تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: تحقيق القول في موقف الشهرستاني من الشيعة والباطنية

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    960

    افتراضي تحقيق القول في موقف الشهرستاني من الشيعة والباطنية

    بسم الله الرحمن الرحيم

    لعل بعض طلبة العلم قد قرأ قول شيخ الإسلام عن الشهرستاني صاحب كتاب " الملل والنِحل " في رده على الرافضي ، قال :
    "أما قوله إن الشهرستاني من أشد المتعصبين على الإمامية. فليس كذلك، بل يميل كثيراً إلى أشياء من أمورهم، بل يذكر أحياناً أشياء من كلام الإسماعيلية الباطنية منهم ويوجهه ولذا اتهمه الناس بأنه من الإسماعيلية، وإن لم يكن الأمر كذلك، وقد ذكر من التهمه شواهد من كلامه وسيرته، وقد يقال: هو مع الشيعة بوجه، ومع أصحاب الأشعري بوجه... وبالجملة فالشهرستاني يظهر الميل إلى الشيعة إما بباطنه وإما مداهنة لهم...". ( منهاج السنة 6/306) .
    ومن قرأ كتاب " الملل والنِحل " لا يتبين له بوضوح ماذكره شيخ الإسلام .
    وقد وجدتُ الأخ الكريم محمد بن ناصر السحيباني – وفقه الله – قد حقق هذه المسألة في رسالته للماجستير : " منهج الشهرستاني في كتابه الملل والنِحل – عرض وتقويم " ، فأحببتُ نقله للإخوة الكرام :
    ذكر المبحث الرابع : ( اتهامه بالميل إلى الفلاسفة الباطنية ) : ونقل عمن نسبه .
    ثم قال ( ص 82-83) :المطلب الثاني : ميله إلى الفلاسفة ونصرة مذاهبهم والذب عنها.
    أولاً: المؤلف –كما سبق- اشتغل بعلم الكلام والفلسفة وما يتعلق بهما، ووجه نشاطه، وأفرغ جهده في ذلك، تعلماً وتحصيلاً، ومن ثم تعليماً وتلقيناً للناس، مع إهمال العلوم الشرعية –التي اشتغل بتحصيلها في أول عمره كما يظهر من أقواله- سواء تحصيلاً أو تعليماً. ومؤلفاته شاهدة بذلك – كما سبق ذكرها-؛ إذ تكاد تخلو من مؤلف في العلوم الشرعية، إذا ما استثنينا علم التفسير، الذي لم يسلم من ذلك ، بل تضمن مسائل وأصولاً باطنية- كما سيأتي بيانه.
    ثانياً: حديث المؤلف عن الفلاسفة: فقد توسع في الحديث عنهم، وفصّل القول في جوانب من آرائهم وحكمهم، وكذلك سعى في إظهارهم بصورة مقبولة وحسنة أمام الناس، وذلك بإضفاء صبغة التوحيد، والإيمان بوجود الله عز وجل عليهم؛ إذ تحدث عنهم بصورة الموحدين المقرين بالله عز وجل كما في كتابه الملل والنحل وهذا خلاف ما عرف واشتهر عنهم من الوثنية والشرك والإلحاد.
    ثالثاً: إن كثرة إطلاع المؤلف، وكثرة حديثه عنهم والخوض في آرائهم فيه دلالة على الميل إليهم أو الاستئناس بذكرهم، وخاصة إذا كان على الصورة السابقة.
    إضافة إلى موافقته –كغيره من المتكلمين- للفلاسفة في بعض المسائل والآراء، بل إن المنهج الذي سار عليه في مؤلفاته ومناقشته مستمد من أولئك، وهو تقديم الجانب العقلي على الجانب الشرعي في المسائل والآراء التي يوردها.
    إلا أن ذلك لا يعني أن المؤلف أصبح كأحدهم أو من في حكمهم، فهو مع تأثره بهم إلا أنه انتقد أكثر آرائهم ورد عليهم في مواضع من كتبه، فهو لم يخرج عن كونه أحد المتكلمين من الأشاعرة " .
    ثم قال ( ص 86-87) :
    " إن المتأمل في كتاب الملل والنحل والمستعرض لما تضمنه يلحظ في ثنايا عرض المؤلف بعض الأفكار التي تشعر بميله إلى بعض مبادئ وأفكار الرافضة، ومن جملة ذلك ما يلي:
    1-حديثه عن الخلافات التي وقعت بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقوله بعد ذكره ما حصل في عهد علي -رضي الله عنه- وقد خصه بذلك دون الخلفاء الثلاثة: "وفي الجملة كان علي –رضي الله عنه- مع الحق والحق معه" وذكرها أيضاً في موضع آخر.
    2-إطراؤه بعض أئمة آل البيت، ومبالغته في ذلك: كمحمد بن الحنفية، وجعفر الصادق في غير موضع، ووصفهما بصفات أعلى من صفات البشرية.
    3-ميله للقول بالوصية والإمامة، وأن بعضها مستقر، وبعضها مستودع، في أكثر من موضع،
    4-قوله بمسألة النور الخفي، وتقريرها بمنحى باطني.
    5-إطراؤه الشديد وثناؤه على آباء الرسول صلى الله عليه وسلم وخاصة عبدالمطلب، وغير ذلك.
    إن المتأمل في تلك المواضع يلحظ تأثر المؤلف بالتشيع، والتأثر محصور في ميله إلى بعض أفكار الرافضة في آل البيت؛ من محبتهم والغلو فيهم، حيث حكى بعض ما قاله أولئك الرافضة عن آل البيت، المتضمن الغلو فيهم، ورفعهم فوق مرتبتهم ومنـزلتهم البشرية.
    وقد يقول قائل: إن هذه الإشارات والأمثلة يسيرة، ولا تدل دلالة صريحة وقطعية على ميل المؤلف إلى الفكر الباطني أو التأثر به.
    فيجاب بأن هذا الالتماس حسن ومقبول، لو لم تقم أدلة غير تلك، بيد أن هناك شواهد وأدلة أخرى تؤكد هذا الاتهام وتوثقه، وهي ما أورده في كتابه "مفاتيح الأسرار ومصابيح الأبرار"، حيث تضمن –معظمه- أفكاراً باطنية وآراء رافضية، أكثر وضوحاً وصراحة مما جاء في كتاب الملل؛ مما يؤكد تأثر المؤلف وجنوحه إلى الأفكار والمبادئ الباطنية. وهذا ما سيتضح فيما يلي إن شاء الله ".
    ثم قال بعد استعراضه الكتاب (ص 99 ) :
    " فمن خلال استعراض الكتاب نجد الأدلة الواضحة، والبراهين الظاهرة الدالة على تأثر المؤلف التأثر الواضح، والميل الظاهر إلى طائفة الرافضة، حيث حشد المؤلف في التفسير أقوالاً كثيرة جداً، وآراء كثيرة مما تقول به وتعتقده تلك الطائفة.
    فالتفسير تضمن جانبين:
    الأول: التفسير الظاهر وهو ما ذكره المفسرون من أهل السنة على اختلافهم، وهذا الجانب يذكر فيه ما يتعلق بالآية من حيث اللغة، والنحو، والتفسير، والمعاني.
    الثاني: التفسير الباطني ومعظمه منسوب إلى آل البيت –كما زعم- حيث ضمنه أقوالاً كثيرة لأهل الرفض والتشيع، وهذا الجانب يذكر فيه الأسرار والمعاني المتعلقة بالآية. ويأتي هذا التفسير عقب التفسير الظاهر للآية دائماً، حيث يختم المؤلف حديثه عن الآية المفسرة بذكر تلك الأسرار ".
    ثم قال ( ص 100- 114 ) :
    " ثانيا- أمثلة لما تضمنه الكتاب من الآراء والمسائل الباطنية : ومن جملة الآراء والمسائل التي تضمنها الكتاب ما يلي:
    أولاً: قوله بوجود مصحف علي كما تزعم الرافضة.
    أولاً: دعوى أن علياً هو أولى الصحابة بجمع القرآن.
    ثانياً: لمز الصحابة رضوان الله عليهم خاصة، وأهل السنة عامة.
    رابعاً: أثار شبهات حول جمع القرآن وكتابته وذلك بإيراد الروايات الضعيفة في ذلك، ومنها:
    أ*-ما روي عن عثمان أنه قال: إن فيه لحنا وستقيمه العرب.
    ب- ما روي عن ابن عباس قوله: إن الكاتب كتبه وهو ناعس.
    خامساً: تأول حفظ الله تعالى للقرآن تأويلاً باطلاً.
    سادساً: ذكر دعوى خطيرة وهي: عدم استبعاد وجود نسختين للقرآن لا تختلفان اختلاف التضاد، وكلاهما كلام الله –عز وجل-. قياساً على التوراة والإنجيل على حد زعمه ودعواه.
    ثانياً: زعمه اختصاص آل البيت بشيء من العلوم
    ثالثاً: قوله بالوصية والإمامة.
    رابعاً: القول بتقديم علي –رضي الله عنه- على غيره من الصحابة، وأنه أحق بالإمامة منهم.
    خامساً: تفسيره للآيات تفسيراً باطنيا.
    ومما يؤيد وجود النـزعة الباطنية لدى المؤلف –إضافة إلى ما في هذا الكتاب- الأمور التالية:
    1-تضمن كتابه "مجلس الخلق والأمر" علامات باطنية، حسب ما يذكره محمد تقي دانش كما في قوله: "وفي أيدينا الآن مجلس من هذه المجالس، ويقال: أنها كانت مثار ضجة حتى إنها كانت تثير دواراً في الرأس "حركة باطنية في الفكر" وإثارتها هذه الحركة –كما يذكرون- بسبب ظهور علامات باطنية إسماعيلية فيها...".
    2-تفسيره سورة يوسف كما ذكر ذلك شيخ الإسلام في قوله: "وقد قيل: إنه صنف تفسيره سورة يوسف على مذهب الإسماعيلية: ملاحدة الشيعة، وإما ملاحدة الباطنية المنسوبين إلى الصوفية".
    3-صلته الوثيقة بأعيان وكبار الشيعة، فكما سبق كان من المقربين لنقيب ترمذ أبي القاسم، وقد أهدى إليه كتابيه "الملل والنحل" و"مصارعة الفلاسفة".
    4-وجود بعض الأفكار في كتابه الملل والنحل، كما سبقت الإشارة إليها.
    5-ما تقدم من أقوال بعض المعاصرين له، والعلماء؛ من اتهامه بذلك.
    6-هذا ما يتصل بما يؤيد صحة تلك التهمة الموجهة إلى المؤلف.
    ومع ذلك كله فقد ورد في بعض كتبه ما يعارض ما ذكر ويناقضه، كما سيتضح فيما يأتي ".
    ثم ذكر ما يُعارض التهمة السابقة ، ومنه ( ص 116 – 122 ) :
    " -موقف المؤلف من الرافضة:
    تعرض المؤلف في كتابه نهاية الإقدام إلى بعض آراء الرافضة وأبطل معظم ما ذكره عنهم ورد عليهم، مما يدل على عدم ميل المؤلف إلى شيء من آرائهم وأفكارهم، وخاصة فيما يتعلق بالإمامة، والقول بتعيين إمامة علي بالنص، كما سيأتي بيانه.
    1-بيانه براءة أئمة أهل البيت –وخاصة جعفر الصادق- من خصائص مذاهب الشيعة وحماقاتهم.
    2-نقد المؤلف بعض عقائدهم، وبين معارضتها، ومخالفتها لما ثبت في الكتاب والسنة وكذلك العقل: كالطعن في الصحابة، وغيبة المهدي، وغير ذلك.
    3-بيانه أنهم وقعوا في غلو وتقصير فيما يجب لله تعالى من حقوق وصفات، بل وأن غلاتهم اقتبسوا آراءهم وأفكارهم من أديان ومذاهب باطلة.
    4-بيان حيرتهم في أصل المسائل وأعظمها –لديهم- وهي "الإمامة" فهم، مختلفون ومتحيرون في سوقها وخاصة بعد جعفر الصادق.
    5-بيان اختلافهم الشديد وتفرقهم في أصول المسائل حتى أصبحوا –كما يذكر- ما بين معتزلة وعيدية أو تفضيلية، وإخبارية: مشبهة أو سلفية. ثم قال عقب ذلك: "ومن ضل في الطريق وتاه، لم يبال الله في أي واد أهلكه".
    هذا ما يتعلق بالإمامية، أما سائر فرق الشيعة الأخرى، فهي لا تقل عما ذكره عن الإمامية، إذ إن عباراته قاسية، وأوصافه لبعضهم جارحة، بل نص على أن تشويش الدين ، وفتنة الناس مقصورة على الباطنية منهم، كما في قوله "لقد كان في كل أمة من الأمم قوم مثل الإباحية والزنادقة، والقرامطة، كان تشويش ذلك الدين منهم، وفتنة الناس مقصورة عليهم"، وذكر أن من ألقاب الإسماعيلية: الباطنية، والقرامطة والمزدكية.
    وقد بيّن المؤلف في كتابه الملل بطلان عقائد الباطنية وانتقد آراءها، وذكر أنها تخالف الاثنتين والسبعين فرقة.
    -كلام المؤلف في الصحابة رضي الله عنهم:
    تقدم بعض أقوال المؤلف التي تبين أنه أنكر على الشيعة موقفهم من الصحابة من الطعن فيهم، والقدح في عدالتهم. واستنكر أن يستجيز ذو دين الطعن فيهم، ونسبة الكفر إليهم، ورد على ما أثاروه من شبهات نحوهم، وبين أنها افتراءات وترهات لا يصلح أن تُشحن بها الكتب، أو يجري بها القلم، حيث قال: "واعلم أنه لا شبه في المسألة إلا ما ذكرناه. وما تذكره الإمامية من سوء القول في الصحابة -رضي الله عنهم- وافتراء الأحاديث على الرسول، فكل ذلك ترهات لا يصلح أن تشحن بها الكتب، أو يجري بها القلم"، بل ذكر أن ما روي عن الصحابة مما يقدح في عدالتهم، ويطعن فيهم؛ إنما هو كذب وافتراء عليهم، من قبل الرافضة، ونبّه القارئ إلى تدبر النقل والتأكد في ذلك.
    -كلام المؤلف في القرآن الكريم:
    تحدث المؤلف في كتابه نهاية الإقدام عن القرآن وذكر أنه الدليل على صدق النبي صلى الله عليه وسلم. وبين إعجازه سواء من حيث لفظه أو معناه، فمن حيث اللفظ: بلاغته، ونظمه، وفصاحته، والتحدي بالإتيان بمثله بل بسورة من مثله. ومن حيث المعنى: فما اشتمل عليه القرآن من غرائب الحكم، وبدائع المعاني، دليل على إعجازه. ومع توسعه في الحديث عن القرآن فلم يتضمن أي إشارة مما ذكره في التفسير عن مصحف علي أو ما أثير حول جمع القرآن مما يقدح فيه، ونحو ذلك " .
    ثم قال ( ص 123-124) :

