تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 30

الموضوع: الردّ اللائق على صاحب كتاب : غوث التائق في معرفة حقيقة الياسق

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    557

    افتراضي الردّ اللائق على صاحب كتاب : غوث التائق في معرفة حقيقة الياسق

    بسم الله الرحمن الرحيم ،

    سأبدأ بحول الله تعالى وقوته بتفنيد كتاب "غوث التائق في معرفة حقيقة الياسق" ، وأرجو ممن يريد المشاركة في الحوار أن يلتزم بآدابه ، ويبتعد عن الألفاظ البذيئة وعن فحش الكلام الذي لا يليق بمسلم ..

    وأرجو من المعترض أن يتكلم بعلم ، وإن كان جاهلاً فليصمت .. وجزاكم الله خيراً .

    ----------------------------------------------

    لقد اختصر صاحبنا كلام ابن كثير - رحمه الله - ثم بنى عليه ردّه وهو مختصر ، وإنني أرى أن الأحسن له أن يورده كاملاً بتمامه ، خاصة وأن تتمته ليست طويلة ، ولا تعدو سطوراً قليلة ، وها أنا ذا أورد كلام ابن كثير كلّه كما جاء في [تفسير القرآن العظيم : 3/131]:
    قوله : { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } : ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المُحْكَم ، المشتمل على كل خير ، الناهي عن كل شر وعدل ، إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات ، التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله ، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات ، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم ، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكزخان ، الذي وضع لهم اليَساق ، وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى ، من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية ، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه ، فصارت في بنيه شرعًا متبعًا ، يقدمونه على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - . ومن فعل ذلك منهم فهو كافر ، يجب قتاله ، حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ، فلا يحكّم سواه في قليل ولا كثير
    في هذا القبس ، يذكر ابن كثير ما يلي :

    1- أن إنكار الله تعالى هو على من خرج عن حكمه إلى حكم غيره .
    2- مثّل ابن كثير لهذا الخروج بقوله : "كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات ، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم" .. وقوله : "وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكزخان" .

    فكما يُرى ، فابن كثير يتكلم هنا عمّن يحكم بمنهج وضعي ، وليس من كان أصل منهجه القرآن والسنة ثم هو عدل لهواه عن حكم الله في واقعة معيّنة ، ولهذا لم يأت على ذكرهم .. ولم يأت حتى الآن على ذكر الاعتقاد .

    3- ثم ذكر حقيقة الياسق ، وسآتي على ذلك بالشرح لاحقاً - إن شاء الله - .

    4- ثم قال : "ومن فعل ذلك منهم فهو كافر ، يجب قتاله" .. السؤال : من هو هذا الكافر الذي يجب قتاله ؟ .. هل هم أهل الياسق فقط ؟ أم من ذكرهم ابتداء في قوله : "ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المُحْكَم" ؟ .. هذا أيضاً مما سنأتي عليه لاحقاً بالشرح - إن شاء الله - .

    5- متى يمتنع القتال ويتوقف ؟ .. يقول : "حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ، فلا يحكّم سواه في قليل ولا كثير" .. ونلاحظ هنا أن الرجوع إلى حكم الله ورسوله إنما هو بتحكيمه في القليل والكثير .. فعند تحكيم الكتاب والسنة في جميع الشأن ، عندها يمتنع القتال وتنتفي علّته .

    ----------------------------------------------

    أما صاحبنا ، صاحب كتاب : غوث اللائق ، فإن له كلاماً آخر ، إذ قال في هامش [2]:

    وصف ابن كثير أحكام الياسق بـ (الشرع) يتضح معناه بوصف السبكي : [الطبقات : 1/329]: (ووضع لهم شرعاً اخترعه وديناً ابتدعه) ، وهذا بعينه ما تهدف إليه آية : { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } فقوله : (ديناً ابتدعه) دليل على استحلالهم لهذه الأحكام الجاهلية بجعلها ديناً من عند الله ، وهذا كفر
    فأولاً .. الدين هو بمعنى الطريقة والعادة والمنهج ..

    جاء في موقع شبكة الإسلام :

    بسم الله الرحمن الرحيم

    ما تعريف الدين لغة وشرعا وهل الديمقراطية والاشتراكية دين مثلا؟

    وفقكم الله وسدد خطاكم ، وشكراً.

    الفتوى :

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

    فالدين لفظ جاء في لغة العرب على معان متعددة ، منها الطريقة والمذهب والملة والعادة والشأن ، كما تقول العرب في الريح : " عادت هيفُ لأديانها " ، ويقولون : ما زال ذلك ديني وديدني ، ومنها الجزاء والمكافأة يقال : دانه بدينه ديناً أي جازاه ، ويقال : كما تدين تُدان ، أي : كما تجازي تُجازى بفعلك ، وبحسب ما عملت . ومنها سيرة الملك ومملكته . ومنه قول زهير بن أبي سلمى :
    لئن حللت بجو في بني أسد في دين عمرو وحالت بيننا فَدَكُ

    يريد موضع طاعة عمرو وسيرته .

    ومنها : السياسة ، والديان السائس ، ومنه قول ذي الإصبع :

    لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب عني ولا أنت دياني فتخزوني

    ومعنى ديَّاني سائسي .

    ومنها: الطاعة والعبودية والخضوع تحت سلطان آخر والائتمار بأمره .

    يقال : (دنتهم فدانوا) أي : قهرتهم فأطاعوا ، ومنه الحديث : " أريد من قريش كلمة تدين لهم بها العرب " أي تطيعهم وتخضع لهم .

    ومعنى الدين في الشرع وفي استخدام القرآن للفظة الدين ، لا يخرج عن المعنى اللغوي .

    فمن ذلك قول الله تعالى : (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) [يوسف:40].
    فدين الله هنا هو الخضوع له ، والانقياد لحكمه وأمره ونهيه .

    وقوله تعالى : (كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّه) [يوسف:76].

    وقوله تعالى عن فرعون : (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) [غافر:26].

    فكلمة دينكم تعني ملتكم ، وتعني كذلك نظامكم وقوانينكم وتقاليدكم التي تسيرون عليها في الدولة .

    فدين الملك سياسته ، وقانونه ، وشريعته ، ونظامه .

    وقول الله تعالى : (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) [الفاتحة:4] . يوم الجزاء والحساب والمكافأة .

    وبعد هذا نقول : من اتخذ الديمقراطية أو الاشتراكية أو أي نظام أو فكر غير الإسلام عقيدة يعتقدها ، ونظاماً يلتزمه ، وسلطة يخضع لها وينطلق عن أمرها ونهيها ، فقد دان بدين غير دين الإسلام ، ورضي عقيدة غير عقيدة الإسلام .

    والله أعلم .
    فلا يُشترط لكلمة الدين أو الشريعة أن تكون مما يُتعبد بها ، حتى تحصرهما في هذا المعنى !!!

    ولا يُشترط استحلالهم لأحكام الياسق قلبياً حتى تكون شريعة متبعة ، أو منهجاً مُطاعاً منقاداً له ، خاصة وأن ابن كثير لم يذكر الاعتقاد البتة في كلامه الآنف .

    قال ابن كثير - رحمه الله - في تفسيره :
    وقوله تعالى : {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً} قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن يوسف بن أبي إسحاق ، عن أبي إسحاق ، عن التميمي ، عن ابن عباس : {لكل جعلنا منكم شرعة} قال : سبيلاً . وحدثنا أبو سعيد ، حدثنا وكيع عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن التميمي ، عن ابن عباس : {ومنهاجاً} قال : وسنة . كذا روى العوفي عن ابن عباس : {شرعة ومنهاجاً} : سبيلاً وسنة . وكذا روي عن مجاهد ، وعكرمة ، والحسن البصري ، وقتادة ، والضحاك ، والسدي ، وأبي إسحاق السبيعي ؛ أنهم قالوا في قوله : {شرعة ومنهاجاً} : أي سبيلاً وسنة . وعن ابن عباس أيضاً ومجاهد ، وعطاء الخراساني عكسه {شرعة ومنهاجاً} أي : سنة وسبيلاً . والأول أنسب ؛ فإن الشرعة وهي الشريعة أيضاً هي ما يبتدأ فيه إلى الشيء ، ومنه يقال : شرع في كذا ، أي ابتدأ فيه ، كذا الشريعة ، وهي ما يشرع فيها إلى الماء . أما المنهاج فهو الطريق الواضح السهل ، والسنن والطرائق .

