السبب الأوّل:
يتعلق بالحديث المرسل.
فالمرسل في اصطلاح المحدثين هو:
"أن يقول التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلمكذا، أو فُعِل بحضرته كذا، أو نحو ذلك، ولا يذكر الصحابي".
قال الزركشي في البحر المحيط، (3/ 457):
أنّ جمهور المحدثين قالوا أنّ المرسل: تَركُ التابعي ذِكر الواسطة بينه وبين رسول اللهصلى الله عليه وسلم".
ومعلوم أنّ الحديث المرسل عند جمهور المحدثين ضعيف لا تقوم به حُجَّة.
أمّا عند جماهير الفقهاء:
(أبو حنيفة، ومالك، وأحمد في الرواية المشهورة عنه) فالإرسال لا يضر، والمرسل حُجَّة يجب المصير إليها.
وقد ناصر أتباع المذاهب الثلاثة هذا القول، وبسطوا له الأدلة في مدوناهم الأصولية، واختاره كثير منهم: كشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رضي الله عنهم جميعاً.
وقد نقل بعضهم الإجماع في قبول مراسيل الثِقة في الصدر الأوّل ومن بعدهم من التابعين.
قال محمد بن جرير الطبري:
"إنكار المرسل بدعة ظهرت بعد المائتين".
وأكَّدوا ذلك بروايات الصحابة ومن بعدهم للمراسيل دون إنكار.
أمّا الشّافعي فقد توَّسط بين المحدثين وجمهور الفقهاء، فقال بِضعفه ضعفاً يسيراً بحيث إذا عَرَض إليه أحد المؤيِّدات الأربعة صار عنده حجة.
وقد جاء في رسالته كلام عن هذه المؤيِّدات، فقال (ص: 362):
"أن يُروى مسندا، أو مرسلا من وجه آخر، أو يفتي به بعض الصحابة، أو أكثر أهل العلم".
ولست هنا أخي القارئ لأرجِّح لك القول في حُكم المراسيل، فمازلت صغيراً على ذلك
وإنّما أردت أن تَقِف أخي على السبب الأوّل الذّي أوقفك على بعض الأحاديث التّي عَلَّق عليها محقِّق الكتاب بأنّها ضعيفة.
......
هذا، وإنّ عدد الأحاديث المرسلة ليس باليسير.
قال علاء الدّين البخاري في كشف الأسرار (3/ 5):
"وفيه – أي في ردّ المرسل- تعطيل كثير من السنن، فإنّ المراسيل جُمِعت فبلغت قريباً من خمسين جزءاً".
فإذا علمت ذلك جيِّدا أخي القارئ
فإنّ أكثر الحنفية والمالكية والحنابلة يَرَون أنّ الأحاديث المرسلة حُجَّة يجب العمل بمقتضاها.
وعند الشّافعي لا يقول بضعفه مباشرة، وإنّما يَتقوَّى لأنّ ضعفه يسير
فلا تعجب إذا قرأت في كتب النووي، وابن حجر، وابن السبكي، وكبار الشّافعية أحاديث يعتبرها المحدثون في حكم الضعيف، فما عَمِل بها هؤلاء إلاّ لإِلزامية اقترنت بها.