    " الخلاصة: وأخيراً بعد دراسة ما يتعلق بالتهمة الموجهة إلى المؤلف من الميل إلى الباطنية من كلا الجانبين –أي ما يؤيدها أو يعارضها- نخلص من ذلك بالقول: إن حال المؤلف تجاه ما ذكره لا يخلو من:
    1-وجود التناقض والاضطراب في مواقفه وآرائه، وعدم استقراره على مذهب أو رأي معين ؛ فيذكر في كتاب ما يناقض ما ذكره في كتاب آخر، ونحو ذلك. وهذه سمة معظم المتكلمين والمتفلسفين.
    2-أن ما كتبه المؤلف في التفسير لم يكن عن اعتقاد وتصديق وإنما مداهنة وتزلفاً للرافضة، ولعله لأحد كبارهم وهو نقيب ترمذ الذي أهدى له كتابه الملل والنحل –كما سبق بيانه- وهذا الوجه أشار إليه شيخ الإسلام –رحمه الله تعالى- بقوله: "وبالجملة فالشهرستاني يظهر الميل إلى الشيعة، إما بباطنه، وإما مداهنة لهم، فإن هذا الكتاب –كتاب الملل والنحل- صنف لرئيس من رؤسائهم، وكانت له ولاية ديوانية، وكان للشهرستاني مقصود في استعطافه له. وكذلك صنف له كتاب "المصارعة" بينه وبين ابن سينا لميله إلى التشيع والفلسفة، وأحسن أحواله أن يكون من الشيعة، إن لم يكن من الإسماعيلية، أعني المصنف له، ولهذا تحامل فيه للشيعة تحاملاً بيناً...".
    3-رجوع المؤلف واستقراره على أحد المذهبين. ولا يمكن معرفة أي المذهبين إلا بمعرفة المتأخر من الكتب. وكما سبق فكتاب الملل لا إشكال فيه، فهو متقدم تأليفاً على كتابي: "نهاية الإقدام"، و"مفاتيح الأسرار"، بدليل الإحالة عليه في كلا الكتابين.
    أما التفسير ونهاية الإقدام فلم أطلع على ما يدل على المتقدم منهما، ولذا لا يمكن الجزم في هذا الأمر.
    إلا أنه قد يلتمس بعض أوجه الاحتمالات التي قد تدل على تأخير كتاب "نهاية الإقدام" عن كتاب "مفاتيح الأسرار" تأليفاً. ومن تلك الأوجه:
    أ*-أن المؤلف في أول كتاب نهاية الإقدام –كما تقدم - أنشد:
    لقد طفت في تلك المعاهد كلها
    وسيرت طرفي بين تلك المعالم
    فلم أر إلا واضعاً كف حائـر
    على ذقن أو قارعاً سن نـادم
    فالبيتان تضمنا ما يدل على تطوفه على المعاهد كلها، وندمه على ما مضى من عمره، ولعل من جملة تلك المعاهد التي طاف بها "الباطنية" التي كان لها أثر ظاهر في بعض كتبه ؛ كالتفسير.
    ب - أن المؤلف كان مقرباً لدى نقيب ترمذ –وهو رافضي- الذي ألف له كتابي الملل والمصارعة. ولا يستبعد أن يتبع الكتابين بكتاب مفاتيح الأسرار سواء كان ببادرة منه، أو بطلب من ذلك النقيب.
    أما نهاية الإقدام، فقد كتبه بعد بُعده عن ذلك النقيب، في آخر عمره بعد تطوافه بالمعاهد كلها وإعلان حيرته وندمه على ما سلف من عمره.
    هذه هي الأوجه المحتملة لحال المؤلف، ولا يمكن القطع بأحدها والأخذ به؛ إذ لا دليل على ذلك -فيما أعلم- إلا أن الاحتمال الثالث هو أقوى الاحتمالات وأرجحها - فيما ظهر لي- لما تقدم بيانه والله أعلم ".