    فتفسير قوله : {شرعة ومنهاجاً} بالسبيل والسنة أظهر في المناسبة من العكس ، والله أعلم .
    ثم قال معلقّاً على كلام ابن كثير في قوله : "يقدمونه على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله" في هامش رقم [3]:
    التقديم هنا يعني : التفضيل ، وهو عمل في القلب يكفر صاحبه (=كفر قلبي) . ولا تعني كلمة (التقديم) هنا مجرد التقديم الظاهري بالحكم بغير حكم الله ، وإلا للزم منه أن يكون الذي يحكم بغير حكم الله -ولو في قضية واحدة!- مقدماً لحكمه على حكم الله ، فيلزم دخوله في هذا الإجماع وتكفيره بذلك! وهذا باطل قطعاً ، ويؤيد ما قررت أن ابن كثير ذكر "التقديم" في [البداية والنهاية : 13/119] مقروناً بالتحاكم إلى الياسق ، فدل أنهما متغايران ، إذ لو كان التقديم يعني مجرد التحاكم ، لكان تكراراً ليس له معنى! ، وعليه : فهذا التكفير خاص بالتتار وبمن حذا حذوهم في تقديم (=تفضيل) الحكم بغير شرع الله
    فأقول : دعنا أولاً نفهم كلام ابن كثير - رحمه الله - كما ينبغي ، حتى لا نفتري عليه .

    فهو قال أولاً : "فصارت في بنيه شرعًا متبعًا".. فمنهجهم في الحكم هو الياسق ، وهو ما يتبعونه .. ولم يأت هنا على ذكر الاستحلال القلبي أو المعتقد ..

    ثم قال : "يقدمونه على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله ".. فانظروا رعاكم الله إلى ذلك وتأملوه .

    فابن كثير لم يقل إنهم يقدمون الياسق على كتاب الله ، هكذا بإطلاق ، بل قال : "يقدمونه على الحكم بكتاب الله" .. فدل ذلك على أنهم يقدمون الحكم بالياسق على الحكم بالقرآن .. والحكم فعل على الجوارح ، ولم يذكر ابن كثير الاستحلال هنا أيضاً .

    أما صاحب هذا الكتاب ، فإنه أورد شبهة يدلل بها على أن ابن كثير - رحمه الله - عنى بذلك التقديم الاستحلال أو التفضيل القلبي ، فقال :
    ولا تعني كلمة (التقديم) هنا مجرد التقديم الظاهري بالحكم بغير حكم الله ، وإلا للزم منه أن يكون الذي يحكم بغير حكم الله -ولو في قضية واحدة!- مقدماً لحكمه على حكم الله ، فيلزم دخوله في هذا الإجماع وتكفيره بذلك! وهذا باطل قطعاً
    أقول : لو أنك تأملت كلام ابن كثير جيداً لعلمت المقصود ، بإذن الله .

    فهو تكلم عن شرع متبع ، واصطلاحات وضعية ، ولم يتكلم عن حكم مخالف في واقعة ما .. ودليل ذلك ذكرته آنفاً في النقطة الثانية ، فلتُراجع .

    وجاء في سياق تفسيره لهذه الآية قوله :
    وقوله : {ولا تتبع أهواءهم} : أي آراءهم التي اصطلحوا عليها ، وتركوا بسببها ما أنزل الله على رسله
    فسياق التفسير يبيّن أنه يتكلم عن الاصطلاحات والآراء الوضعية التي أبطلوا بها أصل حكم الله تعالى .. وليس من خالف في واقعة أو واقعتين لهوى في نفسه ، مع بقاء أصل الحكم لله تعالى .

    فمعنى كلام ابن كثير حينئذ هو أنه من جعل حكمه المخالف لشرع الله تعالى شرعاً متبعاً ، وسنة ومنهجاً ، يسير عليه الناس ، وأبطل به أصل العمل بحكم الله ، فهذا هو الكافر ..

    ويدل على هذا قوله : "ومن فعل ذلك منهم فهو كافر ، يجب قتاله ، حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ، فلا يحكّم سواه في قليل ولا كثير"

    فانظروا إلى ذلك .. علّة قتاله هو كفره ، ويمتنع القتال حتى يرجع إلى حكم الله فيحكم به ..

    هل قال : حتى يعتقد أن حكم الله هو الأصلح ؟ .. هل ذكر الاعتقاد بشيء ؟؟

    فلو كان التقديم هنا بمعنى التفضيل القلبي ، لما كان لذكر الرجوع إلى حكم الله والحكم به معنى ، ما دامت علة الكفر والقتال قائمة ، وهي التفضيل القلبي !

    يتبع إن شاء الله ...

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    557

    افتراضي رد: الردّ اللائق على صاحب كتاب : غوث التائق في معرفة حقيقة الياسق

    وقوله :
    ويؤيد ما قررت أن ابن كثير ذكر "التقديم" في [البداية والنهاية : 13/119] مقروناً بالتحاكم إلى الياسق ، فدل أنهما متغايران ، إذ لو كان التقديم يعني مجرد التحاكم ، لكان تكراراً ليس له معنى! ، وعليه : فهذا التكفير خاص بالتتار وبمن حذا حذوهم في تقديم (=تفضيل) الحكم بغير شرع الله
    أما كلام ابن كثير المذكور ، فهو :
    فمن ترك الشرع المحكم المنـزل على محمد بن عبدالله ، خاتم الأنبياء ، وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر ، فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه ؟ من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين .

    قال الله تعالى : { أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون } [ المائدة: 50 ] ، وقال تعالى : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً } صدق الله العظيم [ النساء: 65 ].
    ذكر ابن كثير أولاً أن التحاكم إلى غير شريعة الله كفر ، ولم يذكر الاعتقاد هاهنا .. بل جعل مجرّد التحاكم كفراً .

    ثم أكّد هذا الحكم فيمن تحاكم إلى الياسا .. ولم يذكر فيه الاعتقاد أيضاً ..

    أما قول صاحبنا : "إذ لو كان التقديم يعني مجرد التحاكم ، لكان تكراراً ليس له معنى!" ..

    التقديم هنا بمعنى الاختيار والتصدير .. فلا ضير أن نقول : قدّم هذا الرجل الياسا وتحاكم إليها .. بما يعني : صدّرها وجعل الأسبقية لها في التحاكم ..

    مثل أن أقول : قدّمت هذا الكتاب على الآخر وقرأته .. أي : بدأت بقراءته واخترتها قبل الكتاب الآخر .

    فمن قدّم الياسا وجعلها أوّل مرجع للحكم قبل الكتاب والسنة ، وتحاكم إليها ، فهو كافر .. هذا هو معنى التقديم .. وهذا التقديم يكون بالفعل ..

    وقد يسأل سائل : كيف يكون هذا التقديم حادثاً في ذلك الزمان ؟ .. فيقال : إن التتار لم تكن تلزم أحداً بالتحاكم إلى الياسق ، بل كانت هناك محاكم تحكم بالياسق ومحاكم تحكم بالشريعة ، كما هو مدوّن في كتب التاريخ .. فمن قدّم التحاكم إلى الياسق على التحاكم إلى شريعة الله ، فهذا كافر .. وفي هذا الزمان تكلم ابن كثير - رحمه الله - ، عن أناس اختاروا طوعاً التحاكم إلى غير شريعة الله تعالى ..

    فالتقديم هنا لا يدل على التفضيل القلبي .. ودليل ذلك أن ابن كثير - رحمه الله - جعل التحاكم مجرداً كفراً في صدر كلامه .. فلا يقول أحد إنه عنى التقديم ولم يعن التحاكم !!

    ثم قال صاحبنا :
    أن هذا الاعتقاد (=اعتقاد الترجيح أو التفضيل) قد تخلف مع مرور الوقت في ذرية التتر وغيرهم ممن حكموا بالياسق ، فحكموا به على سبيل الوراثة والعادة ، فعقيدة التقديم عُرفت -فيمن عاصروا بعض أهل العلم- بتصريحهم المعلن ، وأما من لم يعرف عنه هذا التفضيل ، فإن العلماء لم يكفروه ، بل اعتدوا بإمامته ونفاذ أحكامه الموافقة للشريعة ، مثل الملك التركي بيبرس ، قال ابن تغري [النجوم الزاهرة : 7/182]: (كان الملك الظاهر رحمه الله يسير على قاعدة ملوك التتار وغالب أحكام جنكزخان من أمر اليسق)
    فأقول : إن روايات التاريخ مطعون في صحتها ، فأثبت لنا بالسند المتصل أن هذا وقع .. أما أن تأتي برواية مجاهيل ، فهذا غير مقبول .

