بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على خاتم الأنبياء و المرسلين ، سيدنا محمد وعلى آله و صحبه أجمعين .
و بعد ..
فهذه عجالة نجيب فيها عن بعض الشبه التي أوردتها إحدى الطالبات البهائيات مما يوهم نبوة البهاء و صحة ديانته . و رغم أنّ الأمر جلي ، و الشمس واضحة ، إلا أنّه لابد من كشف النقاب لمن في ذهنه بعض الضباب ، فنقول أولاً :
إنّ ما يسمى بدين البهائية لا صلة له بالإسلام ، و لا علاقة له بدين محمد خير الأنام ، و أنّ الفرقة البهائية ليست من الفرق الإسلامية في شيء ؛ إذ جميع الفرق الإسلامية تؤمن بدين الإسلام ، و أنه الدين الباقي إلى يوم القيامة ، بينما تزعم البهائية بأنّه دين منسوخ برسالة البهاء . و كذلك تؤمن جميع الفرق الإسلامية بأنّ محمداً صلى الله عليه و سلم هو خاتم الأنبياء و المرسلين ، بينما تزعم البهائية أن البهاء نبي و رسول جاء بعد محمد صلى الله عليه و سلم بدين جديد مخالف لما عليه بقية الفرق الإسلامية جمعاء ، و بهذا يتبين جلياً أنّ البهائية ليست من الإسلام في شيء ، و إذا ثبت ذلك ثبت أنّها فرقة ضالة مصيرها إلى الهاوية و بئس المصير لقوله تعالى : ((وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)) آل عمران 85 .
فكان ينبغي لنا الوقوف عند هذا الحد ، و أنّ نطوي سجل النقاش و الجدال فليس بعد الحق إلا الضلال المبين ، إلا أنّه لما كان بعض الناس قد تلتبس عليه بعض الأمور أو تعرض له الشبه ، وجب التنبيه على أشياء أساسية تنير الطريق و تهدى إلى صراط العزيز الحميد .
و من هذه الأشياء أنّ نسأل هل البهاء نبي و رسول ؟
لا شك أنّه لا نبوة بغير وحي و لا رسالة بغير نبوة ، و عليه فلن يكون البهاء رسولا حتى يكون نبياً ، و كيف يكون نبياً و قد ختم الله تعالى الأنبياء بمحمد صلى الله عليه و سلم ، فقال ((مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ)) الأحزاب 40 . فإذا ثبت أنّ محمداً صلى الله عليه و سلم خاتم النبيين و أنّه كما قال في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري و مسلم و غيرهما ( إنّه لا نبي بعدى ) ثبت أنّ البهاء ليس بنبي و إذا ثبت أنّه ليس بنبي فهو ليس برسول من باب أولى ، لأنّ النبوة أعم من الرسالة و الرسالة أخص ، إذ كل رسول نبي و لا عكس ، و إذا انتفى وجود الأعم انتفى وجود الأخص ، فينتفي كون البهاء رسولاً . و مثال ذلك أن الإنسان أخص من الحيوان لأنّ الإنسان حيوان ناطق فيكون الحيوان أعم منه ، فإذا قلت : لا يوجد في الدار إنسان لم يلزم من ذلك نفي أن يكون فيها حيوان كأن يكون فيها فرس أو حمار مثلاً ، و أما إذا قلت : لا يوجد في الدار حيوان فيلزم من ذلك أنّه لا يوجد فيها إنسان ، و لذلك كان القرآن بليغا حين نفى الأعم و هو النبوة حيث يلزم منها نفي الأخص و هو الرسالة .