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Dec 2006
    المشاركات
    304

    افتراضي رد: تحقيق القول في موقف الشهرستاني من الشيعة والباطنية

    الشهرستاني وكتابه : الملل والنحل
    فضيلة الدكتور عبدالعزيز بن محمد العبد اللطيف

    مجلة البيان – العدد 30 - ذو الحجة 1410 هـ

    في هذه الدراسة المختصرة ، سأتحدث عن أحد الأعلام البــارزين الذين كان لهم دور ظاهر في تدوين مقالات الفرق والمذاهب ســـواء كـانـت إســلامـيـة أو غـيـر إسلامية، فكان كتابه موسوعة موجزة ومرتبة للكثير من الآراء والمعتقدات للفرق الإسلامية وغيرها.
    هذا العَلَم هــو: أبــو الفـتـح محـمــد بن عبد الكريم المعروف بالشهرستاني (ت 548هـ)، وكتابه: هو " الملل والنحل ".

    ولعل من المناسب أن أشير إلى أهمية دراسة شخصية الشهرستاني ، وكتابه الملل والنِّحل، فالشهرستاني - فيما هو مشهور ومـعـلـوم عـند الكثير من الدارسين - أحد شيوخ الكلام ، وواحد من علماء الأشاعرة ، وله دراية وخبرة بمقالات الفرق والملل والنِّحل ، ولكن هناك جوانب مهمة عن الشهرستاني قد تخفى على بعض الدارسين،كاتهام ه بالميل إلى الباطنية، أو القول بتشيعه ، ولعلنا نلقي بعض الضوء على هذه القضية.

    وأما كتابه " الملل والنحل " فهو مرجع مشهور، ومصدر متداول بين أيدي الباحثين، وقد ترجم إلى عدة لغات ؛ ومع ذلك فلا توجد دراسة علمية مطبوعة (1)-فيما أعلم- تتحدث عن منهج الشهرستاني في هذا الكتاب المهم ، وتبين مصادره ، وتوضح مزاياه ، كما تذكر المآخذ عليه.
    ولد الشهرستاني سنة 479 هـ ببلدة شهرستان في أقليم خراسان ، وهو - كما يقول الذهبي -: " شيخ أهل الكلام والحكمة، وصاحب التصانيف "(2)، برع في الفقه ، والأصول ، والكلام ، تفقه على أحمد الخوافي، أخذ الأصول والكلام على أبى نصر بن القشيري ، ودخل بغداد سنة 510هـ ، وتوفي بمسقط رأسه سنة 548 هجرية.

    ألف الشهرستاني تصانيف تصل إلى تسعة وعشرين كتاباً، منها المطبوع ، والمخطوط، والمفقود.
    ومن كتبه المطبوعة:
    الملل والنحل ، ونهاية الإقدام في علم الكلام ، ومصارعة الفلاسفة. ومن كتبه المخطوطة : رسالة في اعتراضات الشهرستاني على كلام ابن سينا، والمناهج في علم الكلام ، وقصة يوسف-عليه السلام- (3)، وغيرها.

    ومن كتبه المفقودة :
    مناظرات مع الإسماعيلية، وتاريخ الحكماء و غيرهما(4).
    والآن - أخي القارئ -:
    أنقل لك بعض أقوال أهل العلم الذين اتهموا الشهرستاني بالميل إلى الإسماعيلية الباطنية.
    قال ابن السمعاني : كان الشهرستاني متهماً بالميل إلى أهل القلاع - يعني: الإسماعيلية- والدعوة إليهم، والنصرة لطاماتهم.
    وقال في "التحبير": إنه متهم بالإلحاد، غال في التشيع.
    وقال ابن أرسلان في "تاريخ خوارزم" عن الشهرستاني: عالم ، كيِّس ، متفنن ، ولولا ميله إلى أهل الإلحاد وتخبطه لكان هو الإمام (5).

    ونقل صاحب "شذرات الذهب" عن كتابه "العبر": أنه اتهم بمذهب الباطنية(6).

    وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيميه شيئاً من ذلك ، ولكن بصيغة " تمريضية " فقال رحمه الله: " وقد قيل: إنه صنف تفسيره "سورة يوسف" على مذهب الإسماعيلية -ملاحدةِ الشيعة- (7).

    وفي المقابل نجد علماء ينفون هذه الدعوى عن الشهرستاني ، فهذا السبكي يدافع عن الشهرستاني فيقول بعد أن ذكر أقوال من اتهم الشهرستاني بالميل إلى الباطنية :
    "فأما (الذيل)(8) فلا شيء فيه من ذلك ، وإنما ذلك في (التحبير)"(8)، وما أدري من أين ذلك لابن السمعاني؟ ، ويقع أن هذا دُس على ابن السمعاني في كتابه (التحبير)، وإلا فلم لم يذكره في (الذيل)؟"(9).

    وينفي شيخ الإسلام - في موضع آخر - هذه التهمة عن الشهرستاني فيقول :
    " يذكر (الشهرستاني) أشياء من كلام الإسماعيلية الباطنية، ويوجهه ، ولهذا اتهمه بعض الناس بأنه من إلإسماعيلية، وإن لم يكن الأمر كذلك "(10).
    ومما يؤكد ذلك أن الشهرستاني صنف في ذكر فضائح الباطنية (11)، كما أن للشهرستاني صولات وجولات مع ابن سينا الفيلسوف الباطنى، يقول ابن القيم :
    " وصارع محمد الشهرستاني ابن سينا في كتاب سماه (المصارعة) ، أبطل فيه قوله بقدم العالم ، وإنكار المعاد، ونفي علم الرب تعالى وقدرته وخلقه العالم " (12).

    وإضافة إلى ذلك ، فقد تحدث الشهرستاني عن الباطنية، وذكر شيئاً من مقالاتهم (13)،ولكن كان الواجب على الشهرستاني أن يكشف عن معتقدات الباطنية، ويبين إلحادهم وزندقتهم وكيدهم لأهل الإسلام ، كما فعل سلفه عبد القاهر البغدادي في (الفرق بين الفرق) (14) ، وغيره.

