بارك الله فيكم ونفع بكم.
كتبت تخريجًا مطوَّلاً للحديث فيه بسط ما اختصره الإخوة، وفيه فوائد زوائد.
وقد سبق للأستاذ مصطفى الفاسي تخريج الحديث باقتضاب أيضًا هنا:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=174835
وبالله التوفيق.
1- تخريج حديث عبيدالله بن محصن:
# التخريج:
أخرجه
الحميدي في مسنده (439) -ومن طريقه الترمذي (2346)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4716)، وابن قانع في معجم الصحابة (2/178)-، والبخاري في الأدب المفرد (300)، والتاريخ الكبير (5/372، 373) -ومن طريقه البيهقي في شعب الإيمان (9879)، وفي الزهد الكبير (105)-؛ عن
بشر بن مرحوم، وابن ماجه (4141) عن
سويد بن سعيد، و
مجاهد بن موسى، والترمذي (2346) عن
عمرو بن مالك، و
محمود بن خداش، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2126)، وفي الزهد (204)؛ عن
كثير بن عبيد، وفي الآحاد والمثاني (2127) عن
يعقوب بن حميد، والطبري في المنتخب من ذيل المذيل (ص84) من طريق
محمد بن عبدالعزيز بن محمد العمري، والعقيلي في الضعفاء (2/146) من طريق
عمرو بن رافع، وإبراهيم بن عبدالصمد في الجزء الأول من أماليه (7) -ومن طريقه القضاعي في مسند الشهاب (450)، والمزي في تهذيب الكمال (11/295، 296)- عن
محمد بن عبدالله بن يزيد المقرئ، وابن قانع في معجم الصحابة (2/178) من طريق
يحيى بن بشير القرقساني، والبيهقي في شعب الإيمان (9878)، وفي الأربعين الصغرى (57)؛ من طريق
سريج بن يونس، والخطيب في تاريخ بغداد (3/364) من طريق
الوليد بن شجاع.
جميعهم (أربعة عشر راويًا) عن مروان بن معاوية، عن عبدالرحمن بن أبي شميلة، عن سلمة بن عبيدالله بن محصن، عن أبيه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافى في جسمه، عنده طعام يومه؛ فكأنما حيزت له الدنيا» لفظ الحميدي.
إلا أنه جاء في رواية سريج بن يونس عن مروان: عن عبدالرحمن بن أبي شميلة، عن أبيه، عن سلمة بن عبيدالله، به.
# دراسة الإسناد:
تفرَّد برواية هذا الحديث مروان بن معاوية، وعليه دارت الروايات، قال الترمذي: (لا نعرفه إلا من حديث مروان بن معاوية).
ولم يختلف عليه في إسناده؛ إلا ما كان في رواية سريج بن يونس من زيادة أبي شميلة والد عبدالرحمن في الإسناد، قال البيهقي -عقب إسنادها في الشعب-: (وقد ذكره البخاري في غير الجامع عن بشر بن مرحوم, عن مروان بن معاوية, عن عبدالرحمن بن أبي شميلة الأنصاري القبائي, عن سلمة, عن أبيه -ولم يقل: عن أبيه, عن سلمة-)، وقال -عقب إسناد رواية سريج في الأربعين الصغرى-: (غير أنه قال: عن عبدالرحمن، عن أبيه. و«أبوه» فيه زيادةٌ -فيما أعلم-).
وذكر أبيه في الإسناد خطأ -كما أشار البيهقي-؛ لاتفاق الجماعة عن مروان على عدم ذكره.
ثم إن عبدالرحمن بن أبي شميلة هذا قد تفرَّد بالحديث، قال الدارقطني -في الأفراد (4123/أطرافه)-: (تفرَّد به عبد الرحمن بن أبي شميلة، عن سلمة بن عبيدالله، عن أبيه).
وعبدالرحمن بن أبي شميلة هذا ذكره ابن حبان في الثقات (7/79)، ولم أجد فيه لغيره توثيقًا.
وروى عنه: حماد بن زيد، ومروان بن معاوية، قال ابن المديني -كما في تهذيب الكمال (17/175)-: (لا أعلم أحدًا روى عنه غيرهما).