ثم لو كان البهاء رسولاً فنسأل ما هي معجزته ؟
إذ ما من رسول أرسله الله تعالى للناس إلا و أيّده بما على مثله آمن الناس . فرسول الله صالح عليه السلام حين طلب منه قومه أنّ يأتيهم بآية تدل على أنّه رسول أخرج لهم من الصخرة ناقة تأكل و تشرب ، و موسى عليه السلام ألقى عصاه فإذا هي حية تسعى ، و أخرج يده فإذا هي بيضاء للناظرين ، و عيسى عليه السلام كان يحيي الموتى بإذن الله و يبريء الأكمه و الأبرص بإذن الله و يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله ، و محمد صلى الله عليه و سلم لمّا كانت رسالته خالدة إلى يوم القيامة أيّده الله تعالى بمعجزة خالدة إلى يوم القيامة ، و هي القرآن الكريم المعجز في ألفاظه و تراكيبه و بلاغته و أحكامه و نظامه ، و في كل ما حواه ، فحين كذّبه قومه في أنه رسول طلب منهم أن يأتوا بمثله فعجزوا فطلب منهم أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا ، و هكذا لا يزال الناس عاجزين إلى يومنا هذا ، بل حتى مع التقدم العلمي الذي وصلت إليه البشرية نجد القرآن لا يزال معجزاً ، فما من نظرية علمية صحيحة أو اكتشاف علمي اكتشفه العلماء في شتى مجالات العلم سواء في الفلك أو الجولوجيا أو الطب أو البحار ، إلا و في القرآن إشارة إلى ذلك ، مما دعا كثيراً من علماء الغرب و الشرق المنصفين إلى أنّ يؤمنوا بهذا الدين العظيم .
و السؤال الآن ما هي المعجزة التي أتى بها البهاء ليثبت بها أنه رسول !! إنه لم يأت بشيء ،
فالمعجزة ، و التي هي : أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي مع عدم المعارضة ، كناقة صالح و عصا موسى و قرآن محمد ، معدومة في حق البهاء إذ لم نر منه أمراً خارقاً للعادة سالما ًمن المعارضة ، بل لم نر له إلا التخبط و التخليط ، ((قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )) البقرة 111 .
و أما ما يدعيه بعض البهائيين من أنّه إله ، فنحن لسنا في حاجة إلى ألوهيته !! و يكفينا الله الذي لا إله إلا هو ، و كيف يكون البهاء إلهاً و قد مات و تركنا !!
و الآن إلى الإجابة عن بعض الشبه التي أثارتها إحدى الطالبات البهائيات :
فقد ادعت أنّ القرآن الكريم لم ينص على إغلاق باب الوحي و التنزيل و إرسال المرسلين ؛ لأنّ الأرض تفتقر دوماً إلى هداية السماء ، و الهداية الإلهية مستمرة لا تنقطع عن البشرية .
و قد أجبنا عن هذا الادعاء فيما مضى من أن القرآن الكريم نص على أن محمداً هو خاتم الأنبياء و المرسلين ، و به اغلق باب الوحي ، و هدايته مستمرة إلى يوم القيامة .
ثم ذكرت بعض الآيات القرآنية للاستدلال على استمرارية الرسل ، فمن ذلك أنها قالت :
1- تنزيل الرسل مستمر حتى و لو كان في الأرض ملائكة : ((قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا)) الإسراء 95 .
و نقول هذا فهم خاطيء ؛ إذ ليس في الآية ما يدل على استمرارية الرسل ، و إنما هو رد على المشركين حين امتنعوا عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه و سلم بعد وضوح المعجزات ، لاستبعادهم أن يرسل الله تعالى رسولاً إلى الخلق من البشر ، فلماذا يكون بشراً و لا يكون ملكاً و ذلك كما قال قوم نوح ((مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آَبَائِنَا الْأَوَّلِينَ)) المؤمنون 24 . و قد بترت هذه الأخت سياق الآية إذ قبلها، ((وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا * قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا )) . و هذا البتر هو سبب الفهم الخاطيء .
2- هناك رسل بعد سيدنا موسى : ((وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ )) البقرة 87 . و كلمة الرسل هنا جمع ، أي تعني ثلاثة أو أكثر و قد جاء بعد موسى عيسى ثم محمد عليهما السلام و هما مثنى فمن هو الثالث طبقا لنص الكتاب ؟
قلت : و هي تريد بالثالث البهاء ، و هو بعيد فإنّ الله تعالى أرسل بعد موسى رسلاً كثيرين و لكن ليس منهم البهاء ، حيث أرسل بعد موسى داوود و سليمان و إلياس و اليسع و يونس و زكريا و يحي و عيسى ، و هؤلاء كلهم بين موسى و محمد عليهما السلام .

3- الرسل مستمرون لبني آدم : ((يَا بَنِي آَدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي )) الأعراف 85 . و بني آدم نداء لعامة المسلمين كما في قوله ((يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ )) الأعراف 31 .