    ونقف وقفة يسيرة أمام هذه الأقوال المتعارضة، لنقول :
    إنه يمكن أن نعزو رمي واتهام الشهرستاني بالإسماعيلية إلى جملة أسباب تتعلق بشخصه، منها:
    أن الشهرستاني -وللأسف - مع كثرة اطلاعه ومعرفته للمذاهب والفرق الإسلامية، فإنه كان جاهلاً بمذهب السلف الصالح ، فلا يعلم معتقد أهل الحديث ، وقد ذكر ذلك شيخ الإسلام في غير موضعٍ ، فقال :
    "فالشهرستاني صنف (الملل والنحل) ، وذكر فيها من مقالات الأمم ما شاء الله ، والقول المعروف عن السلف والأئمة لم يعرفه ، ولم يذكره "(15).
    ولقد ورَّثت هذه المعرفة الواسعة للمذاهب المختلفة صاحبنا-مع الجهل بمذهب السلف الصالح - حيرةً واضطراباً، عبر عنها بهذين البيتين من الشعر ، فقال :

    لعمري لقد طفت المعاهد كلها وسيرت طرفي بين تلك المعالم

    فلم أر إلا واضعاً كـف حــائرٍ عـلى ذقنٍ أو قارعاً سن نادم (16)

    وتتمثل هذه الحيرة وعدم الاستقرار على مذهب ما، ما نلاحظه في الشهرستاني من موافقة للأشاعرة، ومن ميل للإسماعيلية مرة أخرى، وإظهار التشيع (17) مرة ثالثة، وربما تأثر بفلسفة أو تصوف.

    وسبب آخر جعل بعض العلماء يتهم الشهرستاني بالباطنية، وهو ما أشار إليه ابن حجر -رحمه الله-حيث قال معقباً على ما ذكر من وقوع الشهرستاني في ذلك :

    "لعله كان يبدو من ذلك على طريق الجدل ، أو كان قلبه أُشرب محبة مقالتهم لكثرة نظره فيها، والله أعلم "(18). -

    إذن فإلحاح الشهرستاني وإمعانه في مناظرة الإسماعيلية، وكثرة جداله معهم ، ربما كان سبباً في رميه بالباطنية لتأثره بتلك المناظرات ، وقد صرح الشهرستاني بكثرة مناظراته للإسماعيلية ، فقال : " وكم قد ناظرت القوم على المقدمات المذكورة، فلم يتخطوا عن قولهم : أفنحتاج إليك؟ أو نسمع هذا منك؟ أو نتعلم عنك؟ "(19).

    وعلى كل فلا تزال هذه المسألة تحتاج إلى مزيد من التوثيق والبحث ، ولعل الاطلاع على الكتب الخطية للشهرستاني يعطي مزيداً من المعلومات حول هذه المسألة.

    وفي ختام الحديث عن شخصية الشهرستاني:
    لابد من الإشارة إلى ميل الشهرستاني إلى التشيع ، وقد أشار شيخ الإسلام إلى هذا بقوله : " وبالجملة فالشهرستاني يظهر الميل إلى الشيعة إما بباطنه ، وإما مداهنة لهم ، فإن هذا الكتاب -كتاب (الملل والنحل)-صنفه لرئيس من رؤسائهم ، وكانت له ولاية ديوانية ، وكان للشهرستاني مقصود في استعطافه له ، وكذلك صنف له كتاب (المصارعة) " (20).

    وهذا الأمير الشيعي الذي من أجله ألف الشهرستاني كتابيه : "الملل والنحل" ، و"المصارعة" هو علي بن جعفر الموسوي ، وكان أميراً في خراسان (21).

    وقد صرح الشهرستاني بذلك ، فقال في مقدمة كتابه (مصارعة الفلاسفة)-بعد إطراء ومدح طويل لهذا الأمير الشيعي-: "انتدب أصغر خدمه محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، لعرض بضاعته المزجاة على سوق كرمه ، فخدمه بكتاب صنفه في بيان الملل والنحل ، على تردد القلب بين الوجل والخجل ، فأنعم بالقبول ، وأنعم النظر فيه" (22).

    ويظهر تشيع الشهرستاني عندما يقول: "وبالجملة كان على -رضي الله عنه- مع الحق، والحق معه" (23)، وقد علق شيخ الإسلام على هذه العبارة.. فكان مما قاله :

    "هذا الكلام مما يبين تحامل الشهرستاني في هذا الكتاب مع الشيعة، وإلا فقد ذكر أبا بكر وعمر وعثمان، ولم يذكر من أحوالهم أن الحق معهم دون من خالفهم ، وهذا التخصيص لا يقوله أحد من المسلمين غير الشيعة " (24).

    وقد كذَّب شيخُ الإسلام الشهرستانيَّ في بعض آرائه التي تدل على تشيعه ، وناقشها وبسط القول فيها، فكذبه ابن تيميه مثلاً في دعواه أن عمر -رضي الله عنه-في خلافته ردَّ السبايا والأموال لمانعي الزكاة (25)، كما كذبه في دعواه اختلاف الناس على خلافة عثمان - رضي الله عنه- (26).

    وعلى كلٍ :فإن الإنصاف والعدل يجعلنا نذكر لك أن الشهرستاني له شىء من الردود على مطاعن الشيعة في الصحابة (27) ، مع أن الرد والمناقشة ليست من منهجه في كتاب "الملل والنحل" كما سيأتي، كما أنه يصفهم بالحيرة والضياع(28).

    وربما كان هذا التذبذب من أجل إرضاء الطرفين ، أهل السنة والشيعة،
    والله أعلم.

    وأما كتابه (الملل والنحل) والذي طبع عدة مرات ، واعتنى به كثير من المحققين ، وترجم إلى عدة لغات ، فإنه يعتبر موسوعة جامعة وموجزة لمختلف المقالات والملل والأهواء والنحل.

    وقد اعتنى الشهرستاني فيه بحسن الترتيب ، وجودة التنظيم وعرض المعلومات ، يقول السبكي:"وهو (أي: كتاب الملل والنِّحل) عندي خير كتابٍ صنف في هذا الباب ، ومصنف ابن حزم (يعني: الِفصَل) وإن كان أبسط منه ، إلا أنه مبدد ليس له نظام"(29).

    ويذكر شيخ الإسلام أن هذا الكتاب:"أجمع ، من أكثر الكتب المصنفة في المقالات ، وأجود نقلاً " (30) .

    وتميز المؤلف بمنهجية في البحث ، وأسلوب محكم في التصنيف ، ويظهر هذا جلياً أثناء عرضه للمقدمات الخمس المهمة، قبل الشروع في الكتاب ، فقد ذكر في المقدمة الأولى: تقسيم أهل العالم ، فعرض من الأقوال في ذلك ، وبين أنهم يقسمون في هذا الكتاب حسب آرائهم ومذاهبهم إلى قسمين :

    1 - أرباب الديانات والملل مطلقاً ، كالمسلمين وأهل الكتاب والمجوس.

    2 - أهل الأهواء والنحل كالفلاسفة والدهرية وعبدة الكواكب.

    وكانت المقدمة الثانية : في تعيين قانون يبنى عليه تعدد الفرق الإسلامية، حيث حصر مسائل الخلاف بين الفرقة الإسلامية في أربعة أصول ، وهي :

    1 -التوحيد والصفات.

    2 - القدر وما يلحق به.

    3 - الوعد والوعيد ، والأسماء والأحكام.

    4 -السمع والعقل والرسالة و الإمامة.

    ثم توصل إلى تحديد أصول أو كبار الفرق الإسلامية ، وهي :

    1 - القدرية.

    2 - الصفاتية.

    3- الخوارج.

    4 - الشيعة.

    وأشار الشهرستاني إلى طريقته في ترتيب الفرق ، وهي: أن يضع للرجال وأصحاب المقالات أصولاً، ثم يورد مذاهبهم في كل مسألة.

    ثم ذكر الشهرستاني في شرطه في إيراد الفرق ، فقال:"وشرطي على نفسي: أن أورد مذهب كل فرقة على ما وجدته في كتبهم ، من غير تعصب لهم ، ولا كسر عليهم ، دون أن أبين صحيحه من فاسده" (31) .

    ومع ذلك فلا يخلو كتابه من بعض الردود والمناقشات والإشارات النقدية (32)

    من مزايا هذا الكتاب: أنه يعرِّف بالفرق ابتداءً ، ثم يورد الأصول التي اتفقت عليها إحدى الفرق الإسلامية الكبار ، ثُم يذكر ما يختص بكل طائفة من طوائف هذه الفرقة (33).

    ويهتم الكتاب بذكر أبرز رجال بعض الفرق ، وذلك عند نهاية الحديث عن إحدى الفرق (34).

    وكتاب (الملل والنحل) مرجع جيد في معرفة أقوال الأشاعرة والفلاسفة ، كما يقول ابن تيمية :

    "ولما كان (الشهرستاني) خبيراً بقول الأشاعرة وقول ابن سينا ونحوه من الفلاسفة، كان أجود ما نقله قول هاتين الطائفتين" (35).

    وأما مصادر هذا الكتاب في الحديث عن الفرق الإسلامية، فيقول ابن تيميه :

    " ما ينقله الشهرستاني وأمثاله من المصنفين في الملل والنحل ، عامته مما ينقله بعضهم عن بعض ، وكثير من ذلك لم يحرر أقوال المنقول عنهم ، ولم يذكر الإسناد في عامة ما ينقله ، بل هو ينقل من كتب من صنف المقالات قبله ، مثل: أبي عيسى الوراق، وهو من المصنفين للرافضة، المتهمين في كثير مما ينقلونه ، ومثل: أبي يحيى وغيرهما من الشيعة، وينقل أيضاً من كتب بعض الزيدية والمعتزلة الطاعنين في كثير من الصحابة (36).

    ويقول في موضع آخر: "والشهرستاني أكثر ما ينقله من المقالات من كتب المعتزلة" (37) ، حيث " أنهم من أكثر الطوائف وأولها تصنيفاً في هذا الباب" (38).

    ويظهر جلياً كثرة نقل الشهرستاني عن المعتزلة، فهو ينقل مثلاً عن الكعبي (المعتزلي) (39)، وربما نقل عن الوراق (40) وغيرهما، وإن كان ينقل أحياناً عن الأشعري (41)، كما أنه ينقل عن أشخاص آخرين ، وقد يذكر كتباً غير موجودة - الآن - وينقل عنها ، مثل:كتاب"عذاب القبر"لابن كرام ، وكتاب في مقالات الخوارج للحسين الكرابيسي، وكثيراً ماينقل الشهرستاني الأقوال دون عزوٍِ إلى مصادرها، وقد يترجم بعض الكلام فينقله من الأعجمية إلى العربية، كما فعل بما كتبه أحد الباطنيين (42) .

    وعندما نتحدث عن المآخذ على هذا الكتاب ، فمنها:
    عدم اشتراطه نقد الفرق المنحرفة، والرد عليها، والمسلم مطالب بنصرة الحق والدعوة إليه ، ورد الباطل والتحذير منه ، فأهل الاستقامة يحبون الحق ويعرفونه ، كما يرحمون الخلق فيدعونهم للخير، وربما كان هذا الشرط الذي اشترطه الشهرستاني على نفسه سبباً في رميه ببعض الاتهامات (43).

    ومأخذ آخر وهو: نقل الشهرستاني عن الشيعة والمعتزلة بلا تمحيص ولا توثيق ، وهذا ما أشار إليه ابن تيميه آنفاً ، ومن ثمَّ فإن كتابه يحوي أقوالاً لا زمام لها ولا خطام، ومثاله: ما ذكره في المقدمة الثالثة في أول كتابه ، حيث قال : "في بيان أول شبهة وقعت في الخليقة، ومن مصدرها في الأول ، ومن مظهرها في الآخرة " (44)، وقد بنى على هذه المناظرة الكثير من النتائج المهمة.

    يقول شيخ الإسلام ابن تيمية معلقاً على ذلك :

    "فهذه الشبهة التي ذكرها الشهرستاني في أول كتابه(الملل والنحل) عن إبليس في مناظرته للملائكة لا تعلم إلا بالنقل ، وهو لم يذكر لها إسناداً، بل لا إسناد لها أصلاً، فإن هذه لم تنقل عن النبى -صلى الله عليه وسلم-، ولا عن أحد من الصحابة، ولا عن أئمة المسلمين المشهورين ، ولا هى أيضاً مما هو معلوم عند أهل الكتاب" (45).

    وقد عرض شيخ الإسلام لكثير من الأقوال التي أوردها الشهرستاني، ونقدها (46)، ويظهر أن الشهرستاني قليل المعرفة بالحديث ، وقد تعقَّبه شيخ الإسلام في عدة مواضع(47)، يقول:"والشهرستان ي لا خبرة له بالحديث وآثار الصحابة و التابعين"(48).

    ومأخذ ثالث - وهو وثيق الصلة بما سبق -، وهو:أن الشهرستاني مع كثرة ذكره للمقالات وأقوال أهل الديانات وأهل الأهواء، إلا أنه لم ينقل مذهب الصحابة وسلف الأُمة ، لا تعمداً منه لتركه ، بل لأنه لم يعرفه ، وذلك لقلة خبرته بنصوص الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه والتابعين.

    وفي الختام:
    أرجو أن أكون قد وفقت في بيان شيء من المعلومات عن هذا المتكلم وكتابه، ونسأل الله -عز وجل- أن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه ، إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .

    الهوامش:
    ا - توجد رسالة علمية في مصر عن الشهرستاني وآرائه الكلامية والفلسفية لسهير مختار، وهناك رسالة علمية سجلت أخيراً بجامعة الإمام محمد بن مسعود عن الشهرستاني ومنهجه في (الملل والنحل).
    2-سير أعلام النبلاء للذهبي 20/287
    3 - وقد ذكرت د. سهير مختار هذه القصة في تحقيقها لكتاب مصارعة الفلاسفة للشهرستاني. فقالت:"وهي في شرح سورة يوسف ، وهو شرح لطيف مع تسجيل بعض الروايات عن الصوفية".
    4 - انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء 20/286، وطبقات الشافعية للسبكي 6/128، وشذرات الذهب 4/149، وانظر مقدمة كتاب مصارعة الفلاسفة بتحقيق د. سهير مختار.
    5 - سير أعلام النبلاء 20/287-288، وطبقات الشافعية للسبكي 6/13.
    6 - شذرات الذهب 4/149.
    7 - درء تعارض العقل والنقل 173/5.
    8 - كتابا ابن السمعاني.
    9 - طبقات الشافعية للسبكي 130/6.
    10 - منهاج السنة 305/6.
    11 -درء تعارض العقل والنقل 8/5.
    2 1 - إغاثة اللهفان 2/ 1 38، وانظر مقدمة الشهرستاني لكتابه (مصارعة الفلاسفة)، ص 6 1 ، وانظر كتابه نهاية الإقدام ، ص 5، ص 33، كما أن كتاب (نهاية الإقدام) قد تضمن ردوداً على عموم الفلاسفة، والدهرية ، و المعتزلة.
    13 -انظر الملل والنحل للشهرستاني 191/1 - 198، تحقيق محمد سيد كيلاني.
    4 1 - انظر الفرق بين الفرق ، ص 1 28 - 2 31..
    5 1 - درء تعارض العقل والنقل 2/307، 67/9، وانظر المنهاج 5/268و6/303و319.
    16 - الملل والنحل 1/173.
    17 - هناك من أصحاب المقالات من يفصل بين الإسماعيلية والشيعة، وهناك من يجعل الإسماعيلية فرقة من فرق الشيعة، كما يفعل الشهرستاني.
    18 - لسان الميزان 264/5.
    19 - الملل والنحل 197/1.
    20 - منهاج السنة 306/6.
    21 -انظر ترجمته في طبقات أعلام الشيعة لآغابزرك الطهراني 182/6 ، وانظر مقدمة (المصارعة)ص13.
    22 - مصارعة الفلاسفة، ص 14.
    23 - الملل والنحل 27/1، ومرة يقول:"لقد كان علي على الحق في جميع أحواله ، يدور الحق معه حيث دار) الملل والنحل 103/1.
    4 2 - منهاج السنة 362/6 باختصار.
    5 2 - انظر منهاج السنة 347/6.
    26 - المصدر السابق 6/ 350.
    27 - انظر، الملل والنحل1/164، 65 1.
    8 2 - المصدر السابق 172/1 ، وانظر 93/1. يقول الشهرستاني في "نهاية الإقدام": اعلم أن الإمامة ليست من أصول الاعتقاد، بحيث يفضي النظر فيها إلى قطع ويقين بالتعين" ص 478 ،وذلك أن هذا الكلام رد على الشيعة الإمامية.
    9 2 - طبقات الشافعية 6/128.
    30 - منهاج السنة 304/6.
    31 - الملل والنحل 1/16.
    32 - انظر الملل والنحل1/64و83و141و147.
    33 - المصدر السابق 1/43و46و115و146.
    34 - المصدر السابق 1/137،(رجال الخوارج)، 6 4 1 ،(رجال المرجئة)، 0 9 1 (رجال الشيعة).
    35 - منهاج. السنة 304/6، وانظر كلام د. سامي النشار عن هذا الكتاب في كتابه نشأة الفكر الفلسفى 525/1.
    36 - المصدر السابق 300/6.
    37 - منهاج السنة 6/307.
    38 - الفتاوى 115/8.
    39-انظر الملل والنحل ا/55،4 6،67،0 7،75،0 9
    40 - انظر الملل والنحل 1/184، 87 1.
    41 - المصدر السابق 1/73و105و129.
    42 - المصدر السابق 195/1.
    43 - انظر مثلاً عرضه لمذهب النصيرية 1/188.
    44 - الملل والنحل 1/16و20.
    45 - منهاج السنة 306/6.
    46 - انظر مثلاً المنهاج 318/6، 324، 347، 350..
    47 - انظر المنهاج 3/6 32، ودرء تعارض العقل والنقل 32/3 1.
    48 - منهاج السنة 9/6 1 3.

