السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنقل اليكم من كتاب صفات الله عز وجل الواردة فى الكتاب والسنة
تأليف
علوي بن عبد القادر السَّقَّاف
السَّاقُ
صفةٌ من صفات الذات الخبريَّة ، ثابتةٌ لله تعالى بالكتاب وصريحِ السنة الصحيحية.
الدليل من الكتاب :
…قوله تعالى : { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ } [القلم : 42 ].
الدليل من السنة :
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : (( ... فيكشف عن ساقه ، فيسجد له كل مؤمن)) . رواه : البخاري (7439) واللفظ له ، ومسلم (183).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في ((نقض أساس التقديس)) (ورقة 261) : ((الوجه السادس : أنه من أين في ظاهر القرآن [أنَّ] لله ساقاً وليس معه إلا قوله: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ } ، والصحابة قد تنازعوا في تفسير الآية ؛ هل المراد به الكشف عن الشِّدَّة ، أو المراد به أنه يكشف الرب عن ساقه ؟ ولم تتنازع الصحابة والتابعون فيما يذكر من آياتِ الصفات إلا في هذه الآية ؛ بخلاف قوله: { لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } ، { وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ } … ونحو ذلك ؛ فإنه لم يتنازع فيها الصحابة والتابعون ، وذلك أنه ليس في ظاهر القرآن أنَّ ذلك صفة لله تعالى ؛ لأنه قال : { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ } ، ولم يقل : عن ساق الله ، ولا قال : يكشف الرب عن ساقه ، وإنما ذكر ساقاً نكرة غير معرفة ولا مضافة ، وهذا اللفظ بمجرده لا يدل على أنها ساق الله ، والذين جعلوا ذلك من صفات الله تعالى أثبتوه بالحديث الصحيح المفسر للقرآن ، وهو حديث أبي سعيد الخدري المخرج في ((الصحيحين))، الذي قال فيه((فيكشف الرب عن ساقه)) ، وقد يقال : إنَّ ظاهر القرآن يدل على ذلك من جهة أنه أخبر أنه يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود ، والسجود لا يصلح إلا لله ، فعلم أنه هو الكاشف عن ساقه. وأيضاً فحمل ذلك على الشِّدَّة لا يصح ، لأن المستعمل في الشِّدَّة أن يقال : كشف الله الشِّدَّة ، أي : أزالها ، كما قال : { فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ } ، وقال : { فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ العَذَابَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ } ، وقال : { وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } ، وإذا كان المعروف من ذلك في اللغة أن يقال : كشف الشِّدَّة ؛ أي : أزالها ؛ فلفظ الآية : { يكشف عن ساق } ، وهذا يراد به الإظهار والإبانة؛ كما قال : { كشفنا عنهم } وأيضاً فهناك تحدث الشِّدَّة لا يزيلها ، فلا يكشف الشِّدَّة يوم القيامة ، لكن هذا الظاهر ليس ظاهراً من مجرد لفظة { ساق } ، بل بالتركيب والسياق وتدبر المعنى المقصود))اهـ.
ولتلميذه ابن القيم في ((الصواعق المرسلة)) (1/252) كلام شبيه بهذا ، قال رحمه الله : ((الثامن : أن نقول من أين في ظاهر القرآن أنَّ لله ساقاً ؟ وليس معك إلا قوله تعالى : { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ } [القلم : 42] ، والصحابة متنازعون في تفسير الآية ؛ هل المراد الكشف عن الشِّدَّة ، أو المراد بها أنَّ الرب تعالى يكشف عن ساقه؟ ولا يحفظ عن الصحابة والتابعين نزاع فيما يذكر أنه من الصفات أم لا في غير هذا الموضع ، وليس في ظاهر القرآن ما يدل على أنَّ ذلك صفة الله ؛ لأنه سبحانه لم يضف الساق إليه ، وإنما ذكره مجرداً عن الإضافة منكراً ، والذين أثبتوا ذلك صفة كاليدين والإصبع لم يأخذوا ذلك من ظاهر القرآن ، وإنما أثبتوه بحديث أبي سعيد الخدري المتفق على صحته ، وهو حديث الشفاعة الطويل ، وفيه : ((فيكشف الرب عن ساقه ، فيخرون له سُجَّداً)) ، ومن حمل الآية على ذلك؛ قال : قوله تعالى : { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ } [القلم : 42] : مطابق لقوله صلى الله عليه وسلم : ((فيكشف عن ساقه، فيخرون له سجداً)) وتنكيره للتعظيم والتفخيم ، كأنه قال : يكشف عن ساق عظيمة ؛ جلت عظمتها ، وتعالى شأنها أن يكون لها نظير أو مثيل أو شبيه. قالوا : وحمل الآية على الشِّدَّة لا يصح بوجه، فإن لغة القوم في مثل ذلك أن يقال: كُشِفَتِ الشِّدَّة عن القوم ، لا كُشِف عنها ، كما قال الله تعالى : { فَلَمَّا كشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ } [الزخرف : 50] ، وقال : { وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ } [المؤمنون : 75] ؛ فالعذاب و الشِّدَّة هو المكشوف لا المكشوف عنه ، وأيضاً فهناك تحدث الشِّدَّة وتشتد ولا تزال إلا بدخول الجنة ، وهناك لا يدعون إلى السجود ، وإنما يدعون إليه أشد ما كانت الشِّدَّة))اهـ.
قلتُ : ليس مقصود الإمامين الجليلين أنَّ الصحابة اختلفوا في إثبات صفة
السَّاق لله عَزَّ وجَلَّ مع ورودها صراحةً في حديث أبي سعيد المتقدم ،بل
مقصودهما أنهم اختلفوا في تفسير الآية ؛ هل المراد بها الكشف عن الشِّدَّة ، أو المراد الكشف عن ساق الله؟ والله أعلم.