    وثانياً : على فرض صحة هذه الرواية ، دعنا نرَ كيف كان يحكم بيبرس بالياسق !!

    فقد قال ابن تغري في [النجوم الزاهرة : 7/182] ، مبيّناً هيئة حكم بيبرس أمور الملك ، بعد ذكره لحكم بيبرس بالياسق بأسطر قليلة :
    قلت : والملك الظاهر هذا هو الذي ابتدأ في دولته بأرباب الوظائف من الأمراء والأجناد ، وإن كان بعضها قبله فلم تكن على هذه الصيغة أبداً ، وأمثل لذلك مثلاً فيقاس عليه ، وهو أن الدوادار كان قديماً لا يباشره إلا متعمم يحمل الدواة ويحفظها . وأمير مجلس هو الذي كان يحرس مجلس قعود السلطان وفرشه . والحاجب هو البواب الآن ، لكونه يحجب الناس عن الدخول ، وقس على هذا . فجاء الملك الظاهر جدد جماعة كثيرة من الأمراء والجند ورتبهم في وظائف : كالدوادار والخازندار وأمير آخور والسلاخور والسقاة والجمدارية والحجاب ورؤوس النوب وأمير سلاح وأمير مجلس وأمير شكار .

    فأما موضوع أمير سلاح في أيام الملك الظاهر فهو الذي كان يتحدث على السلاح دارية ، ويناول السلطان آلة الحرب والسلاح في يوم القتال وغيره ، مثل يوم الأضحى وما أشبهه . ولم يكن إذ ذاك في هذه المرتبة - أعني الجلوس رأس ميسرة السلطان - ، وإنما هذا الجلوس كان إذ ذاك مختصاً بأطابك . ثم بعده في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون برأس نوبة الأمراء كما سيأتي ذكره في محله . وتأييد ذلك يأتي في أول ترجمة الملك الظاهر برقوق ، فإن برقوق نقل أمير سلاح قطلوبغا الكوكائي إلى حجوبية الحجاب .

    وأمير مجلس كان موضوعها في الدولة الظاهرية بيبرس التحدث على الأطباء والكحالين والمجبرين ، وكانت وظيفة جليلة أكبر قدراً من أمير سلاح .

    وأما الدوادارية فكانت وظيفة سافلة . كان الذي يليها أولاً غير جندي ، وكانت نوعاً من أنواع المباشرة ، فجعلها الملك الظاهر بيبرس على هذه الهيئة ، غير أنه كان الذي يليها أمير عشرة . ومعنى دوادار باللغة العجمية : ماسك الدواة ، فإن لفظة دار بالعجمي : ماسك ، لا ما يفهمه عوام المصريين أن دار هي الدار التي يسكن فيها ، كما يقولون في حق الزمام : زمام الآدر ، وصوابه زمام دار . وأول من أحدث هذه الوظيفة ملوك السلجوقية . والجمدار ، الجمي هي البقجة باللغة العجمية ، ودار تقدم الكلام عليه ، فكأنه قال : ماسك البقجة التي للقماش . وقس على هذا في كل لفظ يكون فيه دار من الوظائف .

    وأما رأس نوبة فهي عظيمة عند التتار ، ويسمون الذي يليها يسوول بتفخيم السين . والملك الظاهر أول من أحدثها في مملكة مصر .

    والأمير آخور أيضاً وظيفة عظيمة ، والمغول تسمي الذي يليها آق طشي . وأمير آخور لفظ مركب من فارسي وعربي ، فأمير معروف وآخور هو اسم المذود بالعجمي ، فكأنه يقول : أمير المذود الذي يأكل فيه الفرس . وكذلك السلاخوري وغيره مما أحدثه الملك الظاهر أيضاً .

    وأما الحجوبية فوظيفة جليلة في الدولة التركية ، وليس هي الوظيفة التي كان يليها حجبة الخلفاء ، فأولئك كانوا حجبة يحجبون الناس عن الدخول على الخليفة ، ليس من شأنهم الحكم بين الناس والأمر والنهي ، وهي مما جدده الملك الظاهر بيبرس ، لكنها عظمت في دولة الملك الناصر محمد بن قلاوون حتى عادلت النيابة . وأما ما عدا ذلك من الوظائف فأحدثها الملك الناصر محمد بن قلاوون كما سيأتي بيانه في تراجمه الثلاث من هذا الكتاب ، بعد أن جدد والده الملك المنصور قلاوون وظائف أخر كما سيأتي ذكره أيضاً في ترجمته على ما شرطناه في هذا الكتاب من أن كل من أحدث شيئاً عزيناه له .
    فكما يُرى ، فإن حكمه بالياسق كان في الأمور الإدارية والوظائف الحكومية ، وليس في الحدود والأحكام الشرعية التعبدية !! ومن قال بذلك عليه الدليل ، ولا يفتري على التاريخ دون بيّنة .

    يتبع إن شاء الله ..

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    1,125

    افتراضي رد: الردّ اللائق على صاحب كتاب : غوث التائق في معرفة حقيقة الياسق

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو شعيب مشاهدة المشاركة
    فكما يُرى ، فإن حكمه بالياسق كان في الأمور الإدارية والوظائف الحكومية ، وليس في الحدود والأحكام الشرعية التعبدية !! ومن قال بذلك عليه الدليل ، ولا يفتري على التاريخ دون بيّنة .
    غير صحيح بارك الله فيك، إذ لا علاقة لهذه الأمور الإدارية والوظائف الحكومية بشريعة الياسق، ولو جاء الكلام على المسألتين متتالياً. وقد وُصف الياسق أعلاه بأنه (خليط من الإسلام واليهودية والنصرانية ... إلخ)، فتفسيره بالأمور الإدارية غير مستقيم.

    وكذلك قولك:
    إن روايات التاريخ مطعون في صحتها ، فأثبت لنا بالسند المتصل أن هذا وقع .. أما أن تأتي برواية مجاهيل ، فهذا غير مقبول
    لا داعي أيها الأخ الفاضل إلى تكذيب التاريخ والمؤرخين بهذه الطريقة الشمولية، ثم تعود بعد بضعة أسطر إلى نقل أقوالهم ورواياتهم!

    والقصد هو تحرير ردّك على الرجل، وإلا فإن المردود عليه يحتال بالحيل المعروفة المكرورة لتسويغ نبذ الشريعة.
    بارك الله فيك

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    556

    افتراضي رد: الردّ اللائق على صاحب كتاب : غوث التائق في معرفة حقيقة الياسق

    أخي الكريم خزانة الأدب وفقك الله تعالى
    --------------------------
    صحيح أن الياسق كان عبارة عن خليط من أحكام شتى أُخـذت من شريعة الإسلام واليهودية والنصرانية ولكن ليس معنى هذا أنه لا يوجد فيه أحكام وضعها التتار من عند أنفسهم .. بل هذا الأمر معلوم كما أشار إلى ذلك الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره .
    والذي يقرأ في وصف المؤرخين لأحكام الياسق يجد أنه كان يوجد به بعض الاحكام والتشريعات هي أشبه بالقوانين الإدارية والأمور التنظيمية .. ومن هذه الأحكام على سبيل المثال ( نظـام البـريد ) الذي ذكره المقريزي رحمه الله في كتابه الخطط .
    وهذا النظام هو عبارة عن أن السلطان ألـزم بإقامة البريد حتى يعرف أخبار مملكته بسرعة .. وقـد كان هذا النظام معمول به حتى أُلغي في أخر العهد العباسي فكان من العوامل التي ساعدت على ضعف مقاومة التتار .
    والله أعلم .

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    557

    افتراضي رد: الردّ اللائق على صاحب كتاب : غوث التائق في معرفة حقيقة الياسق

    الأخ (خزانة الأدب) ،

    وفيكم بارك الله ، وجزاك الله خيراً على الإفادة ..

