السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
وأعوذ به تعالى من الهوى المضلّ عن سبيل الله.
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في كتابه «فتح الباري» طبعة دار ابن الجوزي 5/318 -321:ولا نعلم خلافاً بين العلماء : أن المرأة لا تخرج إلى المسجد الإ بإذن زوجها ، وهو قول ابن المبارك والشافعي ومالك وأحمد وغيرهم .
لكن من المتقدمين من كان يكتفي في إذن الزوج بعلمه بخروج المرأة من غير منع ؛ كما قال بعض الفقهاء : إن العبد يصير مأذونا له في التجارة بعلم السيد بتصرفه في ماله من غير منعٍ .
فروى مالكٌ ، عن يحيى بن سعيد ، أن عاتكة بنت زيد كانت تستأذن زوجها عمر بن الخطاب إلى المسجد ، فيسكت ، فتقول : والله ، لأخرجنَّ ، إلا أن تمنعني ، فلا يمنعها .
وروي عن ابن عمر ، قال : كانت امرأة لعمر تشهد صلاة الصبح والعشاء في جماعة ، فقيل لها : لم تخرجين وقد تعلمين أن عمر يكره ذلك ويغار ؟ فقالت : ما يمنعه أن ينهاني ؟ قالوا : يمنعه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ) ) .
خرَّجه البخاري من حديث عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر .
وخرَّجه الإمام أحمد من رواية سالم ، عن عمر - منقطعاً .
والأمر الثاني :
أن الزوج منهيٌ عن منعها إذا استأذنته ، وهذا لا بد من تقييده بما إذا لم يخف فتنةً أو ضرراً .
وقد أنكر ابن عمر على ابنه لما قال له : والله ، لنمنعهن ، أشد الأنكار ، وسبه ، وقال له : تسمعني اقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتقول : لنمنعهن ؟ .
وقد تقدم من عمر عدم المنع .
وممن قال : لا يمنعن : ابن المبارك ومالك وغير واحد .وحكي عن الشافعي ، أن له المنع من ذلك وقاله القاضي أبو يعلى وغيره من أصحابنا .
وروى سعيد بن أبي هلال ، عن محمد بن عبد الله بن قيس ، أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : إن نساءنا استاذنونا في المسجد ، فقال : ( ( احبسوهن ) ) ، ثم إنهن عدن إلى أزواجهن ، فعاد أزواجهن إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال :
( ( احبسوهن ) ) ، ثم إنهن عدن إلى أزواجهن ، فقالوا : يا رسول الله ، قد استأذننا حتى إنا لنخرج . قال : ( ( فإذا أرسلتموهن ، فأرسلوهن تفلات ) ) . وهذا مرسلٌ غريب .
ومن هؤلاء من حمل قوله : ( ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ) ) على النهي عن منعهن من حجة الإسلام ، وهو في غاية البعد ، ورواية من روى تقييده بالليل تبطل ذلك .
ومنهم من حمله على الخروج للعيدين ، وهو بعيد - أيضاً - ؛ فان النَّبيّ صلى الله عليه وسلم لم يكن من عادته صلاة العيدين في المسجد .
ومن أصحابنا من قال : يكره منعهن إذا لم يكن في خروجهن ضررٌ ولا فتنهٌ ، فحملوا النهي على الكراهة .
وقال صاحب ( ( المغني ) ) منهم : ظاهر الحديث يمنعه من منعها .
قلت : وهو ظاهر ما روي عن عمر وابن عمر ، كما تقدم .
وكذلك مذهب مالكٍ : لا يمنع النساء من الخروج إلى المسجد .
وبكل حال ؛ فصلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد .خرج الإمام أحمد وأبو داود من حديث حبيب بن أبي ثابت ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( ( لا تمنعوا نساءكم المساجد ، وبيوتهنَّ خيرٌ لهنَّ ) ) .
وخرج الإمام أحمد وابن خزيمة وابن حبان في ( ( صحيحيهما ) ) من حديث أم حميد - امرأة أبي حميد - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : ( ( صلاتك في بيتك خيرٌ من صلاتك في حجرتك ، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك ، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك ، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي ) ) .
قال : فأمرت ، فبني لها مسجد في أقصى شيء من بيتها واظلمه ، فكانت تصلي فيه حتى لقيت الله عز وجل .
وخرج أبو داود معناه من حديث ابن مسعود .
والبيهقي معناه - أيضاً - من حديث عائشة .
وخرج الإمام أحمد والحاكم من حديث أم سلمة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( ( خيرُ مساجد النساء قعر بيوتهن ) ) .
وخرَّجه الطبراني من وجه أخر عن أم سلمة ، بمعنى الأحاديث التي قبله .
وقد تقدم عن ابن مسعود ، أن صلاتها في مسجد مكة والمدينة أفضل من صلاتها في بيتها .
انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر في كتابه «فتح الباري» 2/348:وكأن السر في ذلك أن بلالاً عارض الخبر برأيه ولم يذكر علة المخالفة
وقال الحافظ ابن عبد البر في «التمهيد» 23/401- 403:
قد أوردنا من الآثار المسندة في هذا الباب ما فيه كفاية وغنى فمن تدبرها وفهمها وقف على فقه هذا الباب .
وأما أقاويل الفقهاء فيه؛ فقال مالك: لا يمنع النساء الخروج إلى المساجد فإذا جاء الاستسقاء والعيد فلا أرى بأسا أن تخرج كل امرأة متجالة. هذه رواية ابن القاسم عنه .
وروى عنه أشهب قال: تخرج المرأة المتجالة إلى المسجد ولا تكثر التردد وتخرج الشابة مرة بعد مرة وكذلك في الجنائز يختلف في ذلك أمر العجوز والشابة في جنائز أهلها وأقاربها .
وقال الثوري: ليس للمرأة خير من بيتها وإن كانت عجوزا
قال الثوري: قال عبد الله: المرأة عورة وأقرب ما تكون إلى الله في قعر بيتها فإذا خرجت استشرفها الشيطان .
وقال الثوري: أكره اليوم للنساء الخروج إلى العيدين .
و قال ابن المبارك: أكره اليوم الخروج للنساء في العيدين، فإن أبت المرأة إلا أن تخرج فليأذن لها زوجها أن تخرج في أطهارها، ولا تتزين فإن أبت أن تخرج كذلك فللزوج أن يمنعها من ذلك .
وذكر محمد بن الحسن عن أبي يوسف عن أبي حنيفة قال: كان النساء يرخص لهن في الخروج إلى العيد فأما اليوم فإني أكرهه.
قال: وأكره لهن شهود الجمعة والصلاة المكتوبة في الجماعة وأرخص للعجوز الكبيرة أن تشهد العشاء والفجر فأما غير ذلك فلا .
وروى بشر بن الوليد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة أنه قال: خروج النساء في العيدين حسن ولم يكن يرى خروجهن في شيء من الصلوات ما خلا العيدين .
وقال أبو يوسف: لا بأس أن تخرج العجوز في الصلوات كلها وأكره ذلك للشابة .قال أبو عمر:
أقوال الفقهاء في هذا الباب متقاربة المعنى وخيرها قول ابن المبارك؛ لأنه غير مخالف لشيء منها ويشهد له قول عائشة: لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدثه النساء لمنعهن المسجد" .
ومع أحوال الناس اليوم ومع فضل صلاة المرأة في بيتها فتدبر ذلك .
انتهى.
فأين الهوى؟؟؟؟؟؟؟؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته