فوائد منتقاة من كتاب "أعلام السنة المنشورة لاعتقاد الطائفة الناجية المنصورة"
للشيخ العلامة حافظ بن أحمد الحكمي
بسم الله الرحمن الرحيم
س : ما معنى العبد ؟
جـ : العبد إن أريد به المعبد أي المذلل المسخر ، فهو بهذا المعنى شامل لجميع المخلوقات من العوالم العلوية والسفلية : من عاقل وغيره ، ورطب ويابس ، ومتحرك وساكن ، وظاهر وكامن ، ومؤمن وكافر ، وبر وفاجر ، وغير ذلك . الكل مخلوق لله عز وجل مربوب له ، مسخر بتسخيره ، مدبر بتدبيره ، ولكل منها رسم يقف عليه ، وحد ينتهي إليه ، كل يجري لأجل مسمى لا يتجاوزه مثقال ذرة { ذَلِكَ }{ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ } ، وتدبير العدل الحكيم . وإن أريد به العابد المحب المتذلل خص ذلك بالمؤمنين الذي هم عباده المكرمون وأولياؤه المتقون الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون .

س : على كم نوع دلالة الأسماء الحسنى ؟
جـ : هي على ثلاثة أنواع ، دلالتها على الذات مطابقة ، ودلالتها على الصفات المشتقة منها تضمنا ، ودلالتها على الصفات التي ما اشتقت منها التزاما .
س : ما مثال ذلك ؟
جـ : مثال ذلك اسمه تعالى الرحمن الرحيم يدل على ذات المسمى ، وهو الله عز وجل مطابقة ، وعلى الصفة المشتق منها وهي الرحمة تضمنا ، وعلى غيرها من الصفات التي لم تشتق منها كالحياة والقدرة التزاما ، وهكذا سائر أسمائه ، وذلك بخلاف المخلوق ، فقد يسمى حكيما وهو جاهل ، وحكما وهو ظالم ، وعزيزا وهو ذليل ، وشريفا وهو وضيع وكريما وهو لئيم ، وصالحا وهو طالح ، وسعيدا وهو شقي ، وأسدا وحنظلة وعلقمة وليس كذلك ، فسبحان الله وبحمده هو كما وصف نفسه ، وفوق ما يصفه به خلقه .

س : على كم قسم دلالة الأسماء الحسنى من جهة التضمن ؟
جـ : هي على أربعة أقسام ، الأول : الاسم العلم المتضمن لجميع معاني الأسماء الحسنى وهو الله ، ولهذا تأتي الأسماء جميعها صفات له كقوله تعالى : { هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ } ، ونحو ذلك ، ولم يأت هو قط تابعا لغيره من الأسماء . الثاني : ما يتضمن صفة ذات الله عز وجل كاسمه تعالى السميع المتضمن سمعه ، الواسع جميع الأصوات ، سواء عنده سرها وعلانيتها ، واسمه البصير المتضمن بصره النافذ في جميع المبصرات سواء دقيقها وجليلها ، واسمه العليم المتضمن علمه المحيط الذي { لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ } . واسمه القدير المتضمن قدرته على كل شيء إيجادا وإعداما ، وغير ذلك . الثالث : ما يتضمن صفة فعل الله كالخالق الرازق البارئ المصور وغير ذلك . الرابع : ما يتضمن تنزهه تعالى وتقدسه عن جميع النقائص كالقدوس السلام .


س : كم أقسام الأسماء الحسنى من جهة إطلاقها على الله عز وجل ؟
جـ : منها ما يطلق على الله مفردا أو مع غيره ، وهو ما تضمن صفة الكمال بأي إطلاق ، كالحي القيوم الأحد الصمد ونحو ذلك ، ومنها ما لا يطلق على الله إلا مع مقابله ، وهو ما إذا أفرد أوهم نقصا كالضار النافع ، والخافض الرافع ، والمعطي المانع ، والمعز المذل ، ونحو ذلك ، فلا يجوز إطلاق الضار ولا الخافض ولا المانع ولا المذل على انفراده ، ولم يطلق قط شيء منها في الوحي كذلك لا في الكتاب ولا في السنة ، ومن ذلك اسمه تعالى المنتقم ، لم يطلق في القرآن إلا مع متعلقه كقوله تعالى : { إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ } ، أو بإضافة ذو إلى الصفة المشتق منها كقوله تعالى : { وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ } .

س : ماذا يتضمن اسمه العلي الأعلى وما في معناه كالظاهر والقاهر والمتعال ؟
جـ : يتضمن اسمه الأعلى الصفة المشتق منها ، وهو ثبوت العلو له عز وجل بجميع معانيه ، علو فوقيته تعالى على عرشه عال على جميع خلقه ، بائن منهم ، رقيب عليهم ، يعلم ما هم عليه ، قد أحاط بكل شيء علما ، لا تخفى عليه منهم خافية . وعلو قهره فلا مغالب له ولا منازع ولا مضاد ولا ممانع ، بل كل شيء خاضع لعظمته ، ذليل لعزته ، مستكين لكبريائه ، تحت تصرفه وقهره ، لا خروج له من قبضته . وعلو شأنه ، فجميع صفات الكمال له ثابتة ، وجميع النقائص عنه منتفية ، عز وجل وتبارك وتعالى ، وجميع هذه المعاني للعلو متلازمة لا ينفك معنى منها عن الآخر .

س : هل جميع أنواع التوحيد متلازمة فينافيها كلها ما ينافي نوعا منها ؟
جـ : نعم هي متلازمة ، فمن أشرك في نوع منها فهو مشرك في البقية ، مثال ذلك دعاء غير الله وسؤاله ما لا يقدر عليه إلا الله ، فدعاؤه إياه عبادة بل مخ العبادة ، صرفها لغير الله من دون الله ، فهذا شرك في الإلهية ، وسؤاله إياه تلك الحاجة من جلب خير أو دفع شر معتقدا أنه قادر على قضاء ذلك ، هذا شرك في الربوبية حيث اعتقد أنه متصرف مع الله في ملكوته ، ثم إنه لم يدعه هذا الدعاء من دون الله إلا مع اعتقاده أنه يسمعه على البعد والقرب في أي وقت كان وفي أي مكان ويصرحون بذلك ، وهو شرك في الأسماء والصفات حيث أثبت له سمعا محيطا بجميع المسموعات ، لا يحجبه قرب ولا بعد ، فاستلزم هذا الشرك في الإلهية الشرك في الربوبية والأسماء والصفات .

س : هل صفة الكلام ذاتية أو فعلية ؟
جـ : أما باعتبار تعلق صفة الكلام بذات الله عز وجل واتصافه تعالى بها ، فمن صفات ذاته كعلمه تعالى بل هو من علمه ، وأنزله بعلمه ، وهو أعلم بما ينزل ، وأما باعتبار تكلمه بمشيئته وإرادته فصفة فعل ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : « إذا أراد الله أن يوحي بالأمر تكلم بالوحي » . الحديث - ولهذا قال السلف الصالح رحمهم الله في صفة الكلام : إنها صفة ذات وفعل معا ، فالله سبحانه وتعالى لم يزل ولا يزال متصفا بالكلام أزلا وأبدا وتكلمه وتكليمه بمشيئته وإرادته ، فيتكلم إذا شاء متى شاء وكيف شاء بكلام يسمعه من يشاء وكلامه صفته لا غاية له ولا انتهاء { قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا } ، { وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ } ، { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } .

س : ما جواب من قال : أليس ممكنا في قدرة الله أن يجعل كل عباده مؤمنين مهتدين طائعين مع محبته ذلك منهم شرعا ؟
جـ : بلى هو قادر على ذلك كما قال تعالى : { وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } . الآية ، وقال : { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا } ، وغيرها من الآيات ، ولكن هذا الذي فعله بهم هو مقتضى حكمته وموجب ربوبيته وإلهيته وأسمائه وصفاته ؛ فقول القائل : لم كان من عباده الطائع والعاصي كقول من قال : لم كان من أسمائه الضار النافع ، والمعطي والمانع ، والخافض الرافع ، والمنعم والمنتقم . ونحو ذلك ؛ إذ أفعاله تعالى هي مقتضى أسمائه وآثار صفاته ، فالاعتراض عليه في أفعاله اعتراض عليه في أسمائه وصفاته ، بل وعلى إلهيته وربَوبيته : { فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ }{ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ } .

س : بين كيفية منافاة الكفر الاعتقادي للإيمان بالكلية وفصل لي ما أجملته في إزالته إياه ؟
جـ : قد قدمنا لك أن الإيمان قول وعمل : قول القلب واللسان ، وعمل القلب واللسان والجوارح ، فقول القلب هو : التصديق ، وقول اللسان هو : التكلم بكلمة الإسلام ، وعمل القلب هو : النية والإخلاص ، وعمل الجوارح هو الانقياد بجميع الطاعات ، فإذا زالت جميع هذه الأربعة قول القلب وعمله وقول اللسان وعمل الجوارح زال الإيمان بالكلية ، وإذا زال تصديق القلب لم تنفع البقية فإن تصديق القلب شرط في اعتقادها وكونها نافعة ، وذلك كمن كذب بأسماء الله وصفاته أو بأي شيء مما أرسل الله به رسله وأنزل به كتبه ، وإنزال عمل القلب مع اعتقاد الصدق ، فأهل السنة مجمعون على زوال الإيمان كله بزواله وأنه لا ينفع التصديق مع انتفاء عمل القلب ، وهو محبته وانقياده كما لم ينفع إبليس وفرعون وقومه واليهود والمشركين الذين كانوا يعتقدون صدق الرسول بل ويقرون به سرا وجهرا ويقولون : ليس بكاذب ولكن لا نتبعه ولا نؤمن به .
س : كم أقسام الكفر الأكبر المخرج من الملة ؟
جـ : علم مما قدمناه أنه أربعة أقسام : كفر الجهل والتكذيب ، وكفر جحود ، وكفر عناد واستكبار ، وكفر نفاق .

س : ما هو كفر الجهل والتكذيب ؟
جـ : هو ما كان ظاهرا وباطنا كغالب الكفار من قريش ومن قبلهم من الأمم الذين قال الله تعالى فيهم : { الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } ، وقال تعالى : { وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } ، وقال تعالى : { وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ }{ حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } . الآيات ، وقال تعالى : { بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ } . الآيات، وغيرها.

س : ما هو كفر الجحود ؟
جـ : هو ما كان بكتمان الحق وعدم الانقياد له ظاهرا مع العلم به ومعرفته باطنا ككفر فرعون وقومه بموسى ، وكفر اليهود بمحمد صلى الله عليه وسلم . قال الله تعالى في كفر فرعون وقومه : {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْ هَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا } ، وقال تعالى في اليهود : { فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ } ، وقال تعالى : { وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } .

س: ما هو كفر العناد والاستكبار ؟
جـ : هو ما كان بعدم الانقياد للحق مع الإقرار به ككفر إبليس ؛ إذ يقول الله تعالى فيه : { إِلَّا إِبْلِيسَ أبى واسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ } وهو لم يمكنه جحود أمر الله بالسجود ولا إنكاره ، وإنما اعترض عليه وطعن في حكمه الآمر به وعدله وقال : { أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا } ، وقال : { لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ } ، وقال : { أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}.

س : ما هو كفر النفاق ؟
جـ : هو ما كان بعدم تصديق القلب وعمله مع الانقياد ظاهرا رئاء الناس ، ككفر ابن سلول وحزبه الذين قال الله تعالى فيهم : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ }{ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ } {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } إلى قوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } . وغيرها من الآيات .
س : ما هو الكفر العملي الذي لا يخرج من الملة ؟
جـ : هو كل معصية أطلق عليها الشارع اسم الكفر مع بقاء اسم الإيمان على عامله ، كقول النبي صلى الله عليه وسلم : « لا ترجعوا بعدي كفارا ، يضرب بعضكم رقاب بعض » ، وقوله صلى الله عليه وسلم : « سباب المسلم فسوق وقتاله كفر » " فأطلق صلى الله عليه وسلم على قتال المسلمين بعضهم بعضا أنه كفر ، وسمى من يفعل ذلك كفارا ، مع قول الله تعالى : { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا } إلى قوله : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ } . فأثبت الله تعالى لهم الإيمان وأخوة الإيمان ولم ينف عنهم شيئا من ذلك . وقال تعالى في آية القصاص : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ } . فأثبت تعالى له أخوة الإسلام ولم ينفها عنه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : « لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن والتوبة معروضة بعد » . زاد في رواية : « ولا يقتل وهو مؤمن - وفي رواية - ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها أبصارهم ».الحديث في الصحيحين مع حديث أبي ذر فيهما أيضا ، قال صلى الله عليه وسلم : « ما من عبد قال لا إله إلا الله ، ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة " قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : " وإن زنى وإن سرق ثلاثا ، ثم قال في الرابعة : " على رغم أنف أبي ذر » . فهذا يدل على أنه لم ينف عن الزاني والسارق والشارب والقاتل مطلق الإيمان بالكلية مع التوحيد فإنه لو أراد ذلك لم يخبر بأن من مات على لا إله إلا الله دخل الجنة وإن فعل تلك المعاصي ، فلن يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة ، وإنما أراد بذلك نقص الإيمان ونفي كماله ، وإنما يكفر العبد بتلك المعاصي مع استحلاله إياها المستلزم لتكذيب الكتاب والرسول في تحريمها بل يكفر باعتقاد حلها وإن لم يفعلها ، والله سبحانه وتعالى أعلم .