وقال ابن معين -كما في الجرح والتعديل (5/244، 245)-: (عبدالرحمن بن أبي شميلة الذي روى عنه حماد بن زيد؛ مشهور)، وقال أبو حاتم الرازي -كما في الجرح (5/245)-: (عبدالرحمن بن أبي شميلة هو مشهور برواية حماد بن زيد عنه).
والشهرة هنا لا تفيد الجرح أو التعديل، بل تفيد أنه معروف في جملة الرواة، وأن رواية حماد بن زيد عنه مشهورة، وهي كذلك؛ فقد جاءت عن كبار الشيوخ عن حماد، كعفان ومسدد وسليمان بن حرب ويونس بن محمد المؤدب وغيرهم.
ويشبه أن كلمة أبي حاتم إنما هي في تفسير كلمة ابن معين، وأن الشهرة فيها إنما هي شهرته برواية حماد بن زيد عنه.
قال ابن القطان -في بيان الوهم والإيهام (3/605، 606)-: (وهو أيضًا لا تعرف حاله، وإن كان قال فيه ابن معين وأبو حاتم: "مشهور"؛ فإنما يعنيان: برواية حماد بن زيد عنه، وكم من مشهورٍ لا تقبل روايته).
فابن أبي شميلة هذا مجهول الحال.
وله حديث معروف رواه عنه حماد بن زيد في فضل الأنصار، وقد اختلف الرواة عن حماد في شيخ ابن أبي شميلة، فقيل: عن رجل عن سعيد الصراف، وقيل: عن سعيد الصراف، وقيل بالشك بينهما، وربما كان الاضطراب من ابن أبي شميلة نفسه، وليس هذا موضع التحرير في ذلك الحديث.
هذا؛ وقد رأى العقيلي أن ابن أبي شميلة هو محمد بن سعيد المصلوب، وهو كذاب وضاع هالك:
قال العقيلي -في الضعفاء (2/548، 549 ط. السرساوي)-: (ولا أبعد أن يكون عبدالرحمن بن أبي شميلة هذا هو محمد بن سعيد المصلوب؛ لأن مروان بن معاوية يغير اسمه على أنواع كثيرة، فلعل سعيدًا هذا هو أبو شميلة، وجعله عبدَالرحمن وهو كذلك؛ لأن الألفاظ في هذا الحديث تشبه ألفاظَه).
فاحتج العقيلي على كلامه بأمرين:
الأول: أن مروان بن معاوية روى عن محمد بن سعيد المصلوب، وغيَّر اسمه إلى أسماء متعددة، وقد كان معروفًا بتدليس الشيوخ وتغيير أسمائهم.
وذكر العقيلي وجهَ تغيير اسم محمد بن سعيد المصلوب إلى عبدالرحمن بن أبي شميلة، فإن الرجل عبدٌ للرحمن، ولعل سعيدًا أباه يكنى أو يلقب بأبي شميلة.
الثاني: نكارة متن هذا الحديث من جهة رفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكون ألفاظه تشبه ألفاظ محمد بن سعيد المصلوب في أحاديثه المطروحة والمنكرة.
وقد ناقش عبدالغني بن سعيد الأزدي قول العقيلي المذكور، قال -كما في تهذيب الكمال (25/268)-: (وقال أبو جعفر العقيلي: "إن عبدالرحمن بن أبي شميلة هو محمد بن سعيد المصلوب، وإن قولهم: عبدالرحمن بن أبي شميلة أحدُ الأسماء التي غُيِّر بها اسم محمد بن سعيد"، وما صنع شيئًا، وإنما ذكرت قولَه هاهنا وحكيته عنه لئلا يظن ظانٌّ أني تركت قولاً قاله قائل هو أهل الحديث.
وأنا أقول: إن عبدالرحمن بن أبي شميلة هذا غير محمد بن سعيد، وإنه رجل من الأنصار من أهل قباء، حدث عنه مروان بن معاوية، وحماد بن زيد، وأحد الحجج في رد قول العقيلي -لو لم يعرف نسب عبدالرحمن-: روايةُ حماد بن زيد عنه، لان حماد بن زيد لا يدلس، ولا ينقل اسمًا إلى اسم).
فاحتجَّ الأزدي في رد كلام العقيلي بأمور:
الأول: نسب ابن أبي شميلة؛ فإنه أنصاري قبائي (من أهل قباء)، وقد جاء نسبه كذلك في رواية مروان بن معاوية لحديثنا هذا عنه.
الثاني: أن حماد بن زيد روى عن ابن أبي شميلة باسمه هذا، وحماد بن زيد لا يدلس، ولا يغير اسم راوٍ إلى اسم آخر -كما هو معروف عن مروان بن معاوية-.
وقول عبدالغني أقوى، وبقي في قول العقيلي فائدة يأتي ذكرها -إن شاء الله-.
وإذا ثبت أن عبدالرحمن بن أبي شميلة رجلٌ مجهول؛ فإن في رواية مروان بن معاوية عن المجاهيل نكارةً وضعفًا، قال عبدالله بن علي بن المديني -كما في تاريخ بغداد (13/151)-: وسألته -يعني: أباه- عن مروان بن معاوية الفزاري؟ فقال: (ثقة فيما روى عن المعروفين)، وضعَّفه فيما روى عن المجهولين. وقال العجلي -كما في معرفة الثقات (2/270-ترتيبه): (كوفي ثقة، وما حدث عن الرجال المجهولين؛ فليس حديثه بشيء)، وقال: (ما حدث عن المعروفين؛ فصحيح، وما روى عن المجهولين؛ ففيه ما فيه، وليس بشيء).
وللأئمة كلامٌ في أن مروان بن معاوية كثير الراوية عن المجاهيل.
وربما كان كل هذا عائدًا إلى احتمال كون المجاهيل من شيوخه معروفين بالضعف والترك، إلا أنه غير أسماءهم؛ فأضحوا مجاهيل عند أهل الفن، وهذا ما لم يتحقق في شيخه هنا.
ثم إن شيخ ابن أبي شميلة هنا: سلمة بن عبيدالله بن محصن؛ مجهول أيضًا، قال الإمام أحمد -في العلل ومعرفة الرجال (2/527-رواية عبدالله): (لا أعرفه)، وقال العقيلي -في الضعفاء (2/547 ط. السرساوي)-: (مجهولٌ في النقل، ولا يتابع على حديثه من جهةٍ تثبت، ولا يُعرف إلا به).
وإن كان ابن حبان ذكره في الثقات (6/398).
ويستخلص من المبحث السابق أنه قد اجتمعت في هذا الإسناد أسباب الضعف الآتية:
أولاً: تفرُّد مروان بن معاوية به، وهو في طبقةٍ متأخرة؛ طبقةِ شيوخ الأئمة، وقد قال الذهبي -في الموقظة (ص77)-: (وقد يسمي جماعةٌ من الحفاظ الحديثَ الذي ينفرد به مثل هشيم وحفص بن غياث منكرًا).
ثانيًا: جهالة حال عبدالرحمن بن أبي شميلة.
ثالثًا: كون الإسناد من رواية مروان بن معاوية عن أحد المجاهيل، وفي روايته عن المجاهيل ضعف ونكارة.
رابعًا: جهالة حال سلمة بن عبيدالله بن محصن.
خامسًا: كونه من مفردات المجاهيل، فتفرَّد به عبدالرحمن بن أبي شميلة -كما حكم الدارقطني-، وتفرَّد به سلمة بن عبيدالله بن محصن -كما حكم العقيلي-، وضمَّ ذلك الترمذيُّ في حكمه على الحديث بالغرابة.
سادسًا: نكارة رفع متن الحديث إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وشَبَهُهُ بأحاديث الضعفاء والمتروكين، كما ذكر العقيلي.
وقد شبَّه العقيلي لين هذا الحديث بلين حديث أبي الدرداء، قال -في الضعفاء (2/548 ط. السرساوي): (وقد رُوي مثل الكلام عن أبي الدرداء عن النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ بإسنادٍ يشبه هذا في اللين)، وحديث أبي الدرداء فيه راوٍ متهم بالكذب، وروى أحاديث بواطيل -كما سيأتي-.
ومن حق هذا الإسناد بعد ذلك أن يوصف بأنه (منكر)، وألا يستفيد ولا يستفاد منه عضد ولا تقوية.
هذا مع أنه أصح أسانيد هذا الحديث؛ نصَّ على هذا البيهقي -في شعب الإيمان (13/11)-.