    تقول :
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خزانة الأدب
    غير صحيح بارك الله فيك، إذ لا علاقة لهذه الأمور الإدارية والوظائف الحكومية بشريعة الياسق، ولو جاء الكلام على المسألتين متتالياً. وقد وُصف الياسق أعلاه بأنه (خليط من الإسلام واليهودية والنصرانية ... إلخ)، فتفسيره بالأمور الإدارية غير مستقيم.
    التاريخ لم يذكر كل ما في الياسق ، وكما ذكر الأخ (الإمام الدهلوي) فإن المقريزي بيّن بعض الأمور الإدارية التي كانت موجودة في الياسق ، فقال في [المواعظ والاعتبار : 2/421]:
    ومنعهم من تفخيم الألفاظ ووضع الألقاب ، وإنما يخاطب السلطان ومن دونه ويُدعى باسمه فقط ، وألزم القائم بعده بعرض العساكر وأسلحتها إذا أرادوا الخروج ، قد قصر في شيء مما يحتاج إليه عند عرضه أياه عاقبه . وألزم نساء العساكر بالقيام بما على الرطال من السخرِ والكلفِ في مدّة غيبتهم في القتال ، وجعل على العساكر إذا قدمت من القتال كلفة يقومون بها للسلطان ويؤدونها إليه . وألزمهم عند رأس كلّ سنة بعرض سائر بناتهم الأبكار على السلطان ليختار منهنّ لنفسه وأولاده .

    ورتب لعساكره أمراء ، وجعلهم أمراء ألوف ، وأمراء مئين ، وأمراء عشراوات . وشرَّع أن أكبر الأمراء إذا أذنب وبعث إليه الملك أخس من عنده حتى يعاقبه فإنه يُلقي نفسه إلى الأرض بين يدي الرسول وهو ذليل خاضع ، حتى يمضي فيه ما أمر به الملك من العقوبة ، ولو كانت بذهاب نفسه . وألزمهم أن لا يتردد الأمراء لغير الملك ، فمن تردد منهم لغير الملك قتل ، ومن تغير عن موضعه الذي يُرسم له بغير إذن قُتِل . وألزم السلطان بقامة البريد حتى يعرف أخبار مملكته بسرعة
    وغير ذلك مما لم يدوّنه التاريخ ، وإنما ورد عند المقريزي مختصراً ..

    أما قولك :
    لا داعي أيها الأخ الفاضل إلى تكذيب التاريخ والمؤرخين بهذه الطريقة الشمولية، ثم تعود بعد بضعة أسطر إلى نقل أقوالهم ورواياتهم!
    بارك الله فيك .. إن كان في صدر كلامي إطلاق ، فما بعده يقيّده بأنني أقبل الروايات بالسند المتصل ..

    فابن تغري جاء بعد الظاهر بيبرس بثلاثة قرون ، فلا يُمكن أن يكون هو صاحب هذه الرواية .. وفي كتبه من القيل والقال والروايات عن المجاهيل الكثير .. فلا يُمكن أن نقبل رواية إلا بالسند المتصل ..

    أما استدلالي بقوله في حكم بيبرس في الإدارة ، فإنما هو لمقابلة الدليل بجنسه .. فإن التزمنا بأخذ الروايات المنقطعة وافترضنا صحتها ، فيلزمنا كذلك أخذ ما ذكره ابن تغري من نفس جنس هذه الروايات الغير مسندة .

    بارك الله فيك وجزاك الله خيراً .

    -------------

    الأخ (الإمام الدهلوي) ،

    جزاك الله خيراً على التنبيه .

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    1,125

    افتراضي رد: الردّ اللائق على صاحب كتاب : غوث التائق في معرفة حقيقة الياسق

    الأخ الكريم
    لا أزال أرى أنه لا يستقيم أن تقول ما حاصله (الأخبار التي يرويها فلان باطلة إلا ما يصلح لغرضي)، ولا أن تقول (كلام فلان حجة عليك مع أنه غير ثقة عندي)؛ لأن الغرض من التاريخ هو تحرير الحوادث على الوجه الصحيح، ولا يجوز أن تفسر ما فعله بيبرس إلا بشيء صح عندك أنه فعله، أما أن تقول: التاريخ أساطير، وقد ورد في تلك الأساطير أن بيبرس فعل كذا، وهذا هو التفسير الصحيح للياسق، فهذا تناقض.
    وأعتقد أننا صرنا نشارك أهل الأهواء في احتقار تاريخنا.
    وعلى كل حال لا يوجد ما يدل على أن هذه الأمور الإدارية هي المقصودة بقول المؤرخ (وغالب أحكام جنكزخان من أمر اليسق)، لأنها ليست (أحكاماً) ولا خاصة بجنكيزخان، وإنما هو اجتهاد منك لا أظن أنك مسبوق إليه.
    مع تقديري لشخصك الكريم.

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    557

    افتراضي رد: الردّ اللائق على صاحب كتاب : غوث التائق في معرفة حقيقة الياسق

    أخي الفاضل ،

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خزانة الأدب
    لا أزال أرى أنه لا يستقيم أن تقول ما حاصله (الأخبار التي يرويها فلان باطلة إلا ما يصلح لغرضي)
    لم أقل هذا ، وليتك تراجع ما قلته .. بل غاية ما قلته هو أن الأخبار الغير مسندة لا تصلح متكأ ، وهذا معلوم عند الجميع .

    أما استدلالي بروايات المؤرخين غير المسندة ، فهو بعد افتراض صحة ما رُوي .. وقد ذكرت ذلك من قبل .

    فإن أنا افترضت أن ما نقله ابن تغري صحيحاً ، فلا غضاضة أن أورد بقية نقله مفترضاً أيضاً صحته .

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خزانة الأدب
    ولا يجوز أن تفسر ما فعله بيبرس إلا بشيء صح عندك أنه فعله
    لم يصحّ عندي أنه حكم بالياسق ، خاصة وأنه لم يذكر ذلك من رواة التاريخ إلا واحد (فيما وقفت عليه) .. وإن افترضت صحة تلك الرواية ، فهي محمولة على كونه حكم في الأمور الإدارية لا غير .. وهذا من إحسان الظن بالمسلمين أولاً ، وثانياً لم يرد في التاريخ كنه حكمه بالياسق على وجه التفصيل ..

    فالدليل محتمل .. فقد يُحتمل أن يكون حكم بالياسق في الإدارة ، ويُحتمل أن يكون في الأمور التعبدية .. والدليل إن تطرق إليه الاحتمال ، سقط به الاستدلال .

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خزانة الأدب
    وعلى كل حال لا يوجد ما يدل على أن هذه الأمور الإدارية هي المقصودة بقول المؤرخ (وغالب أحكام جنكزخان من أمر اليسق)، لأنها ليست (أحكاماً) ولا خاصة بجنكيزخان، وإنما هو اجتهاد منك لا أظن أنك مسبوق إليه.
    كل أمر وكل نظام هو حُكم .. أما كونها ليست خاصة بجنكيز خان ، فأنت ترى من نقلي عن ابن تغري أنّ بيبرس استحدث أموراً لم تكن من قبل ، أخذها عن المغول .. فهي خاصة بالمغول .. وأنت ترى كذلك أن في الياسق أمور إدارية مختص بها العسكر ، فقد يكون بيبرس أخذها وطبّقها .

    أما أنه لا يوجد ما يدلّ على أن هذه الأمور الإدارية هي المقصودة .. فأقول : لا يوجد ما يقطع لها ، ولا ما يقطع للأمور التعبدية .. فالعبارة مجملة ، تحتمل هذا وذاك .. فمن قال بأحد الاحتمالين عليه الدليل القطعي .. وإن لم يأت به ، فاستدلاله ساقط .

    فلا يُمكن لحكومة تحكم المسلمين بشريعة الطاغوت ، ولا يهبّ أحد من علماء المسلمين في بيان حالها وواقعها ويذكر شناعتها ..

    ففي الياسق من الكفر العظيم والظلم الشنيع ما يأباه أصاغر المسلمين ، فهل تقول إن بيبرس كان يحكم بهذا الكفر ؟ وإن كان يحكم به ، لماذا لم يتكلم في ذلك علماء التاريخ ولم يشنعوا أو يستنكروا ؟؟ .. بل حتى لو كان يحكم بباقي أحكام الياسق التي تجعل عقوبة كل عاص القتل ، فلماذا لم يأت على ذلك أحد من علماء التاريخ ، ولم يستشنعه أحد ؟؟ .. أم أن حكم الياسق راق لهم لدرجة وافقوا فيه بيبرس ؟

    دعني أرك ما في الياسق من كفر وظلم يستشنعه بشدة أصغر المسلمين ، ذكره المقريزي في [المواعظ والاعتبار : 2/421] وبالسند المتصل :
    وأخبرني العبد الصالح الداعي إلى الله تعالى ، أبو هاشم أحمد بن البرهان ، رحمه الله : أنه رأى نسخة من الياسة بخزانة المدرسة المستنصرية ببغداد ، ومن جملة ما شرعه جنكزخان في الياسه أن : من زنى قُتِلَ ، ولم يفرق بين المحصن وغير المحصن . ومن لاط قُتِلَ ، ومن تعمَّد الكذب ، أو سحر ، أو تجسس على أحد ، أو دخل بين اثنين وهما يتخاصمان ، وأعان أحدهما على الآخر ، قُتِل . ومن بال في الماء أو على الرماد قُتِل . ومن أعطي بضاعة فخسر فيها فإنه يُقتل بعد الثالثة . ومن أطعم أسير قوم أو كساه بغير إذنهم قُتِل . ومن وجد عبداً هارباً ، أو أسيراً قد هرب ، ولم يردّه على من كان في يده قُتِل . وأنْ الحيوان تُكتَّف قوائمه ، ويشقُّ بطنه ، ويُمرس قلبه ، إلى أن يموت ، ثم يؤكل لحمه . وأنَّ من ذبح حيواناً كذبيحة المسلمين ذُبح . ومن وقع حمله ، أو قوسه ، أو شيء من متاعه ، وهو يكرّ أو يفرّ في حالة القتال ، وكان وراءه أحد ، فإنه ينـزل ويناول صاحبه ما سقط منه ، فإن لم ينزل ولم يناوله قُتِل . وشرط أن لا يكون على أحد من ولد عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - مؤنة ولا كلفة ، وأن لا يكون على أحد من الفقراء ، ولا القراء ، ولا الفقهاء ، ولا الأطباء ، ولا من عداهم من أرباب العلوم وأصحاب العبادة والزهد والمؤذنين ومغسلي الأموات كلفة ولا مؤنة ، وشرط تعظيم جميع الملل من غير تعصب لملة على أخرى ، وجعل ذلك كله قربة إلى الله تعالى ، وألزم قومه أن لا يأكل أحد من يد أحد حتى يأكل المناول منه أوّلاً ، ولو أنه أمير ، ومن يناوله أسير . وألزمهم أن لا يتخصص أحد بأكل شيء وغيره يراه ، بل يُشركه معه ي أكله . وألزمهم ألا يتميز أحد منهم بالشبع على أصحابه ، ولا يتخطى أحد ناراً ولا مائدة ولا الطبق الذي يؤكل عليه ، وأنّ من مرّ بقوم وهم يأكلون فله أن ينزل ويأكل معهم من غير إذنهم ، وليس لأحد منعه . وألزمهم أن يُدخِلَ أحد منهم يده في الماء ، ولكنه يتناول الماء بشيء يغترفه به ، ومنعهم من غسل ثيابهم بل يلبسونها حتى تبلى ، ومنه أن يُقال لشيء أنه نجس ، وقال : جميع الأشياء طاهرة ، ولم يفرق بين طاهر ونجس .
    وكان بيبرس يحكم بأكثر هذا ، ولا يُذكر في التاريخ شيء ، ولا يًشنع عليه .. ولا يستدل لذلك إلا بعبارة موهمة مختصرة ، دون سند متصل ، تجعل بيبرس من أظلم وأفجر ، بل وأكفر خلق الله .. والله المستعان

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    557

    افتراضي رد: الردّ اللائق على صاحب كتاب : غوث التائق في معرفة حقيقة الياسق

    أودّ أن أنبّه إلى أمر ، وهو أن كلام ابن كثير - رحمه الله - في [البداية والنهاية : 13/139] إذ يقول :
    وفي ذلك كله مخالفة لشرائع الله المنزلة على عباده الانبياء -عليهم الصلاة والسلام- ، فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبدالله ، خاتم الانبياء ؛ وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر ، فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه ؟ من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين
    فإني لم أجعل قوله هذا في التحاكم عُمدة ردّي على صاحب الكتاب .. فإن لي أقوالاً في التحاكم معروفة ، وإنّي أقيّد هذا النص الذي ذكره ابن كثير بشروط ، وليس هو على إطلاقه ..

    ولكنني أتيت بهذا النص للرد على صاحب الكتاب في زعمه أن التقديم هو بمعنى الاستحلال أو التفضيل القلبي .. فوجب التنبيه .

    -----------------

    صاحبنا يريد أن يثبت في كتابه أن ابن كثير كان يتكلم في تفسيره لآية : {أفحكم الجاهلية يبغون} .. عن الذي يحكم كحكم التتار ، باعتقاد صحة ما هو عليه ..

    فأقول : مجرّد الاعتقاد كفر .. سواء أحكم به أم لم يحكم .. فلا معنى لذكر الحكم به إذن .. كما قال ابن القيم - رحمه الله - في [مدارج السالكين : 1/336] :
    ومنهم من تأول الآية على ترك الحكم بما أنزل الله جاحداً ، وهو قول عكرمة . وهو تأويل مرجوح ، فإن نفس جحوده كفر ، سواء حكم أو لم يحكم
    فيُقال له .. إن نفس اعتقاد التتار في ياسقهم كفر ، سواء أحكموا به أم لم يحكموا .. فعلام ذكرك لاعتقادهم الكفري ؟

    وابن كثير لم يأت على الاعتقاد ، وما فتئ يقول : "يحكمون" ، و"يحكم" .. ولم يتطرق إلى الاعتقاد ..

    وقوله : "ومن فعل ذلك منهم فهو كافر ، يجب قتاله ، حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ، فلا يحكّم سواه في قليل ولا كثير " .. يبيّن بجلاء أن علّة تكفيرهم وقتالهم هي تحكيمهم لغير ما أنزل الله ، إذ أن علّة قتالهم هي تحكيم غيره ..

    وقد تكلمت بإسهاب في هذا آنفاً ، فليُراجع .

    أما باقي حديثه في كتابه فلا شأن لي به ، إنما كان شأني في تأويل كلام ابن كثير .

    والحمد لله رب العالمين .

