بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
جزى الله الشيخ المهتدي بالله الإبراهيمي خير الجزاء لما قام به من نسف هذه الشبهة المتعلقة بقول منسوب للإمام ابن القيم زورا وبهتانا ، فبين اضطراب النص المدسوس ، وبين دس النص المنسوب إليه زورا عن طريق مخطوطات أصلية تبين الدس ، وكذلك من خلال نسخة حديثة هالكة تبين الدس أيضا .
لكن ماذا لو لم نجد المخطوطات الأصلية ، فكيف سنستطيع الذب عن الإمام ابن القيم ، لقد ذكر الشيخ المهتدي بالله الإبراهيمي ، أصول كشف الشبهات المتعلقة بأقوال العلماء في رسالة توفيق اللطيف المنان (2 / 17 - 26) أشير إلى كل منصف قراءتها حتى لا يقع في شباك المتشابهات المتعلقة بالنصوص المنسوبة إلى العلماء زورا وبهتانا .
ولقد أشار الشيخ الإبراهيمي حفظه الله على وجوه أخرى ذب بها عن شيخ الإسلام ابن قيم الجوزية ، انظر توفيق اللطيف المنان ( 2 / 29 - 35 )
حيث أن هذه الوجوه يشترك فيها شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم معا :
وهي :
الوجه الأول : بيان عقيدة شيخ الإسلام ابن القيم في من شك في كمال قدرة الله عز وجل
الوجه الثاني : بيان الافتراء على شيخ الإسلام ابن تيمية في حياته وبعد مماته ، مما يعني أن لشيخ الإسلام ابن القيم أيضا أعداء في حياته وبعد مماته .
الوجه الثالث : بيان الداهية الكبرى في تحريف تراث شيخ الإسلام ابن تيمية من قبل المحققين المعاصرين بالإثبات ، مما يعني أن تراث ابن القيم مستهدف أيضا .
وهناك وجه رابع قد بينه الشيخ قبل بيان الدس من خلال نسخ المخطوطات الأصلية ، ألا وهو بيان اضطراب النص المدسوس ، وموضعه المدسوس فراجع المشاركة الأولى في هذا الموضوع .
وأحب هنا ذكر النصوص التي نقلها الشيخ الإبراهيمي في بيان عقيدة الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى ، وهنا أريد التصرف في شرح النصوص ، ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى توفيق اللطيف المنان (2 / 29 - 35 ) .
عقيدة الإمام ابن القيم الواضحة في حكم من شك أو جهل كمال قدرة الله عز وجل
قد جعل الإمام ابن القيم رحمه الله إثبات الكمال لله عز وجل في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله من التوحيد العلمي الاعتقادي .
قال الإمام الجليل شمس الدين ابن قيم الجوزية رحمه الله مبيناً نوعي التوحيد وأنهما متلازمين وأنه لا يتم أحدهما دون الآخر :
( وملاك السعادة والنجاة والفوز بتحقيق التوحيدين اللذين عليهما مدار كتاب الله تعالى وبتحقيقهما بعث الله سبحانه وتعالى رسوله وإليهما دعت الرسل صلوات الله وسلامه عليهم من أولهم إلى آخرهم .
أحدهما : التوحيد العلمي الخبري الاعتقادي المتضمن إثبات صفات الكمال لله تعالى وتنزيهه فيها عن التشبيه والتمثيل وتنزيهه عن صفات النقص .
والتوحيد الثاني : عبادته وحده لا شريك له وتجريد محبته والإخلاص له وخوفه ورجاؤه والتوكل عليه والرضى به رباً وإلهاً وولياً وأن لا يجعل له عدلاً في شيء من الأشياء ) (اجتماع الجيوش الإسلامية لابن القيم ، ص 43 .) .
وذكر بجلاء أن من لم يؤمن بكمال الله عز وجل في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله أنه مشرك معطل خارق للتوحيد .
قال الإمام شمس الدين ابن قيم الجوزية (691-751هـ) : ( فالتوحيد العلمي الخبري له ضدان : التعطيل ، والتشبيه ، والتمثيل . فمن نفى صفات الرب عز وجل وعطلها كذب تعطيله توحيده ، ومن شبهه بخلقه ومثله بهم كذب تشبيهه وتمثيله توحيده .
