بسم الله الرحمن الرحيم
الذي يظهر أن إبطال الأعمال يكون بالكفر والمعاصي :
قال ابن جرير في تفسير هذه الآية : ( يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا بالله ورسوله أطِيعُوا اللَّهَ وأطِيعُوا الرَّسُولَ ) في أمرهما ونهيهما ( وَلا تَبْطِلُوا أعمالَكُمْ ) يقول : ولا تبطلوا بمعصيتكم إياهما ، وكفركم بربكم ثواب أعمالكم فإن الكفر بالله يحبط السالف من العمل الصالح .
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ، قوله : ( يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا أطِيعُوا الله وأطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أعمالَكُمْ ) . الآية ، من استطاع منكم أن لا يبطل عملاً صالحا عمله بعمل سيىء فليفعل ، ولا قوّة إلا بالله ، فإن الخير ينسخ الشرّ، وإن الشرّ ينسخ الخير، وإن ملاك الأعمال خواتيمها .
وقال ـ رحمه الله ـ : حدثني ابن البرقي ، قال : ثنا عمرو بن أبي سلمة ، قال : ثنا أبو معاذ الخراساني ، عن مقاتل بن حيان ، عن نافع ، عن ابن عمر، قال : كنا معشر أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ نرى أو نقول : إنه ليس شيء من حسناتنا إلا وهي مقبولة ، حتى نزلت هذه الآية ( أطِيعُوا اللَّهَ وأطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تبْطِلوا أعْمالَكُمْ ) فلما نزلت هذه الآية قلنا : ما هذا الذي يبطل أعمالنا؟ فقلنا : الكبائر والفواحش ، قال : فكنا إذا رأينا من أصاب شيئا منها قلنا : قد هلك ، حتى نزلت هذه الآية ( إنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلكَ لِمَنْ يَشاءُ ) فلما نزلت هذه الآية كففنا عن القول في ذلك ، فكنا إذا رأينا أحدا أصاب منها شيئا خفنا عليه ، وإن لم يصب منها شيئا رجونا له " .
ورواه محمد بن نصر في تعظيم قدر الصلاة :
حدثنا محمد بن عبد الله بن القهزاذ ، قال: حدثني ابن وهب ، قال: حدثني أبو جميل ، ثنا عبد الله بن المبارك ، أنا بكير بن معروف ، عن مقاتل بن حيان ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال: « كنا معشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نرى أنه ليس شيء من حسناتنا إلا مقبول حتى نزلت : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم ) فقلنا: ما هذا الذي يبطل أعمالنا؟ فقلنا: الكبائر الموجبات، والفواحش حتى نزلت: ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) فلما نزلت كففنا عن القول في ذلك فكنا نخاف على من أصاب الكبائر والفواحش، ونرجو لمن لم يصبها » .
قال القرطبي في تفسيره : " أي حسناتكم بالمعاصي ؛ قاله الحسن . وقال الزُّهْرِي : بالكبائر . وابن جريج : بالرياء والسمعة . وقال مقاتل والثُّمَالِيّ : بالمَنّ ؛ وهو خطاب لمن كان يمنّ على النبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ بإسلامه. وكله متقارب، وقول الحسن يجمعه . وفيه إشارة إلى أن الكبائر تحبط الطاعات ، والمعاصي تخرج عن الإيمان " .
وروى محمد بن نصر في تعظيم قدر الصلاة :
حدثنا أبو قدامة ، ثنا وكيع ، ثنا أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، قال : « كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون أنه لا يضر مع لا إله إلا الله ذنب ، كما لا ينفع مع الشرك عمل، فنزلت: ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم ) فخافوا أن يبطل الذنب العمل » .
وقال الحافظ في الفتح : قال ابن عبد البر: " .... قوله تعالى: {ولا تبطلوا أعمالكم} .... الأكثر على أن المراد بذلك النهي عن الرياء كأنه قال : لا تبطلوا أعمالكم بالرياء بل أخلصوها لله . وقال آخرون : لا تبطلوا أعمالكم بارتكاب الكبائر " .
وقال في عمدة القارئ : " وقد اختلفوا في معناه ، فقيل : لا تبطلوا الطاعات بالكبائر، وقيل: لا تبطلوا أعمالكم بمعصية الله ومعصية رسوله، وعن ابن عباس: لا تبطلوها بالرياء والسمعة، عنه بالشك، والنفاق، وقيل : بالعجب ، فإن العجب يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب . وقيل : لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى على أن قوله: ( ولا تبطلوا أعمالكم ) (محمد: 33) . عام يتناول كل من يبطل عمله ، سواء كان في صوم أو في صلاة ونحوهما من الأعمال المشروعة " .
هذا والله تعالى أعلم .