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    556

    افتراضي رد: الردّ اللائق على صاحب كتاب : غوث التائق في معرفة حقيقة الياسق

    إخواني الكرام سوف أنقل لكم بعض أحكام ( اليـاسـق ) الذي كان يحكم به التتار في زمانهم .
    يقول الإمام أحمد بن علي القلقشندي رحمه الله عند بيانه لأحوال التتار : ( الجملة الثانية في عقيدة جنكزخان
    وأتباعه في الديانة إلى أن أسلم من أسلم منهم وما جرت عليه عادتهم في الآداب وحالهم في طاعة ملوكهم .
    أما عقيدتهم : فقد قال الصاحب علاء الدين بن عطاء ملك الجويني: إن الظاهر من عموم مذاهبهم الإدانة بوحدانية الله تعالى ، وأنه خلق السموات والأرض ، وأنه يحيي ويميت ، ويغني ويفقر، ويعطي ويمنع ، وأنه على كل شيء قدير، وأن منهم من دان باليهودية ، ومنهم من دان بالنصرانية ، ومنهم من اطرح الجميع ، ومنهم من تقرب بالأصنام .. قال : ومن عادة بني جنكزخان أن كل من انتحل منهم مذهباً لم ينكره الآخر عليه ؛ ثم الذي كان عليه جنكزخان في التدين وجرى عليه أعقابه بعده الجري على منهاج ياسة التي قررها ، وهي قوانين خمنها من عقله وقررها من ذهنه ، رتب فيها أحكاماً وحدد فيها حدوداً بما وافق القليل منها الشريعة المحمدية ، وأكثرها مخالف لذلك سماها الياسة الكبرى ، وقد اكتتبها وأمر أن تجعل في خزانته تتوارث عنه في أعقابه وأن يتعلمها صغار أهل بيته .
    منها أن من زنى قتل، ومن أعان أحد خصمين على الآخر قتل، ومن بال في الماء قتل، ومن أعطي بضاعة فخسر ثم أعطي ثانياً فخسر ثم أعطي ثالثاً فخسر قتل، ومن وقع حمله أو قوسه فمر عليه غيره ولم ينزل لمساعدته قتل، ومن وجد أسيراً أو هارباً أو عبداً ولم يرده قتل، ومن أطعم أسير قوم أو سقاه أو كساه بغير إذنهم قتل ، إلى غير ذلك من الأمور التي رتبها مما هم دائنون به إلى الآن ، وربما دان به من تحلى بحلية الإسلام من ملوكهم .
    ومن معتقدهم في ذبح الحيوان أن تلف قوائمه ويشق جوفه ويدخل أحدهم يده إلى قلبه فيمرسه بيده حتى يموت أو يخرج قلبه. ومن ذبح ذبحة المسلمين ذبح.
    وأما عاداتهم في الأدب فكان من طريق جنكزخان أن يعظم رؤساء كل ملة ويتخذ تعظيمهم وسيلة إلى الله تعالى؛ ومن حال التتر في الجملة إسقاط المؤن والكلف عن العلويين وعن الفقهاء والفقراء والزهاد والمؤذنين والأطباء وأرباب العلوم على اختلافهم ومن جرى هذا المجرى .
    ومن آدابهم المستعملة أن لا يأكل أحد من يد أحد طعاماً حتى يأكل المطعم منه ولو كان المطعم أميراً والآكل أسيراً، ولا يختص أحد بالأكل وحده بل يطعم كل من وقع بصره عليه، ولا يمتاز أمير بالشبع من الزاد دون أصحابه بل يقسمونه بالسوية، ولا يخطوا أحدٌ موقد نار ولا طبقاً رآه، ومن اجتاز بقوم يأكلون فله أن يجلس إليهم ويأكل معهم من غير إذن . وأن لا يدخل أحدٌ يده إلى الماء بل يأخذ منه ملء فيه ويغسل يديه ووجهه، ولا يبول أحدٌ على الرماد . ويقال إنهم كانوا لا يرون غسل ثيابهم البتة، ولا يميزون بين طاهر ونجس .
    ومن طرائقهم أنهم لا يتعصبون لمذهب، وأن لا يتعرضوا لمال ميت أصلاً، ولو ملء الأرض، ولا يدخلونه خزانة السلطان.
    ومن عاداتهم أنهم لا يفخمون الألفاظ ، ولا يعظمون في الألقاب حتى يقال في مراسيم السلطان القان بكذا من غير مزيد ألقاب.
    وأما حالهم في طاعة ملوكهم فإنهم من أعظم الأمم طاعة لسلاطينهم ، لا لمال ولا لجاه بل ذلك دأب لهم حتى إنه إذا كان أمير في غاية من القوة والعظمة وبينه وبين السلطان كما بين المشرق والمغرب متى أذنب ذنباً يوجب عقوبة وبعث السلطان إليه من أخس أصحابه من يأخذه بما يجب عليه ألقى نفسه بين يدي الرسول ذليلاً ليأخذه بموجب ذنبه ، ولو كان فيه القتل .
    ومن طريق أمرائهم أنه لا يتردد أمير إلى باب أمير آخر، ولا يتغير عن موضعه المعين له . فإن فعل ذلك عوقب أو قتل، وإذا عرضوا آلات الحرب على أمرائهم وفوا في العرض حتى بالخيط والإبرة، ورعاياهم قائمون بما يلزمون به من جهة السلطان طيبةً به نفوسهم ، وإن غاب أحد من الرجال قام النساء بما عليهم ) إهـ صبح الأعشى للعلامة أبو العباس القلقشندي .

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    1,125

    افتراضي رد: الردّ اللائق على صاحب كتاب : غوث التائق في معرفة حقيقة الياسق

    لا أرى فائدة من مزيد الأخذ والردّ، وحسبي أن ألفت نظرك - من موقع المحبّ لك - إلى التعارض بين وصفك للتاريخ بالأساطير، وبين استشهادك بهذه (الأساطير) بعينها!

    المؤرخ يقول: كان بيبرس يسير على الياسق، فتقول أنت: أساطير!
    ثم تقول: المؤرخ نفسه ذكر من أخبار بيبرس كذا وكذا، وإذن فقد كان يسير على القسم الإداري من الياسق!
    فما زدتَ - في نهاية المطاف - على تصحيح وتوجيه الخبر الذي وصفته بالأساطير!

    وتقول: هذه من الياسق، وتطالبني (بالدليل القطعي وإلا فاستدلالي ساقط)!
    وقد كنتُ أظن أن المدَّعي هو المطالَب بالدليل!

    والتناقض الآخر، وهو أعظم:
    غاية ما قلته هو أن الأخبار الغير مسندة لا تصلح متكأ ، وهذا معلوم عند الجميع. أما استدلالي بروايات المؤرخين غير المسندة ، فهو بعد افتراض صحة ما رُوي
    أنك تطالب الناس - في أخبار بيبرس - بأسانيد متصلة يرويها الثقات عن الثقات وتخلو من الشذوذ والعلل (وهذا لازم كلامك)، ثم لا تطبّق ذلك على نفسك! إذ لا يوجد في كلامك أي إشارة إلى أسانيد الأخبار التي استشهدت بها!
    وأنت تأذن لنفسك أن (تفترض صحة ما رُوي)، ولا تقبل ذلك من الناس!
    ليس لك أن تفترض صحة ما قرَّرت أنه أساطير، ما دام أنك تشترط هذه الشروط وترى أن الأخبار غير المسندة لا تصلح متّكأ!
    والله يقول الحق وهو يهدي السبيل

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    556

    افتراضي رد: الردّ اللائق على صاحب كتاب : غوث التائق في معرفة حقيقة الياسق

    يقول الإستاذ " محمد حسين شمس الدين " مُحقق كتاب " النجوم الزاهرة " معلقاً على قول ابن تغري رحمه الله : " كان الملك الظاهر رحمه الله يسير على قاعدة ملوك التتار وغالب أحكام جنكزخان من أمر اليسق " إهـ .
    قال الأستاذ محمد حسين في الحاشية : ( لعل في عبارة المؤلف هنا بعض التجاوز والمبالغة ، إذ أن " الياسة " كانت تمثل الشريعة المغولية الوثنية ، ويقابلها تعاليم الإسلام التي اتبعها فيما بعد القسم الأكبر من مغول آسيا وبلاد فارس . وقد أشرنا إلى الخلاف الذي قام حول هذا الأمر بين هولاكو وابن عمه بركة خان .
    ونرجح أن يكون المراد هو اتباع دولة المماليك الأولى ، ابتداءً من سلطنة الظاهر بيبرس ، لبعض تعاليم الياسة في شعائر المملكة وترتيب الوظائف ، أو في بعض أحكام الياسة التي تتفق مع الشريعة المحمدية .
    وإشارة ابن إياس في بدائع الزهور إلى هذا هذا الأمر أكثر وضوحاً ودقـة ، قال : " وفيها – أي سنة 663 هــ " أراد الملك الظاهر أن يسلك في مماليكه طريقة ملوك التتار في شعائرالمملكة ، من أرباب الوظائف ، ففعل ما أمكنه من ذلك ، ورتب أشياء لم تكن قبل ذلك بمصر " بدائع الزهور1/323 " .
    ويشير ابن فضل الله العمري إلى موقف المماليك المتسامح من " الياسة " في ذلك العصر بقوله : " وأما الياسة ، وأحوالها كثيرة ، فمنها ما يوافق الشريعة المحمدية ... وليعلم أن هذا الرجل – أي جنكزخان – لم يقف على سيرة ملوك ولا طالع كتاباً ، وجميع ما ينسب إليه من ذلك صادر عن قوة ذهنه وحسّه ، واستدراك الأصلح من قبل نفسه . مسالك الأبصار : 2/30 المقدمة ... ) إنتهى بحرفه كلام الأستاذ محمد حسين شمس الدين من حاشية كتاب النجوم الزاهرة (7/163 )

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    557

    افتراضي رد: الردّ اللائق على صاحب كتاب : غوث التائق في معرفة حقيقة الياسق

    الأخ (خزانة الأدب) ،

    جزاك الله خيراً .. لعلّك تراجع ما قُلتُه ، فلعلّ هناك سوء فهم .. لأنني حتى ما استشهدت به من ذي السند المنقطع لم أكن أجزم بصحته .

    تقول لي كيف ؟ .. أقول لك تأمل كلامي مجدداً ، فليس عندي ما أزيده .