ولهذا فقد تردد العلماء في إثبات صحبة عبيدالله بن محصن بهذا الإسناد، واختلفوا في ذلك:
فسئل ابن معين -كما في رواية أبي خالد يزيد بن الهيثم بن طهمان عنه (ص98)-: روى مروان، عن عبدالرحمن بن أبي شميلة، عن [سلمة بن] عبيدالله بن محصن الأنصاري، عن أبيه؛ له صحبة؟ قال: (أشبهه)، ولعل مراد ابن معين بذلك: أن الأمر قريب في إثبات الصحبة لعبيدالله بن محصن،
وقال البخاري -في التاريخ (5/372)-: (له صحبة)،
وقال أبو حاتم الرازي -كما في المراسيل (ص119)-: (يُدخَل في المسند، ولا ندري له صحبة أم لا؛ لأنه شيخ مجهول)،
وأثبت صحبتَه ابنُ حبان -في الثقات (3/248)-،
وقال ابن السكن -كما في الإصابة (4/402)-: (يُقال: له صحبة، وفي إسناده نظر)،
وقال أبو نعيم -في معرفة الصحابة (4/1874)-: (رأى النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- وأدركه)،
وقال ابن عبدالبر -في الاستيعاب (3/1013)-: (منهم من جعل هذا الحديث مرسلاً، وأكثرهم يصحح صحبة عبيد الله بن محصن هذا، فيجعله مسندًا)، ولم أجد من روى الحديثَ مرسلاً -كما ذكر ابن عبدالبر-.
والراجح عدم إثبات الصحبة؛ لضعف الإسناد، بل نكارته، وأما إثبات بعض الأئمة لها؛ فربما أثبتها بعضهم لا اعتمادًا وتصحيحًا، بل حكاية للإسناد الذي وقعت به روايته عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وربما كان بعضهم لا يعتمد على هذا الإسناد، بل على ذكرٍ لعبيدالله بن محصن في غيره، والله أعلم.
تنبيه: قد أعلَّ الشيخ الألباني حديثًا بعبدالرحمن بن أبي شميلة، قال -في الضعيفة (13/906)- في سياق علله: (الثالثة: الراوي عنه: عبدالرحمن بن أبي شميلة: مجهول الحال، قال ابن المديني: "لا أعلم روى عنه غير حماد بن زيد ومروان بن معاوية"، ولم يوثقه غير ابن حبان (7/79)، وقال الحافظ:
"مقبول" أي: عند المتابعة، وإلا فليِّن الحديث عند التفرد -كما هنا-) ا.هـ.
ولم يلتفت الشيخ -رحمه الله- إلى هذه العلة في حديثنا هذا.
2- تخريج حديث عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما-:
أ- رواية عطية العوفي عنه:
# التخريج:
أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (1828) من طريق عبدالرحمن بن صالح الأزدي، عن علي بن عابس، عن فضيل بن مرزوق، عن عطية، عن ابن عمر، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من أصبح معافى في بدنه، آمنًا في سربه، عنده قوت يومه؛ فكأنما حيزت له الدنيا».
# الدراسة:
قال الطبراني -عقب إسناده إياه-: (لم يروِ هذا الحديث عن فضيل إلا علي، تفرد به عبدالرحمن).
وعلي بن عابس قال فيه ابن معين -في رواية-: (ليس بشيء)، وضعَّفه الجوزجاني والنسائي والأزدي، وقال الساجي: (عنده مناكير)، وقال ابن حبان: (كان ممن فحش خطؤه وكثر وهمه فيما يرويه؛ فبطل الاحتجاج به).
وضعفه غير هؤلاء، وتراجع ترجمته في التهذيب وفروعه.
وقد تكُلِّم في فضيل بن مرزوق، وهو ممن أكثر عن عطية -وهو العوفي-، قال أحمد: (لا يكاد يحدث عن غير عطية)، وفي روايته عن عطية خاصةً نكارة، قال ابن حبان -في المجروحين (2/209)-: (كان ممن يخطئ على الثقات، ويروي عن عطية الموضوعات، وعن الثقات الأشياء المستقيمة، فاشتبه أمره، والذي عندي: أن كل ماروى عن عطية من المناكير؛ يلزق ذلك كله بعطية، ويبرأ فضيل منها)، وقال الذهبي -في السير (7/342)-: (وقيل: كان يأتي عن عطية ببلايا).
وعطية مشهور في الرواة، والأكثر على ضعفه.