س : إذا قيل لنا : هل السجود للصنم والاستهانة بالكتاب وسب الرسول والهزل بالدين ونحو ذلك هذا كله من الكفر العملي فيما يظهر ، فلم كان مخرجا من الدين وقد عرفتم الكفر الأصغر بالعملي ؟
جـ : اعلم أن هذه الأربعة وما شاكلها ليس هي من الكفر العملي إلا من جهة كونها واقعة بعمل الجوارح فيما يظهر للناس ولكنها لا تقع إلا مع ذهاب عمل القلب من نيته وإخلاصه ومحبته وانقياده ، لا يبقى معها شيء من ذلك ، فهي وإن كانت عملية في الظاهر فإنها مستلزمة للكفر الاعتقادي ولا بد ، ولم تكن هذه لتقع إلا من منافق مارق أو معاند مارد ، وهل حمل المنافقين في غزوة تبوك على أن { قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا } إلا ذلك مع قولهم لما سئلوا : { إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ } . قال الله تعالى : { قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ }{ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } . ونحن لم نعرف الكفر الأصغر بالعملي مطلقا ، بل بالعملي المحض الذي لم يستلزم الاعتقاد ولم يناقض قول القلب ولا عمله .

س : ما هي البدع المكفرة ؟
جـ : هي كثيرة وضابطها من أنكر أمرا مجمعا عليه متواترا من الشرع معلوما من الدين بالضرورة ؛ لأن ذلك تكذيب بالكتاب ، وبما أرسل الله به رسله كبدعة الجهمية في إنكار صفات الله عز وجل ، والقول بخلق القرآن أو خلق أي صفة من صفات الله عز وجل ، وإنكار أن يكون الله اتخذ إبراهيم خليلا ، وكلم موسى تكليما وغير ذلك ، وكبدعة القدرية في إنكار علم الله وأفعاله وقضائه وقدره ، وكبدعة المجسمة الذين يشبهون الله تعالى بخلقه وغير ذلك من الأهواء ، ولكن هؤلاء منهم من علم أن عين قصده هدم قواعد الدين وتشكيك أهله فيه فهذا مقطوع بكفره بل هو أجنبي عن الدين من أعدى عدو له ، وآخرون مغرورون ملبس عليهم فهؤلاء إنما يحكم بكفرهم بعد إقامة الحجة عليهم ، وإلزامهم بها .
س : ما هي البدعة التي هي غير مكفرة ؟
جـ : هي ما لم تكن كذلك مما لم يلزم منه تكذيب بالكتاب ولا بشيء بما أرسل الله به رسله ، كبدعة المروانية التي أنكرها عليهم فضلاء الصحابة ولم يقروهم عليها ، ولم يكفروهم بشيء منها ولم ينزعوا يدا من بيعتهم لأجلها كتأخيرهم بعض الصلوات إلى أواخر أوقاتها ، وتقديمهم الخطبة قبل صلاة العيد ، والجلوس في نفس الخطبة في الجمعة وغيرها ، وسبهم بعض كبار الصحابة على المنابر ، ونحو ذلك مما لم يكن منهم عن اعتقاد شرعية بل بنوع تأويل وشهوات نفسانية وأغراض دنيوية .

س : من أفضل الصحابة إجمالا ؟
جـ : أفضلهم السابقون الأولون من المهاجرين ، ثم منِ الأنصار ، ثم أهل بدر ، فأحد ، فبيعة الرضوان ، فمن بعدهم ، ثم { مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى } .
انتهى ما اخترته من كلام الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله تعالى .
انتقاه أبو معاوية غالب الساقي المشرف على موقع روضة السلفيين www.salafien.com