و الجواب أولاً ليس في الآية دليل على استمرارية الرسل و إنما هو شرط بأنّه إن يجئكم رسلي الذين أرسلتهم إليكم ، فمن آمن يدخل الجنة و من كفر يدخل النار ، كما قال تعالى : ((يَا بَنِي آَدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )) . فقوله : إمّا عبارة عن إن الشرطية مدغمة في ما الزائدة للتوكيد ، و جواب الشرط قوله : فمن اتقى و أصلح ، فعدم الخوف لمن اتقى ، و الخلود في النار للمكذبين ، مترتب على إرسال الرسل ، فمتى أرسل الله الرسل فمن آمن دخل الجنة و من كفر دخل النار . ثم ليس المقصود ببني آدم هنا خصوص المسلمين بل جميع الأمم ، كما أنّه ليس المقصود ببني آدم في الآية الثانية خصوص المسلمين لأن الآية نزلت في امرأة مشركة كانت تطوف بالبيت عريانة كما ذكر ذلك المفسرون ، فينبغي الرجوع إلى كتب التفسير لمعرفة ما قاله العلماء قبل التجرؤ على كتاب الله تعالى ، ثم ينبغي فهم القرآن بسياقه و سباقه و لحاقه دون بتره و قطعه عما قبله أو بعده .
4- الرسل متلاحقة و متعاقبة :((ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا)) المؤمنون 44 .
و الجواب أنّ هذا التتابع في الرسل إنّما هو بين نوح عليه السلام و بين موسى عليه السلام ، و أما البهاء فلا حظ له هنا ، فقد قال تعالى في سورة ( المؤمنون ) آية 23 ، 24 ((وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ * فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آَبَائِنَا الْأَوَّلِينَ)) ثم تحدثت الآيات عن قصة نوح إلى الآية 31 حيث قال المولى عز و جل ((ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ )) يعنى بهم قوم عاد حيث أرسل إليهم هود عليه السلام إلى الآية 41 ثم قال عز و جل ((ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُونًا آَخَرِينَ)) و هم قوم صالح و إبراهيم و لوط و شعيب ((مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ * ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى)) و هم من مر ذكرهم من الرسل ((كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ * ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ)) المؤمنون 45 . فتبين أنّ هذا التتابع إنّما هو بين نوح و موسى و لا مكان للبهاء هنا . و لولا بتر الآيات ، لفهم المراد من غير لبس و لا إشكال .
5- الرسول محمد صلى الله عليه و سلم له فترة : ((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ )) المائدة 19 .
و الجواب أنّ المقصود بالفترة ، هو المدة تقع بين زمنين أو نبيين يعني أنّ محمداً صلى الله عليه و سلم أرسله الله تعالى على فترة زمنية بينه و بين عيسى عليه السلام و مدتها 560 سنة لم يرسل فيها رسول ، أي أنّ محمداً جاء يبين شرائع الدين على انقطاع من الرسل و دروس من الدين.

6- توقيت ظهور الرسل مؤجل ليوم القيامة : ((وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ * لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ * لِيَوْمِ الْفَصْلِ )) المرسلات 11-13
و الجواب أنّه ليس معنى الآية أنّ الرسل مستمر ظهورهم إلى يوم القيامة ، و إنّما المعنى أنّ الرسل يُجعل لهم وقت محدد و مؤجل للفصل بينهم و بين أممهم من المكذبين و هو يوم القيامة ، لأنّ أصل أقتت : وقتت بمعنى جعل لها وقت محدد و هو تأجيلها ليوم الفصل الذي يفصل الله تعالى فيه بين الرسل و من كذبهم .
7- الرسول محمد مثله كباقي الرسل : ((وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ )) آل عمران 144 .
والجواب أنّه ليس في الآية دليل لما تصبو إليه .
8- على المؤمنين من المسلمين الإيمان بالرسول التالي : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ)) النساء 136 .
و الجواب أنّ هذا نداء للمؤمنين الذين آمنوا بالله و رسوله أن يؤمنوا بالله أي يداوموا على الإيمان بالله و أن يؤمنوا برسوله أي يداوموا على الإيمان برسوله و أن يؤمنوا بالكتاب الذي نزل على رسوله أي يداوموا على الإيمان بذلك . و ليس المعنى أن يؤمنوا برسول آخر يأتي بعد محمد لأنّ محمداً خاتم النبيين و كل من أتى بعده من الدجالين لم يأت بما يدل على رسالته ((قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )) البقرة 111
و صلى الله و سلم على محمد خاتم الأنبياء و المرسلين القائل ( إنه لا نبي بعدي )