بسم الله الرحمن الرحيم ،
سأبدأ بحول الله تعالى وقوته بتفنيد كتاب "غوث التائق في معرفة حقيقة الياسق" ، وأرجو ممن يريد المشاركة في الحوار أن يلتزم بآدابه ، ويبتعد عن الألفاظ البذيئة وعن فحش الكلام الذي لا يليق بمسلم ..
وأرجو من المعترض أن يتكلم بعلم ، وإن كان جاهلاً فليصمت .. وجزاكم الله خيراً .
----------------------------------------------
لقد اختصر صاحبنا كلام ابن كثير - رحمه الله - ثم بنى عليه ردّه وهو مختصر ، وإنني أرى أن الأحسن له أن يورده كاملاً بتمامه ، خاصة وأن تتمته ليست طويلة ، ولا تعدو سطوراً قليلة ، وها أنا ذا أورد كلام ابن كثير كلّه كما جاء في [تفسير القرآن العظيم : 3/131]:
في هذا القبس ، يذكر ابن كثير ما يلي :قوله : { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } : ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المُحْكَم ، المشتمل على كل خير ، الناهي عن كل شر وعدل ، إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات ، التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله ، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات ، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم ، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكزخان ، الذي وضع لهم اليَساق ، وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى ، من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية ، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه ، فصارت في بنيه شرعًا متبعًا ، يقدمونه على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - . ومن فعل ذلك منهم فهو كافر ، يجب قتاله ، حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ، فلا يحكّم سواه في قليل ولا كثير
1- أن إنكار الله تعالى هو على من خرج عن حكمه إلى حكم غيره .
2- مثّل ابن كثير لهذا الخروج بقوله : "كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات ، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم" .. وقوله : "وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكزخان" .
فكما يُرى ، فابن كثير يتكلم هنا عمّن يحكم بمنهج وضعي ، وليس من كان أصل منهجه القرآن والسنة ثم هو عدل لهواه عن حكم الله في واقعة معيّنة ، ولهذا لم يأت على ذكرهم .. ولم يأت حتى الآن على ذكر الاعتقاد .
3- ثم ذكر حقيقة الياسق ، وسآتي على ذلك بالشرح لاحقاً - إن شاء الله - .
4- ثم قال : "ومن فعل ذلك منهم فهو كافر ، يجب قتاله" .. السؤال : من هو هذا الكافر الذي يجب قتاله ؟ .. هل هم أهل الياسق فقط ؟ أم من ذكرهم ابتداء في قوله : "ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المُحْكَم" ؟ .. هذا أيضاً مما سنأتي عليه لاحقاً بالشرح - إن شاء الله - .
5- متى يمتنع القتال ويتوقف ؟ .. يقول : "حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ، فلا يحكّم سواه في قليل ولا كثير" .. ونلاحظ هنا أن الرجوع إلى حكم الله ورسوله إنما هو بتحكيمه في القليل والكثير .. فعند تحكيم الكتاب والسنة في جميع الشأن ، عندها يمتنع القتال وتنتفي علّته .
----------------------------------------------
أما صاحبنا ، صاحب كتاب : غوث اللائق ، فإن له كلاماً آخر ، إذ قال في هامش [2]:
فأولاً .. الدين هو بمعنى الطريقة والعادة والمنهج ..وصف ابن كثير أحكام الياسق بـ (الشرع) يتضح معناه بوصف السبكي : [الطبقات : 1/329]: (ووضع لهم شرعاً اخترعه وديناً ابتدعه) ، وهذا بعينه ما تهدف إليه آية : { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } فقوله : (ديناً ابتدعه) دليل على استحلالهم لهذه الأحكام الجاهلية بجعلها ديناً من عند الله ، وهذا كفر
جاء في موقع شبكة الإسلام :
فلا يُشترط لكلمة الدين أو الشريعة أن تكون مما يُتعبد بها ، حتى تحصرهما في هذا المعنى !!!بسم الله الرحمن الرحيم
ما تعريف الدين لغة وشرعا وهل الديمقراطية والاشتراكية دين مثلا؟
وفقكم الله وسدد خطاكم ، وشكراً.
الفتوى :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالدين لفظ جاء في لغة العرب على معان متعددة ، منها الطريقة والمذهب والملة والعادة والشأن ، كما تقول العرب في الريح : " عادت هيفُ لأديانها " ، ويقولون : ما زال ذلك ديني وديدني ، ومنها الجزاء والمكافأة يقال : دانه بدينه ديناً أي جازاه ، ويقال : كما تدين تُدان ، أي : كما تجازي تُجازى بفعلك ، وبحسب ما عملت . ومنها سيرة الملك ومملكته . ومنه قول زهير بن أبي سلمى :
لئن حللت بجو في بني أسد في دين عمرو وحالت بيننا فَدَكُ
يريد موضع طاعة عمرو وسيرته .
ومنها : السياسة ، والديان السائس ، ومنه قول ذي الإصبع :
لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب عني ولا أنت دياني فتخزوني
ومعنى ديَّاني سائسي .
ومنها: الطاعة والعبودية والخضوع تحت سلطان آخر والائتمار بأمره .
يقال : (دنتهم فدانوا) أي : قهرتهم فأطاعوا ، ومنه الحديث : " أريد من قريش كلمة تدين لهم بها العرب " أي تطيعهم وتخضع لهم .
ومعنى الدين في الشرع وفي استخدام القرآن للفظة الدين ، لا يخرج عن المعنى اللغوي .
فمن ذلك قول الله تعالى : (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) [يوسف:40].
فدين الله هنا هو الخضوع له ، والانقياد لحكمه وأمره ونهيه .
وقوله تعالى : (كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّه) [يوسف:76].
وقوله تعالى عن فرعون : (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) [غافر:26].
فكلمة دينكم تعني ملتكم ، وتعني كذلك نظامكم وقوانينكم وتقاليدكم التي تسيرون عليها في الدولة .
فدين الملك سياسته ، وقانونه ، وشريعته ، ونظامه .
وقول الله تعالى : (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) [الفاتحة:4] . يوم الجزاء والحساب والمكافأة .
وبعد هذا نقول : من اتخذ الديمقراطية أو الاشتراكية أو أي نظام أو فكر غير الإسلام عقيدة يعتقدها ، ونظاماً يلتزمه ، وسلطة يخضع لها وينطلق عن أمرها ونهيها ، فقد دان بدين غير دين الإسلام ، ورضي عقيدة غير عقيدة الإسلام .
والله أعلم .
ولا يُشترط استحلالهم لأحكام الياسق قلبياً حتى تكون شريعة متبعة ، أو منهجاً مُطاعاً منقاداً له ، خاصة وأن ابن كثير لم يذكر الاعتقاد البتة في كلامه الآنف .
قال ابن كثير - رحمه الله - في تفسيره :
ثم قال معلقّاً على كلام ابن كثير في قوله : "يقدمونه على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله" في هامش رقم [3]:وقوله تعالى : {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً} قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن يوسف بن أبي إسحاق ، عن أبي إسحاق ، عن التميمي ، عن ابن عباس : {لكل جعلنا منكم شرعة} قال : سبيلاً . وحدثنا أبو سعيد ، حدثنا وكيع عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن التميمي ، عن ابن عباس : {ومنهاجاً} قال : وسنة . كذا روى العوفي عن ابن عباس : {شرعة ومنهاجاً} : سبيلاً وسنة . وكذا روي عن مجاهد ، وعكرمة ، والحسن البصري ، وقتادة ، والضحاك ، والسدي ، وأبي إسحاق السبيعي ؛ أنهم قالوا في قوله : {شرعة ومنهاجاً} : أي سبيلاً وسنة . وعن ابن عباس أيضاً ومجاهد ، وعطاء الخراساني عكسه {شرعة ومنهاجاً} أي : سنة وسبيلاً . والأول أنسب ؛ فإن الشرعة وهي الشريعة أيضاً هي ما يبتدأ فيه إلى الشيء ، ومنه يقال : شرع في كذا ، أي ابتدأ فيه ، كذا الشريعة ، وهي ما يشرع فيها إلى الماء . أما المنهاج فهو الطريق الواضح السهل ، والسنن والطرائق .
فتفسير قوله : {شرعة ومنهاجاً} بالسبيل والسنة أظهر في المناسبة من العكس ، والله أعلم .
فأقول : دعنا أولاً نفهم كلام ابن كثير - رحمه الله - كما ينبغي ، حتى لا نفتري عليه .التقديم هنا يعني : التفضيل ، وهو عمل في القلب يكفر صاحبه (=كفر قلبي) . ولا تعني كلمة (التقديم) هنا مجرد التقديم الظاهري بالحكم بغير حكم الله ، وإلا للزم منه أن يكون الذي يحكم بغير حكم الله -ولو في قضية واحدة!- مقدماً لحكمه على حكم الله ، فيلزم دخوله في هذا الإجماع وتكفيره بذلك! وهذا باطل قطعاً ، ويؤيد ما قررت أن ابن كثير ذكر "التقديم" في [البداية والنهاية : 13/119] مقروناً بالتحاكم إلى الياسق ، فدل أنهما متغايران ، إذ لو كان التقديم يعني مجرد التحاكم ، لكان تكراراً ليس له معنى! ، وعليه : فهذا التكفير خاص بالتتار وبمن حذا حذوهم في تقديم (=تفضيل) الحكم بغير شرع الله
فهو قال أولاً : "فصارت في بنيه شرعًا متبعًا".. فمنهجهم في الحكم هو الياسق ، وهو ما يتبعونه .. ولم يأت هنا على ذكر الاستحلال القلبي أو المعتقد ..
ثم قال : "يقدمونه على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله ".. فانظروا رعاكم الله إلى ذلك وتأملوه .
فابن كثير لم يقل إنهم يقدمون الياسق على كتاب الله ، هكذا بإطلاق ، بل قال : "يقدمونه على الحكم بكتاب الله" .. فدل ذلك على أنهم يقدمون الحكم بالياسق على الحكم بالقرآن .. والحكم فعل على الجوارح ، ولم يذكر ابن كثير الاستحلال هنا أيضاً .
أما صاحب هذا الكتاب ، فإنه أورد شبهة يدلل بها على أن ابن كثير - رحمه الله - عنى بذلك التقديم الاستحلال أو التفضيل القلبي ، فقال :
أقول : لو أنك تأملت كلام ابن كثير جيداً لعلمت المقصود ، بإذن الله .ولا تعني كلمة (التقديم) هنا مجرد التقديم الظاهري بالحكم بغير حكم الله ، وإلا للزم منه أن يكون الذي يحكم بغير حكم الله -ولو في قضية واحدة!- مقدماً لحكمه على حكم الله ، فيلزم دخوله في هذا الإجماع وتكفيره بذلك! وهذا باطل قطعاً
فهو تكلم عن شرع متبع ، واصطلاحات وضعية ، ولم يتكلم عن حكم مخالف في واقعة ما .. ودليل ذلك ذكرته آنفاً في النقطة الثانية ، فلتُراجع .
وجاء في سياق تفسيره لهذه الآية قوله :
فسياق التفسير يبيّن أنه يتكلم عن الاصطلاحات والآراء الوضعية التي أبطلوا بها أصل حكم الله تعالى .. وليس من خالف في واقعة أو واقعتين لهوى في نفسه ، مع بقاء أصل الحكم لله تعالى .وقوله : {ولا تتبع أهواءهم} : أي آراءهم التي اصطلحوا عليها ، وتركوا بسببها ما أنزل الله على رسله
فمعنى كلام ابن كثير حينئذ هو أنه من جعل حكمه المخالف لشرع الله تعالى شرعاً متبعاً ، وسنة ومنهجاً ، يسير عليه الناس ، وأبطل به أصل العمل بحكم الله ، فهذا هو الكافر ..
ويدل على هذا قوله : "ومن فعل ذلك منهم فهو كافر ، يجب قتاله ، حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ، فلا يحكّم سواه في قليل ولا كثير"
فانظروا إلى ذلك .. علّة قتاله هو كفره ، ويمتنع القتال حتى يرجع إلى حكم الله فيحكم به ..
هل قال : حتى يعتقد أن حكم الله هو الأصلح ؟ .. هل ذكر الاعتقاد بشيء ؟؟
فلو كان التقديم هنا بمعنى التفضيل القلبي ، لما كان لذكر الرجوع إلى حكم الله والحكم به معنى ، ما دامت علة الكفر والقتال قائمة ، وهي التفضيل القلبي !
يتبع إن شاء الله ...