قال رحمه الله تعالى
وَمِنَ الإيمَانِ بِاللهِ: الإِيمَانُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتِابِهِ الْعَزِيزِ، وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ مُحَمَّدٌ ؛ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلاَ تَعْطِيلٍ، وَمِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلاَ تَمْثِيلٍ
شرع المصنف يفصّل بعد أن ذكر التعريف الجُملي للإيمان الذي هو تعريف رسول الله صلى الله عليه وسلم..
فقال "ومن الإيمان بالله:الإيمان بما وصف.."
من التقعّر عند بعض أهل الجدل أن يخاصم في أصل كلمة "صفات الله"
فيقول إنما ورد "الأسماء" في كتاب الله والسنة كما في قوله تعالى "ولله الأسماء الحسنى"
فلا يغررْك هذا التمسّح المدعى بالعزو إلى الأصول التي يخالفونها بالعقول , وعلى التنزّل الجدلي معهم فقد ورد في السنّة كما في حديث عائشة رضي الله عنها المخرّج في الصحيحين
أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً على سرية، وكان يقرأ لأصحابه في صلاته فيختم " قل هو الله أحد" فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: سلوه لأي شيء يصنع ذلك ؟ فسألوه، فقال: لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بها فقال النبي - صلى الله عليه وسلم أخبروه أن الله يحبه "
ودونك عصفورين بحجر واحد,,قد تكلّفوا مالا علم لهم به , فجيء لهم بالمراد, وزيادة..
وهو إثبات صفة المحبة لله تعالى..(الدليل مع مثال عليه!)
وكذلك في الكتاب بطريق الإيماء كما في قوله تعالى"سبحان ربك رب العزة عما يصفون * وسلام على المرسلين * والحمد لله رب العالمين"
فنزه نفسه عما وصفه به الضلّالُ, ثم سلّم على المرسلين , والحال أنهم وصفوا الله تعالى أيضا ..فلمّا كان وصفهم لله سليماً سلّم عليهم ثم عقّب بالحمد لأنه سبحانه أهل للحمد على هذه الصفات , فكان من يسلبه إياها أو ينقصه حقّه بنفي بعضها , محروما من التنعّم بالحمد ومقتضاه وآثاره بقدر ما هو فيه وإن ألبسه لبوس التنزيه
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم من هديه أن يغيّر بعض الأسامي لما تنطوي عليه من معان مرذولة أو قبيحة..فصنيع هؤلاء في باب الأسماء والصفات يشبه ذلك!
لأنه استدراك على الله تعالى,كأنما قالوا:لا نرتضي لك يارب أن تصف نفسك بذلك..
ولهذا تجد في قلوبهم من النفاق ما بحملهم على استكراه سماع آيات الصفات وأحاديث الرسول فيها
أما كلام السلف فأشهر من أن يذكر..
قال الإمام الشافعي في الرسالة: : الحمد لله الذي هو كما وصف به نفسه , وفوق ما يصفه به خلقه وأشبه بالشرح لهذا الكلام ما قاله الإمام أحمد رحمه الله تعالى: (ولا نصف الله بأكثر مما وصف به نفسه ، بلا حد ولا غاية "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير"، ونقول كما قال ونصفه بما وصف به نفسه لا نتعدى ذلك ، ولا يبلغه وصف الواصفين )
وقد تفتّق ذهن الإمام مالك عن الحكمة المشهورة التي سارت بها الركبان :الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة
قال ابن تيميّة (وقد روي هذا الجواب عن أم سلمة رضي الله عنها موقوفًا ومرفوعًا ولكن ليس إسناده مما يعتمد عليه)
قوله (من غير تحريف) : أي من غير حَرْف للمعنى عن ظاهره المراد
والتحريف قد يكون في اللفظ ولا توقّف في تكفير صاحبه كما وقع من بعض المعتزلة أنهم حرفوا قول الله "وكلّم الله موسى تكليماً" فنصبوا لفظ الجلالة ليكون المتكلم هو"موسى" عليه السلام
وقد يكون للمعنى كما في تحريف الأشاعرة والمعتزلة لقوله تعالى"ثم استوى على العرش" قالوا أي استولى!..ومن جميل لطائف العلامة ابن القيم أنه شبه هذا التحريف منهم بصنيع اليهود حين حرّفوا "حطّة" إلى "حنطة" ,وهذا الضرب منه ما هو كفرٌ صراح ومنه ما هو دون ذلك
وقوله (ولا تعطيل) : أعمّ من التحريف, لأن التعطيل قد يكون كليّا بنفي الصفة من أصلها
وقد يكون بتحريف المعنى أو بعض أجزائه , فأهل الإثبات أهلٌ للقصر للمشيد
في جنّة الدنيا وهو التلذذ بالإيمان وآثاره ,وجنة الآخرة ,و ذوو التعطيل كأصحاب بئر معطّلة..أهملها أهلها فصارات خربة..لا ينتفع بها في شرب ولا زرع
وقوله (من غير تكييف) : أي كنه الصفة , لا يخوضون فيه
لكنّهم مع هذا لا ينفون "كيْفاً" لها, وإنما يحيلون علمه لله جل وعلا
وليس في لغة العرب مصدر هو "التكييف" بل هو من التسامح في كلام من جاء بعد الصحابة
وسرّه أنه جاء جواباً على من قال "كيف"؟ فقيل :أمروها كما جاءت بلا كيف
ثم نحت منها هذا المصدر للتوضيح
قووله (ولا تمثيل) : بأن يمثّلوا صفات الله بشيء من صفات المخلوقين..
وهذا يدخل فيما سبق وإنما نصّ عليه لأنه لفظ شرعي كما في قوله تعالى"ليس كمثله شيء"
وإذا رمتَ تلخيص ما سبق بكلمة مُحكمة موجزة فهاك الشافعي أبوها :
قال رحمه الله :"آمنت بالله وبما جاء عن الله ، على مراد الله ، وآمنت برسول الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله "
ولا خلاف بين السلف في تقرير ما سبق , فهذا الخطّابي أبو سليمان يقرر ذلك مع ما وقع له من تحريف في بعض الصفات , يقول رحمه الله تعالى في رسالته الغُنية :
فأما ما سألت عنه من الصفات وما جاء منها في الكتاب والسنة فإن مذهب السلف إثباتها وإجراؤها على ظواهرها ونفي الكيفية والتشبيه عنها
فإن قيل وما يمنعُ أن تمثّل صفات الله أو تكيّف والحال أنه سبحانه وصف نفسه بأشياء
تشتبه في أسمائها مع صفات المخلوقين؟
إليك جوابها من جذيلها المحكك ,وعذيقها المرجّب
يقول رحمه الله : (العلم بكيفية فرع على العلم بكيفية الموصوف، فإن كان الموصوف لا تعلم كيفيته امتنع أن تعلم كيفية الصفة)
هل عرفته؟ إنه صاحب الواسطية ..!