فاجتمع في ذلك:
ضعف علي بن عابس،
ونكارة ما روى فضيل بن مرزوق عن عطية العوفي،
وضعف عطية العوفي،
والتفرد الشديد في هذا الإسناد في الطبقات المتأخرة جدًّا، فإن المتفرد به: عبدالرحمن بن صالح الأزدي من أقران الأئمة (ابن معين وأحمد ونحوهم).
فهذا الإسناد منكر.
ب- رواية خالد بن مهاجر عن ابن عمر:
# التخريج:
أخرجه الطبراني في الأوسط (8875)، ومسند الشاميين (450) -وعنه أبو نعيم في حلية الأولياء (6/98) وفي الأربعين الصوفية (ص77)-؛ عن
المقدام بن داود، وابن السني في القناعة (16) عن
نصر بن مرزوق، وابن عدي في الكامل (4/140) من طريق
إسماعيل بن إسرائيل، وابن عدي (4/140)، والسلمي في الأربعين في التصوف (9) -ومن طريقه السبكي في معجم الشيوخ (ص586، 587)-، والقضاعي في الشهاب (618)، والبيهقي في شعب الإيمان (9876) -ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (16/212)-؛ من طريق
الربيع بن سليمان؛ جميعهم (المقدام بن داود ونصر بن مرزوق وإسماعيل بن إسرائيل والربيع بن سليمان) عن أسد بن موسى، عن أبي بكر الداهري، عن
ثور بن يزيد،
وأخرجه ابن مردويه في أماليه (22) -ومن طريقه ابن عساكر في معجمه (1055)، وفي تاريخ دمشق (16/212، 213)- من طريق
سلام بن سليمان، والبيهقي في الشعب (9877) من طريق
عصمة بن سليمان، والشجري في أماليه (2/170) من طريق
خالد بن يزيد؛ ثلاثتهم (سلام وعصمة وخالد) عن سلام الطويل، عن
إسماعيل بن رافع،
كلاهما (ثور بن يزيد وإسماعيل بن رافع) عن خالد بن مهاجر، عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ابنَ آدم؛ عندك ما يكفيك، وأنت تطلب ما يطغيك, ابنَ آدم؛ لا بقليل تقنع, ولا من كثير تشبع, ابنَ آدم؛ إذا أصبحت معافى في جسدك، آمنًا في سربك، عندك قوت يومك؛ فعلى الدنيا العفاء»، لفظ الربيع بن سليمان عن أسد بن موسى، وللباقين نحوه تامًّا ومختصرًا.
إلا أن المقدام بن داود في روايته عن أسد بن موسى بإسناده؛ جعله عن خالد بن مهاجر، عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-.
تنبيه: وقع في أمالي ابن مردويه كون الحديث من مسند عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، والصواب جعله من مسند ابن عمر؛ لأن ابن عساكر أسند الحديث في موضعين من طريق ابن مردويه؛ فجاء فيه كذلك.
# الدراسة:
جاءت هذه الرواية عن خالد بن مهاجر من وجهين:
الأول: رواية ثور بن يزيد:
وقد رواه أسد بن موسى، عن أبي بكر الداهري، عن ثور، واتفق ثلاثة من الرواة عن أسد على جعله من مسند ابن عمر، وانفرد المقدام بن داود بجعله من مسند عمر، وهو خطأ، والمقدام بن داود متكلَّم فيه -كما في لسان الميزان (6/84)-، والرواة الآخرون أوثق منه وأقوى، وفيهم الربيع بن سليمان، الثقة صاحب الشافعي وراوي كتبه.
وقد استغرب الطبراني رواية المقدام؛ فقال -عقب إسنادها-: (لا يروى هذا الحديث عن عمر إلا بهذا الإسناد، تفرد به أسد بن موسى)، واستغربها أبو نعيم، فقال: (غريب من حديث ثور، لم نكتبه إلا من حديث أسد عن أبي بكر).
وحكمهما هذا منسحب أيضًا على الرواية الأصح بجعله من مسند ابن عمر؛ فإنه قد تفرد بها أسد بن موسى، وتفرد بها أبو بكر الداهري؛ قال ابن عدي -عقب إسنادها-: (وهذا الحديث عن ثور بن يزيد لا أعلم يرويه عنه غير أبي بكر الداهري).
