قال ابن القيم رحمه الله
وهي تسمى عبودية المراغمة ولا ينتبه لها إلا أولو البصائر التامة ولا شيء أحب إلى الله من مراغمة وليه لعدوه وإغاظته له وقد أشار سبحانه إلى هذه العبودية في مواضع من كتابه
أحدها قوله تعالى(( ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ))
سمى المهاجر الذي يهاجر إلى عبادة الله مراغما يراغم به عدو الله وعدوه والله يحب من وليه مراغمة عدوه وإغاظته كما قال تعالى (( ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين ))وقال تعالى في مثل رسول الله وأتباعه ((ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار))
فمغايظة الكفار غاية محبوبة للرب مطلوبة له فموافقته فيها من كمال العبودية وشرع النبي للمصلي إذا سها في صلاته سجدتين وقال إن كانت صلاته تامة كانتا ترغمان أنف الشيطان وفي رواية ترغيما للشيطان وسماها المرغمتين
فمن تعبد الله بمراغمة عدوه فقد أخذ من الصديقية بسهم وافر وعلى قدر محبة العبد لربه وموالاته ومعاداته لعدوه يكون نصيبه من هذه المراغمة ولأجل هذه المراغمة حمد التبختر بين الصفين والخيلاء والتبختر عند صدقة السر حيث لا يراه إلا الله لما في ذلك من إرغام العدو وبذل محبوبه من نفسه وماله لله عز وجل
وهذا باب من العبودية لا يعرفه إلا القليل من الناس ومن ذاق طعمه ولذته بكى على أيامه الأول
وبالله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله
وصاحب هذا المقام إذا نظر إلى الشيطان ولاحظه في الذنب راغمه بالتوبة النصوح فأحدثت له هذه المراغمة عبودية أخرى
فهذه نبذة من بعض لطائف أسرار التوبة لا تستهزىء بها فلعلك لا تظفر بها في مصنف آخر البتة ولله الحمد والمنة وبه التوفيق