فلم نزل حتى أتى عليه ثلاثة أيام ، وكاد أن يتغير ، فأكلناه نيئا، لم يكن لنا فراغ أن نعطيه من يشويه، ثم قال: « لا يستطاع العلم براحة الجسد ».
سير أعلام النبلاء 13/266، وتذكرة الحفاظ 3 /830 .
بدأت الإجازة، فاحذر يا طالب العلم أن يكون معظم وقتك لمتعة وراحة الجسد.
قال ابن الجوزي ـ رحمه الله ـ : اعلم أن الراحة لا تنال بالراحة ، ومعالي الأمور لا تنال بالراحة ، فمن زرع حصد ، ومن جد وجد.
تفانى الرجال على حبها ** وما يحصلون على طائل .
أخي الموفق
هذه الإجازة غنيمة عظيمة، فانتبه لوقتك أن يضيع فيما لا ينفع.
احرص على نفع نفسك بالتزود من العلم، ونفع الناس في نشره لهم .