في الدرر السنية (8/313) في رسالته إلى بعض الإخوان :
-1-
وسئل: عمن يسافر إلى بلد المشركين... إلخ.
فأجاب، رحمه الله تعالى: وأما السؤال عمن يسافر إلى بلد المشركين، التي يعجز فيها عن إظهار ما وجب لله من التوحيد والدين، ويعلل بأنه لا يسلم عليهم ولا يجالسهم، ولا يبحثونه عن سره، وأنه يقصد التوصل إلى غير بلاد المشركين، ونحو ذلك من تعاليل الجاهلين، فاعلم: أن تحريم ذلك السفر قد اشتهر بين الأمة، وأفتى به جماهيرهم، وما ورد من الرخصة محمول على من يقدر على إظهار دينه، أو على من كان قبل الهجرة. ثم إن الحكم قد أنيط بالمجامعة والمساكنة، وإن لم يحصل سلام ولا مجالسة، ولا بحث عن سره، كما في حديث سمرة: "من جامع المشرك أو سكن معه، فإنه مثله" 1. فانظر ما علق به الحكم، من المساكنة والاجتماع، وتعليق الحكم بالمشتق يؤذن بالعلة، فإن وقع مع ذلك سلام ومجالسة، أو فتنة بالبحث عن عقيدته وسره، عظم الأمر، واشتد البلاء؛ وهذه محرمات مستقلة، يضاعف بها الإثم والعذاب، فكيف تروج عليكم هذه الشبهات؟ ولكم في طلب العلم سنوات، وخوف الفتنة أحد مقاصد الهجرة، وهو غير منتف مع هذه التعاليل.
ومن مقاصد الهجرة: الانحياز إلى الله بعبادته، والإنابة إليه، والجهاد في سبيله، ومراغمة أعدائه، وإلى رسوله بطاعته، وتعزيره ونصره، ولزوم جماعة المسلمين؛ ولذلك يقرن الهجرة بالإيمان، في غير موضع من كتاب الله عز وجل. وكل هذا غير حاصل، وإن فرض صدق القائل فيما علل به - والغالب كذب هذا الجنس -، فإن الأعمال الظاهرة تنشأ عما في القلوب من الصدق والإخلاص، أو عدمهما. وقد عرفتم أن العامي الذي لا يعرف حدود ما أنزل الله على رسوله، ولم يلتفت إلى العلم، تسرع إليه الفتنة أسرع من السيل إلى منحدره.
ولذلك غلب على كثير من الناس عدم النفرة، فرحل إليهم من رحل، وقبلوا رسائلهم، وأفشوها في الناس، وأعانهم بعض المفتونين عن دينهم، وجالسوهم، وراسلهم بعض من يقول: الدين في القلوب، ولم يلتفتوا إلى الأعمال الإسلامية، والشرائع الإيمانية؛ ولو صدق ما زعموه في قلوبهم، لأطاعوا الله ورسوله، واعتصموا به، أعاذنا الله وإياكم من مضلات الفتن. وحماية جناب التوحيد، وسد الذرائع الشركية: من أكبر المقاصد الإسلامية؛ وقد ترجم شيخنا، في كتاب التوحيد، لهذه القاعدة، فرحمه الله من إمام ما أفقهه في دين الله! وما أعظم غيرته لربه وتعظيمه لحرماته! وما أحسن أثره على الناس!
-2-
(مهم)
وفي فتوى الإمام عبدالرحمن بن حسن السابقة والتي قال فيها : ( أما السفر إلى بلاد المشركين للتجارة، فقد عمت به البلوى، وهو نقص في دين فاعله، لكونه عرض نفسه للفتنة، بمخالطة المشركين؛ فينبغي هجره وكراهته، وهذا هو الذي يفعله المسلمون معه، من غير تعنيف ولا سب، ولا ضرب. ويكفي في حقه إظهار الإنكار عليه) ،
أنكر ابنه الشيخ عبداللطيف أن تُأخذ هذه الفتوى هكذا، بل رآى أنها إما أن تكون حالة خاصة أونحوها كما سيظهر لك هنا :
قال الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن في الدرر السنية (8/315):
من عبد اللطيف بن عبد الرحمن، إلى الإخوان المكرمين: محمد بن علي آل موسى، وإبراهيم بن راشد، وإبراهيم بن مرشد، سلمهم الله تعالى وتولاهم؛ سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد، فأحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو على نعمه. وما ذكرتم مما وقع فيه الناس، من مداهنة المشركين والإعراض عن دين المرسلين، فالأمر كما ذكرتم، وفوق ما إليه أشرتم؛ وقد سبق مني لكم جواب، وأخبرتكم أن هذا من أكبر الوسائل وأعظم الذرائع إلى ظهور الشرك، ونسيان التوحيد، وأن من أعظم ذلك وأفحشه: ما يصدر من بعض من يظنه العامة، من أهل العلم وحملة الدين، وما يصدر منهم من التشبيه والعبارات التي لم يتصل سندها، ولم يعصم قائلها، وبهذا ونحوه اتسع الخرق.
وفي حديث ثوبان: "وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين" 1، وهو يتناول من له إمامة، ممن ينتسب إلى العلم والدين، وكذلك الأمراء؛ وأبيات عبد الله بن المبارك، معلومة لديكم في هذين الصنفين، أعني قوله:
وهل أفسد الدين إلا الملوك ...........................إ خ
وفي مثل هؤلاء قال قتادة: فوالله ما آسى عليهم، ولكن آسى على من أهلكوا".
وكما نقلتم عن بعضهم: أنه زعم أن الشيخ الوالد، قدس الله روحه ونور ضريحه، أفتى فيمن يسافر إلى بلاد المشركين، بأن غاية ما يفعل معه: الهجر وترك السلام، بلا تعنيف ولا ضرب؛ وهذه غلطة من ناقلها، لم يفهم مراد الشيخ إن صح نقله، ولم يدر ما يراد بها. وهذا النقل يطالب بصحته أولاً، فإن ثبت بنقل عدل ضابط، فيحمل على قضية خاصة يحصل بها المقصود بمجرد الهجر، وهي فيمن ليس له ولاية، ولا سلطان له على الأمراء والنواب، ويترتب على تعزيره بغير الهجر، مفسدة الافتيات على ولي الأمر والنواب، ونحو هذه المحامل. ويتعين هذا إن صحت، لأن هذا ذنب قد تقرر أنه من الكبائر، المتوعد صاحبها بالوعيد الشديد بنص القرآن، وإجماع أهل العلم، إلا لمن أظهر دينه، وهو العارف به، القادر على الاستدلال عليه وعلى إظهاره، فإنه مستثنى من العموم، وأما غيره فالآية تتناوله بنصها، لأن الإقامة تصدق على القليل والكثير؛ فالكبائر التي ليس فيها حد، يرجع فيها إلى ما تقتضيه المصلحة من التعزير، كالهجر والضرب. وقد يقع التعزير بالقتل، كما في حديث شارب الخمر: "فإن شربها في الرابعة، فاقتلوه" . وقد أفتى شيخ الإسلام، رحمه الله، بقتل من شرب الخمر في نهار رمضان، إذا لم يندفع شره إلا بذلك، وأفتى بحل دم من جمز إلى معسكر التتار، وكثر سوادهم، وأخذ ماله؛ وكل هذا من التعازير، التي يرجع فيها إلى ما يحصل به درء المفسدة، وحصول المصلحة. وأفتى في التعزير بأخذ المال إذا كان فيه مصلحة.
وقد عرفتم: أن من أكبر المصالح: منع هذا الضرب بأي طريق، وأنه لا يستقيم حال وإسلام لمن ينتسب إلى الإسلام، مع المخالطة والمقارفة الشركية، لوجوه منها: عدم معرفة أصول الدين وأحكام الله في هذا ونحوه. ومنها: العجز عن إظهاره لو عرفوه. ومنها: أن العدو محارب، قد سار إلى بلاد المسلمين، واستولى على بعضها، فليس حكمه كحكم غيره؛ بل هذا جهاده يجب على كل أحد فرض عين لا فرض كفاية، كما هو منصوص عليه. ومنها: أن تلك البلاد ملئت بالمشبهين، والصادين عن سبيل الله، ممن ينتسب إلى العلم، ويسمون أهل التوحيد الغلاة، كما سماهم إخوانهم خوارج. والهجرة لها مقصودان: الفرار من الفتنة، وخوف المفسدة الشركية. والثاني: مجاهدة أعداء الله، والتحيز إلى أهل الإسلام. وقد كانت غير مشروطة في أول الإسلام مع ضعف المسلمين، وخوف المشركين وشدة بأسهم، وكثرة الأسباب الداعية إلى الفتنة، والسر فيها لا يهدر ولا يطرح في كل مقام، لا سيما والمقارف لهذا الفعل وغيره من الأفعال الموجبة للردة كثير جداً. فالنجا النجا! والوحا الوحا! قبل أن يعض الظالم على يديه، ويقول: يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً. ولعل الله أن يمن بخط مبسوط، يأتيكم بعد هذا، فيه التعريج على شيء من نصوص أهل العلم، وبيان كذب هذا المفتري على الشيخ.
وأهل المذهب لا يختلفون في أن حكم السفر حكم الإقامة، يمنع منه من عجز عن إظهار دينه، وفي الحديث: "ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه، إلا أعطوا الجدل ومنعوا العمل" 1. وما وقع فيه الناس وابتلي به الأكثر، من ثلب بعض مشايخكم، فقد علمتم ما يؤثر عن السلف: أن علامة أهل البدع: الوقوع في أهل الأثر; وهؤلاء إذا قيل لهم: هاتوا، حققوا، واكتبوا لنا ما تنقمون، وقرروا الحجة بما تدّعون، أحجموا عن ذلك، وعجزوا عن مقاومة الخصوم. ومتى يدرك الضالع شوى الضليع؟ شعراً:
أماني تلقاهـا لكـل متبر
حقيقتها نبذ الهدى والشعائرِ
وحسابنا، وحسابهم على الله، الذي تنكشف عنده السرائر، وتظهر مخبآت الصدور والضمائر. وبلغوا سلامنا إخوانكم، الذين جردوا متابعة الرسول، {وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} ولم ينتسبوا إلى قيس ويمن، كما قد وقع عندكم فيمن فرقوا دينهم وكانوا شيعاً، حمانا الله وإياكم، وثبتنا على دينه، وصلى الله على محمد.
وقال في توضيح أكثر عن فتوى والده رحمهما الله تعالى (8/341)
من عبد اللطيف بن عبد الرحمن، إلى الأخ محمد بن علي آل موسى، سلمه الله تعالى؛ سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وسبق إليك خط، مع البداة أشرت فيه إلى المسألة التي ذكرت لي من جهة فتوى الوالد الشيخ، قدس الله روحه ونور ضريحه، فيمن يسافر إلى بلاد المشركين. وفي هذه الأيام: ورد علينا خط من ولد العجيري، ذكر فيه أن لفظ الوالد في جوابه قوله: وأما السفر إلى بلاد المشركين، فقد عمت به البلوى، وهو نقص في دين من فعله، لكونه عرض نفسه للفتنة بمخالطة المشركين؛ فينبغي هجره وكراهته. هذا هو الذي يفعله المسلمون معه، من غير تعنيف ولا سب، ولا ضرب. ويكفي في حقه إظهار الإنكار عليه، وإنكار فعله، ولو لم يكن حاضراً؛ والمعصية إذا وجدت أنكرت على من فعلها، أو رضيها إذا اطلع عليها. انتهى ما نقله.
وهذه العبارة - بحمد الله - ليس فيها ما يتعلق به كل مبطل، لوجوه، منها: أن الذي وقع في هذه الأعصار، وكلامنا بصدده، أمر يجل عن الوصف، وقد اشتمل مع السفر على منكرات عظيمة، منها: موالاة المشركين، وقد عرفتم ما فيها من النصوص القرآنية، والأحاديث النبوية، وعرفتم أن مسمى الموالاة يقع على شعب متفاوتة: منها ما يوجب الردة، وذهاب الإسلام بالكلية ; ومنها ما هو دون ذلك، من الكبائر والمحرمات.
وعرفتم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [سورة الممتحنة آية: 1]، وأنها نزلت فيمن كاتب المشركين بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جعل ذلك من الموالاة المحرمة، وإن اطمأن قلبه بالإيمان; وكذلك من رأى أن في ولايتهم مصلحة للناس، أو للحضر، وهذا واقع مشاهد، تعرفونه من حال أكثر هؤلاء الذين يسافرون إلى تلك البلاد، وربما نقل بعضهم من المكاتبات إلى أهل الإسلام، ما يستفزونهم به، ويدعونهم إلى طاعتهم وصحبتهم، والانحياز إلى ولايتهم.
فالذي يظهر هذه الفتوى، ويستدل بها على مثل هذه الحال، من أجهل الناس بمدارك الشرع، ومقاصد أهل العلم، وهو كمن يستدل بتقبيل الصائم، على أن الوطء لا يبطل صيامه، وهذا من جنس ما حصل من هؤلاء الجهلة في رسالة ابن عجلان، وما فيها من الاستدلال على جواز خيانة الله ورسوله، وتخلية بلاد المسلمين، وتسليط أهل الشرك عليها، وأهل التعطيل، والكفر بآيات الله، وغير ذلك من ظهور سلطانهم، وإبطال الشرع بالكلية، بمسألة خلافية، في جواز الاستعانة بمشرك، ليس له دولة ولا صولة، ولا دخل في رأي، مع أنها من المسائل المردودة على قائليها، كما بسط في غير موضع 1.
وبالجملة: فإظهار مثل هذه الفتوى في هذه الأعصار، من الوسائل المفضية إلى أكبر محذور، وأعظم المفاسد والشرور، مع أن عبارة الشيخ إذا تأملها المنصف، وجد فيها ما يرد على هؤلاء المبطلة.
وقول الشيخ: قد عمت به البلوى، يبين أن الجواب في الجاري في وقته، مع ظهور الإسلام وعزته، وإظهار دين من سافر إلى جهاتهم، وليس في ذلك ما في السفر إليهم، في هذه الأوقات، إذ هو مسالمة وإعراض، عما وجب من فروض العين؛ وإذا هجم العدو، صار الجهاد فرض عين، يحرم تركه ولو للسفر المباح، فكيف بهذا السفر؟
وأيضاً، فكلام الشيخ يحمل على ما ذكره الفقهاء، في أن عامة الناس ليس لهم أن يفتاتوا على ولي الأمر في الحدود والتعزيرات، إلا بإذنه. وقد عرفتم حال أكثر الولاة، في عدم الاهتمام بهذا الأصل، فالافتيات عليهم بالحبس والضرب، ونحو ذلك، مفسدة، تمنعها الشريعة ولا تقرها، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح; فهذا يوجب للشيخ وأمثاله مراعاة المصلحة الشرعية في الفتوى الجزئية، لا سيما في مخاطبة العامة.
وقول الشيخ: لكونه عرض نفسه للفتنة بمخالطة المشركين، صريح في أن الكلام فيمن لم يفتتن، ولم يستخف بدينه. وقد عرفتم حال أكثر الناس في هذا الوقت، أقل الفتنة أن يستخفي بدينه، وجمهورهم يظهر الموافقة بلسان الحال أو لسان المقال، فهذا الضرب ليس داخلاً في كلام الشيخ رحمه الله.
