...أسوق خواطر ألمّت بفكري ، من هنا وهناك :
- أحاديث الغربة لا تعني الانعزال ، فهي إخبار أكثر من كونها إنشاء (أي أمر بالتغرّب) والقرينة الدالة على ذلك أنه جاء في بعض ألفاظ الحديث قوله صلى الله عليه وسلم (الذين يصلحون ما أفسد الناس) ، فينضاف إلى صلاح النفس الرغبة والعمل على إصلاح الآخرين ولا يتأتى هذا بلا معاشرة ومعالجة.
- قال صلى الله عليه وسلم (الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم). أو كما قال. وفي هذه الأيام كثرت أطياف الناس ومذاهبهم و دور طالب العلم دور هام ، و الحديث صريح في بيان المسؤولية التي يتحملها طالب العلم بوجه خاص.
- التزام طالب العلم بالثوابت لا تعني مواجهة الناس بنبرة الصراخ و الأخلاق الجافة والرسوم اليابسة.
: (( تذكرون عبارات ابن القيم رحمه الله في أثر الأوضاع والرسوم وخطرها على هذا الدين والتعامل، وعلى الإيمان، بل حتى على الاعتقاد، الرسوم وهي الرسميات كما نسميها والأوضاع المعتبرة أحياناً. فمثلاً: القاضي لا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر .. القاضي يخرج بخشوع .. التزام ولا يتكلم ولا يلتفت يميناً ولا شمالاً ثم يذهب إلى مجلس القضاء ثم كذا.. هذا شيء تقرر في الحياة الإسلامية المتأخرة، بينما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يخالطون العامة، وتأخذ بيده العجوز والجارية ويقضي حاجتها ويحدث هذا ويخاطب هذا، ويذهب إلى السوق ويضع يده في الطعام ويقول: {ما هذا يا صاحب الطعام؟ من غشنا فليس منا } ما كانت هناك هذه الرسوم، وإذا تكلمنا قلنا: الداعية كذا، والشاب الملتزم كذا، ونحن في كل مرة نضع رسوماً فباعدت بيننا)) أ.هـ. [1]
- ضرورة المعايشة لتحصيل التصور الصحيح لكثير من القضايا قبل معالجتها والحكم عليها ، نعم المعايشة لا تعني الإقرار بقدر ما تعني الاستجلاء والوقوف على الحقائق.
- نفتقد اليوم للعالم المربي ، فكثير من العلماء لا يحيدون عن مكتباتهم و طاولات أبحاثهم لتحرير المسائل العلمية و تحقيق المخطوطات ، أما التربية عن كثب ، الذي هو منهج الرسل و كبار المصلحين ، وهجر المألوفات وسبل الراحة المقيّدة ، فعزيز.
- نحتاج مع فقه العبادات والمعاملات إلى فقه الأخلاق وفقه الآداب ، فالأول لفهم الأحكام والثاني عند تفهيم هذه الأحكام للعوام.
- عندما تكون بضاعة طالب العلم ضعيفة أو قديمة فيما يتعلق بالعلوم المستجدة فلا غرابة أن يجد من يتردد في الوثوق بعلمه و الاستنارة بمشورته.
- تواصل طالب العلم مع أهل التخصص ضرورة اليوم ، فلفهم حركة المجتمع ليستنير بآراء علماء الاجتماع ، وفي السياسة برأي أهل السياسة ، و في العلوم الطبيعية برأي أهلها كذلك ، وفي الطب بعلم أهله.
- كيف سينكر طالب العلم منكر اليوم ؟ ما هو الأسلوب المناسب ؟ قبل عشر سنوات كنا ننكر "جهاراً" على المعاكس في الأسواق فيسمع ويستحي ويرعوي ، أما اليوم فيحتقر و ربما شتم و لم يلق بالاً ! هذا يعني أن طرائق الأمس قل أن تجدي اليوم فلا بد من مراعاة طريقة الإنكار لتؤثر...النبرة الهادئة ، و النصح دون لفت أنظار الآخرين إلى سوء عمل المخالف أكثر ملائمة اليوم من عكس ذلك في الجملة.
((كثير منا أبوه يصلي والحمد لله، بل الكثير يصلي في جماعة، لكن ترى الواحد منا متحرجاً، فلا يأخذ إخوانه في الله إلى عند والده!! لماذا؟ الوالد ليس ملتزماً يا شيخ. كل واحد منا بذنبه، حتى أبوك صنفته إلى ملتزم أو غير ملتزم !! حقيقة لا بد أن تعيد النظر، أنا لا أقول: أطلب منك أن تقر منكراً أعد النظر أنت في مفهومك عن الالتزام ما هو؟ إذا كان هذا الأب يصلي الفجر جماعة فهو ملتزم وخير من أخ أقول عنه أنا أو أنت ملتزم ولا يصليها إلا ما شاء الله، يسهر إلى آخر الليل ثم ينام إلى أوقات متأخرة، وهذا موجود مع الأسف الشديد من بعض من يقول: أنا ملتزم، وقس على ذلك. بعض الشباب الذين نراهم نحن في الظاهر وفي الشكل لاعب كرة، وشكله لا يعجبكم أو كذا.. والله لو جلست إليه لوجدت أن فيه من الخير الكثير ما لا يحتاج منك إلا خطوة أو خطوتين أو ثلاثاً ويفتح الله عليه. فلا تجعل حائلاً ولا خندقاً ولا هوة بينك وبينه، والمراكز الصيفية لها فضل، وأنا أشكرها حقيقة لهذه النظرة، ذهبوا كمثال إلى مدينة جدة إلى الشاطئ ورأوا هذا الشباب الذي يقال عنه: إنه كذا وكذا.. وأعطوهم أوراقاً وجلسوا معهم فوجدوا عندهم تعاطفاً جميلاً جداً مع الشباب الطيبين، يقول: يا ليتني مع هؤلاء الإخوة، لكن لا أحد يمر علي، وبعضهم عنده مشكلة عائلية خطيرة جداً يريد أن يتخلص منها فيلبس هذا اللباس ويذهب يفعل هذه الحركات ليس مقتنعاً بها، لكن بسبب المشاكل العائلية، وقضايا كان يجب أن تحل)). أ.هـ. [2]
...وللحديث بقية=========================
[1] ، [2] : من محاضرة: يا شباب