قال الامام ابن القيم رحمه الله
وفي صحيح البخارى من حديث خباب بن الارت قال شكونا إلى رسول الله وهو متوسد ببردة له في ظل الكعبة فقلنا ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا فقال قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الارض فيجعل فيها ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه والله ليتمن الله هذا الامر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف الا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون
وفي لفظ للبخارى أتيت رسول الله وهو متوسد بردة في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدة فقلنا ألا تدعو الله فقعد وهو محمر وجهه فقال لقد كان الرجل ليمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه وقد حمل أهل العلم قول خباب شكونا إلى رسول الله حر الرمضاء فلم يشكنا على هذا المحمل وقال شكوا اليه حر الرمضاء الذى كان يصيب جباههم وأكفهم من تعذيب الكفار فلم يشكهم وانما دلهم على الصبر
وهذا الوجه أنسب من تفسير من فسر ذلك بالسجود على الرمضاء واحتج به على وجوب مباشرة المصلى بالجبهة لثلاثة أوجه
أحدها انه لا دليل في اللفظ على ذلك
الثانى انهم قد أخبروا أنهم كانوا مع النبي فكان أحدهم اذا لم يستطع أن يسجد على الأرض يبسط ثوبه فسجد عليه والظاهر أن هذا يبلغه ويعلم به وقد أقرهم عليه
الثالث ان شدة الحر في الحجاز تمنع من مباشرة الجبهة والكف للأرض بل يكاد يشوى الوجه والكف فلا يتمكن من الطمأنينة في السجود ويذهب خشوع الصلاة ويتضرر البدن ويتعرض للمرض والشريعة لا تأتى بهذا فتأمل رواية خباب لهذا والذى قبله واجمع بين اللفظين والمعنيين والله أعلم ولا تستوحش من قوله فلم يشكنا فانه هو معنى إعراضه عن شكايتهم واخباره لهم بصبر من قبلهم والله أعلم