    وبارك الله فيك

    ----------

    الأخ (الإمام الدهلوي) ،

    جزاك الله خيراً كثيراً وكثّر من أمثالك .. لقد جئت بها .. ووافق كلام الأستاذ محمد حسين ما قلتُه تماماً ، والحمد لله رب العالمين

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    1,125

    افتراضي رد: الردّ اللائق على صاحب كتاب : غوث التائق في معرفة حقيقة الياسق

    أخي الفاضل:
    إذا لم يترجح عندك أن النص صحيح، فلا معنى لاستشهادك به!

    وأما أصل الموضوع فإليك هذه النصوص من الشاملة، وهي تشهد لكلام ابن تغري بردى، وتدل على أن كلامه ليس أساطير:

    ص 452 من المجلد الثانى من فتاوى الأزهر
    هذا، وقد ذكر المقريزى فى خططه أن السياسة كلمة مغولية أصلها"ياسة" وأصل نشأتها أن جنكيز خان التترى لما غلب الملك أونك خان وصارت له دولة ، قرر قواعد وعقوبات فى كتاب سماه "ياسة" وجعله شريعة لقومه وتدوول من بعده ، وكان لا يدين بدين ولما انتشر ملك أولاده وأسر عدد منهم فى الدفاع عن دولتهم وبيعوا فكان منهم دولة المماليك بمصر، ولشدة مهابة الأمراء للمغول وياستهم حافظوا على تنفيذ هذه "الياسة" فوكلوا إلى قاضى الشريعة العبادات والأحوال الشخصية ، وأما هم وعاداتهم فكانت على مقتضى الياسة ونصبوا الحاجب ليقضى بينهم فيما اختلفوا فيه ، وجعلوا إليه النظر فى قضايا الدواوين السلطانية عند الاختلاف فى أمور الإقطاعيات ، فشرعوا فى الديوان ما لم يأذن به الله . . . إلى أن قال : هذا وكان الوازع الديني موجودا، فلما قلَّ الحياء وضعف الدين طغت السياسة وأحكامها وانزوى الدين وأهله ، ج 2 ص 359

    وقال الصفدي في الوافي:
    أرقطاي الأمير الكبير سيف الدين المعروف بالحاج أرقطاي هو من مماليك الأشرف وفي أيام السلطان الملك الناصر جعل جمداراً، وكان هو والأمير سيف الدين أوتامش نائب الكرك بينهما أخوّة وهما في لسان الترك واللسان القبجاقي فصيحان. وكانا يُرجع إليهما في الياسة التي هي بين الأتراك.

    ولخص المقريزي الياسة في الخطط، فلم يذكر ما يدل على أن ما نُسب إلى بيبرس من الترتيبات الإدارية مأخوذ منها:
    وأخبرني العبد الصالح الداعي إلى الله تعالى، أبو هاشم أحمد بن البرهان، رحمه الله: أنه رأى نسخة من الياسة بخزانة المدرسة المستنصرية ببغداد، ومن جملة ما شرعه جنكزخان في الياسه أن: من زنى قُتِلَ، ولم يفرق بين المحصن وغير المحصن. ومن لاط قُتِلَ، ومن تعمَّد الكذب أو سحر أو تجسس على أحد، أو دخل بين اثنين وهما يتخاصمان وأعان أحدهما على الآخر قُتِل. ومن بال في الماء أو على الرماد قُتِل. ومن أعطي بضاعة فخسر فيها فإنه يُقتل بعد الثالثة. ومن أطعم أسير قوم أو كساه بغير إذنهم قُتِل ومن وجد عبداً هارباً أو أسيراً قد هرب ولم يردّه على من كان في يده قُتِل. وأنْ الحيوان تُكتَّف قوائمه ويشقُّ بطنه ويُمرس قلبه إلى أن يموت ثم يؤكل لحمه. وأنَّ من ذبح حيواناً كذبيحة المسلمين ذُبح. ومن وقع حمله أو قوسه أو شيء من متاعه وهو يكرّ أو يفرّ في حالة القتال وكان وراءه أحد، فإنه ينزل ويناول صاحبه ما سقط منه، فإن لم ينزل ولم يناوله قُتِل. وشرط أن لا يكون على أحد من ولد عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه مؤنة ولا كلفة، وأن لا يكون على أحد من الفقراء ولا القراء ولا الفقهاء ولا الأطباء ولا من عداهم من أرباب العلوم وأصحاب العبادة والزهد والمؤذنين ومغسلي الأموات كلفة ولا مؤنة، وشرط تعظيم جميع الملل من غير تعصب لملة على أخرى، وجعل ذلك كله قربة إلى الله تعالى، وألزم قومه أن لا يأكل أحد من يد أحد حتى يأكل المناول منه أوّلاً، ولو أنه أمير، ومن يناوله أسير. وألزمهم أن لا يتخصص أحد بأكل شيء وغيره يراه، بل يُشركه معه ي أكله. وألزمهم أ، لا يتميز أحد منهم بالشبع على أصحابه، ولا يتخطى أحد ناراً ولا مائدة ولا الطبق الذي يؤكل عليه، وأنّ من مرّ بقوم وهم يأكلون فله أن ينزل ويأكل معهم من غير إذنهم، وليس لأحد منعه. وألزمهم أن يُدخِلَ أحد منهم يده في الماء، ولكنه يتناول الماء بشيء يغترفه به، ومنعهم من غسل ثيابهم بل يلبسونها حتى تبلى، ومنه أن يُقال لشيء أنه نجس، وقال: جميع الأشياء طاهرة، ولم يفرق بين طاهر ونجس. وألزمهم أن لا يتعصبوا لشيء من المذاهب، ومنعهم من تفخيم الألفاظ ووضع الألقاب، وإنما يخاطب السلطان ومن دونه ويُدعى باسمه فقط، وألزم القائم بعده بعرض العساكر وأسلحتها إذا أرادوا الخروج قد قصر في شيء مما يحتاج إليه عند عرضه أياه عاقبه. وألزم نساء العساكر بالقيام بما على الرطال من السخرِ والكلفِ في مدّة غيبتهم في القتال، وجعل على العساكر إذا قدمت من القتال كلفة يقومون بها للسلطان ويؤدونها إليه. وألزمهم عند رأس كلّ سنة بعرض سائر بناتهم الأبكار على السلطان ليختار منهنّ لنفسه وأولاده.
    ورتب لعساكره أمراء وجعلهم أمراء ألوف وأمراء مئين وأمراء عشراوات، وشرَّع أن أكبر الأمراء إذا أذنب وبعث إليه الملك أخس من عنده حتى يعاقبه فإنه يُلقي نفسه إلى الأرض بين يدي الرسول وهو ذليل خاضع، حتى يمضي فيه ما أمر به الملك من العقوبة، ولو كانت بذهاب نفسه. وألزمهم أن لا يتردد الأمراء لغير الملك، فمن تردد منهم لغير الملك قتل، ومن تغير عن موضعه الذي يُرسم له بغير إذن قُتِل. وألزم السلطان بقامة البريد حتى يعرف أخبار مملكته بسرعة، وجعل حكم الياسه لولده جقتاي بن جنكز خان، فلما مات التزم من بعده من أولاده وأتباعهم حكم الياسه، كالتزام أوّل المسلمين حكم القرآن، وجعلوا ذلك ديناً لم يعرف عن أحد منهم خالفته بوجه.

    وقال:
    ثم كانت لقطز معهم الواقعة المشهورة على عين جالوت، وهُزِم التتار وأسر منهم خلقاً كثيراً صاروا بمصر والشام، ثم كثرت الوافدية في أيام الملك الظاهر بيبرس وملؤوا مصر والشام، وخطب للملك بركة بن يوشي بن جنكز خان على منابر مصر والشام والحرمين، فغصت أرض مصر والشام بطوائف المغل، وانتشرت عاداتهم بها وطرائقهم، هذا وملوك مصر وأمراؤها وعساكرها قد مُلئت قلوبهم رعباً من جنكز خان وبنيه، واتمزج بلحمهم ودمهم مهابتهم وتعظيمهم، وكانوا إنما ربّوا بدار الإسلام ولقِّنوا القرآن وعرفوا أحكام الملة المحمدية، فجمعوا بين الحق والباطل، وضموا الجيد إلى الرديء، وفوّضوا القاضي القضاى كل ما يتعلق بالأمور الدينية من الصلاة والصوم والزكاة والحج، وناطوبه أمر الأوقاف والأيتام، وجعلوا إليه النظر في الأقضية الشرعية، كتداعي الزوجين وأرباب الديون ونحو ذلك، واحتاجوا في ذات أنفسهم إلى الرجوع لعادة جنكز خان والاقتداء بحكم الياسة، نصبوا الحاجب ليقضي بينهم فيما اختلفوا فيه من عوايدهم، والأخذ على يد قويهم، وانصاف الضعيف منه على مقتضى ما في الياسة، وجعلوا إليه من ذلك النظر في قضايا الدواوين السلطانية عند الاختلاف في أمور الإقطاعات، لينفذ ما استقرّت عليه أوضاع الديوان وقواعد الحساب، وكانت من أجلّ القواعد وأفضلها حتى تحكم القبط في الأموال وخراج الأراضي، فشرّعوا في الديوان ما لم يأذن به الله تعالى، ليصير لهم ذلك سبيلاً إلى أكل مال الله تعالى بغير حقه، وكان مع ذلك يحتاج الحاجب إلى مراجعة النائب أو السلطان في معظم الأمور.

