بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين ،والصلاة والسلام على رسوله وعلى ىله وصحبه اجمعين
قال الشيخ ، الفهامة : صالح آل الشيخ -حفظه الله-
* القسم الأول: فهم لواقع ينبني عليه الحكم الشرعي؛ فهذا لا بدَّ منه، وفهمه مُتعيّن، ومن حكم في مسألة دون أن يفهم واقعها؛ فقد أخطأ.
فإذا كان للواقع أثر في الحكم؛ فلا بدَّ من فهمه.
* القسم الثاني: واقع لا أثر له في الحكم الشرعي؛ فإنه يكون من الواقع: كيت وكيت، وكذا وكذا، وقصصاً طوالاً... ولكن لا أثر لذلك الفهم، ولذلك القصص، ولتلك الأحوال؛ لا أثر لها في الحكم الشرعي أبداً.
فعند ذلك؛ العلماء لا يأخذون بها، وإن فهموها، وليس معنى ذلك أن كل واقع عُلِم تُبنى عليه الأحكام الشرعية.
سأضرب أمثلة للأمر الأول، وأمثلة للأمر الثاني؛ فكونوا منها على بينة وفهم:
* أما أمثلة الأمر الأول وهو أن فهم الواقع ينبني عليه الحكم الشرعي -:
- فمن ذلك مثلاً: مسألة متى يُحكم على الميت بأنه مات؟ هل هو يموت بقلبه؟ أو هو بموت دماغه؟
هذه مسألة حادثة، لو أتى متكلم فيها، وتكلم دون أن يعلم واقعها، ودون أن يعلم أحوالها؛ لا بدَّ أن يقع في خطأ في الحكم؛ لأن فهم واقع المسألة وتلك القضية؛ له أثر في الحكم الشرعي.
- مثال آخر: مثلاً الحكم على الدول، والحكم على الأوضاع؛ بأن دولاً ما مسلمة أو غير مسلمة؛ كيف يتهيأ لي أن أحكم على دولة بأنها مسلمة أو غير مسلمة دون أن نعرف حقيقة أمرها ودون أن أفهم واقعها؟!
هذا أمر لا بدَّ أن يفهم الواقع فيه، حتى يصدر العالم الحكم الشرعي، فإذا فهم ذلك الواقع؛ أصدر الحكم الشرعي بناءً على فهمه لذلك الواقع.
- ومن ذلك أيضاً مثلاً: الجماعات الإسلامية الكثيرة، التي قامت في وقتنا الحاضر مختلفة، وبعضها يختلف عن بعض؛ هل يتسنَّى للعالم الشرعي أن يحكم عليها، أو أن يقيِّمها؛ دون أن يفهم واقعها، وما هي عليه من المعتقدات؟ ومن الأصول؟ ومن المناهج؟ ومن الأفكار والرأي؟ وكيف سبيل دعوتها؟
لا يمكن له...
لا بدَّ إذن من أن يفهم واقعها؛ لأن فهم الواقع هنا له أثر في الحكم الشرعي، ومَن حكم دون فهم ذلك الواقع؛ فإن حكمه الشرعي لن يوافق صواباً.
* القسم الثاني: أحوال وقضايا فهم الواقع فيها لا أثر له في الحكم الشرعي:
- فمن ذلك مثلاً: ما يتردد بين الخصمين عند القاضي: يأتي خصمان عند قاض، هذا يبدي ما حصل له في المسألة؛ ما حصل بينه وبين خصمه، وحصل كذا وكذا بكلام يطول- يعلمه القضاة -، لكن كل ذلك الكلام الكثير الذي هو من الواقع لا يثبته القاضي في القضية؛ لأنه وإن كان واقعاً؛ فإنه لا أثر له على الحكم، وإنما هو واقع لا ينبني عليه الحكم.
ولذلك يقول المفتي أو يقول القاضي في مثل ذلك: ولو كان كذا، ولو كان كذا؛ يعني: أن ما ذكرته من الواقع لا أثر له شرعاً في الحكم الشرعي.
- مثال آخر: مثلاً نرى في وقتنا الحاضر وهذا مثال أقرب به إلى الأذهان هذه المسألة أن كثيراً من الدعاة كبار السن بعض الشيء يخالطون صغار السن، ويدعونهم ويرشدونهم ويحببون لهم الهدى والصلاح، إما في المنتديات العامة، أو في المكتبات، أو في نحو ذلك.
ونحن نعلم أنه يحصل من اختلاط الكبار بالصغار مفاسد بل ومحرمات -، ونعلم ذلك من بعض الأحوال على وجه التفصيل.
وفهمنا لذلك الواقع لا يجعلنا نحكم على دعوة الكبار للصغار بأنها لا تجوز.
وإنما فهم ذلك الواقع السيئ لا أثر له في الحكم على الدعوة بأنها غير مشروعة من الكبير للصغير.
ولكن فهمنا لذلك الواقع فيه عرض لمسألة أخرى، وهي: أن ينصح ويرشد مَن وقع في الخطأ، أو وقع في محرم، أو لبس شيئا غير شرعي، أو لا يرضاه الله: أن ننصحه بالتوبة.
فكان ذلك الواقع فهمه لا أثر في الحكم الشرعي من الجواز وعدمه، وإنما له أثر في النصيحة هناك في من وقع في ذلك الأمر، حتى يقوم بالحق دون إتيان بالمنكر، أو دون غشيان لما لا يحبُّه الله ورسوله.
هذه أمثلة لا أطنب فيها، إنما هي لتقريب الأمر إليكم.
- مثال أيضاً مما ينبغي أن ينبَّه عليه: أن هناك أحكاماً شرعية يعتقد الناس والعامة فيها اعتقاداً غير صحيح، مثال ذلك: النبي - صلى الله عليه وسلم - ثبت عنه في الصحيح أنه بال واقفاً.
فالبول واقفاً عند أمن تطاير الرشاش والبول والنجاسة على البدن أو على الثياب جائز؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعله.
ولكن الجهال والعامة يعتقدون فيمن فعل ذلك الفعل أنه وقع في خطأ، وأنه فعل فعلاً من خوارم المروءة، وأنه كذا وكذا....
هذا الاعتقاد منهم اعتقاد الجهال لا يعني أن الحكم غير صحيح، أو لا يؤخذ به، وإنما هذا الأمر بجواز البول واقفاً لا شك أنه ثابت وصحيح، لا مراء في ذلك، وخطأ الجاهل في اعتقاده، وخطأ الجاهل في تصوره فيما يتعلَّق بذلك الحكم الشرعي أو بأي حكم تعلق الجاهل فيه باعتقاد خطأ علاجه بتوعية الجاهل، ليس علاجه بتغيير ما رآه العالم حكماً شرعيّاً صحيحاً.
المصدر: الضوابط الشرعية لموقف المسلم من الفتن ،للشيخ صالح آل الشيخ