والتوحيد الإرادي العملي له ضدان : الإعراض عن محبته ، والإنابة إليه ، والتوكل عليه ، والإشراك به في ذلك ، واتخاذ أوليائه شفعاء من دونه ) (اجتماع الجيوش الإسلامية لابن القيم ، ص 43 .) .
وبين أن الإيمان بأن الله هو الخالق يكفي كدليل على الإيمان بكمال الخالق عز وجل في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله .
قال الإمام شمس الدين ابن قيم الجوزية (691-751هـ) في تفسير قوله الله عز وجل : [ وَيَتَفَكَّرُون َ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً ] (آل عمران: 191) :
( فلا ريب أن خلق السموات والأرض من أعظم الأدلة على وجود فاطرهما وكمال قدرته وعلمه وحكمته وانفراده بالربوبية والوحدانية ) (مفتاح دار السعادة لابن القيم (2/519) .) . وقال في موضع آخر : ( ولو أردنا نستوعب ما في آيات الله المشهورة من العجائب والدلالات الشاهدة لله بأن الله الذي لا إله إلا ، هو الذي ليس كمثله شيء ، وإنه الذي لا أعظم منه ولا أكمل منه ولا أبر ولا ألطف لعجزنا نحن والأولون والآخرون عن معرفة أدنى عشر معشار ذلك ) (مفتاح دار السعادة لابن القيم (1/212) .) .
وجعل المعطل الذي لم يؤمن بكمال الله عز وجل في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله شراً من المشرك المقر بكمال الله عز وجل .
قال الإمام شمس الدين ابن قيم الجوزية (691-751هـ) : ( فإن المشرك المقر بصفات الرب خير من المعطل الجاحد لصفات كماله ، كما أن من أقر لملك بالملك ولم يجحد ملكه ولا الصفات التي استحق بها الْمُلك لكن جعل معه شريكاً في بعض الأمور تقرباً إليه خير ممن جحد صفات الملك وما يكون به الملك ملكاً ، هذا أمر مستقر في سائر الفطر والعقول . فأين القدح في صفات الكمال والجحد لـها من عبادة واسطة بين المعبود الحق وبين العابد يتقرب إليه بعبادة تلك الواسطة إعظاماً له وإجلالاً ؟! ) (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم ، ص 155 .) .
وقال في موضع آخر : ( فالمعطل شر من المشرك ، فإنه لا يستوي جحد صفات الملك وحقيقة ملكه والطعن في أوصافه هو والتشريك بينه وبين غيره في الملك ، فالمعطلون أعداء الرسل بالذات ، بل كل شرك في العالم فأصله التعطيل ، فإنه لولا تعطيل كماله أو بعضه ، وظن السوء به لما أشرك به ، كما قال إمام الحنفاء وأهل التوحيد لقومه : [ أَئِفْكًا آَلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ * فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِين ] (الصافات: 86-87) أي فما ظنكم به أن يجازيكم وقد عبدتم معه غيره ، وما الذي ظننتم به حتى جعلتم معه شركاء أظننتم أنه محتاج إلى الشركاء والأعوان ، أم ظننتم أنه يخفى عليه شيء من أحوال عباده حتى يحتاج إلى شركاء تعرفه بها كالملوك ، أم ظننتم أنه لا يقدر وحده على استقلاله بتدبيرهم وقضاء حوائجهم ، أم هو قاس فيحتاج إلى شفعاء يستعطفونه على عباده ، أم ذليل فيحتاج إلى ولي يتكثر به من القلة ويتعزز به من الذلة ، أم يحتاج إلى الولد فيتخذ صاحبة يكون الولد منها ومنه ، تعالى الله عن ذلك كله علواً كبيراً ، والمقصود أن التعطيل مبدأ الشرك وأساسه فلا تجد معطلا إلا وشركه على حسب تعطيله فمستقل ومستكثر ) (مدارج السالكين لابن القيم (2/486) .) .
ولاحظ أن قوله الأخير في مدارج السالكين ، أي نفس الكتاب الذي ادعوا أن فيه النص المدسوس زورا وبهتانا .
فهذا غيض من فيض من كلام شيخ الإسلام ابن قيم الجوزية حول عقيدته الصافية التي يريد أن يعكر صفو مائها أصحاب الشبهات وأصحاب الدس .
وللكلام بقية إن شاء الله تعالى .
والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا .