بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
فإن من أشرف وأجل وأنفس ما كتب شيخ الإسلام = كتابه القواعد الكلية النورانية الفقهية .
وقد رأيتُ بعضَ الناس قد استشكلوا اسم الكتاب وعلاقته بباب القواعد الفقهية ؛ لما رأوه من غلبة الفروع عليه .
وقال بعضهم: ((فالكتاب يدور موضوعه حول البحث في المسائل الفقهية في العبادات والمعاملات ،لا سيما المسائل المختلف فيها بين الفقهاء،فقد توسع شيخ الإسلام في ذلك وكأنه أراد حسم (!!)النزاع الحادث بين الفقهاء في هذه الأبواب))
قلت : فالأول جهل مراد المصنف والثاني أضل عنه.
والشيخ-رحمه الله- أراد كما هو عنوان الكتاب بيان بعض القواعد الكلية التي تُساعد على الاستنباط وتعين على الترجيح وتكشف عن مراد الله ومراد رسوله ، ولكن طبيعة الشيخ الاستطرادية أسقطت تلك القواعد الكلية في زحمة مقدماتها وأمثلتها ،حتى إن قاعدة كالتي ذكرناها هنا برقم (7) قدم لها بكلام طويل ومسائل كثيرة ترجع جميعها لهذه القاعدة ومع ذلك لم تُذكر القاعدة سوى بعد خمسين صفحة (طبعة الرشد) من تلك المسائل التي هي مسوقة في الأصل لبيان أن جماع الصواب فيها في تلك القاعدة.
والمتأمل في تلك القواعد يجد فيها ما يدخل تحت القواعد الأصولية،وما يدخل تحت القواعد الفقهية،وما يدخل تحت القواعد المقاصدية،ويجمع بينها جميعها كونها من كليات الشرع المعينة لمن تدبرها على تبين الفروع وفقه مراد الله ومراد رسوله.
وقد ارتأيتُ تجريدها على ترتيب ورودها وعزوها لمجموع الفتاوى (حلاً لمشكلة تعدد الطبعات)، والغرض من تجريد هذه القواعد = تعميم الفائدة بها ؛وتشويق النفوس لمراجعة سياقها في الكتاب نفسه؛ والتقريب لمن أرادها مصكوكة مجموعة.
1- ما حرمه رسول الله إنما هو زيادة تحريم ليس نسخا للقرآن ..فتحريم رسول الله صلى الله عليه وسلم رافع للعفو ليس نسخاً للقرآن(21/8).
2- التشديد فى النجاسات جنسا وقدرا هو دين اليهود والتساهل هو دين النصارى ودين الإسلام هو الوسط فكل قول يكون فيه شىء من هذا الباب يكون أقرب الى دين الإسلام(21/18).
3- وهذا أصل مستمر له (أي لأحمد)فى جميع صفات العبادات أقوالها وافعالها يستحسن كل ما ثبت عن النبى من غير كراهة لشىء منه مع علمه بذلك واختياره للبعض أو تسويته بين الجميع كما يجوز القراءة بكل قراءة ثابته وإن كان قد اختار بعض القراءة مثل أنواع الأذان والإقامة وأنواع التشهدات الثابتة عن النبى كتشهد ابن مسعود وأبى موسى وابن عباس وغيرهم....وإنما الضلالة حق الضلالة أن ينهى أحد عما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم(22/69)
4- مسألة البسملة فإن الناس اضطربوا فيها نفيا وإثباتا فى كونها آية من القرآن وفى قراءتها وصنفت من الطرفين مصنفات يظهر فى بعض كلامها نوع جهل وظلم مع أن الخطب فيها يسير
5- وأما التعصب لهذه المسائل ونحوها فمن شعائر الفرقة والاختلاف الذى نهينا عنها إذ الداعى لذلك هو ترجيح الشعائر المفترقة بين الأمة وإلا فهذه المسائل من أخف مسائل الخلاف جدا لولا ما يدعو إليه الشيطان من إظهار شعار الفرقة(22/405)
6- ويستحب للرجل أن يقصد إلى تأليف القلوب بترك هذه المستحبات لأن مصلحة التأليف فى الدين أعظم من مصلحة فعل مثل هذا كما ترك النبى صلى الله عليه و سلم تغيير بناء البيت لما فى إبقائه من تأليف القلوب(2/407).
7- والاعتدال فى كل شىء استعمال الاثار على وجهها...فمتابعة الآثار فيها الاعتدال والإئتلاف،والتو سط الذي هو أفضل الأمور.(22/408)
8- والعمل لا يكون منفيا إلا إذا انتفى شىء من واجباته فأما إذا فعل كما أوجبه الله عز و جل فإنه لا يصح نفيه لانتفاء شىء من المستحبات التى ليست بواجبة وأما ما يقوله بعض الناس إن هذا نفى للكمال كقوله: (( لا صلاة لجار المسجد إلا فى المسجد ))فيقال له نعم هو لنفى الكمال لكن لنفى كمال الواجبات أو لنفى كمال المستحبات فأما الأول فحق وأما الثانى فباطل لا يوجد مثل ذلك فى كلام الله عز و جل ولا فى كلام رسوله قط وليس بحق؛ فإن الشىء إذا كملت واجباته فكيف يصح نفيه وأيضا فلو جاز لجاز نفى صلاة عامة الأولين والآخرين لأن كمال المستحبات من أندرالأمور وعلى هذا فما جاء من نفى الأعمال فى الكتاب والسنة فإنما هو لانتفاء بعض واجباته.
9- وأيضا فإن مداومته على ذلك فى كل صلاة كل يوم مع كثرة الصلوات من أقوى الأدلة على وجوب ذلك إذ لو كان غير واجب لتركه ولو مرة ليبين الجواز أو ليبين جواز تركه بقوله فلما لم يبين لا بقوله ولا بفعله جواز ترك ذلك مع مداومته عليه كان ذلك دليلا على وجوبه(22/567).
10- التوسط بين إهمال بعض واجبات الشريعة رأساً - كما قد يبتلى به بعضهم- وبين الإسراف في ذلك الواجب،حتى يفضي إلى ترك غيره من الواجبات التي هي أوكد منه عند العجز عنه،إن كان ذلك الأوكد مقدوراً عليه ، كما قد يُبتلى به آخرون،فإن فعل المقدور عليه من ذلك دون المعجوز عنه هو الوسط بين الأمرين(23/247).
11- إذا تعذر جمع الواجبين : قدم راجحهما،وسقط الآخر بالعجز الشرعي.(23/250).
12- الحكم مع الحاجة يخالف الحكم مع عدم الحاجة.(23/371)
13- كل واحد من الواجبات والمستحبات الراتبة يسقط بالعذر العارض بحيث لا يبقى (لا واجباً ولا مستحباً).(23/103)
14- قد يجب أو يستحب للأسباب العارضة مالايكون واجباً ولا مستحباً راتباً.(23/104)
15- العبادات في ثبوتها وسقوطها تنقسم إلى راتبة وعارضة وسواء في ذلك ثبوت الوجوب أو الاستحباب أو سقوطه وإنما تغلط الأذهان من حيث تجعل العارض راتبا أو تجعل الراتب لا يتغير. بحال ومن اهتدى للفرق بين المشروعات الراتبة والعارضة انحلت عنه هذه المشكلات انحلالا كثيرا.(23/104).
16- مصلحة وجوب العين قد يعارضها أحياناً في القيمة من المصلحة الراجحة وفي العين من المشقة المنتفية شرعاً.(25/46).
17- فان أنواع التطوعات دائما اوسع من انواع المفروضات؛ توسيعا من الله على عباده فى طرق التطوع.(25/120).
18- لم تُحرم أصول الشريعة الاحتياط ، ولم توجب بمجرد الشك.(25/124).
19- والترك الراتب سنة كما ان الفعل الراتب سنة بخلاف ما كان تركه لعدم مقتض أو فوات شرط أو وجود مانع وحدث بعده من المقتضيات والشروط وزوال المانع ما دلت الشريعة على فعله حينئذ كجمع القرآن فى المصحف وجمع الناس فى التراويح على إمام واحد وتعلم العربية وأسماء النقلة للعلم وغير ذلك ما يحتاج إليه فى الدين بحيث لا تتم الواجبات أو المستحبات الشرعية إلا به وإنما تركه صلى الله عليه و سلم لفوات شرطه أو وجود مانع فأما ما تركه من جنس العبادات مع أنه لو كان مشروعا لفعله أو أذن فيه ولفعله الخلفاء بعده والصحابة فيجب القطع بان فعله بدعة وضلالة.(26/172).
20- العقود تصح بكل ما دل على مقصودها من قول أو فعل.(29/13).
21- العبرة بالفطر التي لم يُعارضها ما يغيرها (29/15).
22- تصرفات العباد من الأقوال و الأفعال نوعان عبادات يصلح بها دينهم و عادات يحتاجون إليها فى دنياهم فباستقراء أصول الشريعة نعلم أن العبادات التى أوجبها الله أو أحبها لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع و أما العادات فهي ما اعتاده الناس فى دنياهم مما يحتاجون إليه و الأصل فيه عدم الحظر فلا يحظر منه إلا ما حظره الله سبحانه و تعالى و ذلك لأن الأمر و النهي هما شرع الله و العبادة لابد أن تكون مأمورا بها فما لم يثبت أنه مأمور به كيف يحكم عليه بأنه عبادة و ما لم يثبت من العبادات أنه منهي عنه كيف يحكم عليه بأنه محظور.(29/16).
23- التفصيل فى اختلاف الناس فى لازم المذهب هل هو مذهب أو ليس بمذهب هو أجود من إطلاق أحدهما فما كان من اللوازم يرضاه القائل بعد و ضوحه له فهو قوله و ما لا يرضاه فليس قوله (29/42).
24- وسبب الفرق بين أهل العلم و أهل الأهواء مع و جود الاختلاف في قول كل منهما أن العالم قد فعل ما أمر به من حسن القصد و الاجتهاد وهو مأمور فى الظاهر باعتقاد ما قام عنده دليله و إن لم يكن مطابقا لكن اعتقادا ليس بيقينى كما يؤمر الحاكم بتصديق الشاهدين ذوي العدل و إن كانا فى الباطن قد أخطآ أو كذبا و كما يؤمر المفتى بتصديق المخبر العدل الضابط أو باتباع الظاهر فيعتقد ما دل عليه ذلك و إن لم يكن ذلك الاعتقاد مطابقا فالاعتقاد المطلوب هو الذي يغلب على الظن مما يؤمر به العباد و إن كان قد يكون غير مطابق و إن لم يكونوا مأمورين في الباطن باعتقاد غير مطابق قط
فإذا اعتقد العالم اعتقادين متناقضين فى قضية أو قضيتين مع قصده للحق و اتباعه لما أمر باتباعه من الكتاب و الحكمة عذر بما لم يعلمه و هو الخطأ المرفوع عنا بخلاف أصحاب الأهواء فإنهم إن يتبعون إلا الظن و ما تهوى الأنفس و يجزمون بما يقولونه بالظن و الهوى جزما لا يقبل النقيض مع عدم العلم بجزمه فيعتقدون ما لم يؤمروا باعتقاده لا باطنا و لا ظاهرا و يقصدون ما لم يؤمروا بقصده و يجتهدون اجتهادا لم يؤمروا به فلم يصدر عنهم من الاجتهاد و القصد ما يقتضي مغفرة ما لم يعلموه فكانوا ظالمين شبيها بالمغضوب عليهم أو جاهلين شبيها بالضالين .
فالمجتهد الاجتهاد العلمي المحض ليس له غرض سوى الحق و قد سلك طريقه و أما متبع الهوى المحض فهو من يعلم الحق و يعاند عنه .
و ثم قسم آخر و هو غالب الناس و هو أن يكون له هوى فيه شبهة فتجتمع الشهوة و الشبهة و لهذا جاء في حديث مرسل عن النبى صلى الله عليه و سلم أنه قال : ((ان الله يحب البصر النافذ عند و رود الشبهات و يحب العقل الكامل عند حلول الشهوات)) فالمجتهد المحض مغفور له و مأجور و صاحب الهوى المحض مستوجب للعذاب و أما المجتهد الاجتهاد المركب من شبهة و هوى فهو مسيء و هم في ذلك على درجات بحسب ما يغلب و بحسب الحسنات الماحية و أكثر المتأخرين من المنتسبين إلى فقه أو تصوف مبتلون بذلك (29/43).
25- من المحال أن يحرم الشارع علينا أمرا نحن محتاجون إليه ثم لا يبيحه إلا بحيلة لا فائدة فيها و إنما هي من جنس اللعب (29/45).
26- من اتقى الله و أخذ ما أحل له و أدى ما و جب عليه فإن الله لا يحوجه إلى الحيل المبتدعة أبدا فإنه سبحانه لم يجعل علينا فى الدين من حرج و إنما بعث نبينا صلى الله عليه و سلم بالحنيفية السمحة(29/46).
27- وأصل هذا أن الله سبحانه إنما حرم علينا المحرمات من الأعيان كالدم و الميتة و لحم الخنزير أو من التصرفات كالميسر و الربا و ما يدخل فيهما من بيوع الغرر و غيره لما في ذلك من المفاسد التى نبه الله عليها و رسوله و إذا كانت مفسدة بيع الغرر هي كونه مظنة العداوة و البغضاء و أكل الأموال بالباطل فمعلوم أن هذه المفسدة إذا عارضتها المصلحة الراجحة قدمت عليها كما أن السباق بالخيل و السهام و الإبل لما كان فيه مصلحة شرعية جاز بالعوض و إن لم يجز غيره بعوض(29/48).
28- والحاجة الشديدة يندفع بها يسير الغرر(29/49).
29- و الشريعة جميعها مبنية على أن المفسدة المقتضية للتحريم إذا عارضتها حاجة راجحة أبيح المحرم(29/49).
30- فتبين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قدم مصلحة جواز البيع الذي يُحتاج إليه على مفسدة الغرر اليسير كما تقتضيه أصول الحكمة التى بعث بها صلى الله عليه و سلم و علمها أمته (29/51).
31- يرجع الأمر الى أن الصفقة إذا كان فى تفريقها ضرر جاز الجمع بينهما فى المعاوضة و إن لم يجز إفراد كل منهما لأن حكم الجمع يخالف حكم التفريق (29/71).
32- كل مالا يتم المعاش إلا به : فتحريمه حرج،وهو منتف شرعاً. و الغرض من هذا أن تحريم مثل هذا مما لا يمكن الأمة التزامه قط لما فيه من الفساد الذي لا يطاق فعلم أنه ليس بحرام بل هو أشد من الأغلال و الآصار التى كانت على بنى إسرائيل و وضعها الله عنا على لسان محمد صلى الله عليه و سلم و من استقرأ الشريعة في مواردها و مصادرها و جدها مبنية على قوله تعالى: { فمن اضطر غير باغ و لا عاد فلا إثم عليه }و قوله : {فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم }فكل ما احتاج الناس إليه فى معاشهم و لم يكن سببه معصية هي ترك و اجب أو فعل محرم لم يحرم عليهم لأنهم فى معنى المضطر الذى ليس بباغ و لا عاد. سببه معصية كالمسافر سفر معصية اضطر فيه الى الميتة و المنفق للمال فى المعاصي حتى لزمته الديون فانه يؤمر بالتوبة و يباح له ما يزيل ضرورته فتباح له الميتة و يقضى عنه دينه من الزكاة و إن لم يتب فهو الظالم لنفسه المحتال. (29/64).
33- لام التعريف تنصرف إلى ما يعرفه المخاطبون فإن كان هناك شخص معهود أو نوع معهود انصرف الكلام إليه كما انصرف اللفظ إلى الرسول المعين فى قوله تعالى : {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا} و في قوله: { فعصى فرعون الرسول} أو إلى النوع المخصوص نهيه عن بيع الثمر فانه لا خلاف بين المسلمين أن المراد بالثمر هنا الرطب دون العنب و غيره و إن لم يكن معهود شخصي و لا نوعي انصرف إلى العموم فالبيع المذكور للثمر هو بيع الثمر الذي يعهدونه دخل كدخول القرن الثانى و القرن الثالث فيما خاطب به الرسول أصحابه و نظير هذا ما ذكره أحمد فى نهي النبى صلى الله عليه و سلم عن بول الرجل فى الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه فحمله على ما كان معهودا على عهده من المياه الدائمة كالآبار و الحياض التى بين مكة و المدينة فأما المصانع الكبار التى لا يمكن نزحها التى أحدثت بعده فلم يدخله فى العموم لوجود الفارق المعنوي و عدم العموم اللفظي (29/83).
34- انظر فى عموم كلام الله عز و جل و رسوله لفظا و معنى حتى تعطيه حقه و أحسن ما تستدل به على معناه آثار الصحابة الذين كانوا أعلم بمقاصده فان ضبط ذلك يوجب توافق أصول الشريعة و جريها على الأصول الثابتة (29/86).
35- و ذلك لأن النفوس اذا اعتادت المعصية فقد لا تنفطم عنها انفطاما جيدا إلا بترك ما يقاربها من المباح كما قيل لا يبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يجعل بينه و بين الحرام حاجزا من الحلال كما أنها أحيانا لا تترك المعصية إلا بتدريج لا تتركها جملة ، فهذا يقع تارة و هذا يقع تارة
36- ؛ولهذا يوجد فى سنة النبى صلى الله عليه و سلم لمن خشي منه النفرة عن الطاعة الرخصة له فى أشياء يستغنى بها عن المحرم و لمن و ثق بايمانه و صبره النهي عن بعض ما يستحب له تركه مبالغة فى فعل الأفضل و لهذا يَستحب لمن و ثق بايمانه و صبره من فعل المستحبات البدنية و المالية كالخروج عن جميع ماله مثل ابى بكر الصديق ما لا يَستحب لمن لم يكن حاله كذلك كالرجل الذي جاءه ببيضة من ذهب فحذفه بها فلو أصابته لأوجعته ثم قال: (( يذهب أحدكم فيخرج ماله ثم يجلس كلا على الناس))(29/113)
37- و إذا قال لهم النبى صلى الله عليه و سلم لا تكروا المزارع فإنما أراد الكراء الذي يعرفونه كما فهموه من كلامه و هم أعلم بمقصوده و كما جاء مفسرا عنه أنه رخص فى غير ذلك الكراء و مما يشبه ذلك ما قرن به النهي من المزابنة و نحوها و اللفظ و إن كان فى نفسه مطلقا فانه إذا كان خطابا لمعين فى مثل الجواب عن سؤال أو عقب حكاية حال و نحو ذلك فإنه كثيرا ما يكون مقيدا بمثل حال المخاطب كما لو قال المريض للطبيب أن به حرارة فقال له لا تأكل الدسم فانه يعلم أن النهي مقيد بتلك الحال (29/111).
38- فإنك تجد كثيرً ممن تكلم فى هذه الأمور إما أن يتمسك بما بلغه من ألفاظ يحسبها عامة أو مطلقة أو بضرب من القياس المعنوي أو الشبهى فرضي الله عن أحمد حيث يقول: (( ينبغي للمتكلم فى الفقه أن يجتنب هذين الأصلين المجمل و القياس)) و قال أيضا : ((أكثر ما يخطىء الناس من جهة التأويل و القياس)) ثم هذا التمسك يفضي إلى ما لا يمكن اتباعه ألبتة (29/126).
39- فاذا ظهر أن لعدم تحريم العقود و الشروط جملة و صحتها أصلان الأدلة الشرعية العامة و الأدلة العقلية التى هي الاستصحاب و انتفاء المحرم فلا يجوز القول بموجب هذه القاعدة فى أنواع المسائل و أعيانها إلا بعد الاجتهاد فى خصوص ذلك النوع أو المسألة هل و رد من الأدلة الشرعية ما يقتضى التحريم أم لا أما إذا كان المدرك الاستصحاب و نفي الدليل الشرعي فقد أجمع المسلمون و علم بالاضطرار من دين الإسلام أنه لا يجوز لأحد ان يعتقد و يفتى بموجب هذا الاستصحاب و النفي إلا بعد البحث عن الأدلة الخاصة إذا كان من أهل ذلك فان جميع ما أوجبه الله و رسوله و حرمه الله و رسوله مغير لهذا الاستصحاب فلا يوثق به إلا بعد النظر فى أدلة الشرع لمن هو من أهل لذلك و أما إذا كان المدرك هو النصوص العامة فالعام الذي كثرت تخصيصاته المنتشرة أيضا لا يجوز التمسك به إلا بعد البحث عن تلك المسألة هل هي من المستخرج أو من المستبقى و هذا أيضا لا خلاف فيه
وإنما اختلف العلماء فى العموم الذي لم يعلم تخصيصه أو علم تخصيص صور معينة منه هل يجوز استعماله فيما عدا ذلك قبل البحث عن المخصص المعارض له فقد اختلف فى ذلك أصحاب الشافعي و احمد و غيرهما و ذكروا عن احمد فيه روايتين و أكثر نصوصه على أنه لا يجوز لأهل زمانه و نحوهم استعمال ظواهر الكتاب قبل البحث عما يفسرها من السنة و أقوال الصحابة و التابعين و غيرهم و هذا هو الصحيح الذى اختاره أبو الخطاب و غيره فان الظاهر الذي لا يغلب على الظن انتفاء ما يعارضه لا يغلب على الظن مقتضاه فإذا غلب على الظن انتفاء معارضه غلب على الظن مقتضاه و هذه الغلبة لا تحصل للمتأخرين فى أكثر العمومات إلا بعد البحث عن المعارض سواء جعل عدم المعارض جزءا من الدليل فيكون الدليل هو الظاهر المجرد عن القرينة كما يختاره من لا يقول بتخصيص الدليل و لا العلة من أصحابنا و غيرهم أو جعل المعارض المانع من الدليل فيكون الدليل هو الظاهر لكن القرينة مانعة لدلالته كما يقوله من يقول بتخصيص الدليل و العلة من أصحابنا و غيرهم و ان كان الخلاف فى ذلك إنما يعود إلى اعتبار عقلي أو إطلاق لفظي أو اصطلاح جدلي لا يرجع إلى أمر علمي أو فقهي (29/166)
40- و الشارع لا يحظر على الإنسان إلا ما فيه فساد راجح أو محض فإذا لم يكن فيه فساد أو كان فساده مغمورا بالمصلحة لم يحظره أبدا(29/180).
41- الاعتبار في الكلام : بمعنى الكلام لا بلفظه (35/257).
42- ليس فى شريعتنا ذنب إذا فعله الإنسان لم يكن له مخرج منه بالتوبة إلا بضرر عظيم فان الله لم يحمل علينا إصراً كما حمله على الذين من قبلنا فهب هذا قد أتى كبيرة من الكبائر فى حلفه بالطلاق ثم تاب من تلك الكبيرة فكيف يناسب أصول شريعتنا أن يبقى اثر ذلك الذنب عليه لا يجد منه مخرجاً.
تمت بحمد الله