بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه الأمين وبعد:
لقد اختلف العلماء في احكام التصوير بين مبيح ومحرم وذلك بسبب اختلافهم في تطبيق النصوص الشرعية على الامثلة الموجودة هل هي داخلة في علة النهي أم لا وهل هي تصوير أم ليست بتصوير.
وهذا جهد بسيط أحببت فيه المشاركة والافادة والاستفادة من تعليقات الاخوة.
والمقصود بالتصوير هو رسم ونقش ونحت الاشياء أو تصويرها بالآلات الحديثة.
والتصوير ينقسم الى قسمين:
الاول/ التصوير بالنحت أو النقش أوالرسم على الاوراق ( بالطرق القديمة التقليدية)
وهو نوعان : ما ليس فيه روح وما فيه روح.
أ*- تصوير ما لا روح فيه كالاشجار والزروع والسيارات والبيوت والجبال.
فجمهور أهل العلم قال بجوازها ومنعها مجاهد والقرطبي، والصحيح قول الجمهور لحديث ابن عباس رضي الله عنهما عن سعيد بن أبي الحسن قال : كنت عند ابن عباس رضي الله عنهما، إذ أتاه رجل فقال: يا ابن عباس، إني إنسان إنما معيشتي من صنعة يدي، وإني أصنع هذه التصاوير.فقال ابن عباس: لا أحدثك إلا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول. سمعته يقول: [من صور صورة فإن الله معذبه حتى ينفخ فيها الروح وليس بنافخ فيها أبداً]، فربا الرجل ربوة شديدة، واصفر وجهه. فقال:ويحك، إن أبيت إلا أن تصنع، فعليك بهذا الشجر، كل شيء ليس فيه روح. أخرجه البخاري
قال صديق حسن: وهذا هو مذهب الجمهور. وقال:وتصوير جماد ليس في معنى ذلك لا بأس به. (عون الباري:3/114) وقال : فلا بأس بصورة الاشجار والجبال ونحو ذلك مما لا روح له ويدل له قول ابن عباس ان كنت ولا بد فاعلا فاصنع الشجر وما لا نفس له.(عون الباري:3/43).
ب*- تصوير ذوات الارواح كالانسان والحيوان والطير ومنها الصور الخيالية.
حرم جمهور العلماء تصوير ذوات الروح مطلقا سواء كانت مجسمة أي تماثيل أو مرسومة على أوراق، أو منسوجة على قماش، واقتصر بعض السلف في التحريم فقط على الصور المجسمة .
ورأي الجمهور هو الصحيح لأحاديث منها حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون" .متفق عليه.
و لحديث عبدالله بن عمر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم أحيوا ما خلقتم" متفق عليه
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن أبي زرعة، قال: دخلت مع أبي هريرة داراً بالمدينة، فرأى أعلاها مصوراً يصور. قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا حبة وليخلقوا ذرة". متفق عليه
وعن عائشة أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخل فعرفت في وجهه الكراهية قالت فقلت يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله ما أذنبت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بال هذه النمرقة ؟ قلت اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم أحيوا ما خلقتم . وقال إن البيت الذي فيه الصورة لا تدخله الملائكة. متفق عليه
فهذه النصوص تحرم التصوير وهي مطلقة غير مقيدة بنوع معين فتشمل المجسمة وغيرها.
قال صديق حسن عند شرح حديث عائشة: ويستفاد منه أنه لا فرق في تحريم التصوير بين أن تكون صورة لها ظل أو لا ولا بين أن تكون مدهونة أو منقوشة أو منقورة أو منسوجة أو معكوسة خلافا لمن استثنى النسيج وادعى أنه ليس بتصوير. (عون الباري:3/44)
واستثنى العلماء من هذه الصور ما يلي:
1- ما قطع رأسها قطعا كاملا.( المغني:10/201) ودليله حديث ابي هريرة وفيه " ومر برأس التمثال الذي على باب البيت فيقطع فيصيركهيئة الشجرة " رواه ابو داود، وأيضا قول ابن عباس: الصورة الرأس فإذا قطع الرأس فليس بصورة. رواه البيهقي
وهل يجوز تصوير ما قطع منها غير الرأس كاليد أو الرجل أو النصف الاسفل فيه قولين للعلماء الاول قول الجمهور وهو الجواز قياسا على قطع الرأس.
والقول الثاني بالمنع لان الحديث اقتصر على الرأس وبين العلة وهي أنها تصير مثل الشجر وبين ان بقاء الراس سبب لعدم دخول الملائكة لشبهها بذوات الارواح وبالتالي من اباح الصور الناقصة مع بقاء الرأس فعليه بالدليل وهذا القول هو الراجح. (احكام التصوير في الفقه الاسلامي174، 175)
2- لعب الاطفال المصنوعة من العهن والرقاع ونحوها بصورة بسيطة وقديمة لحديث عائشة رضي الله عنها قالت:" كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم وكان لي صواحب يلعبن معي، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل يتقمعن منه فيسربهن إلي يلعبن معي ". رواه البخاري ومسلم.
أما لعب الاطفال الحديثة والمصنوعة من البلاستيك ونحوها مما تكون فيه الاعضاء واضحة بدقة فتحمل كل صفات المخلوق الظاهرة فقد اختلف أهل العلم فيها والأحوط منعها لأنها قريبة من مضاهاة خلق الله تعالى.
3- تصوير ما يمتهن ولا يعظم كالتي على الفرش والسجاد والوسائد.
فقد اباحها بعض أهل العلم، ومنعها الجمهور من الشافعية والحنابلة وبعض الاحناف وهو الراجح لأن الاحاديث مطلقة تشمل كل الصور المعظمة والممتهنة، وأيضا شدة الوعيد الوارد في المصورين فهو من كبائر الذنوب، وأيضا عدم خلوها من مضاهاة خلق الله تعالى.
تنبيه:
أما مسألة استخدام هذه الصور التي صورت للامتهان بالوطء والجلوس عليها أو الصور الموجودة على الاواني المعدة للأكل والطبخ والتي تمتهن ولا يقصد منها الزينة والمباهاة فقد جوزها جماهير العلماء ومعهم الائمة الاربعة ودليلهم أحاديث وآثار وردت عن السلف في جواز استخدامها بشكل ممتهن منها:
حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم تلون وجهه وقال:" يا عائشة أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله" قالت: فقطعناه فجعلنا منه وسادة أو وسادتين. رواه البخاري ومسلم
وفي رواية فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتفق عليهما. رواه مسلم
وحديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتاني جبريل عليه السلام فقال لي أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تماثيل وكان في البيت قرام ستر فيه تماثيل وكان في البيت كلب فمر برأس التمثال الذي في البيت يقطع فيصير كهيئة الشجرة ومر بالستر فليقطع فليجعل منه وسادتين منبوذتين توطآن ومر بالكلب فليخرج ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا الكلب لحسن أو حسين كان تحت نضد لهم فأمر به فأخرج. رواه مسلم وابو داود والترمذي.
قال ابن حجر: واستدل بهذا الحديث على جواز اتخاذ الصور اذا كانت لا ظل لها وهي مع ذلك مما يوطأ ويداس أو يمتهن بالاستعمال كالمخاد والوسائد، قال النووي وهو قول جمهور العلماء من الصحابة والتابعين وهو قول الثوري ومالك وأبي حنيفة والشافعي . (فتح الباري :10/388- وقد ذكر الآثار التي رويت عن السلف في جواز اتخاذ الصور الممتهنة)
قال القاضي عياض: وهو أوسط الأقاويل وأصحها. إكمال المعلم:6/635)
قال أبو عمر: هذا أعدل المذاهب وأوسطها في هذا الباب وعليه أكثر العلماء ومن حمل عليه الآثار لم تتعارض على هذا التأويل وهو أولى ما أعتقد فيه.(ذخيرة العقبى:39/132)
القول الثاني منع الصور مطلقا ولو كانت ممتهنة لحديث عائشة السابق وفيه " قلت اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم أحيوا ما خلقتم . وقال إن البيت الذي فيه الصورة لا تدخله الملائكة". فعائشة اشترته للجلوس عليه ومع ذلك غضب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجلس عليه ولم يستثنه من تحريم التصوير.
قال صفي الرحمن :وفي الحديث دليل على تحريم الصور وإن كان فيما يوطأ ويمتهن، والذي ذكر في الحديث السابق يحمل على أن الثوب حينما قطع وقع القطع على الصور فتفرقت أجزاؤها.(منة المنعم شرح مسلم:3/412)
قال ابو عمر: وقد يحتمل أن يكون الستر لما هتكه رسول الله صلى الله عليه وسلم تغيرت صورته وتهتكت فلما صنع منه ما يتكأ عليه لم تظهر فيه صورة بتمامها واذا احتمل هذا لم يكن في حديث عائشة هذا حجة على ابن شهاب ومن ذهب مذهبه.(ذخيرة العقبى:39/131)
قال ابو بكر بن العربي:فان كانت رقما ففيه اربعة اقوال: الاول انها جائزة لقوله في الحديث الا رقما في ثوب. الثاني انه ممنوع لحديث عائشة دخل النبي وانا مستترة بقرام فيه صورة فتلون وجهه ثم تناول الستر فهتكه. الثالث انه اذا كانت صورة متصلة الهيئة قائمة الشكل منع فان هتك وقطع وتفرقت اجزاؤه جاز للحديث المتقدم قالت فيه فجعل منه وسادتين كان يرتفق بهما. الرابع انه اذا كان ممتهنا جاز وان كان معلقا لم يجز. والثالث أصح والله أعلم. (عارضة الاحوذي:7/253)
وهذا الرأي أرجح لإمكانية الجمع بين الأحاديث, ولم يأتي أصحاب القول الاول في رد ما ورد في حديث عائشة بشيء .
الثاني/ التصوير بالآلات الحديثة:
اختلف فيها العلماء المعاصرون، فبعضهم حرمها ابن باز ومحمد محمد المختار الشنقيطي لعموم الاحاديث الناهية عن التصوير وان هذا يسمى تصويرا فيدخل في نفس الحكم.
وأباحها غيرهم كابن عثيمين وعبد الرحمن عبد الخالق وأدلتهم هي:
أ*- أن هذا لا يسمى رسما بل هو حبس ظل بواسطة آلة ولا دخل للإنسان في رسمها أو تصويرها مثل المرآة العاكسة لصورة الانسان، وأيضا المرأة ليس فيها مضاهاة لخلق الله تعالى فكذلك هذه الصور الفوتوغرافية.
ب*- إن العلة في التصوير هو مضاهاة خلق الله تعالى وهو منتف في هذا النوع لما قلنا أنه لا دخل للمصور في تجسيد ورسم هذه الصورة بل يمكن للكاميرا أن تصور تلقائيا بدون مصور فهل هذه مضاهاة، بل ويستوي في تصوير واخراج الصورة بنفس الدقة الطفل والكبير والذكي والغبي ومعلوم انهم ليسوا في نفس القدرة والذكاء وانما منع التصوير لاجل المضاهاة وهي موجودة في الرسم والنحت بل الرسام قد تأتيه العظمة في نفسه في مضاهاة خلق الله تعالى وهذا منتف في التصوير بهذه الآلات وبالتالي عن مستخدميها.
وهو قول قوي لقوة أدلتهم.