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Dec 2006
    المشاركات
    304

    افتراضي رد: تحقيق القول في موقف الشهرستاني من الشيعة والباطنية

    الشهرستاني وكتابه : الملل والنحل
    فضيلة الدكتور عبدالعزيز بن محمد العبد اللطيف

    مجلة البيان – العدد 30 - ذو الحجة 1410 هـ

    في هذه الدراسة المختصرة ، سأتحدث عن أحد الأعلام البــارزين الذين كان لهم دور ظاهر في تدوين مقالات الفرق والمذاهب ســـواء كـانـت إســلامـيـة أو غـيـر إسلامية، فكان كتابه موسوعة موجزة ومرتبة للكثير من الآراء والمعتقدات للفرق الإسلامية وغيرها.
    هذا العَلَم هــو: أبــو الفـتـح محـمــد بن عبد الكريم المعروف بالشهرستاني (ت 548هـ)، وكتابه: هو " الملل والنحل ".

    ولعل من المناسب أن أشير إلى أهمية دراسة شخصية الشهرستاني ، وكتابه الملل والنِّحل، فالشهرستاني - فيما هو مشهور ومـعـلـوم عـند الكثير من الدارسين - أحد شيوخ الكلام ، وواحد من علماء الأشاعرة ، وله دراية وخبرة بمقالات الفرق والملل والنِّحل ، ولكن هناك جوانب مهمة عن الشهرستاني قد تخفى على بعض الدارسين،كاتهام ه بالميل إلى الباطنية، أو القول بتشيعه ، ولعلنا نلقي بعض الضوء على هذه القضية.

    وأما كتابه " الملل والنحل " فهو مرجع مشهور، ومصدر متداول بين أيدي الباحثين، وقد ترجم إلى عدة لغات ؛ ومع ذلك فلا توجد دراسة علمية مطبوعة (1)-فيما أعلم- تتحدث عن منهج الشهرستاني في هذا الكتاب المهم ، وتبين مصادره ، وتوضح مزاياه ، كما تذكر المآخذ عليه.
    ولد الشهرستاني سنة 479 هـ ببلدة شهرستان في أقليم خراسان ، وهو - كما يقول الذهبي -: " شيخ أهل الكلام والحكمة، وصاحب التصانيف "(2)، برع في الفقه ، والأصول ، والكلام ، تفقه على أحمد الخوافي، أخذ الأصول والكلام على أبى نصر بن القشيري ، ودخل بغداد سنة 510هـ ، وتوفي بمسقط رأسه سنة 548 هجرية.

    ألف الشهرستاني تصانيف تصل إلى تسعة وعشرين كتاباً، منها المطبوع ، والمخطوط، والمفقود.
    ومن كتبه المطبوعة:
    الملل والنحل ، ونهاية الإقدام في علم الكلام ، ومصارعة الفلاسفة. ومن كتبه المخطوطة : رسالة في اعتراضات الشهرستاني على كلام ابن سينا، والمناهج في علم الكلام ، وقصة يوسف-عليه السلام- (3)، وغيرها.

    ومن كتبه المفقودة :
    مناظرات مع الإسماعيلية، وتاريخ الحكماء و غيرهما(4).
    والآن - أخي القارئ -:
    أنقل لك بعض أقوال أهل العلم الذين اتهموا الشهرستاني بالميل إلى الإسماعيلية الباطنية.
    قال ابن السمعاني : كان الشهرستاني متهماً بالميل إلى أهل القلاع - يعني: الإسماعيلية- والدعوة إليهم، والنصرة لطاماتهم.
    وقال في "التحبير": إنه متهم بالإلحاد، غال في التشيع.
    وقال ابن أرسلان في "تاريخ خوارزم" عن الشهرستاني: عالم ، كيِّس ، متفنن ، ولولا ميله إلى أهل الإلحاد وتخبطه لكان هو الإمام (5).

    ونقل صاحب "شذرات الذهب" عن كتابه "العبر": أنه اتهم بمذهب الباطنية(6).

    وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيميه شيئاً من ذلك ، ولكن بصيغة " تمريضية " فقال رحمه الله: " وقد قيل: إنه صنف تفسيره "سورة يوسف" على مذهب الإسماعيلية -ملاحدةِ الشيعة- (7).

    وفي المقابل نجد علماء ينفون هذه الدعوى عن الشهرستاني ، فهذا السبكي يدافع عن الشهرستاني فيقول بعد أن ذكر أقوال من اتهم الشهرستاني بالميل إلى الباطنية :
    "فأما (الذيل)(8) فلا شيء فيه من ذلك ، وإنما ذلك في (التحبير)"(8)، وما أدري من أين ذلك لابن السمعاني؟ ، ويقع أن هذا دُس على ابن السمعاني في كتابه (التحبير)، وإلا فلم لم يذكره في (الذيل)؟"(9).

    وينفي شيخ الإسلام - في موضع آخر - هذه التهمة عن الشهرستاني فيقول :
    " يذكر (الشهرستاني) أشياء من كلام الإسماعيلية الباطنية، ويوجهه ، ولهذا اتهمه بعض الناس بأنه من إلإسماعيلية، وإن لم يكن الأمر كذلك "(10).
    ومما يؤكد ذلك أن الشهرستاني صنف في ذكر فضائح الباطنية (11)، كما أن للشهرستاني صولات وجولات مع ابن سينا الفيلسوف الباطنى، يقول ابن القيم :
    " وصارع محمد الشهرستاني ابن سينا في كتاب سماه (المصارعة) ، أبطل فيه قوله بقدم العالم ، وإنكار المعاد، ونفي علم الرب تعالى وقدرته وخلقه العالم " (12).

    وإضافة إلى ذلك ، فقد تحدث الشهرستاني عن الباطنية، وذكر شيئاً من مقالاتهم (13)،ولكن كان الواجب على الشهرستاني أن يكشف عن معتقدات الباطنية، ويبين إلحادهم وزندقتهم وكيدهم لأهل الإسلام ، كما فعل سلفه عبد القاهر البغدادي في (الفرق بين الفرق) (14) ، وغيره.

    ونقف وقفة يسيرة أمام هذه الأقوال المتعارضة، لنقول :
    إنه يمكن أن نعزو رمي واتهام الشهرستاني بالإسماعيلية إلى جملة أسباب تتعلق بشخصه، منها:
    أن الشهرستاني -وللأسف - مع كثرة اطلاعه ومعرفته للمذاهب والفرق الإسلامية، فإنه كان جاهلاً بمذهب السلف الصالح ، فلا يعلم معتقد أهل الحديث ، وقد ذكر ذلك شيخ الإسلام في غير موضعٍ ، فقال :
    "فالشهرستاني صنف (الملل والنحل) ، وذكر فيها من مقالات الأمم ما شاء الله ، والقول المعروف عن السلف والأئمة لم يعرفه ، ولم يذكره "(15).
    ولقد ورَّثت هذه المعرفة الواسعة للمذاهب المختلفة صاحبنا-مع الجهل بمذهب السلف الصالح - حيرةً واضطراباً، عبر عنها بهذين البيتين من الشعر ، فقال :

    لعمري لقد طفت المعاهد كلها وسيرت طرفي بين تلك المعالم

    فلم أر إلا واضعاً كـف حــائرٍ عـلى ذقنٍ أو قارعاً سن نادم (16)

    وتتمثل هذه الحيرة وعدم الاستقرار على مذهب ما، ما نلاحظه في الشهرستاني من موافقة للأشاعرة، ومن ميل للإسماعيلية مرة أخرى، وإظهار التشيع (17) مرة ثالثة، وربما تأثر بفلسفة أو تصوف.

    وسبب آخر جعل بعض العلماء يتهم الشهرستاني بالباطنية، وهو ما أشار إليه ابن حجر -رحمه الله-حيث قال معقباً على ما ذكر من وقوع الشهرستاني في ذلك :

    "لعله كان يبدو من ذلك على طريق الجدل ، أو كان قلبه أُشرب محبة مقالتهم لكثرة نظره فيها، والله أعلم "(18). -

    إذن فإلحاح الشهرستاني وإمعانه في مناظرة الإسماعيلية، وكثرة جداله معهم ، ربما كان سبباً في رميه بالباطنية لتأثره بتلك المناظرات ، وقد صرح الشهرستاني بكثرة مناظراته للإسماعيلية ، فقال : " وكم قد ناظرت القوم على المقدمات المذكورة، فلم يتخطوا عن قولهم : أفنحتاج إليك؟ أو نسمع هذا منك؟ أو نتعلم عنك؟ "(19).

    وعلى كل فلا تزال هذه المسألة تحتاج إلى مزيد من التوثيق والبحث ، ولعل الاطلاع على الكتب الخطية للشهرستاني يعطي مزيداً من المعلومات حول هذه المسألة.

    وفي ختام الحديث عن شخصية الشهرستاني:
    لابد من الإشارة إلى ميل الشهرستاني إلى التشيع ، وقد أشار شيخ الإسلام إلى هذا بقوله : " وبالجملة فالشهرستاني يظهر الميل إلى الشيعة إما بباطنه ، وإما مداهنة لهم ، فإن هذا الكتاب -كتاب (الملل والنحل)-صنفه لرئيس من رؤسائهم ، وكانت له ولاية ديوانية ، وكان للشهرستاني مقصود في استعطافه له ، وكذلك صنف له كتاب (المصارعة) " (20).

    وهذا الأمير الشيعي الذي من أجله ألف الشهرستاني كتابيه : "الملل والنحل" ، و"المصارعة" هو علي بن جعفر الموسوي ، وكان أميراً في خراسان (21).

    وقد صرح الشهرستاني بذلك ، فقال في مقدمة كتابه (مصارعة الفلاسفة)-بعد إطراء ومدح طويل لهذا الأمير الشيعي-: "انتدب أصغر خدمه محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، لعرض بضاعته المزجاة على سوق كرمه ، فخدمه بكتاب صنفه في بيان الملل والنحل ، على تردد القلب بين الوجل والخجل ، فأنعم بالقبول ، وأنعم النظر فيه" (22).

    ويظهر تشيع الشهرستاني عندما يقول: "وبالجملة كان على -رضي الله عنه- مع الحق، والحق معه" (23)، وقد علق شيخ الإسلام على هذه العبارة.. فكان مما قاله :

    "هذا الكلام مما يبين تحامل الشهرستاني في هذا الكتاب مع الشيعة، وإلا فقد ذكر أبا بكر وعمر وعثمان، ولم يذكر من أحوالهم أن الحق معهم دون من خالفهم ، وهذا التخصيص لا يقوله أحد من المسلمين غير الشيعة " (24).

    وقد كذَّب شيخُ الإسلام الشهرستانيَّ في بعض آرائه التي تدل على تشيعه ، وناقشها وبسط القول فيها، فكذبه ابن تيميه مثلاً في دعواه أن عمر -رضي الله عنه-في خلافته ردَّ السبايا والأموال لمانعي الزكاة (25)، كما كذبه في دعواه اختلاف الناس على خلافة عثمان - رضي الله عنه- (26).

    وعلى كلٍ :فإن الإنصاف والعدل يجعلنا نذكر لك أن الشهرستاني له شىء من الردود على مطاعن الشيعة في الصحابة (27) ، مع أن الرد والمناقشة ليست من منهجه في كتاب "الملل والنحل" كما سيأتي، كما أنه يصفهم بالحيرة والضياع(28).

    وربما كان هذا التذبذب من أجل إرضاء الطرفين ، أهل السنة والشيعة،
    والله أعلم.

    وأما كتابه (الملل والنحل) والذي طبع عدة مرات ، واعتنى به كثير من المحققين ، وترجم إلى عدة لغات ، فإنه يعتبر موسوعة جامعة وموجزة لمختلف المقالات والملل والأهواء والنحل.

    وقد اعتنى الشهرستاني فيه بحسن الترتيب ، وجودة التنظيم وعرض المعلومات ، يقول السبكي:"وهو (أي: كتاب الملل والنِّحل) عندي خير كتابٍ صنف في هذا الباب ، ومصنف ابن حزم (يعني: الِفصَل) وإن كان أبسط منه ، إلا أنه مبدد ليس له نظام"(29).

    ويذكر شيخ الإسلام أن هذا الكتاب:"أجمع ، من أكثر الكتب المصنفة في المقالات ، وأجود نقلاً " (30) .

    وتميز المؤلف بمنهجية في البحث ، وأسلوب محكم في التصنيف ، ويظهر هذا جلياً أثناء عرضه للمقدمات الخمس المهمة، قبل الشروع في الكتاب ، فقد ذكر في المقدمة الأولى: تقسيم أهل العالم ، فعرض من الأقوال في ذلك ، وبين أنهم يقسمون في هذا الكتاب حسب آرائهم ومذاهبهم إلى قسمين :

    1 - أرباب الديانات والملل مطلقاً ، كالمسلمين وأهل الكتاب والمجوس.

    2 - أهل الأهواء والنحل كالفلاسفة والدهرية وعبدة الكواكب.

    وكانت المقدمة الثانية : في تعيين قانون يبنى عليه تعدد الفرق الإسلامية، حيث حصر مسائل الخلاف بين الفرقة الإسلامية في أربعة أصول ، وهي :

    1 -التوحيد والصفات.

    2 - القدر وما يلحق به.

    3 - الوعد والوعيد ، والأسماء والأحكام.

    4 -السمع والعقل والرسالة و الإمامة.

    ثم توصل إلى تحديد أصول أو كبار الفرق الإسلامية ، وهي :

    1 - القدرية.

    2 - الصفاتية.

    3- الخوارج.

    4 - الشيعة.

    وأشار الشهرستاني إلى طريقته في ترتيب الفرق ، وهي: أن يضع للرجال وأصحاب المقالات أصولاً، ثم يورد مذاهبهم في كل مسألة.

    ثم ذكر الشهرستاني في شرطه في إيراد الفرق ، فقال:"وشرطي على نفسي: أن أورد مذهب كل فرقة على ما وجدته في كتبهم ، من غير تعصب لهم ، ولا كسر عليهم ، دون أن أبين صحيحه من فاسده" (31) .

    ومع ذلك فلا يخلو كتابه من بعض الردود والمناقشات والإشارات النقدية (32)

    من مزايا هذا الكتاب: أنه يعرِّف بالفرق ابتداءً ، ثم يورد الأصول التي اتفقت عليها إحدى الفرق الإسلامية الكبار ، ثُم يذكر ما يختص بكل طائفة من طوائف هذه الفرقة (33).

    ويهتم الكتاب بذكر أبرز رجال بعض الفرق ، وذلك عند نهاية الحديث عن إحدى الفرق (34).

    وكتاب (الملل والنحل) مرجع جيد في معرفة أقوال الأشاعرة والفلاسفة ، كما يقول ابن تيمية :

    "ولما كان (الشهرستاني) خبيراً بقول الأشاعرة وقول ابن سينا ونحوه من الفلاسفة، كان أجود ما نقله قول هاتين الطائفتين" (35).

    وأما مصادر هذا الكتاب في الحديث عن الفرق الإسلامية، فيقول ابن تيميه :

    " ما ينقله الشهرستاني وأمثاله من المصنفين في الملل والنحل ، عامته مما ينقله بعضهم عن بعض ، وكثير من ذلك لم يحرر أقوال المنقول عنهم ، ولم يذكر الإسناد في عامة ما ينقله ، بل هو ينقل من كتب من صنف المقالات قبله ، مثل: أبي عيسى الوراق، وهو من المصنفين للرافضة، المتهمين في كثير مما ينقلونه ، ومثل: أبي يحيى وغيرهما من الشيعة، وينقل أيضاً من كتب بعض الزيدية والمعتزلة الطاعنين في كثير من الصحابة (36).

    ويقول في موضع آخر: "والشهرستاني أكثر ما ينقله من المقالات من كتب المعتزلة" (37) ، حيث " أنهم من أكثر الطوائف وأولها تصنيفاً في هذا الباب" (38).

    ويظهر جلياً كثرة نقل الشهرستاني عن المعتزلة، فهو ينقل مثلاً عن الكعبي (المعتزلي) (39)، وربما نقل عن الوراق (40) وغيرهما، وإن كان ينقل أحياناً عن الأشعري (41)، كما أنه ينقل عن أشخاص آخرين ، وقد يذكر كتباً غير موجودة - الآن - وينقل عنها ، مثل:كتاب"عذاب القبر"لابن كرام ، وكتاب في مقالات الخوارج للحسين الكرابيسي، وكثيراً ماينقل الشهرستاني الأقوال دون عزوٍِ إلى مصادرها، وقد يترجم بعض الكلام فينقله من الأعجمية إلى العربية، كما فعل بما كتبه أحد الباطنيين (42) .

    وعندما نتحدث عن المآخذ على هذا الكتاب ، فمنها:
    عدم اشتراطه نقد الفرق المنحرفة، والرد عليها، والمسلم مطالب بنصرة الحق والدعوة إليه ، ورد الباطل والتحذير منه ، فأهل الاستقامة يحبون الحق ويعرفونه ، كما يرحمون الخلق فيدعونهم للخير، وربما كان هذا الشرط الذي اشترطه الشهرستاني على نفسه سبباً في رميه ببعض الاتهامات (43).

    ومأخذ آخر وهو: نقل الشهرستاني عن الشيعة والمعتزلة بلا تمحيص ولا توثيق ، وهذا ما أشار إليه ابن تيميه آنفاً ، ومن ثمَّ فإن كتابه يحوي أقوالاً لا زمام لها ولا خطام، ومثاله: ما ذكره في المقدمة الثالثة في أول كتابه ، حيث قال : "في بيان أول شبهة وقعت في الخليقة، ومن مصدرها في الأول ، ومن مظهرها في الآخرة " (44)، وقد بنى على هذه المناظرة الكثير من النتائج المهمة.

    يقول شيخ الإسلام ابن تيمية معلقاً على ذلك :

    "فهذه الشبهة التي ذكرها الشهرستاني في أول كتابه(الملل والنحل) عن إبليس في مناظرته للملائكة لا تعلم إلا بالنقل ، وهو لم يذكر لها إسناداً، بل لا إسناد لها أصلاً، فإن هذه لم تنقل عن النبى -صلى الله عليه وسلم-، ولا عن أحد من الصحابة، ولا عن أئمة المسلمين المشهورين ، ولا هى أيضاً مما هو معلوم عند أهل الكتاب" (45).

    وقد عرض شيخ الإسلام لكثير من الأقوال التي أوردها الشهرستاني، ونقدها (46)، ويظهر أن الشهرستاني قليل المعرفة بالحديث ، وقد تعقَّبه شيخ الإسلام في عدة مواضع(47)، يقول:"والشهرستان ي لا خبرة له بالحديث وآثار الصحابة و التابعين"(48).

    ومأخذ ثالث - وهو وثيق الصلة بما سبق -، وهو:أن الشهرستاني مع كثرة ذكره للمقالات وأقوال أهل الديانات وأهل الأهواء، إلا أنه لم ينقل مذهب الصحابة وسلف الأُمة ، لا تعمداً منه لتركه ، بل لأنه لم يعرفه ، وذلك لقلة خبرته بنصوص الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه والتابعين.

    وفي الختام:
    أرجو أن أكون قد وفقت في بيان شيء من المعلومات عن هذا المتكلم وكتابه، ونسأل الله -عز وجل- أن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه ، إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .

    الهوامش:
    ا - توجد رسالة علمية في مصر عن الشهرستاني وآرائه الكلامية والفلسفية لسهير مختار، وهناك رسالة علمية سجلت أخيراً بجامعة الإمام محمد بن مسعود عن الشهرستاني ومنهجه في (الملل والنحل).
    2-سير أعلام النبلاء للذهبي 20/287
    3 - وقد ذكرت د. سهير مختار هذه القصة في تحقيقها لكتاب مصارعة الفلاسفة للشهرستاني. فقالت:"وهي في شرح سورة يوسف ، وهو شرح لطيف مع تسجيل بعض الروايات عن الصوفية".
    4 - انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء 20/286، وطبقات الشافعية للسبكي 6/128، وشذرات الذهب 4/149، وانظر مقدمة كتاب مصارعة الفلاسفة بتحقيق د. سهير مختار.
    5 - سير أعلام النبلاء 20/287-288، وطبقات الشافعية للسبكي 6/13.
    6 - شذرات الذهب 4/149.
    7 - درء تعارض العقل والنقل 173/5.
    8 - كتابا ابن السمعاني.
    9 - طبقات الشافعية للسبكي 130/6.
    10 - منهاج السنة 305/6.
    11 -درء تعارض العقل والنقل 8/5.
    2 1 - إغاثة اللهفان 2/ 1 38، وانظر مقدمة الشهرستاني لكتابه (مصارعة الفلاسفة)، ص 6 1 ، وانظر كتابه نهاية الإقدام ، ص 5، ص 33، كما أن كتاب (نهاية الإقدام) قد تضمن ردوداً على عموم الفلاسفة، والدهرية ، و المعتزلة.
    13 -انظر الملل والنحل للشهرستاني 191/1 - 198، تحقيق محمد سيد كيلاني.
    4 1 - انظر الفرق بين الفرق ، ص 1 28 - 2 31..
    5 1 - درء تعارض العقل والنقل 2/307، 67/9، وانظر المنهاج 5/268و6/303و319.
    16 - الملل والنحل 1/173.
    17 - هناك من أصحاب المقالات من يفصل بين الإسماعيلية والشيعة، وهناك من يجعل الإسماعيلية فرقة من فرق الشيعة، كما يفعل الشهرستاني.
    18 - لسان الميزان 264/5.
    19 - الملل والنحل 197/1.
    20 - منهاج السنة 306/6.
    21 -انظر ترجمته في طبقات أعلام الشيعة لآغابزرك الطهراني 182/6 ، وانظر مقدمة (المصارعة)ص13.
    22 - مصارعة الفلاسفة، ص 14.
    23 - الملل والنحل 27/1، ومرة يقول:"لقد كان علي على الحق في جميع أحواله ، يدور الحق معه حيث دار) الملل والنحل 103/1.
    4 2 - منهاج السنة 362/6 باختصار.
    5 2 - انظر منهاج السنة 347/6.
    26 - المصدر السابق 6/ 350.
    27 - انظر، الملل والنحل1/164، 65 1.
    8 2 - المصدر السابق 172/1 ، وانظر 93/1. يقول الشهرستاني في "نهاية الإقدام": اعلم أن الإمامة ليست من أصول الاعتقاد، بحيث يفضي النظر فيها إلى قطع ويقين بالتعين" ص 478 ،وذلك أن هذا الكلام رد على الشيعة الإمامية.
    9 2 - طبقات الشافعية 6/128.
    30 - منهاج السنة 304/6.
    31 - الملل والنحل 1/16.
    32 - انظر الملل والنحل1/64و83و141و147.
    33 - المصدر السابق 1/43و46و115و146.
    34 - المصدر السابق 1/137،(رجال الخوارج)، 6 4 1 ،(رجال المرجئة)، 0 9 1 (رجال الشيعة).
    35 - منهاج. السنة 304/6، وانظر كلام د. سامي النشار عن هذا الكتاب في كتابه نشأة الفكر الفلسفى 525/1.
    36 - المصدر السابق 300/6.
    37 - منهاج السنة 6/307.
    38 - الفتاوى 115/8.
    39-انظر الملل والنحل ا/55،4 6،67،0 7،75،0 9
    40 - انظر الملل والنحل 1/184، 87 1.
    41 - المصدر السابق 1/73و105و129.
    42 - المصدر السابق 195/1.
    43 - انظر مثلاً عرضه لمذهب النصيرية 1/188.
    44 - الملل والنحل 1/16و20.
    45 - منهاج السنة 306/6.
    46 - انظر مثلاً المنهاج 318/6، 324، 347، 350..
    47 - انظر المنهاج 3/6 32، ودرء تعارض العقل والنقل 32/3 1.
    48 - منهاج السنة 9/6 1 3.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •