بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ويمكن أن يدخل الفتور إلى النفس بسبب من الأسباب التالية :
1 - الغلو والتشدد في الدين : بالانهماك في الطاعات، وحرمان البدن حقه من الراحة والطيبات
2 - السّرف ومجاوزة الحد في تعاطي المباحات:
يقول أبو سليمان الداراني : " من شبع دخل عليه ست آفات : فقد حلاوة المناجاة، وتعذر حفظ الحكمة، وحرمان الشفقة على الخلق؟ لأنه إذا شبع ظن أن الخلق كلهم شباع - وثقل العبادة، وزيادة الشهوات، وأن سائر المؤمنين يدورون حول المساجد، والشّباع يدورون حول المزابل " .
3 - مفارقة الجماعة، وإيثار حياة العزلة والتفرد
ولعل هذا بعض السر في حرص الإسلام وتأكيده وتشديده على الجماعة، وتحذيره من مفارقتها، والشذوذ عنها، إذ يقول الله تعالى :{واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تَفَرَّقُوا} (آل عمران: 103).
{وتعاونوا على البز والتَّقْوَى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} (المائدة: 2).
{وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} ( الأنفال: 46 ).
4 - قلة تذكر الموت والدار الآخرة
كما نفهم الحكمة من حضه صلى الله عليه وسلم على تذكر الموت، وانتهاء الأجل إذ يقول: "أيها الناس، استحيوا من الله حق الحياء، فقال رجل: يا رسول الله، إنا لنستحي من الله تعالى، فقال: "من كان منكم مستحييا فلا يبيتن ليلة إلا وأجله بين عينيه، وليحفظ البطن وما حوى، والرأس وما وعى، وليذكر الموت والبلى، وليترك زينة الدنيا"
5 - التقصير في عمل اليوم والليلة
مثل النوم عن الصلاة المكتوبة بسبب السمر الذي لا مبرر له بعد العشاء، ومثل إهمال بعض النوافل الراتبة، وترك قيام الليل، أو صلاة الضحى، أو تلاوة القرآن، أو الذكر أو الدعاء، أو الاستغفار، أو التخلف عن الذهاب إلى المسجد، أو عدم حضور الجماعة بدون عذر، فكل ذلك وأمثاله له عقوبات، وأدنى هذه العقوبات : الفتور بأن يكسل ويتثاقل أو ينقطع ويتوقف. وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه إلى شيء من هذا، إذ يقول: "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد: يضرب كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، وإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان" .
6 - دخول جوفه شيء محرّم أو به شبهة
إذ يقول الله عز وجل: {يا أيُّها النّاس كلوا مما في الأرض حلالا طيّبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدوُُّ مُبين} ( البقرة: 168).
وإذ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "كل جسد نبت من سحت - أي من حرام - فالنار أولى به" .
"الحلال بين، والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهة، فمن ترك ما يشتبه عليه من الإثم كان لما استبان أترك، ومن اجترأ على ما يشك فيه من الإثم، أوشك أن يواقع ما استبان، والمعاصي حمى الله، من يرتع حول الحمى يوشك أن يواقعه "
7 - اقتصار العامل على جانب واحد من جوانب الدين
كأن يجعل همه العقيدة فحسب، ملغيا كل شيء غيرها من حسابه، أو يجعل همه الشعائر التعبدية، تاركا كل ما سواها، أو يقتصر على فعل الخيرات ورعاية الآداب الاجتماعية، غاضا الطرف عما عداها، فكل هؤلاء وأمثالهم تأتي عليهم أوقات يصابون فيها لا محالة بالفتور. وهذا أمر بدهي؟ نظرا لأن دين الله موضوع لاستيعاب الحياة كلها، فإذا اقتصر واحد من الناس على بعضه فكأنما أراد أن يحيا بعض الحياة، لا كل الحياة، ثم إذا بلغ الذروة في هذا البعض يتساءل: وماذا بعد؟ فلا يجد جوابا سوى الفتور إما بالعجز وإمَّا بالكسل.
ولعل ذلك هو أحد أسرار الدعوة إلى أخذ منهج الله كلا بلا تبعيض ولا تجزيء:
{يا أيّها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدوُُّ مبين} (البقرة: 208)، أي اعملوا بجميع شعب الإيمان، وشرائع الإسلام، ولا تسيروا خلف الشيطان، لما يكنه لكم من العداوة والبغضاء، فيصرفكم عن منهج الله بالكلية، أو عن بعضه، فتفتروا، وتضيعوا..
8 - الغفلة عن سنن الله في الكون والحياة
9 - التقصير في حق البدن بسبب ضخامة الأعباء وكثرة الواجبات، وقلة العاملين
ذلك أننا نجد بعض العاملين ينفقون كل ما يملكون من جهد ووقت وطاقة في سبيل خدمة هذا الدين، ضانين على أنفسهم بقليل من الراحة والترويح، فهؤلاء وأمثالهم، وإن كانوا معذورين بسبب ضخامة الأعباء، وكثرة الواجبات وقلة العاملين، إلا أنه تأتي عليهم أوقات يفترون عن العمل لا محالة. ولعل هذا هو سر تأكيده صلى الله عليه وسلم على حق البدن، مهما تكن الأعذار والمبررات إذ يقول: "إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه"
10 - عدم الاستعداد لمواجهة معوقات الطريق
{ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم} (محمد:31).
11 - صحبة ذوي الإرادات الضعيفة، والهمم الدانية
وهذا هو سر تأكيده صلى الله عليه وسلم على ضرورة انتقاء واصطفاء الصاحب، إذ يقول: "إنّما مثل الجليس الصالح، والجليس السوء، كحامل المسك، ونافخ الكير، فحامل المسك: إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا منتنة "
12 - العفوية في العمل سواء على المستوى الفردي أو الجماعي
ذلك أن كثيرا من العاملين أفرادا كانوا أو جماعات، يمارسون العمل لدين الله بصورة عفوية لا تتبع منهجا، ولا تعرف نظاما، فيقدمون الأمور الثانوية أو التي ليست بذي بال، ويؤخرون بل ويهملون الأمور الرئيسية، والتي لابد منها من أجل التمكين لدين الله، وهذا يؤدي إلى أن تطول الطريق وتكثر التكاليف والتضحيات، فيكون الفتور غالبا، إن لم تتدخل يد الله بالرعاية والتأييد والثبات.
ولعلنا في ضوء هذا نفهم سر وصيته صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما وجهه إلى اليمن، إذ قال له: "إنك تأتي قوما من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم، فترد في فقرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك، فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فانه ليس بينها وبين الله حجاب"
إن الحديث قاعدة رئيسية في منهجية العمل، وترتيبه، ودقته .
13 - الوقوع في المعاصي والسيئات لا سيما صغائر الذنوب مع الاستهانة بها
فإن ذلك ينتهي بالعامل لا محالة إلى الفتور، وصدق الله الذي يقول:
{وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} (الشورى: 30).
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول: "إياكم ومحقرات الذنـوب، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه" وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لهن مثلا، "كمثل قوم نزلوا أرض فلاة، فحضر صنيع القوم، فجعل الرجل ينطـلق فيجيء بالعود، والرجل يجيء بالعود، حتى جمعوا سوادا، فأججوا نارا، وأنضجـوا ما قذفـوا فيها" .
"إن المؤمن إذا أذنب ذنبا، نكت في قلبه نكتة سوداء، فإذا تاب ونزع واستغفر، صقل قلبه، وإن زاد زادت حتى تعلو قلبه، فذلك الران الذي ذكر ه عز وجل: {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون} (المطففين:14) .
(آفات على الطريق : للشيخ : السيد نوح )