وقوله: ينبغي هجره وكراهته، فيه بيان ما يستطيعه كل أحد، وأما ولاة الأمور، ومن له سلطان أو قدرة، فعليهم تغيير المنكر باليد، ومن لم يستطع فباللسان، ومن لم يستطع فبالقلب؛ وهذا نص الحديث النبوي، فلا يجوز العدول عنه، وإساءة الظن بأهل العلم; بل يحمل كلامهم على ما وافقه. والمصر المكابر لا ينتهي، إلا إذا غير فعله بالأدب، أو الحبس، وهو داخل في عموم الحديث. وقد شاهدنا من الوالد، رحمه الله، تعنيف هذا الجنس، وذمهم، وذكر حكم الله ورسوله في تحريم مخالطة المشركين، مع عدم التمكن من إظهار الدين.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله، أن التعزيرات تفعل بحسب المصلحة، وليس لها حد محدود، بل بحسب ما يزيل المفسدة، ويوجب المصلحة، وذكر قتل شارب الخمر في الرابعة، وأنه من هذا الباب. وأشار إلى ذلك في اختياراته، وكذلك غيره من المحققين، ذكروا أن التعزير على الكبائر والمحرمات غير مقدر، بل بحسب المصلحة؛ وهذه قواعد كلية، تدخل فيها تلك القضية الجزئية.
وقول الشيخ: والمعصية إذا وجدت، أنكرت على من فعلها، أو رضيها، ليس فيه أن الإنكار بمجرد القول، بل هو بحسب المراتب الثلاث المذكورة في الحديث، وإلا لخالف نص الحديث؛ بل يتعين حمل كلام الشيخ عليه، لموافقة الحديث النبوي، لا على ما خالفه، وأسقط من الإنكار ركنه الأعظم. ومن شم رائحة العلم، لم يعرض هذه الفتوى لأهل هذه القبائح الشنيعة، ويجعلها وسيلة إلى مخالفة واجبات الشريعة، ومثل هذا الذي أظهر الفتوى، يجعله بعض المنتسبين منفاخاً، ينفخ به ما يستتر من إظهاره وإشاعته.
والواجب على مثلك: النظر في أصول الشريعة، ومعرفة مقادير المصالح والمفاسد، وتأمل قوله تعالى: {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً} الآية
فانظر ما ذكره المفسرون، حتى أدخل بعضهم لياقة الدواة، وبري القلم، في الركون؛ وذلك لأن ذنب الشرك أعظم ذنب عصي الله به، على اختلاف رتبه، فكيف إذا انضاف إليه ما هو أفحش، من الاستهزاء بآيات الله، وعزل أحكامه وأوامره، وتسمية ما ضاده وخالفه بالعدالة؟ والله يعلم ورسوله، والمؤمنون أنها الكفر، والجهل، والضلالة.
ومن له أدنى أنفة، وفي قلبه نصيب من الحياة، يغار لله ورسوله، وكتابه ودينه، ويشتد إنكاره وبراءته، في كل محفل وكل مجلس؛ وهذا من الجهاد الذي لا يحصل جهاد العدو إلا به. فاغتنم إظهار دين الله والمذاكرة به، وذم ما خالفه والبراءة منه ومن أهله.
وتأمل الوسائل المفضية إلى هذه المفسدة الكبرى، وتأمل نصوص الشارع، في قطع الوسائل والذرائع؛ وأكثر الناس ولو تبرأ من هذا ومن أهله، فهو جند لمن تولاهم، وأنس بهم، وأقام بحماهم، والله المستعان.
وهذا الخط، اقرأه على من تحب من إخوانك، وبلغ سلامي والدك، وخواص الإخوان، والسلام.