وأبو بكر الداهري هذا ضعيف جدًّا، وبعض الأئمة حكم بتركه، وبعضهم اتهمه بالكذب، فروايته هذه منكرة جدًّا.
الوجه الثاني عن خالد بن مهاجر: رواية إسماعيل بن رافع:
قال ابن عساكر -بعد أن أسندها في معجمه-: (هذا حديث غريب).
وقد تفرد بها -فيما وجدت- سلام الطويل، وهو متروك، وإسماعيل بن رافع نفسه واهٍ منكر الحديث، وبعض الأئمة حكم بتركه.
فالرواية من هذا الوجه منكرة أيضًا.
فلا تصح الرواية عن ابن عمر من طريق خالد بن مهاجر بحال، وبقي فيها علة سماع خالد بن مهاجر من ابن عمر، وفي ذلك نظر، قال الحافظ شمس الدين ابن سعد الصالحي في تخريج معجم شيوخ السبكي -عقب إسناد هذا الحديث-: (خالد بن مهاجر لم يروِ عن ابن عمر في الكتب الستة شيئًا).
3- تخريج حديث أبي الدرداء -رضي الله عنه-:
# التخريج:
أخرجه ابن حبان في صحيحه (671)، وفي روضة العقلاء ونزهة الفضلاء (ص277، 278)، والطبراني في مسند الشاميين (22)، وأبو نعيم في حلية الأولياء (5/249)، والنقاش في ثلاثة مجالس من أماليه (50/ترقيم موقع الشبكة الإسلامية)، والقضاعي في الشهاب (539)، والبيهقي في شعب الإيمان (9874، 9875)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (7/194، 70/147)، والذهبي في السير (18/389)، وتذكرة الحفاظ (3/1177)؛ جميعهم من طريق أربعة عشر راويًا، عن عبدالله بن هانئ بن عبدالرحمن بن أبي عبلة، عن أبيه هانئ بن عبدالرحمن، عن إبراهيم بن أبي عبلة، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من أصبح معافى في بدنه، آمنًا في سربه، عنده قوت يومه؛ فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها، يا ابن جعشم؛ يكفيك منها ما سد جوعك، ووارى عورتك، وإن كان بيتًا يواريك؛ فذاك، وإن كانت دابة فتركبها؛ فبخٍ، فإن الخبز وماء الجر وما فوق الإزار حساب عليك»، لفظ أبي نعيم في الحلية، وللباقين نحوه تامًّا ومختصرًا، ولم يذكر بعضهم: «بحذافيرها»، ووقع عند بعضهم: «يا ابن آدم».
تنبيه: وقع في صحيح ابن حبان (ترتيب ابن بلبان) في رواية عبدالله بن هانئ بن عبدالرحمن: «قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا إبراهيم بن أبي عبلة»، وتكرار «قال: حدثنا أبي» سبق نظر، وجاء على الصواب بدون ذلك في إتحاف المهرة (12/618).
# الدراسة:
هذا الحديث غريب، قال الذهبي -عقب إسناده-: (هذا حديثٌ غريب).
فقد تفرد به -فيما وجدت- عبدالله بن هانئ بن عبدالرحمن، عن أبيه.
وتفر به أبوه هانئٌ عن إبراهيم بن أبي عبلة، قال أبو نعيم -عقب إسناده-: (غريب من حديث إبراهيم، تفرد به ابن أخيه عنه)، يعني بابن أخيه: هانئًا؛ فإن إبراهيمَ بن أبي عبلة عمُّه.
فأما عبدالله بن هانئ بن عبدالرحمن؛ فقد قال أبو حاتم الرازي -كما في الجرح (5/194)-: (روى عنه محمد بن عبدالله بن محمد بن مخلد الهروي، عن أبيه، عن إبراهيم بن أبي عبلة أحاديث بواطيل)، وابن مخلد الهروي هذا محدِّث نيسابوري مشهور -انظر: الأنساب (5/227)-، وأغلب الظن -إن لم يُجزَم- أن العلة في هذه الأحاديث البواطيل: عبدالله بن هانئ هذا، فقد قال أبو حاتم -عقب كلامه السابق-: (قدمت الرملة، فذُكر لي أن في بعض القرى هذا الشيخ، وسألت عنه، فقيل: هو شيخ يكذب، فلم أخرج إليه، ولم أسمع منه).
وخفي حاله على ابن حبان؛ فذكره في الثقات (8/357)، وصحح حديثه هذا بإخراجه في صحيحه.
وهانئ بن عبدالرحمن أبوه ذكره ابن حبان في ثقاته (7/583، 584)، وقال: (ربما أغرب)، وقد خفي حاله على الذهبي، فقال -عقب إسناده الحديث في السير-: (لا أعرف حال هانئ)، وقال -عقب إسناده الحديث في تذكرة الحفاظ-: (لكني لا أعرف هانئًا).
وشيخه عبدالرحمن بن أبي عبلة ثقة، لكن قال الدارقطني -كما في سؤالات الحاكم (274)-: (الطرقات إليه ليست تصفو، وهو بنفسه ثقة لا يخالف الثقات إذا روى عنه ثقة).
وهذا الطريق مما لم يصفُ من الطرقات إلى ابن أبي عبلة؛ فقد اجتمع فيه:
التفرد المتأخر مع أن لبعض رواته بعض الغرائب،
والضعف في عبدالله بن هانئ، بل اتهامه بالكذب،
والبواطيل التي في نسخة عبدالله بن هانئ، عن أبيه، عن إبراهيم بن أبي عبلة.
4- تخريج حديث علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-:
# التخريج:
أخرجه السهمي في تاريخ جرجان (ص322) من طريق أحمد بن عيسى بن عبدالله بن محمد العلوي، عن محمد بن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من أصبح معافى في سمعه وبصره وعقله، آمنًا في سربه من السلطان، وله رزق إلى الليل؛ فقد أعطي خير ما أشرقت عليه الشمس -أو: غربت-».
وأخرجه الشجري في أماليه من طريق أبي المفضل محمد بن عبدالله بن محمد الشيباني، بإسناده عن موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين، عن أبيه علي بن أبي طالب، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إنما ابن آدم ليومه، فمن أصبح آمنًا في سربه، معافى في جسمه، عنده قوت يومه؛ فكأنما حيزت له الدنيا».
# الدراسة:
جاء الحديث عن جعفر بن محمد الصادق من وجهين:
الأول: رواية ابنه محمد بن جعفر عنه، مختصرة الإسناد:
ورواها عنه أحمد بن عيسى العلوي، وهذا قال فيه الدارقطني -في الضعفاء والمتروكين (53)-: (كذاب)، وقال الذهبي -في السير (12/71)-: (له ما ينكر)، وقال -في تاريخ الإسلام (وفيات 241-250، ص61)-: (له غرائب).
الثاني: رواية ابنه موسى بن جعفر عنه، مفصَّلة الإسناد:
وراويها أبو المفضل محمد بن عبدالله بن محمد الشيباني قال فيه الخطيب -في تاريخ بغداد (5/466)-: (كان يروي غرائب الحديث وسؤالات الشيوخ، فكتب الناس عنه بانتخاب الدارقطني، ثم بان كذبه، فمزقوا حديثه، وأبطلوا روايته، وكان بعدُ يضع الأحاديث للرافضة)، واتُّهم بسرقة الحديث والكذب.
والظاهر أن هذا الحديث مما وضعه هو للرافضة.
فالحديث عن علي -رضي الله عنه- باطل.
# الخلاصـة:
بهذا يتبين أن كافة طرق الحديث مناكير شديدة الضعف، لا يصح أن تقوَّى ببعضها، أو يحكم بصحة الحديث بها؛ لأن المنكر لا يَعْضِد ولا يُعْضَد.
والحديث وإن كان في أبواب الرقائق والزهد مما يتساهل فيه الأئمة؛ فإن النكارة في طرقه ظاهرة، ولا يمكن مع ذلك التساهل في أمر الحديث، والله أعلم.
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أحمد السكندرى
ثانيا : عن ابن عمر :
أخرجه الطبرانى فى الأوسط ، و ابن أبى الدنيا فى القناعة .
أرجو التوضيح أخي أحمد بخصوص تخريجك حديث ابن عمر من القناعة لابن أبي الدنيا.
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ضيدان عبدالرحمن السعيد
وأخرجه ابراهيم بن عبد الصمد في أمالي أبي اسحاق ، وابن القانع في معجم الصحابة
بارك الله فيكم.