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    786

    افتراضي رد: الردّ اللائق على صاحب كتاب : غوث التائق في معرفة حقيقة الياسق

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
    سؤال:
    هل "الياسق" و"الياسة" مترادافان؟ أم بينهما فرق أو فروق؟
    جزاكم الله خيرًا.

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    556

    افتراضي رد: الردّ اللائق على صاحب كتاب : غوث التائق في معرفة حقيقة الياسق

    أخي الكريم الواحدي وفقك الله تعالى
    -----------------------
    ( ياسا ) أو ( ياسه ) أو ( يساق ) أو ( يَسَق ) كلمة تركية ( مغولية ) تستخدم كعلم على قانون التتار الذي وضعه زعيمهم الأول ( جنكيز خان ) .. وأصل الكلمة يعبر بها عن وضع قانون للمعاملة . ولما كان أكثر العقوبات المنصوص عليها في ( الياسق ) القتل صار مِن معانيها القتل أو الموت .. ثم أدخل أهلُ مصر عليها السين فصارت ( سياسة ) .
    وراجع في التوسع حول هذا الأمـر مـا كتبه حول ( الياسق عند التتار وموقف شيخ الإسلام ابن تيمية منه ) في كتابه الرائع ( الحكم بغير ما أنزل الله أحواله وأحكامه ) .
    الكتاب موجود على هذا الرابط :
    http://majles.alukah.net/showthread.php?t=23099

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    786

    افتراضي رد: الردّ اللائق على صاحب كتاب : غوث التائق في معرفة حقيقة الياسق

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
    الفاضل "الإمام الدهلوي"، جزاك الله خيرا على مبادرتك بالجواب.
    _ ألا ترى أنّ تقرير كون أصل كلمة "سياسة" هو "الياسة" فيه شيء من التعسُّف إزاء حقائق اللغة ومعطيات التاريخ؟
    _ ألا ترى أنه لمعرفة حقيقة "الياسق" و"الياسة" لا يكفي الاعتماد على المصادر التاريخية العربية وحدها، بل لا بد من الرجوع إلى المصادر الفارسية والمغولية والروسية؟
    ولك منّي أخلص الدعاء.

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    الدولة
    المملكة العربية السعودية - مدرس بدار الحديث بمكة
    المشاركات
    6,859

    افتراضي رد: الردّ اللائق على صاحب كتاب : غوث التائق في معرفة حقيقة الياسق

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الواحدي مشاهدة المشاركة
    ألا ترى أنّ تقرير كون أصل كلمة "سياسة" هو "الياسة" فيه شيء من التعسُّف إزاء حقائق اللغة ومعطيات التاريخ؟
    أحسنت، وقد عجبت كثيرًا من جعل الياسق أوالياسه أصلًا لمادة السياسة؟!
    فالكلمة معروفة في لسان العرب ونظمهم واستعمالهم، من (ساس.. يسوس.. سياسة..)، وانظرها في كتب اللُّغة كلِّها، بل في حديث البخاري وغيره: (إنَّ بني إسرائيل كانت تسوسهم الأنبياء... الحديث).
    فقد تكلُّم العرب بالكلمة قبل أن يخلق الله جنكيز ويازقه.
    ثمَّ إنَّ السياسة الاصطلاحيَّة تعبِّر عن المعنى اللُّغوي، بخلاف الياسق، الذي هو كتاب يحتاجه من يسوس الناس، فأين هذا من ذاك!
    مدرّس بدار الحديث بمكة
    أرحب بكم في صفحتي في تويتر:
    adnansafa20@
    وفي صفحتي في الفيس بوك: اضغط على هذا الرابط: عدنان البخاري

  18. #18
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    الدولة
    المملكة العربية السعودية - مدرس بدار الحديث بمكة
    المشاركات
    6,859

    افتراضي رد: الردّ اللائق على صاحب كتاب : غوث التائق في معرفة حقيقة الياسق

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عدنان البخاري مشاهدة المشاركة
    فقد تكلُّم العرب بالكلمة قبل أن يخلق الله جنكيز ويازقه.
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عدنان البخاري مشاهدة المشاركة
    ..
    للإفادة : اليازق أو اليوزق - بألف ممالة و زاي - في التُّركيَّة القديمة والحديثة، (والتَّتر جنسٌ من التُّرك) =معناه: المكتوب. هذا أصل معناه اللُّغوي.
    وأمَّا الاصطلاحي فلا يخفى عليكم؛ إذ هو الدستور الوضعي للتَّتر
    .
    http://majles.alukah.net/showpost.ph...&postcount=105
    مدرّس بدار الحديث بمكة
    أرحب بكم في صفحتي في تويتر:
    adnansafa20@
    وفي صفحتي في الفيس بوك: اضغط على هذا الرابط: عدنان البخاري

  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    556

    افتراضي رد: الردّ اللائق على صاحب كتاب : غوث التائق في معرفة حقيقة الياسق

    أخي الواحدي وفقك الله تعالى
    -------------------
    قولك : ( ألا ترى أنّ تقرير كون أصل كلمة "سياسة" هو "الياسة" فيه شيء من التعسُّف إزاء حقائق اللغة ومعطيات التاريخ؟
    _ ألا ترى أنه لمعرفة حقيقة "الياسق" و"الياسة" لا يكفي الاعتماد على المصادر التاريخية العربية وحدها، بل لا بد من الرجوع إلى المصادر الفارسية ) إهـ .
    أقـول : ليس المقصود هو تقرير المعنى اللغوي لكلمة ( سياسة ) فهذا المصطلح كان معروف عند العرب قبل أن تطأ أقدام التتار بلاد الإسلام كما أوضح ذلك الشيخ عندنان وفقه الله تعالى .
    وإنمـا المقصود هو أن أهل مصر حرفوا لفظة ( ياسة ) وزادوا بأولها سيناً فقالوا : سياسة ، وأدخلوا الألف واللام فصارت تطلق كلمة (السياسة ) على ( ياسة ) الذي هو اسم من أسماء قانون التتار فظن من لا علم عنده أن ( ياسة ) هي كلمة عربية وهي ليس كذلك .
    فهذا ما قاله الإمام المقريزي رحمه الله في كتابه ( الخطط ) والشيخ أحمد شاكر رحمه الله في كتابه ( حكم الجاهلية ) .
    والله أعلم .

  20. #20
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    1,125

    افتراضي رد: الردّ اللائق على صاحب كتاب : غوث التائق في معرفة حقيقة الياسق

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الإمام الدهلوي مشاهدة المشاركة
    وإنمـا المقصود هو أن أهل مصر حرفوا لفظة ( ياسة ) وزادوا بأولها سيناً فقالوا : سياسة ، وأدخلوا الألف واللام فصارت تطلق كلمة (السياسة ) على ( ياسة ) الذي هو اسم من أسماء قانون التتار فظن من لا علم عنده أن ( ياسة ) هي كلمة عربية وهي ليس كذلك . فهذا ما قاله الإمام المقريزي رحمه الله في كتابه ( الخطط ) والشيخ أحمد شاكر رحمه الله في كتابه ( حكم الجاهلية ) . والله أعلم .
    الشيخ أحمد شاكر رحمه الله كان يتكلم على لفظة (السياسة) المعروفة، فقال إن الناس يظنونها عربية وليست كذلك، بل هي تحريف للياسة المغولية، وأحال على المقريزي.

    وبالمناسبة: اسم (اليازجي) مشتقّ من هذه المادة (ياز + جي)، ومعناه بالتركية (الكاتب).

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •